مقالات » أي مستقبل لـ إسرائيل؟

ناثان ثرال ـ The New York Review of Books ـ 15 آب، 2013

في مقر اقامته بالقدس في 16 أيلول/ سبتمبر 2008، أخرج رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت خريطة للرئيس الفلسطيني محمود عباس تمثل تسوية حدودية للأراضي هي الخريطة الأوسع والأبعد التي يقترحها رئيس وزراء إسرائيلي على الاطلاق. ووفقاً لأولمرت، منحت خطته الفلسطينيين دولة ذات مساحة تساوي 99.5 في المئة من الضفة الغربية وقطاع غزة. وستضم إسرائيل 6.3 في المئة من الأراضي الفلسطينية، وذلك بتعويض الفلسطينيين بأراض إسرائيلية تعادل ما نسبته 5.8 في المئة، فضلاً عن الممر الذي يربط المنطقتين لكنه يبقى تحت السيادة الإسرائيلية. وتكون القدس عاصمة مشتركة، أحياؤها الشرقية، أي الأحياء العربية جزءاً من فلسطين، والاحياء اليهودية في كل شطر من المدينة جزءاً من إسرائيل، كما وتكون منطقة مساحتها 2 كيلو متر مربع تشمل مدينة القدس القديمة تحت الإدارة الدولية.

قال اولمرت في العديد من المقابلات انه ابلغ عباس أن هذا العرض هو أفضل عرض يمكن أن يقدمه أي زعيم إسرائيلي على مدى السنوات الخمسين القادمة. طلب عباس أخذ الخريطة ليراها الخبراء. رفض اولمرت خوفا من أن يضعها عباس في جيبه، وأصر على القول بأنها تمثل نقطة انطلاق جديدة للمفاوضات في المستقبل. واتفق الجانبان على اجتماع المفاوضين في اليوم التالي. وفي السنوات التي تلت، كان أولمرت كثيراً ما يؤكد على أنه لم يسمع، مجدداً،  أي رد من عباس. " لقد كنت انتظر ... منذ ذلك الحين "، قال مؤخراً هذه القصة، المقبولة على نطاق واسع في إسرائيل، فعلت فعلها الكبير في تشويه فكرة التوصل الى تسوية تفاوضية بين اسرائيل والفلسطينيين تحوي العديد من المغالطات.

أولاً، لقد تفاوض أولمرت وعباس مجدداً في أكثر من مناسبة بالفعل، كما أشير لذلك في Tested by Zion، الرواية المفصلة، الصريحة ، والمميزة لإليوت أبرامز، نائب مستشار الأمن الوطني  الأميركي السابق، حول انخراط الإدارة الأميركية في الصراع الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.

ثانياً، يكتب ابرامز فيقول إنه بدلاً من تجاهل هذا الاقتراح، طالب الفلسطينيون بتوضيحات حول هذا الموضوع ومن ثم زعموا بأنهم هم الذين لم  يسمعوا شيئاً عن الموضوع مجدداً. ثالثاً، لقد كانت أوصاف اولمرت للعرض ، الذي لم يظهر أمام الجمهور أو أي كان يمكن أن يشهد على مدى دقتها، متضاربة، ما يضيف مصداقية على المزاعم الفلسطينية بأن العرض كان أضيق وأقل أثراً وأكثر غموضا من قبل .

لم يقدم أولمرت أرقاماً مطلقة عند وصفه مقدار الأراضي التي اقترحها في الملحق. ولم يكن المفاوضون الفلسطينيون قادرين على التحقق مما إذا كانت النسب التي وضعها هي جزء من الضفة الغربية، باستثناء القدس الشرقية، أو من أراضٍ أكبر بكثير بما في ذلك قطاع غزة، وذلك من بين مناطق أخرى. وعلى رأس ذلك ، أن الحسابات الفلسطينية والإسرائيلية لمساحة الضفة الغربية مختلفة بعدة مئات من الكيلومترات المربعة. ففي بعض الروايات الفلسطينية، لم يتمكن عباس من التأكد ما إذا كان اقتراح الضم لأولمرت  ونسبته 6.3 في المئة إلى 6.8 في المئة هو في الواقع أقرب إلى 8.5 في المئة، أي أكثر بأربعة أضعاف من نسبة 1.9 في المئة من الضفة الغربية وقطاع غزة التي أصر عليها عباس كنسبة مبادلة لا يتجاوزها. إضافة إلى الشكوك الفلسطينية كانت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني قد قدمت خرائطها الخاصة، ضم 8 إلى 10 في المئة من الضفة الغربية، مع ذلك يشير أبرامز فيقول، " لقد بدت الخريطتان متشابهتين ( أي كخريطة أولمرت ).... فكيف يمكن أن تكون الخرائط متشابهة لهذا الحد ؟ ". ولم يتفق الطرفان أبداً على المستوطنات التي سيتم إزالتها، مع وقوف الفلسطينيين في وجه إصرار أولمرت على الاحتفاظ بمستوطنة آرييل، التي تمتد حدودها الشرقية إلى منتصف الطريق تقريباً عبر الضفة الغربية.

