أوراق إستراتيجية » منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط: خلق الظروف لتقدم مستدام

باولو فورادوري ـ مارتن ب. مالين
Belfer Center for Science and International Affairs
ورقة بحث / كانون أول 2012


الجزء الثالث

إيران، إسرائيل وسوريا: ضرورة ضبط النفس

إن إدارة وحل الصراعات الكبرى في الشرق الأوسط ضرورة ملحة في حد ذاتها ومن شأنها أن تولد فوائد أكثر أهمية من مجرد المساعدة في إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
ومع ذلك، نحن نقدم هذه الأفكار حول إيران، وإسرائيل، وسوريا بما أن كل بلد من هذه البلدان مرتبط لا محالة بفرص التقدم في إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. وفي جميع الحالات الثلاث، فإن التوصية الأهم لجميع الأطراف هو الحد الأقصى من ضبط النفس .

إنهاء المواجهة مع إيران

نظرا لمستوى الشك وعدم الثقة المتبادل، فإن احتمال حصول صفقة كبرى لإنهاء حالة الجمود مع إيران هو احتمال بعيد. ولكن العديد من الخطوات المؤقتة ممكنة، وتنطوي على تنازلات من إيران ومن القوى الغربية على حد سواء، والتي يمكن أن تشكل  كسراً للجمود، وحداً للتوتر، اختباراً للنوايا الإيرانية، وتوفيراً لقدر أكبر من الشفافية حول أنشطة إيران النووية. أما الأهداف الأكثر إلحاحاً بالنسبة للدول 5+1 فضلاً عن جيران إيران، فهي زيادة الوقت والجهد اللازمين لإيران للـ'الخروج' وإنتاج سلاح، وتعزيز التحقق من أنشطة إيران النووية. ويمكن تحقيق هذه الأهداف على أساس مؤقت إذا ما أوقفت إيران تخصيب اليورانيوم بمستويات أعلى، شحنت المواد المخصبة إلى خارج البلاد لتصنيع عناصر الوقود، وتنفيذ البروتوكول الإضافي. بالنسبة لإيران، فإن الهدف الأكثر إلحاحاً هو إعفائها من العقوبات وضمان عدم تعرضها للهجوم. أما بدايةً، فيحتمل أن تكون الصفقة الأولية البناءة اتفاقاً هادئاًَ تلتزم فيه إيران بتعليق 20 بالمئة من التخصيب في مقابل

ضمان عدم شن أي هجوم أو إطلاق أي تهديد ضدها طالما أن المفاوضات جارية.قد تكون الخطوة التالية اتفاقاً، على أساس مستمر، حول شحن مخزونات المواد المخصبة وتنفيذ البروتوكول الإضافي مقابل تخفيف تدريجي للعقوبات تدريجية. إن مثل هذا الاتفاق يشكل اعترافاً فعلياً بحق إيران في التخصيب. وسيكون لتخفيض مستوى التوتر مع إيران تأثير كبير ومفيد على فرص التقدم في قضيتيْ الأمن الإقليمي والحد من التسلح في المنطقة.

حمل 'إسرائيل' على المشاركة

أظهرت الأزمة الأخيرة في غزة كيف أن العنف الإسرائيلي الفلسطيني يمكن أن يقوض فرص إحراز تقدم في قضايا الأمن الإقليمي الأوسع. يجب على إسرائيل تجنب اتخاذ إجراءات استفزازية - مثل بناء المستوطنات والاغتيالات – التي تزيد من الغموض وعدم الاستقرار في المنطقة.
فالعمل العسكري ضد إيران، رغم أنها لا تشكل تهديدا وشيكا، يندرج تحت هذا البند مباشرة. هناك حاجة ملحة لأن تتخذ إسرائيل خطوات جريئة لاستئناف المحادثات مع الفلسطينيين التي من شأنها أيضا تحسين مناخ التعاون مع الدول العربية بشكل عام.
يجب على إسرائيل أن تبدأ في التعامل مع الآثار المترتبة على وضع راهن غير مستدام. إن أهم الاتجاهات والعمليات التي تعمل على صياغة البيئة في إسرائيل الأمنية- صعود المشاركة السياسية في العالم العربي، نشر التكنولوجيا، وتآكل النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط – هي اتجاهات مستقلة، إلى حد كبير، وستفرض في نهاية المطاف إعادة النظر في سياسات إسرائيل الاستراتيجية، بغض النظر عن مبادرة 'منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل'. يمكن لدول المنطقة المساعدة على توجيه إعادة التقييم ذاك بعيداً عن استراتيجيات الوقاية والردع باتجاه مزيد من المقاربات الإقليمية التعاونية. إن أهم خطوة يمكن لدول العربية ومؤتمر المنطقة الخالية من أسلحة الدمار الشامل لتشجيع إسرائيل على المشاركة هي التوافق على تأسيس منتدى أمني إقليمي يستند إلى سلطة انعقاد مستقلة (انظر أدناه) لمواصلة المناقشات. إن مثل هذه المظلة الإقليمية لا تتداخل بالضرورة مع تفويض مؤتمر استعراض معاهدة عدم الانتشار، وإنما تكملها في الطريقة التي من شأنها تسهيل مشاركة إسرائيل باعتبارها دولة غير عضو في معاهدة حظر الانتشار النووي. ونظراً لهذه الفرصة الفرصة، قد ترى إسرائيل بأن الدخول في مناقشات بشأن إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل هو في مصلحتها.

