أوراق إستراتيجية » كيف أصبحت الحرب الأهلية السورية حرباً مقدسة (*)

إعداد: توماس هيغهامر ـ هارون إي. زلين ـ Foreign Affairs
7 تموز، 2013

عندما دعا  يوسف القرضاوي ، رجل الدين المؤثر، للجهاد في سوريا، فإنه مهد بذلك الطريق نحو صراع على صعيد المنطقة.
لقد فتحت أبواب الجحيم في الشرق الأوسط في أواخر مايو/ أيار. وكان ذلك عندما دعا يوسف القرضاوي، رجل الدين السني المصري الأكثر تأثيرا ربما في العالم، المسلمين السنة في جميع أنحاء العالم للقتال ضد نظام الرئيس بشار الأسد وحزب الله في سوريا. وفي الأسابيع والأشهر التي تلت، كان لا بد بالتأكيد من أن يؤدي بيان القرضاوي إلى تسريع تيار المقاتلين الأجانب القادمين إلى سوريا. وقريباً، يمكن للحرب الأهلية في سوريا أن تتحول إلى صراع طائفي شامل يشمل المنطقة بأسرها.

إن القرضاوي البالغ من العمر 86 سنة  رجل دين ترك مصر  متوجهاً إلى قطر في عام 1961 ومنذ ذلك الحين أصبح من المشاهير بين القيادات الدينية الإسلامية. وقد قام بتأليف أكثر من 100 كتاب تباع في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وله برنامج أسبوعي تلفزيوني على قناة الجزيرة يحضره عشرات الملايين من المشاهدين. ويدين القرضاوي بالكثير من نفوذه للتوازن الدقيق الذي صنعه بين الشعوبية والمحافظة السياسية. فقد تمكن من الجمع، على سبيل المثال، بين وجهات النظر المتشددة حول إسرائيل مع الإدانة القوية لتنظيم القاعدة. وقد بنى سمعة باعتباره شخصاً يقول الحقيقة إزاء السلطة، في حين يحتفظ بجميع الامتيازات - مثل برنامج تلفزيوني والأستاذية - التي تتماشى مع المؤسسة. وبمعنى من المعاني، إنه أقرب شيء في  العالم الإسلامي السني لشخص البابا.
تلاشت تصريحات القرضاوي المثيرة للجدل في مظاهرة يوم الجمعة في الدوحة يوم 31 مايو. ففي خطاب عاطفي حول محنة أهل السنة في سوريا، أعلن القرضاوي أن 'أي شخص لديه القدرة، وتدرب على القتال ...عليه أن يذهب، وأنا أدعو المسلمين للذهاب ونصرة إخوانهم في سوريا'. هذه رسالة لافتة، لأنها رسالة، على وجه التحديد، لم يسبق أن أطلقها تقريباً أي رجل من رجال الدين بمكانة القرضاوي أبداً. فغالباً ما تعلن مؤسسة رجال الدين الإسلاميين عن أن كفاحاً مسلحاً محدداً هو جهاد مشروع، لكنهم نادراً ما يقول هؤلاء بأن على المسلمين في جميع أنحاء العالم واجب الانضمام اليه. لقد كان من المعروف عن رجال دين متشددين صنعهم لهذه المقولة المسماة بالواجب الفردي، والتي تقول بأن على كل الرجال المسلمين القادرين واجب القتال وأن الرفض بالقيام بذلك سيكون خطيئة. إلا أن رجال الدين السائدين مثل القرضاوي عادة ما يطلقون مقولة 'الواجب الجماعي'، مما يعني أن بإمكان الغرباء القتال بظل ظروف معينة لكن من دون الالتزام. فحتى في ذروة الجهاد الأفغاني الشعبي جداً في الثمانينات ، قال الشيخ عبد العزيز بن باز السعودي بأن 'على المسلمين 'واجب دعم' المجاهدين الأفغان– وليس ' فرض عين القتال الفردي معهم' . لقد ترك لشخصيات أكثر راديكالية مثل عبد الله عزام، ومعلم أسامة بن لادن المزعوم، مسألة القول بأن على جميع المسلمين واجب القتال.

