قراءات سياسية » الإسلاميون الخارجون على القانون، السعودية تتحدى الإخوان

ويليام مكانتس(*) ـ مجلة سياسات خارجية ـ العدد 17 آذار/ مارس 2014
في السابع من شهر آذار اتخذت المملكة العربية السعودية الإجراء الاستثنائي بإعلان جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، إلى جانب حزب الله ( في الواقع الإعلان شمل حزب الله السعودي لا اللبناني كما يوحي النص ـ المترجم) والقاعدة. جاء هذا الإجراء بعد يومين فقط من سحب المملكة، بالإضافة إلى الإمارات العربية والبحرين، سفيرها من قطر، بسبب دعم قطر المزعوم لتدخل الإخوان في السياسة الداخلية، ومعروفٌ كره المملكة السعودية لنشاطات الإخوان السياسية الخارجية، فقد تحملت المملكة لعشرات السنوات (وأحياناً حتى عملت مع) الرفع السعودي المحلي للإخوان. وتحولها المفاجئ هذا هو تعبير عن التضامن مع حلفائها الضعفاء سياسياً في المنطقة، وتحذير للإسلاميين السنة داخل حدودها بوجوب التحرك بحذر.
تعود هذه الحادثة إلى الربيع العربي، عندما أطيح بالرئيس المصري حسني مبارك حليف المملكة السعودية لمدة طويلة، وانتخبت مصر محمد مرسي المرتبط سياسياً بالإخوان المسلمين خليفةً له. وتخشى الرياض أن الجماعة، القادرة الآن، تريد تصدير الثورة المصرية إلى المنطقة بأسرها، مع دعوتها إلى  اتخاذ إجراءات ضد آل سعود وإبعاد أصدقاء وحلفاء السعودية كالإمارات العربية المتحدة. وكانت تلك المخاوف من غير أساس إطلاقاً.
كان في السعودية أعضاء من الإخوان المسلمين، في طليعة حركة الصحوة، التي كانت بمثابة محفز  في أوائل التسعينات من أجل التغيير السياسي رداً على مزاعم الفساد في الحكومة السعودية وتمركز القوات الأميركية في البلاد. لكن، كما يوثّق ستيفان لاكروا استاذ العلوم السياسية في كتابه &ldqascii117o;صحوة الإسلام&rdqascii117o;، فإن معظم أعضاء الإخوان المسلمين السعوديين خضعوا عندما بدأ النظام بتوقيف أو معاقبة قادتهم.
إن جماعة الإخوان المسلمين السعودية ببساطة كان لديها الكثير لتخسره: فقد ساعد أعضاؤها في بناء الدولة السعودية واحتلوا مناصب هامة في المؤسسات الدينية والتعليمية.
انتهى الانفراج مع الربيع العربي، عندما أضاف عدد من الإسلاميين البارزين أسماءهم إلى التماس عام 2011 المنادي بإصلاحات سياسية في المملكة. كما أنهم انتقدوا عدم وجود الحرية السياسية في المملكة العربية السعودية بينما أثنوا بشدة على أداء زملائهم في تونس ومصر.  حتى ناصر العمر الإخواني السلفي المتشدد كان يكيل المديح للتغيير الديمقراطي. ثم إن ولي العهد الأمير نايف وولي العهد بعده الأمير  سلمان ضغطا عليهم بهدوء. وفقاً لشخص تحدثت عن رحلته الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية، فقد اضطر بعض الأشخاص إلى التوقيع على تعهد بوقف انتقاد غياب الحرية السياسية في المملكة. لكن الانفراج المتجدد كان هشاً، وفقاً للأحداث الصاخبة في مصر. كذلك يوجد بعض الأسباب لخوف السعودية من حلفائها في المنطقة. في ظل حكم مبارك كانت مصر حليفاً يمكن الاعتماد عليه. لكن مرسي سعى إلى رسم مسار حيادي بين السعودية وإيران، بعد زيارة مبكرة إلى المملكة لجمع التبرعات، مع محاولة التقارب مع إيران. الإمارات العربية المتحدة كانت أيضاً قلِقة. لقد كان للإخوان المسلمين حضور بسيط في الإمارات منذ الستينيات، لكن بعد الحادي عشر من أيلول بدأت الحكومة تنظر إلى المنظمة كتهديد للأمن الوطني. لكن ذلك لم يجدِ إذ عندما تسلم الإخوان المسلمون الحكم في مصر، فإن بعض الأعضاء في الفرع الإماراتي بدأوا بالتحريض على الإصلاحات السياسية، ذاهبين إلى أبعد من ذلك كتوقيع على عريضة تدعو إلى انتخابات وسلطة حقيقية للمجلس الاستشاري للإمارات العربية المتحدة. وقد ردت الحكومة بتوقيف أعضاء في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك رجال ينتمون إلى خلية إرهابية يُزعم أن لها علاقات مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