تتطلب العملية الانتقالية للنظام ونزع أسلحة الدمار الشامل في سوريا إدارة دولية شاملة

في حين يبدو الركود سمة مستمرة للحرب الأهلية السورية، فإن الظروف على أرض الواقع مائعة؛ فالعنف أصبح أكثر وحشية ومذهبية. ومن الصعب أن نتصور مناقشات مثمرة لمنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، بينما تستمر الحرب الأهلية على الأرض وتستقطب المنطقة. هناك حاجة ملحة لزيادة التنسيق الدولي لتجنب امتداد الصراع إلى دول الجوار، وتعزيز عدم التصعيد، وتسهيل التفاوض الضروري حول الشروط التي ستحصل بظلها العملية الانتقالية الحتمية. ورغم أنها في الواقع شراكات غريبة، تتقاسم الولايات المتحدة، روسيا، وإيران ـ وجميعها دول لاعبة أساسية الآن في الحرب الأهلية السورية- مصلحة قوية في منع استيلاء السلفيين على قوى المعارضة. ينبغي استغلال تحالف المصلحة الضمني هذا للتنسيق حيثما يكون ذلك ممكناً وعدم تصعيد الصراع. وعلى أي حال، سيكون هناك حاجة للتعاون الروسي - الإيراني ولا ينبغي استثناؤه من التخطيط لمرحلة ما بعد الصراع.

في غضون ذلك، لا بد من دفع العراق للقضاء على شحنات الأسلحة المرسلة إلى قوات النظام (السوري). إن ظهور الائتلاف الوطني الجديد لقوى المعارضة السورية بادرة طيبة، وإذا ما أثبت انسجامه المستمر وفاعليته الوظيفيه، فينبغي له عندها كسب الاعتراف الدولي المتزايد.
في غضون ذلك، من الأهمية بمكان أن يبذل الرئيس الأسد كل جهد ممكن لضمان أمن الأسلحة الكيميائية والتعهد بعدم استخدامها. يجب أن يكون نزع الأسلحة الكيميائية السورية جزءاً من أي عملية انتقال للتفاوض في سوريا وشرطاً للحصول على الدعم الدولي للنظام السوري الجديد.

الحد من الغموض والعمل على بناء الثقة: تدابير على المدى القريب


بالإضافة إلى التدابير المذكورة أعلاه، فإن عدداً من الخطوات ذات الأولوية العليا إذا ما اتخذت في الأيام والشهور ستشكل برهاناً أحادي الجانب عن دعمهم، من حيث المبدأ، لعملية إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. وتشمل هذه التدابير توفير الدعم الكامل للوسيط، إعلان الدعم لإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، توضيح وتبادل التصورات حول التهديد، واتخاذ عدد ما من الخطوات لتعزيز الدعم لمختلف ضوابط منع انتشار أسلحة الدمار الشامل.

تهدف جميع هذه التدابير إلى المساعدة على خلق الظروف لحصول تقدم حقيقي من خلال توفير الطمأنينة عبر التدابير التعاونية. وفي حين ستكون التدابير التقليدية لبناء الأمن الرامية إلى الحد من خطر الهجوم المفاجئ أو تصعيد الأزمة موضع ترحيب، فإنه ينبغي متابعة تدابير سياسية أوسع نطاقاً، لا علاقة لها بأسلحة الدمار الشامل أو التهديدات العسكرية التهديدات.
وينبغي لهذه التدابير أن تركز على زيادة الانفتاح والشفافية، خلق مسارات تواصل جديدة، طمأنة الآخرين حول سلمية النوايا. وينبغي للحكومات في المنطقة الاعتماد على قدر من ضبط النفس، لا سيما في استخدام اللغة التحريضية تجاه خصومهم في المنطقة. مثل هذا العمل، على نطاق واسع، سيكون هاماً في الحد من آثار التوتر.
ينبغي التفاوض على خطوة للمدى القريب: الاتفاق على إعلان مبادئ لتوجيه عملية التفاوض.

تقديم التعاون الكامل مع الوسيط


يجب على جميع الأطراف في المنطقة تقديم تعاونها الكامل لكل ما يحدده الوسيط لعقد اجتماع أولي ولخطوات المتابعة. إن  مشاركة جميع الدول في المؤتمر المبدئي أمر حيوي  إذا ما كان اجتماع هلسنكي سيكون علامة البداية لمشاركة أكثر كثافة في قضايا أسلحة الدمار الشامل. إن التصريحات  العامة، خاصة من قبل إسرائيل  ( الآن وقد  أعلنت إيران نيتها الحضور)، التي تشير إلى استعدادها المشاركة بحسن نية في وقت مبكر من العام 2013 سوف يخفف من الغموض والالتباس حول مصير الاجتماع المبدئي.

إعلان الدعم لمفهوم المنطقة

أعربت كل دولة في المنطقة عن دعمها لمفهوم إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. ويتعين على الحكومات المشاركة في مؤتمر الأولي نشر بيانات عن تأكيد تأييدها لإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل وتحديد الظروف التي سوف تكون هذه الدول، بظلها، على استعداد للانضمام هذه المنطقة. وينبغي لمثل هذه التصريحات، كأمثل ما يكون، أن تنشر في وقت مبكر من المؤتمر الأولي.