بالتأكيد، لم يستخدم القرضاوي مصطلح 'الواجب الفردي' (فرض عين في اللغة العربية)، وعدَّل دعوته عن طريق الاقتراح بأن على الرجال ذوي التدريب العسكري، بشكل رئيس، الذهاب إلى هناك. مع ذلك، وفي منطقة حيث التجنيد هو القاعدة، فإن هذا يعني عملياً الجميع. فعن طريق دعوة جميع السنة القادرين للقتال في سوريا، لا يردد القرضاوي فقط صدى كلام المنظرين الجهاديين، وإنما يناقض نفسه في وقت سابق. ففي عام 2009، وضع كتاباً بعنوان 'فقه الجهاد'، رفض فيه فكرة فرض الجهاد الفردي في فلسطين والعراق وأفغانستان. إن استعداده لتقديم استثناء بالنسبة لسوريا اليوم مؤشر على مدى القوة التي يشعر بها العرب السنة خارج سوريا حيال الصراع.
هناك رجال دين آخرين دعوا لواجب الجهاد الفردي في سوريا أيضاً في العام الماضي ، لكن لم يكن أيا منهم، تقريباً، مؤثراً كالقرضاوي. بالتالي، فإن بيانه له تأثير مهم على وضع القواعد والمعايير لرجال الدين الآخرين: فهو يجعل من الأسهل عليهم الحديث بشدة عن سوريا وأكثر صعوبة بالنسبة لهم التصرف كحمائم. وفقاً لذلك، شهد شهر حزيران سلسلة من التصريحات من قبل كبار رجال الدين في جميع أنحاء المنطقة يدعون فيها إلى الجهاد في سوريا. على سبيل المثال، وبعد أيام فقط من بيان القرضاوي، أيد المفتي العام للمملكة العربية السعودية، عبد العزيز آل الشيخ، صراحة، جزءاً من محاضرة للقرضاوي يندد فيها بحزب الله ويصفه بـ 'حزب الشيطان'. ولم يعالج المفتي صراحة مسألة القتال الخارجي لكنه أوضح بأنه موافق على التصعيد الخطابي للقرضاوي. وبالمثل، في وقت لاحق من الأسبوع، أصدرت مجموعة من العلماء اليمنيين (رجال الدين الإسلاميين) فتوى جماعية تدعو إلى 'الدفاع عن المظلومين' في سوريا. وكمفتي السعودية، لم يكرر رجال الدين اليمنيين دعوة القرضاوي لغير السوريين حتى للقتال، لكنهم لم ينتقدوا ذلك أيضاً. بعد أسبوعين من كلام القرضاوي، أعلن رجل الدين السعودي سعود الشريم من على منبر المسجد الحرام في مكة المكرمة أن على المؤمنين واجب دعم المتمردين السوريين 'بكل الوسائل'. وفي اليوم التالي، تكلم الرئيس المصري محمد مرسي (المخلوع مؤخراً )  خلال اجتماع حاشد في القاهرة، ملوحاً بعلم المعارضة السورية ومديناً كل من نظام الأسد وحزب الله. ونظم المظاهرة رجال دين متشددين من الذين يتخذون موقفاً أكثر صرامة حول سوريا، وعلى الرغم من أن مرسي لم يؤيد صراحة القتال الخارجي، فإن ظهوره في الحشد فُسِّر، وعلى نطاق واسع، على أنه إشارة إلى أولئك الذين يرغبون في الانخراط  بذلك.