مع ذلك، لقد كانت التناقضات  المتعلقة بتقسيم القدس أكبر من تلك التي للأراضي، واللاجئين الفلسطينيين، والترتيبات الأمنية. إذ اقترح أولمرت السماح لخمسة آلاف لاجئ بالعودة إلى "إسرائيل" وذلك على مدى خمس سنوات واقترح عباس عودة 150000 لاجئ على امتداد فترة عشر سنوات، مع إمكانية التجديد. وقد رفضت إسرائيل الاعتراف بالمسؤولية عن مشكلة اللاجئين، كما أصر على ذلك عباس. وقال المستشار الدبلوماسي لأولمرت لأبرامز إن إسرائيل طالبت ببقاء قواتها المسلحة في الدولة الفلسطينية المستقبلية، وهو  شرط رفضه الفلسطينيون. وكما قال المفاوض الفلسطيني أحمد قريع لأبرامز وغيره من المسؤولين الأميركيين، " إن الحدود أسهل قضية ". أما  رأي أبرامز فكان أن على عباس عدم الأخذ بالصفقة. وكان أولمرت غارقاً في فضائح فساد. فقد كانت استطلاعات الرأي بشأنه تصب في خانة واحدة على مدى عدة أشهر وكان قد وعد بالاستقالة من حزبه، كاديما، في أقرب وقت واختيار خليفة له. وقدم خريطته قبل يوم واحد من تسمية ليفني خلفاً له. وبعد عدة أيام، استقال أولمرت رسمياً.  " كلما أصبح أولمرت أضعف سياسياً، كلما كان على استعداد للمخاطرة أكثر "، يقول أبرامز.

كان لدى عباس سبب وجيه للحذر. فقد كان الوضع القانوني لمعاهدة سلام تعقد مع البطة العرجاء، رئيس الوزراء الإسرائيلي ، أقل من واضح. إذ سيقدم عباس تنازلات مؤلمة في صفقة لا يمكن أن تنفذ حتى يستعيد السيطرة على غزة بطريقة أو بأخرى، التي كان قد خسرها أمام حماس في حزيران/يونيو 2007. لم يكن هناك أي احتمال بقبول حماس مثل هذا الاتفاق. " كان هناك الكثير من الثغرات في هذه الصفقة "، يقول أبرامز. ووفقاً لأبرامز، وفي لقاء مع الرئيس بوش في نيويورك بعد أيام من طرح أولمرت لخريطته ، قال عباس، " هناك كثيرون في الحكومة الإسرائيلية كانوا يشجعونه على قطع صلته مع أولمرت "، وهو ما أكدته لاحقا وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس. وسمع أبرامز بوش يقول لعباس إنه " قلق من كون أي اتفاق تفاوضي مع اولمرت سوف يولد ميتاً لأنه، وببساطة، كان الراعي له ".

القليل من هذه التفاصيل معروف لدى الناخبين الإسرائيليين، وحتى لو كانت معروفة بشكل أفضل فإن المرجح هو ألا تؤثر كثيراً في تغيير النتيجة التي استخلصها معظم الإسرائيليين: لا يوجد شريك فلسطيني للسلام. وعلى حد قول آري شافيت، وهو أحد المروجين الرئيسيين لهذا الرأي وكاتب عمود في صحيفة هآرتس الليبرالية والذي يعرِّف عن نفسه بأنه عضو في اليسار الصهيوني: " حتى هذا اليوم لم يرد عباس بشكل إيجابي على عرض الـ 100 بالمئة الذي قدم له من قبل ... أولمرت ". وفي عمود آخر له حول عدم جدوى إجراء المزيد من المفاوضات، كتب شافيت يقول: " قدم شيمون بيريز، إيهود باراك وتسيبي ليفني العالم كله للفلسطينيين، ولم يكن الفلسطينيون راضين " .
مهما كانت التصورات الخاطئة الموجودة لدى الجمهور الإسرائيلي حول طبيعة اقتراح أولمرت وحسابات عباس، فإن هذا الجمهور محق بشأن ثلاث نقاط رئيسة.

أولاً، وخلال العقدين الماضيين، ظلت المواقف الفلسطينية ثابتة لم تتزحزح. فقد ظلت منظمة التحرير الفلسطينية ثابتة في مطالبتها بالأراضي، أي ما يعادل كل من الضفة الغربية وقطاع غزة؛ فبحسب رأي المنظمة، لقد حققت بالفعل تنازلاً كبيراً باعترافها بـ"إسرائيل" في عام 1993 وبالموافقة في عام 1988 على دولة وفق 22 في المئة من فلسطين الانتدابية ، أي أقل من نصف الحجم الممنوح للفلسطينيين في قرار التقسيم للأمم المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر1947.

ثانياً، لقد قدم اولمرت أرضاً أكثر بكثير مما قدمه أي زعيم إسرائيلي آخر، مواصلاً بذلك تنازلات إسرائيلية متزايدة بشأن الأراضي في كل جولة من الجولات المتعاقبة من المفاوضات الرسمية. وفي أيار/مايو 2000، عرضت إسرائيل تقديم 66٪ من الضفة الغربية للفلسطينيين، مع ضم 17 في المئة إلى "إسرائيل"، الـ 17 في المئة غير ملحقة وإنما توضع تحت السيطرة الإسرائيلية، وعدم مبادلة أراض إسرائيلية؛ ارتفعت الأرقام بشكل مطرد حتى عرض أولمرت عام 2008 للـ 99.5 في المئة، بما في ذلك تبادل الأراضي.