تبادل مفاهيم التهديد

ينبغي لعملية جادة تهدف إلى إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل ونظام علاقات أكثر أمناً واستقراراً في الشرق الأوسط أن تبدأ بتشخيص دقيق للمشاكل التي يتعين التغلب عليها. ويجب على الدول المشاركة في مناقشات منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل تبادل مذكرات عبر الوسيط تحوي تفاصيل تصورات كل منها للتهديدات الأمنية الوطنية، لا سيما تلك التي لها تأثير مباشر على الحفاظ على القدرات العسكرية للتمكين من الاستجابة المسلحة. إن التبادل سينتج عنه حتماً ائتلافات شاملة ويضع حداً للاستقطاب في المفاوضات المعقدة الجارية ذات الصلة بأسلحة الدمار الشامل القضايا.

تشجيع المبادرات الأحادية وشبه الإقليمية

ينبغي للدول الإقليمية، وبشكل مستقل عن عملية التفاوض حول منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل رسمياً، وينبغي أن تأخذ، أحادياً أو في إطار شبه إقليمي أية مبادرة محتملة يمكن أن تدفع عجلة التقدم نحو الهدف النهائي لمنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. أما بما عدا الانضمام الأحادي (أو ما قبل الانضمام) لمعاهدات نزع السلاح العالمية (التي قد لا تكون في الوقت الراهن خيارا قابلا للتطبيق بالنسبة للعديد من البلدان في المنطقة)، فإن الأمثلة الأكثر واقعية تشمل تدابير التنفيذ الوطنية لحظر الانتشار وأفضل الممارسات لذلك تكون من خلال الأنظمة والتشريعات والتطوير المؤسساتي، وتعزيز مخططات القدرات البشرية الوطنية أو المتعددة الجنسيات في سلامة وأمن وعدم الانتشار الكيميائي، البيولوجي الإشعاعي والنووي (CBRN)، وتنفيذ آليات الإبلاغ الطوعي، والتعاون في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية والتكنولوجيا. أما المثال التوضيحي للاحتمال الأخير فهو 'ضوء السنكروترون للعلوم التجريبية وتطبيقاتها في مبادرة الشرق الأوسط' (SESAME) ، الذي هو قيد الإنشاء في الأردن برعاية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو). ويضم أعضاؤه الحاليين البحرين، قبرص، مصر، إيران، 'إسرائيل'، الأردن، باكستان والسلطة الفلسطينية، وتركيا.

الاتفاق على المبادئ

ينبغي على الدول الإقليمية الاتفاق على مبادئ عامة لتوجيه مناقشاتهم.
ستكون مسألة بسيطة نسبياً الاستناد إلى لغة من وثائق الإجماع القائمة، على سبيل المثال، الصادرة عن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة لإنشاء مناطق خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط  Fitzpatrick)2012، ص 20). ومع ذلك، ينبغي لهذه المبادئ أيضاً أن تتجاوز القرارات القائمة لتشمل اللغة الملزمة للأطراف في السعي التعاوني للسلام والأمن لجميع دول المنطقة، دعم وتعزيز جهود حظر الانتشار النووي، والمشاركة في عملية مستمرة وتدريجية.

جعل العملية صحيحة: إنشاء منتدى أمن إقليمي

ينبغي لدول المنطقة إنشاء منتدى إقليمي لمناقشة قضايا الأمن المتبادل ذات الاهتمام المتبادل.
يجب أن تكون عملية معالجة أسلحة الدمار الشامل وغيرها من قضايا الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط مبنية على أساس إقليمي. أثار مؤتمر استعراض معاهدة عدم الانتشار النووي2010 حركة هامة من خلال الإصرار على الجهد الحالي، وأدرك حدوده من خلال مناشدته الأمين العام للأمم المتحدة تعيين وسيط. وللاستفادة من الزخم الأولي، لا بد من عملية تأخذ مكانها رسمياً في الشرق الأوسط. إن مهمة تخليص المنطقة من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية ومنظومات إطلاقها لا تعتبر خارج نطاق اختصاص معاهدة حظر الانتشار النووي فحسب، بما أن سلطة معاهدة عدم الانتشار النووي لا تشمل إسرائيل، وعليه يجب وضع مصدر إقليمي لديه سلطة عقد اجتماعات.
إذ يمكن للمنتدى أن يكون مظلة لبحث التعاون الأمني الإقليمي، هيئة تنسيق للمناقشات الجارية حول قضايا أسلحة الدمار الشامل، مجموعة لتبادل المعلومات وتدابير الشفافية الأخرى، وموقعاً للتفاوض حول معايير بناء الثقة. وسيشارك الراعون لمعاهدة حظر الانتشار النووي والوسيط في مبادرة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في مناقشات منتدى الأمن الإقليمي وتقديم تقرير عن التقدم (أو عدمه) إلى مؤتمر استعراض معاهدة عدم الانتشار.