وبجمع الأمور معاً، فإن هذه التصريحات سوف تسفر أيضاً عن المزيد من المتطوعين السنة الحربيين لأجل المعركة في سوريا - التي لا بد وأنها ستكون اقل مدعاة للقلق لو لم تكن سوريا تعج بالفعل بالمقاتلين الأجانب. ووفقاً للبيانات والتصريحات التي جمعناها على مدى الأشهر التسعة الماضية من مئات المصادر الأولية والثانوية، فقد انضم حوالي 5000 من المقاتلين السنة من أكثر من 60 بلد مختلف إلى المتمردين السوريين منذ بدء الانتفاضة في عام 2011. وهذا يجعل سوريا ثاني أكبر مقصد للمقاتلين الأجانب في تاريخ الإسلام الحديث. (في الثمانينات، سحب الجهاد الأفغاني ما يقرب من 10000 متطوع ولكن على مدى فترة زمنية امتدت عشر سنوات).
وهذا الأمر هو قبل الأخذ في الاعتبار الأجانب الذين يقاتلون على الجانب الآخر. فبالإضافة إلى مستشارين من الحرس الثوري الإيراني وعناصر حزب الله اللبناني، هناك عدد متزايد من المقاتلين الاجانب الشيعة من العراق ولبنان بنضمون لمساعدة نظام الأسد. ووفقاً لتقارير غير مؤكدة، فقد بدأ الشيعة من اليمن وأفغانستان والهند يصلون إلى سوريا كذلك. ويقول كثيرون انهم يأتون فقط لحماية الأضرحة الشيعية، مثل مقام السيدة زينب في دمشق، ولكن البعض منهم يشارك في أنشطة أكثر شناعة. فحزب الله اللبناني كان أساسيا في استعادة السيطرة على القصير الشهر الماضي وهو الآن في معركة حمص. كما شهد الشهر الماضي أيضاً تدفقاً لشيعة عراقيين تابعين لمجموعتيْ كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، اللتان يعود تاريخهما إلى أيام الاحتلال الأمريكي للعراق. وحاربت المجموعتان المتمردين السنة في دمشق وحولها.
أما الآن، ومع تدخل القرضاوي، فإن من المرجح تسريع وصول المتمردين السنة . فالأمر لا يتعلق بقيام جميع أتباعه بحزم حقائبهم فجأة، لكن بالإمكان التوقع أن يجرف تصريحه عدداً معيناً من المعتصمين عند السياج. وبهذه الطريقة، فإن هناك فرصة جيدة لأن يكون هناك أكثر من 10000 مقاتل أجنبي على جانبي الحرب السورية في غضون عام أو اثنين.
إن انخراط جهات عسكرية غير حكومية على هذا المستوى سيخلق مجموعة من التحديات الأمنية في سوريا وخارجها. ففي سوريا، أدى وجود مقاتلين أجانب متطرفين إلى جعل مفاوضات السلام وجهود إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع أمراً أكثر تعقيدا. أما إقليميا، فإن هناك بالفعل قتالاً طائفياً يمتد من سوريا إلى لبنان والعراق، البلدان المجاوران. وفي ميدان آخر أبعد، سوف يسقط بأيدي الديمقراطيات الوليدة في تونس، ليبيا، ومصر عندما يعود المئات من الجهاديين المتمرسين على القتال إلى ديارهم. كما أن لدى الحكومات الغربية في كل من أوروبا وأميركا الشمالية سبباً للقلق أيضاً بشأن المواطنين المسلمين المتطرفين العائدين من سوريا. مع ذلك، إن الجانب الأكثر إزعاجا من ذلك كله، هو أن دول المنطقة سوف تتورط بشكل مباشر في الحرب للدفاع عمن يعتبرونهم إخوة لهم يعانون في سورية. وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى حرب شاملة بالوكالة مع عواقب لا يمكن التنبؤ بها.
بالفعل، كان هناك بعض المنافسة بين الدول السنية على النفوذ في الحرب السورية. في الواقع، إن إحدى الطرق لتفسير بيان القرضاوي هو أنه أحد  أعراض الصراع بين قطر والمملكة العربية السعودية حول رعاية المتمردين السوريين.  وقد يكون القرضاوي، المصري المقيم في قطر، قد سعى لمنافسة زملائه المحافظين في المملكة العربية السعودية، ومعظمهم ممن قال بعدم وجوب انضمام من هم من غير السوريين إلى القتال بل دعمه عبر وسائل أخرى. وقد يكون القرضاوي أعرب، من خلال التحدث بشدة وحزم، عن أمله بنيل النفوذ لدى المتمردين السوريين لأجل خاطر مضيفيه القطريين والفوز بالمزيد من الأتباع لنفسه في الطائفة السنية الأوسع نطاقاً. لقد شهدنا مثل الالعاب والمزايدات في العديد من النزاعات السابقة في العالم الإسلامي. على سبيل المثال، وفي الثمانينات، تنافست دول الخليج العربي للحصول على  لقب الجهة المانحة الأكثر سخاء للمجاهدين الأفغان، وتنافست المملكة العربية السعودية مع ايران في التسعينات  حول مَن من البلدين بإمكانه ارسال المزيد من الأسلحة للمسلمين في البوسنة. وغني عن القول، أن هذه عملية يمتاز فيها التصعيد العسكري على الحل الدبلوماسي.
بطبيعة الحال، لا ينبغي لنا المبالغة في دور القرضاوي في أزمة سوريا – فالنار كانت هناك قبل أن يصب الزيت عليها . مع ذلك، فإن بيان 31 مايو يعمل، على أقل تقدير، كمؤشر هام على رأي رجال الدين السنة في الحرب السورية. بل هو علامة على أن ما اعتادت السنية الدينية والنخب السياسية على اعتباره مثيراً للمشاكل يدخل الآن في التيار السائد. ورغم أن العديد من المعلقين في وسائل الإعلام، بما في ذلك العرب السنة، قد انتقدوا القرضاوي واتهموه بتشجيع العنف الطائفي، فإن الادانة بالكاد كانت طاغية. ولم يظهر القرضاوي نفسه أية نية بالتراجع عن تصريحه. لكن حتى لو فعل، فإن جن الطائفية المتشددة قد خرج من القمقم.

ـ توماس هيغهامر: زميل زوكرمان في مركز جامعة ستانفورد للأمن والتعاون الدولي.
ـ هارون إي. زيلين هو زميل ريتشارد بورو في معهد واشنطن.

(*) ترجمة: إيمان سويد ـ خاص لموقع مجموعة الخدمات البحثية

موقع الخدمات البحثية