ثالثاً، لم يقبل عباس الصفقة. وكما أوضح في عام 2009، " لقد كانت الفجوات واسعة". وبعد أربع سنوات، ازدادت الفجوات اتساعاً فحسب.
وفي يوم جمعة مؤخراً، عرضت القناة الثانية، وهي محطة تلفزيونية إسرائيلية ذات أعلى نسبة من المشاهدين، قسماً إخبارياً يطرح سؤالاً عما إذا كانت الإمكانية بالتوصل إلى حل الدولتين للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني ليست امكانية ميتة بالفعل. وأتى الجواب، كما ورد في الملاحظات الختامية للرابط من قبل معظم المستطلعة آرائهم ـ من اليسار، اليمين، الدينيين، والعلمانيين ـ بأن حل الدولتين قد أصبح بعيد المنال.
في صيف عام 2013، عندما أعرب وزير الخارجية جون كيري عن أمله بحل الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني ـ في غضون " سنتين أو يكون قد انتهى " ـ  فإنه كان بذلك يواجه جمهوراً إسرائيلياً لم يكن أبداً أكثر تشكيكاً من قبل في احتمال التوصل إلى تسوية تفاوضية. وهذا لا يعود فقط إلى الأسباب الراسخة كثيراً التي غالباً ما يستشهد بها في الشكوك الإسرائيلية : فشل رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات بقبول ما يعتبره معظم الإسرائيليين عروضاً سخية من جانب رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك في الفترة ما بين 2000-2001، التفجيرات الانتحارية خلال الانتفاضة الثانية، تزايد اطلاق الصواريخ من غزة بعد الانسحاب الاسرائيلي عام 2005، وانتصار حماس في انتخابات عام 2006 .

لا يمكن لأي من هذه الشكوك أن تفسر كيف أن الإسرائيليين أعطوا في مارس/ اذار 2006-  بعد أسابيع من ترشيح الفلسطينيين القيادي في حماس ، إسماعيل هنية ، رئيساً للوزراء وبعد شهور من تراجع إسرائيل من قطاع غزة الذي قوبل باستمرار اطلاق القذائف الصاروخية – الغالبية الساحقة من أصواتهم لحزب كاديما، الذي كان يؤيد اجراء مزيد من المفاوضات والقيام بانسحاب أحادي من معظم الضفة الغربية اذا ما فشلت تلك المحادثات. كما لا يمكن أن تفسر واقع إعطاء الإسرائيليين في شباط/فبراير 2009 غالبية أخرى وأصغر من أصواتهم لحزب كاديما ، الذي كان لا يزال يقود حملته الانتخابية على أساس برنامج يقوم على الدفع بالمحادثات الاسرائيلية ـ الفلسطينية قدماً، على الرغم من انهيار مفاوضات أنابوليس 2007-2008 والحرب الدموية في غزة ، بقيادة كاديما في 2008-2009. ففي كل من العمليتين الانتخابيتين، جعلت التوترات المتزايدة مع الفلسطينيين الصراع أولوية في الحملة الانتخابية ، لكن يبدو اليوم، وبشكل متزايد، أنه يمكن التحكم بكليهما وبأنهما بعيدان كل البعد عن كونهما في قمة الهواجس الإسرائيلية .

جاءت أيضاً انتخابات  كانون الثاني/يناير 2013 ، التي جلبت حكومة ائتلافية جديدة برئاسة بنيامين نتنياهو، تماماً بعد تجدد الصراع مع غزة ، أي التصعيد في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 ـ والتي دعيت بعملية عمود السحب ـ والتي أدت إلى موت ستة أشخاص إسرائيليين. لكن للمرة الأولى منذ عقود لم يكن الفلسطينيون قضية مركزية في الحملة. وسُحق حزب كاديما، ليهبط بذلك من صاحب أغلبية إلى مستوى بالكاد تجاوز فيها العتبة اللازمة لدخول الكنيست الإسرائيلي. وصوَّت حزب العمل لليفني، التي موضعت نفسها كمؤيد قيادي في "إسرائيل" لاستئناف المفاوضات. وبالكاد نال حزب " الحركة " (Hatnua)، وهو حزب جديد شكلته ليفني بعد خسارتها الانتخابات الداخلية لحزب كاديما ، خُمس مقاعد كاديما في كنيست 2009. وهي الآن وزيرة العدل .

في انتخابات كانون الثاني/ يناير، ذهبت معظم الدوائر الانتخابية لحزب كديما إلى مكان آخر ، خاصة إلى  حزب "المستقبل" ( "يش عتيد")، الحزب الجديد الذي أسسه يائير لابيد، وهو كاتب عمود سابق وشخصية تلفزيونية لا يختلف كثيرا بآرائه المعبَّر عنها عن نتنياهو. وقد ألقى لابيد أول خطاب له لحملة سياسته الخارجية في مستوطنة آرييل في الضفة الغربية. وقال انه يعارض تجميد بناء المستوطنات وأعلن دعمه للمواقف المتضاربة مع بعضها بعضاً والمتعلقة بتأييد اتفاق حل الدولتين عن طريق التفاوض في حين عارض تقسيم القدس، وهذا الأخير شرط لا غنى عنه في أي صفقة يوقعها أي زعيم فلسطيني.