تبسيط القضايا وفصلها


نظرا لعدد القضايا ، الجهات الفاعلة، المصالح، والعمليات المختلفة الجارية في مناقشات منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، لا بد من فصل القضايا في مكوناتها للبدء في سد الفجوات بين المواقف وحل المشاكل التي تفصل بين الأطراف. وكانت محادثات ACRS جزءاً من مجموعة أكبر من الثنائية والمسارات المتعددة الأطراف التي أنشئت لتبسيط القضايا والفصل بينها.
وللأسف، فإن الرابط بين المسارات المتعددة الأطراف والمسارات الثنائية يعني أن تنفيذ تدابير إبداعية وحتى رائدة في بناء الثقة وبناء الأمن رهن بحصول اختراق في المحادثات الفلسطينية- الإسرائيلية. ينبغي أن يكون جدول أعمال القضايا المشمولة في المبادرة الحالية واسعاً، لتغطية مصالح جميع الأطراف، بما في ذلك القضايا السياسية الثنائية إذا ما نشأت مطالبة بذلك؛ لكن لتجنب الخوض في مستنقعات معروفة، ينبغي لمجموعات العمل العاملة على تشريح تلك القضايا التركيز عليها بشكل ضيق. ينبغي أن تكون المناقشات متزامنة ومستمرة، وأن تتم من دون رابط رسمي.

فتح المنتدى


ينبغي أن يكون المنتدى المبني على أساس إقليمي للبحث المستمر بالقضايا الأمنية مفتوحاً نسبياً، نظرا لأن جميع الأطراف في المنطقة لديها رهانات كبيرة على جميع القضايا، ويجوز أن يكون لأطراف من خارج المنطقة أيضاً مساهمات هامة لإجراء هذه المناقشات. ومن تحت الطاولة، قد ترغب بعض الحكومات في عقد أو تشجيع عقد عدة مستويات من المناقشات. بعض هذه المحادثات ينبغي أن تكون رسمية وبين الحكومات، ما يتيح للأطراف اللقاء وجهاً لوجه، تثبيت مواقفهم، والدخول في المفاوضات. ستكون هناك محادثات أخرى تقنية، يهدف فيها الخبراء إلى حل المشاكل. قد يكون للمجموعات غير الحكومية مساهمات هامة في نقاط مختلفة في المناقشات الجارية. وستكون المناقشات غير الرسمية أو المسار2 وسيلة أساسية لإحراز تقدم. ينبغي أن يكون لمنتدى الأمن الإقليمي صلاحية وتفويض عقد جلسات مناقشة من كل المستويات والتفاوض مباشرة، من دون الحاجة إلى وساطة خارجية ( Jones 2009- 2010).

الحفاظ على الدعم المستمر الخارجي المنسق

نظراً إلى السياق السياسي والأمني الإقليمي المعقد في الشرق الأوسط، من غير المحتمل أبداً أن يتحقق إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل من دون ضغط كبير ومساعدة من خارج المنطقة. إذ من المنطقي والمعقول أن نتوقع إمكانية لعب الولايات المتحدة لدور محفز في المفاوضات، انسجاماً مع الراعيين المعينين الآخرين، بريطانيا وروسيا. إذ تحتفظ الولايات المتحدة بوجود عسكري هام في المنطقة، ولديها خبرة عميقة مع دول الشرق الأوسط الرئيسية (مثل مصر، إسرائيل، والمملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج)، وتلعب دوراً مهيمناً في إدارة الصراع في الشرق الأوسط وفي التصورات الأمنية. ينبغي للولايات المتحدة، بوجه خاص، أن تدعم الوسيط لعقد الاجتماع الأولي ودعم الخطوات التالية ويجب عليها  ممارسة الضغط وتقديم الإغراءات للتأثير على الأطراف في المنطقة وضمان أن تكون هذه الاتصالات الأولية مثمرة.

ما بعد المدى القريب: مقاربة تدريجية

انطلاقاً من هذا التحليل، من الواضح أن منطقة الشرق الأوسط متقلبة ومعقدة جداً لتحقيق المنطقة المقترحة الخالية من أسلحة الدمار الشامل، بنجاح، على المدى القصير. وبين الجمود والهدف المتطرف وفق نموذج 'الكل مرة واحدة'، إلا أن من الممكن تحديد مقاربات وسطية وواقعية حيث يمكن تقسيم العملية إلى خطوات أصغر حجما وأكثر قابلية للإدارة. نحن نعتمد على عدة مقترحات من هذا النوع تم تحقيقها في الماضي.

وضعت دراسة لخبراء تابعين للأمم المتحدة 1990 عن 'مفهوم منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط استراتيجية الخطوة بخطوة والتي ربما يمكن تطبيقها دون المساس بأمن الأطراف. وتتكوَّن هذه الاستراتيجية من خطوات متتابعة تدريجية ، بدءاً من معايير بناء الثقة (حظر التجارب الإقليمية، وقطع المواد الانشطارية، قبول ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار) يعقبها توفير ضمانات الأمن النووي السلبية من قبل الدول الحائزة على السلاح النووي (NWSs). وتشمل الاستراتيجية المقترحة أيضاً الانتقال من الإعلان عن المواد النووية الموجودة إلى ضمانات أمنية إيجابية للقوى الخارجية، وأخيراًَ الانتقال إلى تطوير نظم فعالة للتحقق الإقليمي. اقترح تقرير آخر للأمم المتحدة عام 2004 مقاربة مماثلة من ثلاث خطوات متتابعة. وشملت، لأول مرة، اعتماد معايير بناء الثقة والأمن إلى جانب وجود إعلان 'لا لأول استخدام'  (no- first- ascii117se) من قبل جميع الأطراف، ثانياً، التحقق من سقف مخزونات أسلحة الدمار الشامل الموجودة وتجميد إنتاج المواد الانشطارية، ثالثا، إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، فعلياً، من خلال القضاء التدريجي على مخزونات أسلحة الدمار الشامل بعد تطبيع العلاقات بين إسرائيل وجيرانها.