رداً على ما اعتبروه تدخلاً مصرياً، فقد حاولت السعودية عزل مرسي اقتصادياً والتعجيل برحيله. في أيار 2013 ، قبل شهرين فقط من إطاحة عسكري بمرسي، شكا وزير المال المصري إلى السعوديين من أن مصر وصلها فقط مليار دولار من أصل ثلاثة مليارات ونصف من المساعدة الموعودة بها بعد سقوط مبارك. عندما أطاح الجيش المصري بمرسي، بعد عام واحد من حكمه، رحبت السعودية ووعدت مصر بحزمة مساعدات جديدة بقيمة خمسة مليارات دولار، إلى جانب مساعدة من الإمارات العربية المتحدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار وأخرى من الكويت بقيمة أربعة مليارات دولار. عندما جزّر النظام الجديد بالإخوان المسلمين المتظاهرين في آب، أعرب الملك عبد الله، قليل الكلام، وعلى نحو غير معهود، عن تأييده العلني للمذبحة كضربة ضد الإرهاب. وعندما أعلنت الحكومة المصرية الجديدة جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية في نهاية كانون الأول 2013، حذت السعودية حذوها. وعندما قررت الإمارات العربية المتحدة عدم استبدال سفيرها في قطر المغادر – مؤقتاً لمعاقبة قطر لرفضها تأديب الزعيم الروحي الإخواني المؤثر المقيم في قطر الذي أعلن أن الإمارات العربية المتحدة ضد الحكم الإسلامي – استدعت المملكة العربية السعودية سفيرها متضامنةً.
أثارت التحركات السعودية بعض التعاسة في البلد. فالإسلاميون السعوديون، وخاصة الإخوان، كانوا مقتنعين أن الإطاحة بمرسي كانت جزءاً من مؤامرة سعودية للتخلص من المكاسب السياسية الإسلامية في السنوات الثلاث الماضية. وفي تحدٍّ، زينوا صفحاتهم في وسائل الإعلام الاجتماعية برموز المقاومة الإخوانية وانتقدوا حكومتهم لتواطئها. وقد أصبح التحدي مكتوماً مؤخراً، بعد أن أعلنت الصحافة المحلية أن الحكومة تفكر في إعلان جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية. وفقاً لعضو سابق من جماعة الإخوان السعودية تحدثت معه، فإن 25 ألفاً أو نحو ذلك من الإخوان المسلمين في السعودية ردوا على أخبار المداولات بالتواري عن الأنظار، وإغلاق بعض تجمعاتهم حتى لا يثيروا المزيد من غضب الحكومة.
وطالما ان الحكومة السعودية لم تبدأ بتنفيذ اعتقالات، فإن القرار الأخير بحق الإخوان المسلمين لا يعدو كونه توجيه ضربة لهم، وليس الهدف منه القضاء عليهم.
ومع ذلك، أكد أشخاص قابلتهم أن مستوى غضب الإسلاميين تجاه الحكومة السعودية أعلى من أي وقت أخر منذ أوائل التسعينيات. هذا لا يعني أن زعماء الإخوان المسلمين سيتحركون ضد النظام في الوقت القريب. في التسعينيات، كما هو الحال الآن، لديهم الكثير ليخسروه على صعيد المؤسسات. وهناك أيضاً بعض الفوائد في اعتماد الانتظار والترقب، وهذا هو السبب الذي دعا الإسلامي السعودي البارز سلمان العودة إلى نصح أتباعه بانتظار جماعات النظام لترتيب الأمور فيما بينها. لكن الإخوان العاديين الأصغر سناً في السعودية، مثل أولئك الإخوان أصحاب الامتيازات خارج مصر، بدأوا يفقدون الأمل في التغيير السياسي السلمي. هذا الإحباط يمكن أن يؤدي إلى اللامبالاة. لكنه يمكن أن يؤدي أيضاً إلى العنف – وإذا كان كذلك، فإن قرار الحكومة السعودية إعلان الجماعة منظمة إرهابية سيؤدي إلى ذلك – فستتحقق النبوءة ذاتياً.
(*) ‏ مدير مشروع  الولايات المتحدة وعلاقتها مع العالم الإسلامي في معهد بروكينغز ومستشار كبير في وزارة الخارجية السابق في مكافحة 'التطرف العنيف'.
ترجمة: فيصل الأشمر

موقع الخدمات البحثية