إن السكان المتدينين والفقراء أيضاً المتنامين بسرعة  لا يلقون بالاً للفلسطينيين أو للسياسة الخارجية عموماً، بل يركزون بدلاً من ذلك على دراسة العلوم الدينية والحفاظ على امتيازات الرعاية الاجتماعية، ومشروع الإعفاءات، والحق بعدم تعليم طلابهم اللغة الإنجليزية، أوالعلوم، أو الرياضيات .

تمكن المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل البالغ عددهم 1.7 مليون نسمة ـ القطاع المتوسع الآخر في البلد الذي تعتبر الآن نسبة البطالة لديه مرتفعة كما أن مستوى الفقر لديه عالياً ـ من الحفاظ على مقاعدهم في الكنيست وعدم خسارتها، على الرغم من التوجه المستمر بالمشاركة المنخفضة ببطء. برغم ذلك، قد ينقلب هذا الأمر الى العكس بعدما يصل طلاب الصف الأول الحاليين في "إسرائيل" ـ أكثر من نصفهم من العرب أو الحريديم، وهما مجموعتان تضمان أعداداً كبيرة معادية للصهاينة ـ إلى سن الاقتراع في غضون اثني عشر عاماً .

كان أداء حزب العمل، القائد التاريخي لليسار الإسرائيلي، أكثر سوءاً مما كان متوقعا، لكنه مع ذلك تعافى من أدائه المتدني عام 2009، و ذلك على الرغم من ـ أو بسبب ـ تجاهله الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي و نشر صورته الحمائمية جزئياً. لقد ركزت رئيسته ، شيلي يحيموفيتش ، حملة حزب العمل على القضايا الاجتماعية ـ الاقتصادية بشكل ضيق، وعلى التودد للمستوطنين، وأعلنت أنها تعارض وقف بناء المستوطنات من أجل استئناف المفاوضات، وقالت بأن من " الظلم " تسمية حزب العمل حزباً يسارياً، وهو بيان قد يوافق عليه مؤسسو مستوطنات الضفة الغربية الأوائل المدعومين من حزب العمال.

بالنسبة للفلسطينيين، كان الجانب الأكثر أهمية في الانتخابات التي جرت هو  الضربة القوية التي وُجهت لحزب الليكود الحاكم، الذي تمكن من الفوز بمقاعد كافية للبقاء في السلطة فقط بسبب بعد نظر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وبعدما نظر في استطلاعات ما قبل الانتخابات المشؤومة، قام نتانياهو بتشكيل لائحة مشتركة مع "إسرائيل بيتنا" برئاسة  أفيغدور ليبرمان، وهو حزب قومي محافظ مدعوم من قبل أعداد كبيرة من المهاجرين الروس. وبذلك ضمن نتنياهو فترة ولاية أخرى على الأقل في منصبه، وذلك على حساب اخراج ليبرمان أكثر من محرابه السياسي العرقي واحتمال جلبه إلى كرسي رئاسة الوزراء ـ إذا ما اندمج التحالف وصيغ كاتحاد. إن الاندماج الرسمي سوف يساعد نتنياهو على التخفيف من تنامي قوة اليمين المتطرف والأعضاء المؤيدين للضم في حزبه ، الذين هزموا الوسطيين هزيمة نكراء في الانتخابات التمهيدية.
في حزيران/ يونيو 2009، أعلن نتنياهو، بدافع من خطاب الرئيس أوباما في القاهرة للعالم الإسلامي ، عن دعمه المشروط لاقامة دولة فلسطينية. واطلق عليها إسرائيل هاريل، وهو من مؤسسي حركة الاستيطان، مصطلح " منعطف إيديولوجي ثوري يعادل تحطيم الوصايا العشر للحزب". وكان آخرون، وما زالوا، مشككين بكون نتنياهو يقصد ذلك ـ وليس فقط نقاده الليبراليون، وإنما أيضا العديد من أنصاره داخل حزب الليكود. فميثاق الليكود لا زال يحتفظ برفضه قيام دولة فلسطينية، وفي كانون الثاني/ يناير 2013 لم تنشر قائمة الليكود ـ "إسرائيل بيتنا" المشتركة برنامج الحزب .

مع ذلك يبدو أن دعم نتنياهو المعلن لقيام دولة فلسطينية قد أصبح أكثر حزماً فحسب. ففي شهر أيار/ مايو الماضي، استخدم نتنياهو للمرة الأولى حجة ديموغرافية بالنسبة لدولة فلسطينية ـ يشكل  اليهود الآن أقل من نصف سكان "إسرائيل" والضفة الغربية، وقطاع غزة ـ قائلا إن الغرض من الاتفاق كان منع احتمال قيام دولة ثنائية القومية. وأدى هذا إلى توبيخ حاد من جانب وزير (الدفاع) السابق موشيه آرينز لنتنياهو، معلمه القديم في الليكود، الذي يؤيد ضم كل من الضفة الغربية ومنح المواطنة الكاملة لسكانها: "إن دولة "إسرائيل" هي بالفعل دولة ثنائية القومية ـ دولة فيها جنسيتان مقيمتان، اليهود (75%) والعرب ( 21% ). إن دعاة إقامة دولة فلسطينية ( في الضفة الغربية ) يعارضون، و ببساطة، إضافة أي عربي بعد إلى ... دولة إسرائيل. فبتلطيهم وراء شعار "دولتين لشعبين "، الجدير بالثناء، فإن شعارهم غير الصحيح سياسياً هو: " ولا أي عربي آخر".