بالإمكان أيضا تطبيق طريقة متسلسلة، وبشكل فعال، في النطاق الجغرافي للمنطقة ( المنطقة الخالية). وهناك دراسة أجرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1989 تميز بين الدول 'الأساسية' و 'الهامشية' في منطقة الشرق الأوسط. كما أن هناك تقريراً صادر عن الأمم المتحدة عام 1990 يميز، وبالمثل، بين 'البلدان الأساسية' و'الهامشية'. ويشير ليونارد وبراويتز ( 1999) إلى أن المنطقة الحرة يمكن أن تبدأ بمجموعة صغيرة من الدول، في حين يُسمح لدول أخرى بتأجيل  الدخول. فعلى سبيل المثال، لقد تم تطبيق مسار مماثل بنجاح في حالة المنطقة الخالية من الأسلحة النووية في أميركا اللاتينية. ويقترح هولوين ( 2006، ص 10-11 ) أن تبدأ المنطقة من شبه مجموعة دول الخليج، والتوسع تدريجياً، على أساس 'سياسة الباب المفتوح'، لتشمل شبه مجموعة دول المشرق العربي.

ويمكن أيضاً الانكباب على معالجة المخاوف الأمنية الإسرائيلية وتفكيك ترسانتها النووية من خلال مقاربة تدريجية. ويشير جونز (2005، ص 10-11) في تصوره الانعكاس النووي كعملية تتكشف على مدى فترة من الزمن وليس بغمضة عين وانتباهتها، إلى أنه ينبغي السماح لإسرائيل بفترة 'تحوط'. هذا البند مطلوب لتلبية هوس وهاجس مفهوم لدول ' قد تكون على استعداد للتوقيع على إعلان عام للنوايا أو تشير إلى وجود استعداد للتوقيع في نهاية المطاف على معاهدة لكن القرار بالقيام بذلك ليس نهائياً تماماً حتى يتم الاقتناع تماماً بأنها لن تحتاج إلى خيار أسلحة الدمار الشامل'.

إن تفاصيل خارطة الطريق لإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط سوف تبرز من خلال عملية التفاوض. أما في هذه المرحلة فإن المطلوب هو أن يكون الاتفاق العام – الذي يحتاج مع ذلك إلى ضمانة ـ بشأن مصير منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل اتفاقاً مرغوباً به؛ ما يعني بأنه ينبغي لجميع الدول في المنطقة التمتع بالمكاسب في حالة السلام والأمن، وأن  الوصول إلى هناك سيكون عبارة عن عملية طويلة وصعبة، وبأن الانخراط والمشاركة باستمرار مع الآخرين لإيجاد الطريق إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل أمر أفضل من البدائل المتصورة.
ومن المستحيل معرفة ما إذا كان الشرق الأوسط سوف يشرع قريبا بعملية مكثفة أكثر لإيجاد حلول تعاونية للمشاكل الأمنية الإقليمية لإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في نهاية المطاف، أو ما إذا كان هذا الجهد سيتحطم، كالجهود السابقة، على صخرة عدم الثقة، الشك، واستمرار العنف.

مع ذلك، من الواضح أنه إذا ما رفضت حكومات المنطقة حتى محاولة التعامل مع بعضها البعض حول هذه القضايا الصعبة، فإن النتيجة المرجحة ستكون أمناً أقل وانتشار أكبر لأسلحة الدمار الشامل. إن البدء بعملية يشكل تقدماً.

ملحق: مناطق خالية من الأسلحة النووية

إن المنطقة الخالية من الأسلحة النووية ( NWFZ) هي منطقة جغرافية لا يجوز فيها للدول بناء وامتلاك ونقل ونشر، أو اختبار الأسلحة النووية. ويرد تعريف رسمي للمفهوم بالقرار3472 ب الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في11 ديسمبر 1975، والذي ينص على:

كقاعدة عامة، يجب اعتبار' المنطقة الخالية من الأسلحة النووية'، أية منطقة مُقرَّة بأنها كذلك من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي قامت مجموعة من الدول، أيا تكن، والتي تمارس سيادتها بحرية، بإنشائها بموجب معاهدة أو اتفاقية تقضي بـ:

أ ) قانون الغياب التام للأسلحة النووية في المنطقة التي ستكون خاضعة للمعاهدة، بما في ذلك تحديد إجراء ترسيم حدود المنطقة؛

ب) إنشاء نظام دولي للتحقق والمراقبة لضمان الامتثال للالتزامات الناشئة عن القانون (الأمم المتحدة 1975).