وقد برزت أزمة هوية في حزب الليكود ، مع جنوح نتنياهو نحو الوسط في حين انحرف باقي الحزب نحو المزيد من التطرف اليميني. ويؤيد العديد من أبرز اعضائه الدعوة  إلى ضم بعض أو كل الضفة الغربية ؛  ويتسلسل هؤلاء بدءاً من كبار القادة مثل أرينز ورئيس الكنيست السابق روفن ريفلين وصولاً إلى نجوم الليكود الصاعدين مثل نائب وزير الخارجية زئيف الكين، نائب وزير الدفاع داني دانون، رئيس الكنيست يولي ادلشتاين، ورئيس الائتلاف ياريف ليفين. ومن خلال الوقوف برعونة بين الدعم لدولة واحدة والدعم لدولتين، كان الليكود ينزف من الجانبين، ما أدى إلى فقدانه أصوات الوسط لحزب لابيد والأصوات اليمينية لصالح دعاة الضم المؤيدين لتسوية في حزب "البيت اليهودي"، وهو الخلف للحزب القومي الديني القديم. أما نفتالي بينيت، زعيم " البيت اليهودي" البالغ من العمر 41 عاما، فهو متعهد برمجيات سابق، المدير العام لمجموعة مظلة مستوطنات الضفة الغربية ( يشع )، و رئيس فريق الموظفين لنتنياهو الذي كان إلى جانب لابيد قصة النجاح العظيمة لانتخابات 2013.

ركز بينيت حملته على الهوية اليهودية، والحاجة إلى التغلب على الخلافات بين اليهود العلمانيين والمتدينين. وبقيامه بذلك عدّل صورة حزبه، وسَّع قاعدته الانتخابية، وزاد بشكل كبير حصته من المقاعد في الكنيست، وفاز باثني عشر مقعداً. أما خلال المفاوضات بشأن تشكيل حكومة ائتلافية، فقد تحالف بينيت مع لابيد، ما اضطر نتنياهو إلى وضع نفوره من بينيت جانباً وجلب " البيت اليهودي" إلى الحكومة الجديدة، الذي لأقل من نصف عدد أعضائه سجل بدعم قيام دولة فلسطينية .

 بفضل وجود "البيت اليهودي "، يقيم  أكثر من واحد من أصل ستة من أعضاء التحالف خارج حدود عام 1967، المعروف باسم الخط الأخضر. وهناك ما يقرب من ثلث أعضاء الكنيست متدينون، وهو رقم قياسي. أما الأمر الآخر، فهو أن الثلث المتداخل هم  أعضاء تجمع " أرض إسرائيل"، المكرس لتعزيز المستوطنات. كما يؤيد العديد من وزراء الحكومة شكلاً ما من أشكال ضم الضفة الغربية. أما داني دانون، المؤيد للضم، والمنتخب رئيساً للجنة المركزية لحزب الليكود في يونيو/ حزيران ، فقد قال مؤخرا إن الأغلبية الحكومية ستمنع اتفاق سلام يدعو إلى دولتين .

إن الحكومة الاسرائيلية الجديدة تمثل، وبشكل جيد، التحول نحو اليمين في الفكر الإسرائيلي السائد. وكما نتنياهو ولابيد، يقول معظم اليهود الإسرائيليين بأنهم مستعدون لقبول حل الدولتين، ولكن شروط الحل التي هم على استعداد للقبول بها بالكاد تكون واقعية. بالمقابل، إن العديد من هؤلاء الذي مالوا اكثر إلى اليمين هم في الواقع أوضح رؤية ـ أو ربما، وببساطة، صادقون ـ حول ما سيترتب عليه السلام. ففي هجوم مقنَّع ضد نتنياهو ولابيد، قال نفتالي بينيت مؤخراً، "يقول بعضهم إأنهم ضد تقسيم القدس لكنهم يؤيدون الدولة الفلسطينية. وأنا أسأل، أين بالضبط ستكون عاصمة الدولة الفلسطينية؟ في أريحا؟ في بيت لحم؟ في برلين؟".

تعزز وضع اليمين ما أن فقدت حجج اليسار والوسط مصداقيتها. لقد فشل المروجون للمفاوضات بالاعراب عن الثمن الباهظ الذي سيفرضه أي اتفاق. لقد قالوا لأنفسهم وللجمهور بأن الخطوط العريضة لاتفاق سلام معروفة جيداً وأكدوا أن الاتفاق موجود في حين أنه لم يكن. أما السفير ستيوارت إ. أيزنستات، وهو من المخضرمين المتمرسين في إدارتيْ كارتر وكلينتون والرئيس المشارك لمجلس إدارة "معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي"، فيكتب في "مستقبل اليهود" أن "من المفهوم عادة أن أكبر الكتل الاستيطانية ستبقى تحت السيطرة الإسرائيلية في أي اتفاق سلام نهائي". إن الإسرائيليين يتحدثون بالمثل عن مستوطنات "إجماع"، لكن الفهم المشترك الذي يكتب عنه أيزنستات يشاركه فيه فقط الإسرائيليون ومؤيديهم. أما المحاضر الفلسطينية المسربة من محادثات أنابوليس 2007-2008 فتسجل اقتتال الجانبين بضراوة حول الوضع المستقبلي لما يعتبره الإسرائيليون أحد أكثر المستوطنات " اجماعاً"، أي مستوطنة معالي أدوميم، شرقي القدس، وعدد سكانها 40000 نسمة تقريباً.

أما المزاعم عن كون السلام في متناول اليد فقد كان مبالغاً بها بقدر المبالغة بالتحذيرات من أن النافذة المغلقة على الدوام بخصوص حل الدولتين قد أغلقت تقريبا أو أن احتلال "إسرائيل" للضفة الغربية سيجعلها منبوذة دولياً. ففي البلدان التي فيها تحرك لمقاطعة "إسرائيل"، وسحب استثماراتها منها ومعاقبتها (" BDS ") صنعت أكبر المكاسب ـ جنوب افريقيا والمملكة المتحدة ـ إذ ارتفعت الصادرات الإسرائيلية، في واقع الأمر، بشكل حاد. فالإسرائيليون ليسوا قلقين بشكل مفرط من الاتحاد الأوروبي وبأن الأمر لا يتجاوز كثيراً فرك اليدين بخصوص الطريقة التي يكفل بها دعمه المالي للسلطة الفلسطينية، وبشكل مؤثر، الاحتلال الإسرائيلي.

حتى لو كانت المقترحات لمقاطعة الشركات الإسرائيلية المتمركزة في الضفة الغربية سوف تحقق مكسبا، فإنها لن توقف البنوك الإسرائيلية وشركات محطات التلفزيونية، أو محلات السوبر ماركت وتمنعها من العمل خارج حدود عام 1967؛ ولن تقلل من عدد من المستوطنين، أعمال معظمهم ليست في المصانع المجاورة لمستوطنة آرييل وإنما غرب الخط الأخضر ـ في أماكن مثل "غوغل"، إنتل، ومكتب رئيس الوزراء. وعلى الرغم من أن مواقف النخبة تجاه "إسرائيل" آخذة في التغير في الولايات المتحدة، فإن استطلاعات الرأي الأخيرة قد ألقت ظلال الشك على مزاعم إعلامية واسعة النطاق بأن الشباب اليهود غير  المتعصبين الموجودين في الولايات المتحدة يزدادون بعداً عن
"إسرائيل".
قوضت سنوات من الهدوء النسبي في الضفة الغربية ـ كان عام 2012 العام الأول  منذ عام 1973 الذي لم يقتل فيه إسرائيلي واحد في هجوم ما هناك ـ التهمة بأن الاحتلال العسكري، الذي يبلغ عمره الآن 46 عاماً، أمر لا يمكن تحمله. وقد حذر وزير الخارجية كيري قائلاً  بأنه " سوف يترك الخيار لـ"إسرائيل" بين أن تكون دولة يهودية أو دولة ديمقراطية". لكن لا يزال الحكم الذاتي الفلسطيني المحدود، بما في ذلك التعاون الأمني الوثيق مع "إسرائيل"، يحمي "إسرائيل" من الحاجة إلى اتخاذ أي من هذين الخيارين .

إن الاستنتاج المحتوم وغير المقصود على الأرجح الذي يستخلصه المرء من رواية أبرامز وراء الكواليس حول صنع السياسات خلال الانتفاضة الثانية بين عامي 2000 و 2005 هو عن مدى فعالية العنف في التخلص من الرضا الإسرائيلي عن الذات وتحقيق أهداف فلسطينية. وبعد أقل من عام على الانتفاضة، أدت الضغوط من جانب ولي العهد السعودي الأمير عبد الله ـ في شكل نداءات دامعة لأمريكا لكبح جماح إسرائيل ورسالة سرية " وضعت العلاقات بين الولايات المتحدة و السعودية في الميزان "، بحسب ما يقول أبرامزـ بالولايات المتحدة إلى تأييد اقامة دولة فلسطينية. وسرعان ما تبع ذلك تصريح خاص لآرييل عن دعمه لدولة الفلسطينية، ليصبح أول رئيس وزراء إسرائيلي يقوم بذلك.

مع تواصل الكمائن الفلسطينية، نيران القناصة، والتفجيرات الانتحارية، تخلى شارون عن حلمه لعقود طويلة بالاحتفاظ بكل من غزة والضفة الغربية. " سفك الدماء كان كبيراً جداً. لقد رفع شارون سياسته التي عمرها عام واحد والتي تطالب بسبعة أيام من الهدوء قبل التفاوض على وقف إطلاق النار مع الفلسطينيين"، يقول أبرامز. وفي وقت لاحق استخدم كلمة "احتلال" قبيل اجتماع جماعة الليكود في الكنيست، قائلاً ان "ذلك لا يمكن ان يستمر الى الابد". ومع تصاعد الضغوط لانهاء العنف، أعلن شارون أن "إسرائيل" ستنسحب من قطاع غزة .