الأساس المنطقي

إن الغرض المباشر من مناطق خالية من السلاح النووي ( NWFZ) هو توفير الاطمئنان حول عدم الانتشار النووي من خلال الامتثال لالتزامات محددة ومتفق عليها في المعاهدة. إن مناطق NWFZs هي عناصر تكميلية في النظام المطور كجزء من معاهدة عام 1968 بشأن عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) والمساهمة بفعالية لجهة الامتثال والتنفيذ. وتهدف مناطق  NWFZs إلى تعزيز أمن الدول في منطقة معينة، وبالتالي، أمن النظام الدولي ككل. تعزز مناطق NWFZsأيضاً، على المدى الطويل، نزع السلاح على الصعيد العالمي عن طريق تسييج مناطق بأكملها في العالم، فعلياً، من الأسلحة النووية (باريش ودوبريز 2006، ص 2). إن إنشاء مناطق إقليمية خالية من السلاح النووي ( NWFZs ) توسع، تدريجياً، مناطق العالم 'التي تحظر الأسلحة النووية إلى

درجة تكون فيها أراضي القوى التي تمتلك هذه الأسلحة الرهيبة من أسلحة الدمار الشامل شيئاً من قبيل الجزر الملوثة الخاضعة لحجر صحي '.

مناطق خالية من الأسلحة النووية

في الوقت الحاضر، هناك خمسة مناطق خالية من أسلحة الدمار الشامل( NWFZs )، والتي تتكتل في  مناطق يمكن التعرف عليها بوضوح. إن السلطة القانونية لإنشاء المناطق الخالية من الأسلحة مستمدة من المادة 53 من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يعترف بدور التنظيمات الإقليمية والوكالات في صون السلم والأمن الدوليين. وتتوقع معاهدة حظر الانتشار النووي ( NPT) أيضاً إنشاء مناطق NWFZs. فمادتها السابعة تقول، 'ليس في هذه المعاهدة ما يمس حق أية مجموعة من الدول للتوصل إلى معاهدات إقليمية من أجل ضمان الغياب التام للأسلحة النووية في أراضي كل منها '. ومع ما مجموعه 112 من البلدان الأعضاء،  تغطي المناطق الخمس نصف الكرة الجنوبي بأكمله تقريباً. أما المناطق الخالية من السلاح، المعروفة أيضاً وفقاً لأسماء معاهداتها، فهي كما يلي:

منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي ( معاهدة Tlateloco)
وقعت وصدقت عليها جميع الدول الـ 33 من المنطقة. وكانت هذه المعاهدة منطقة الحظر النووي( NWFZ ) الأولى التي تغطي منطقة مكتظة بالسكان.
وفتح باب التواقيع في عام 1967 ودخلت حيز النفاذ في عام 1969. وقد نشأت المنطقة رداً على أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 ورغبة الدول في المنطقة لاحقاً بتعزيز نزع السلاح النووي الكامل. وتضم المنطقة بلدين متنافسين منذ فترة طويلة، هما الأرجنتين والبرازيل، وكانت كلاهما، عند توقيع المعاهدة، تخضعان لحكومات عسكرية سعت لامتلاك قدرات السلاح النووي.

منطقة جنوب المحيط الهادئ NWFZ (معاهدة راروتونغا)
تشمل 13 عضوا في منتدى جزر المحيط الهادئ. تمتد منطقة تطبيقها أفقياً من الساحل الغربي لاستراليا إلى حدود منطقة NWFZ من أمريكا اللاتينية، ويتضمن ذلك جزءاً واسعاً من جنوب المحيط الهادئ بدءاً من خط الاستواء جنوبا وصولاً إلى منطقة' الأنتاركتيكا' ( القطب الجنوبي) منزوعة السلاح. فتح باب التوقيع عليها في عام 1985، ودخلت حيز النفاذ في عام 1986.
هذه المنطقة الحرة نشأت من جراء قلق الدول الأعضاء فيها من التجارب النووية التي أجريت في جنوب المحيط الهادئ من أواخر الأربعينات حتى أواخر الستينات، أولا من قبل الولايات المتحدة (106 تجربة نووية )، بريطانيا (21 تجربة) وفرنسا لاحقاً (193 تجربة نووية في الفترة من عام 1966 حتى 1996).

منطقة NWFZ  جنوب شرق آسيا (معاهدة بانكوك)

تشمل جميع دول الآسيان العشر. فتح باب التوقيع عليها في عام 1995.

دخلت حيز النفاذ في عام 1997. رغم أن تصور هذه المنطقة يعود إلى أوائل السبعينات، وقد أعاق تنفيذها الوضع الجغرافي السياسي غير المستقر في المنطقة ولم تحرز تقدماً إلا عندما سحبت الولايات المتحدة قواتها العسكرية (بما في ذلك الأسلحة النووية) من الفليبين في عام 1992.

منطقة NWFZ الأفريقية (معاهدة بليندابا)
تشمل جميع البلدان الـ 53 في القارة الأفريقية. فتح باب التوقيع عليها في عام 1996، دخلت حيز التنفيذ فقط في عام 2009. وكمنطقة NWFZ جنوب المحيط الهادئ، نشأ المحرك الأولي لنزع السلاح النووي مع الاحتجاجات على التجارب النووية في المنطقة. ومع ذلك، أثبتت أعمال هذه المعاهدة بأنها غير مجدية في سياق الحرب الباردة.
أدت نهاية المواجهة بين القطبين ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا لنقلة انتهت بتفكيك البرنامج النووي في جنوب أفريقيا عام 1991 وانضمامها إلى معاهدة حظر الانتشار النووي.