لم تنه الهجمات الصاروخية اللاحقة من غزة على اسرائيل الرغبة في اجراء المزيد من المحادثات. في كل الأحوال، لقد عززت بالفعل، وبشكل كبير، حجة اليمين بأن الصراع، في المقام الأول، ليس حول الأراضي ولا هو يستند إلى المظالم الناجمة عن الغزو الإسرائيلي عام 1967. لقد كسب المتشددون الفلسطينيون والإسرائيليون، على حد سواء، المؤيدين عن طريق إلقاء ظلال الشك على الفكرة القائلة بأن بالإمكان حل الصراع في تبادل الأرض مقابل السلام . هذه البديهية المركزية لعملية السلام الممتدة لعقدين من الزمن كان لها معنىً بما يتعلق بمفاوضات "إسرائيل" مع مصر، الأردن،  وسوريا ، ولكن لم يكن لها معنىً  أبدا مع الفلسطينيين، الذين يعتقدون أن جوهر الصراع هو الاستيطان الصهيوني في فلسطين وطرد الفلسطينيين خلال حرب عام 1948 التي نشأت في خلالها دولة "إسرائيل".

إن إيمان المفاوضين الأميركيين والإسرائيليين بأن حل مشاكل عام 1967 سيغلق الباب على تلك التي لعام 1948 يأتي في إطار التعنيف القوي في كتابين أصليين يعبِّران عن وجهتيْ نظر بعيدتين من الطيف السياسي الإسرائيلي: كتاب "إسرائيل، الأردن، وفلسطين: حتمية الدولتين" للمؤرخ آشر سوسر، وكتاب " ما وراء حل الدولتين" لعالم الاجتماع يهودا شنهاف. ويوثق سوسر  كيف ضاقت الفجوات بين الجانبين، أو على الأقل بين بعض ابرز المتحدثين باسم الجانبين، بشأن القضايا الناشئة عن حرب 1967  ـ الحدود ، المستوطنات، والترتيبات الأمنية ـ في حين أنه " لم يكن هناك سوى تقدم ضئيل حقيقي، هذا ان كان هناك من تقدم، في حل مسألة عودة اللاجئين لعام 1948".  وقد عادت هذه المسألة إلى الظهور بشكل بارز في كانون الثاني/ يناير عندما قال عباس أن "إسرائيل" رفضت السماح للاجئين الفلسطينيين الفارين من الصراع السوري بالدخول إلى الضفة الغربية وقطاع غزة ما لم يتخلوا عن حقهم في العودة إلى "إسرائيل". ومع الهيمنة السياسية لليمين الاسرائيلي، الذي يركز بقدر أكبر على قضية 1948 الخاصة بـ"إسرائيل" ـ الاعتراف الفلسطيني بـ"إسرائيل" كدولة يهودية ـ تزداد الفجوة اتساعاً بين الجانبين في الواقع فحسب .

زادت أهمية العناصر غير الملموسة للنزاع بينما كان الخط الأخضر المحدد في هدنة عام 1949 ممحياً. لقد تخطت الهجمات القومية اليهودية ضد التجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية لتدخل إلى "إسرائيل"، وتأخذ شكل اعمال الحرق والتخريب والعنف ضد المواطنين الفلسطينيين في "إسرائيل". ووسع النشطاء اليهود في الضفة الغربية معركتهم الديموغرافية وصولاً إلى مدن في "إسرائيل" ذاتها، إلى الغرب من الخط الأخضر، وشراء المنازل في الأحياء الفلسطينية في الرملة، عكا، واللد. وقد وقع العشرات من كبار حاخامات البلديات في "إسرائيل" حكما يحظر تأجير المنازل لغير اليهود. ولم  يعد العديد من الإسرائيليين يعرفون أين يقع الخط الأخضر، فيحددونه خطأً بالجدار الفاصل الحالي في الضفة الغربية غير مدركين تماماً بأنهم قد تجاوزوه على الطرق الرئيسة والطرق السريعة.

أدى انقلاب إسرائيل على الفلسطينيين إلى تحول متأخر في التركيز وذلك من حدود الدولة إلى ما يكمن في داخلها. لقد كانت الهوية اليهودية قضية محورية في انتخابات عام 2013؛ وبشكل غير مباشر، كانت كذلك  مكانة الأقليات في الدولة اليهودية. فمن بين المواطنين الإسرائيليين، كان لليهود، وليس الفلسطينيين، حقوقاً جماعية بخصوص الأراضي، الهجرة، الرموز كالعلم الخاص بهم، احياء ذكرى مناسبات، لا سيما ذكرى النكبة، كارثة الهزيمة الفلسطينية و طرد الفلسطينيين في عام 1948 . كما أن اليهود وغير اليهود لا يستطيعون الزواج قانوناً. وتم طرد سكان القدس الحاليين من المنازل التي تم التخلي عنها خلال حرب 1948 لإفساح المجال أمام المالكين السابقين ونسلهم ـ لكن فقط عندما يكون أصحاب السندات من اليهود .

إن عدم المساواة بين اليهود وغير اليهود ضمن حدود "إسرائيل" ما قبل 1967 ـ التي عاش فيها مواطنون ومقيمون فلسطينيون تحت الحكم العسكري من عام 1948 وحتى نهاية عام 1966 ـ مهد الطريق لترتيبات لا زالت أكثر تفاوتا في الضفة الغربية بعد حرب عام 1967. وكلاهما أحدثتهما النخبة الصهيونية لحزب العمال الأشكينازي التي تنتقد الآن المستوطنين على الديناميات التي كانت هي من وضعها. ويتساءل شنهاف  على أي أساس تعتبر فكرة الاستيطان اليهودي في القرى الفلسطينية المدمرة داخل حدود ما قبل عام 1967 ـالمأهولة سابقاً، في كثير من الحالات، من قبل مواطنين فلسطينيين مهجرين بسبب الحرب ـ تعتبر أكثر أخلاقية من المستوطنات اليهودية على الأراضي الزراعية الفلسطينية في الضفة الغربية؟ فالأولى ، كما يقول، تشتمل على معاناة إنسانية أكثر بكثير. أما سوسر، وبالواقع أي صهيوني آخر، فإنه سيعترض على  المقارنات التي من شأنها أن تلقي ظلالا من الشك على المزاعم الإسرائيلية بحدودها ما قبل عام 1967 . لكنه يقدم دعماً قوياً لفرضية رئيسة مفادها أن جذور الصراع ليست في شرق الخط الأخضر وإنما في مشروع عمره أكثر قرن من الاستيطان الصهيوني نفسه .
إن تلاشي أهمية حدود ما قبل عام 1967 يعني الانفصال عن الأوهام والعودة إلى الطبيعة الحقيقية للصراع : صراع بين قوميتين بين نهر الأردن و البحر الأبيض المتوسط. فالترتيبات السلمية التي نوقشت حتى الآن لم ترق إلى مستوى السيادة الكاملة التي يرغب بها الفلسطينيون ولا للفصل العرقي القاسي الذي يسعى إليه الوسط واليسار الإسرائيليين. وكما كتب سوسر قائلاً:" إن الدولة الفلسطينية التي كان الإسرائيليون على استعداد لتأييدها لم تكن أبداً دولة وعضو مستقل وتام السيادة في عائلة الأمم الدولية، وإنما كان كياناً عاجزاً، منزوع السلاح ، تحت المراقبة، مع السيطرة الإسرائيلية على مجاله الجوي وربما حدوده أيضاً ، ووجود عنصر ما من عناصر الوجود العسكري الإسرائيلي و/ أو الأجنبي" .

كان هذا صحيحا بالنسبة لنتنياهو كما كان بالنسبة لأولمرت، باراك، شيمون بيريز، واسحق رابين، الذي قال للكنيست قبل شهر من اغتياله أنه سيكون لدى الفلسطينيين ما هو" أقل من دولة ".

من شبه المؤكد ، بحسب ما يقول سوسر، أن "إسرائيل" لن تتوصل إلى تحقيق نهاية للنزاع، وهو أقل بكثير من الاعتراف بدولة يهودية، من دون تلبية المطالب الفلسطينية بالاعتراف بالمسؤولية عن فرار و طرد اللاجئين في حرب عام 1948. فـ"إسرائيل" يمكن أن تشير إلى قبولها لخطة الأمم المتحدة للتقسيم التي رفضها الفلسطينيون وكذلك الدول العربية، التي هاجمت آنذاك الدولة اليهودية الجديدة. ولكن التهجير القسري لعدد كبير جداً من الفلسطينيين خلال الحرب التي أعقبت هو الآن حقيقة واقعة وموثقة، وهي واقعة بالنسبة لمعظم الفلسطينيين تدعم مطالبهم بالعودة، أو بالحصول على تعويض وافر عن خسائرهم، أو كليهما.

ويعتقد العديد من القادة الإسرائيليين أن أي اعتراف من هذا القبيل بالمسؤولية أو قبول المطالب الفلسطينية بالعودة ستهز أسس الدولة، وتقوض شرعيتها الدولية وتقلب عقوداً من التدريس الصهيوني بالاعتراف أن "إسرائيل" مسؤولة عن الانتزاع القسري لأعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين من أرضهم وديارهم عند ولادتها كدولة. إن نتنياهو يفهم حجم هذه العقبة، أو أنه كان يفهمها ذات مرة، مع ذلك فإنه يتحرك مع كيري لاستئناف المحادثات على أساس نموذج عام 1967 المتهاوي.

ركز كيري، كأسلافه، على قضايا عام 1967، مثل الحدود والأمن، والتي تبين بعض المؤشرات أنه قد تعلم من إخفاقات الماضي. ويأمل المرء ألا يكون خاضعاً للانطباع الخاطئ بأن أولمرت وعباس كانا على بعد بوصة من التوصل إلى اتفاق حقيقي. ولم تقترب تلك المحادثات حتى من حل قضايا عام 1967. أكثر من ذلك، إن أ نتنياهو، مقارنة بأولمرت، أقل يأساً، أقل استعداداً لتقديم تنازلات في قضايا 1948، ويقوم بحسابات في منطقة أصبحت أقل استقراراً و تسامحاً إزاء المخاطر.

إذا ما انهارت المحادثات، قد يبدأ الإسرائيليون بسؤال أنفسهم عما إذا كان الوقت قد حان للتخلي عن الآمال بالتوصل إلى سلام كامل لتحقيق انفصال جزئي ـ ربما من خلال اتفاقيات هدنة أو انسحابات أحادية أخرى. وبالتالي هم سيخلقون شيئا هو أكثر من دولة  لكنه أقل من دولتين،، والذي هو، في الواقع، كل ما كان معروضاً كل الوقت.

(*) ترجمة إيمان سويد ـ خاص مجموعة الخدمات البحثية

موقع الخدمات البحثية