منطقة NWFZ في آسيا الوسطى (معاهدة CANWFZ)
تضم خمس دول من آسيا الوسطى (كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، تركمانستان وأوزبكستان) في منطقة ذات أهمية استراتيجية كبيرة فيها الآلاف من الأسلحة النووية السوفيتية التي تم نشرها خلال الحرب الباردة. إنها أول منطقة تقع بالكامل في نصف الكرة الشمالي. فتح باب التوقيع عليها في عام 2006، دخلت حيز النفاذ في عام 2009.

بالإضافة إلى هذه القائمة من المناطق الخالية من الأسلحة النووية ( NWFZs )، هناك ترتيبات أخرى يتوقع منها نزع السلاح النووي في مناطق غير مأهولة محددة تشملها معاهدة أنتاركتيكا، (1961)، ومعاهدة الفضاء الخارجي (1967)، واتفاق القمر (1984)، ومعاهدة قاع البحار(1972). كما أعلنت منغوليا عن نفسها أيضاً (1992) ومعترف بها دوليا باعتبارها منطقة NWFZ من دولة واحدة (1998). وأخيرا، هناك عدد من البلدان (مثل النمسا واليابان) والمقاطعات والمدن التي تمتلك سياسات وطنية أو قوانين تحظر نشر الأسلحة النووية على أراضيها. ومع ذلك، فإن تلك السياسات والقوانين غير معترف بها دولياً.

سمات خاصة

إن المناطق الخالية من الأسلحة النووية تكمل وتعزز نظام معاهدة عدم الانتشار من خلال المطالبة بمستوى أعلى من التزام  دول أعضاء في المنطقة وكذلك من الدول الحائزة للأسلحة النووية خارج المنطقة (NWSs).
ويتحقق هذا الغرض بعدة طرق. أولاً، يتعين على الدول في منطقة NWFZ المضي قدماً بما يتعدى المادة 2 من معاهدة منع الانتشار التي تحظر إنتاج أو حيازة أو نقل الأسلحة النووية أو الأجهزة المتفجرة النووية الأخرى. وتصف المبادئ والخطوط التوجيهية لإنشاء مناطق  NWFZ والتي وردت في تقرير لجنة الأمم المتحدة لنزع السلاح في 30 أبريل 1999 حظراً أكثر شمولاً، مشيرة إلى أنه ' ينبغي لمنطقة خالية من الأسلحة النووية أن توفر الحظر الفعال على الدول الأطراف في المعاهدة لتطوير، تصنيع، سيطرة، حيازة، اختبار، تمركز أو نقل أي نوع من أنواع الأجهزة النووية المتفجرة لأي غرض، وينبغي أن تنص على عدم سماح الدول الأطراف في المعاهدة بتمركز أي من أجهزة التفجير النووية من جانب أي دولة أخرى في المنطقة ( الخالية من السلاح النووي) '.(لجنة الأمم المتحدة لنزع السلاح، المادة 33). إن الحظر المفروض على تمركز أو وضع الأسلحة النووية في قواعد داخل المناطق الخالية من الأسلحة له أهمية خاصة من الوجهة الأمنية وعدم الانتشار. إن معاهدة عدم الانتشار النووي لا تمنع صراحة، أو تبقى غامضة عمداً، بشأن نشر الأسلحة النووية التابعة للدول الحائزة على السلاح النووي

( NWSs) على أراضي الدول غير الحائزة للأسلحة النووية (NNWSs) في الحالات التي تكون فيها السيطرة على الأسلحة غير منقولة - كما كان الحال مع الأسلحة النووية السوفييتية المنتشرة في دول حلف وارسووكما لا يزال ينطبق الحال على الأسلحة النووية التكتيكية الأميركية المنشورة في أوروبا.

بالإضافة إلى تطلبها حظراً أكثر شمولاً ضد تصنيع، حيازة ونقل أسلحة نووية، مما هو محدد في المادة الثانية من معاهدة حظر الانتشار النووي، توفر مناطق الحظر النووي( NWFZs ) 'ضمانات أمنية سلبية' ملزمة قانوناً من قبل دول NWSs ( الدول الحائزة على السلاح النووي). إن جميع بروتوكولات NWFZ القائمة المرفقة، والتي تحتوي على حقوق والتزامات الدول غير الإقليمية، وذلك من بين نصوص أخرى، تحظر على دول NWSs استعمال التهديد باستخدام الأسلحة النووية ضد أي دولة  من الدول في المناطق المعنية. وينتج عن هذا البند آثار تتعلق بمنع انتشار الأسلحة النووية إضافة إلى آثار أمنية مستحسنة داخل المناطق الخالية من النووي لأنها تقيد، وبشدة، استخدام الأسلحة النووية القسرية من قبل دول  NWSs.
مع ذلك، فقد واجهت عملية تصديق دول NWSs على بروتوكولات مناطق NWFZ  الحاوية على ضمانات أمنية سلبية مشاكل خطيرة في مختلف المناطق. وتم التوقيع، فقط، على بروتوكول معاهدة تلاتيلولكو لمنطقة أمريكا اللاتينية وصادقت عليها جميع الدول الحائزة على السلاح النووي ( NWSs) في حين أن لم توقع أي  من دول NWSs  على بروتوكولات مناطق NWFZs في جنوب شرق آسيا ووسطها أو تصدق عليها. في حين وقعت دول NWSs على بروتوكول المنطقة الأفريقية، ولكن لم تصادق الولايات المتحدة عليها؛ كما لم تصادق الولايات المتحدة على بروتوكول معاهدة راروتونغا أيضاً. إن العوائق الرئيسة التي تحول دون توفير الضمانات الأمنية السلبية من قبل دول  NWSs  تتضمن قضايا متعلقة بحرية البحار، حقول النقل، الصراع المحتمل بترتيبات أمنية سابقة ( Mascii117las 2011) . وكما قلنا في مكان آخر، تبدو الدول الحائزة على السلاح النووي مستمرة بأولوية اعتباراتها العسكرية لأجل قصير قبل مصالحها الأوسع نطاقاً على المدى الطويل في منع الانتشار الأفقي ( Hamel- Green ص 364).

 وضعت المناطق الخالية من الأسلحة النووية ( NWFZs ) آليات منع انتشار إضافية، ولو متفاوتة. فعلى سبيل المثال، لقد شملت منطقة أمريكا اللاتينية تدابير تحقق وحماية إضافية وأنشأت وكالة متخصصة مخصصة لضمان الامتثال الفعال للالتزامات التي قطعتها الأطراف على نفسها في معاهدة تلاتيلولكو. وخلافاً لمعاهدة عدم الانتشار ( NPT)، تتطلب منطقة  CANWFZ اعتماد الدول الأعضاء لضمانات البروتوكول الإضافي الأكثر صرامة للوكالة الذرية، والتي تسمح بعمليات التفتيش في مرافق غير معلنة، من أجل ضمان أقصى قدر من الشفافية في مجال الاستخدام السلمي للأنشطة النووية حصراً.

إن معاهداتيْ راروتونغا وبانكوك تكملان ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن طريق اشتراط تكملة تبادل التقارير والمعلومات. ويساهم ترسيخ هذه المتطلبات، وبشكل كبير، في زيادة التعاون والثقة، ما يعزز مصداقية التزامات منع الانتشار النووي التي تضطلع بها جميع الدول في المنطقة. هناك أيضاً المزيد من الاهتمام بالسلامة والأمن النوويين في المنطقة الأفريقية ( NWFZ)، حيث تنص المادة 10 من معاهدة بليندابا على ' أعلى المعايير' من الأمن والحماية المادية الفعالة للمرافق والمواد والمعدات النووية. أما في آسيا الوسطى، فيتوافق الأطراف في المعاهدة على اتخاذ خطوات لمنع الاستخدام غير المصرح به، المعالجة النووية، وسرقة المواد والتكنولوجيات النووية (المادة 9).

تعزز المعاهدات التعاون الواسع أيضاً بين الدول الأعضاء فيما يتعلق بمعالجة القضايا البيئية المتعلقة بالمواد والأنشطة النووية. إن منطقة جنوب محيط الهادئ الخالية من السلاح النووي، التي كانت ذات مرة موقع تجارب كبرى، تلتزم، تحديداً حماية الموارد الطبيعية في المنطقة وشعبها من التلوث البيئي الناجم عن المواد المشعة. لهذا الهدف، تحظر معاهدة راروتونغا صراحة حيازة واختبار أجهزة تفجير نووية، حتى للأغراض السلمية، وتحوي الحظر على إلقاء النفايات والمواد المشعة الأخرى في أي مكان في البحر داخل منطقة جنوب المحيط الهادئ.

تحظر المنطقتان الخاليتان من السلاح النووي ( NWFZs ) اللتان أسستا مؤخراً، في أفريقيا وآسيا الوسطى، بحوث الأسلحة وأجهزة التفجير النووية.

فضلاً عن ذلك، يتفق كل طرف من الأطراف  في معاهدة بليندابا على عدم تقديم مساعدة، أو تشجيع أي إجراء يهدف إلى شن هجوم مسلح بوسائل تقليدية أو غيرها ضد المنشآت النووية في المنطقة (المادة 11).

من منطقة خالية من السلاح النووي إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل


من بين التحديات العديدة التي تواجه الاقتراح الداعي إلى إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط هي حقيقة عدم وجود أمثلة واقعية لمحاكاتها. وتتعامل المعاهدات الإقليمية القائمة فقط مع الأسلحة النووية، في حين أن الفئات الأخرى من أسلحة الدمار الشامل (أي الأسلحة الكيميائية والبيولوجية ومنظومات إطلاقها) هي نطاق المعاهدات المنشئة من الناحية التقنية.

نشأ الاقتراح الحالي لمنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط من المفهوم التقليدي المتعلق بمنطقة خالية من الأسلحة النووية في المنطقة؛ فقد اقترحت إيران ومصر الفكرة في عام 1974 في مشروع قرار مقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. في نهاية المطاف تم توسيع الاقتراح الأولي ليشمل جميع فئات أسلحة الدمار الشامل، بالإضافة إلى الأسلحة النووية. في عام 1990، بدأ الرئيس المصري حسني مبارك تحويل التركيز، مقراً بالتهديد الذي يشكله وجود الأسلحة الكيميائية والبيولوجية في المنطقة. وقد تم اعتبار تغطية فئات مختلفة من أسلحة الدمار الشامل في الاقتراح أمراً لا غنى عنه لجذب الدعم من إسرائيل والولايات المتحدة. أما السبب بربط الحظر على المواد الكيميائية والأسلحة البيولوجية بفرض الحظر على الأسلحة النووية فهو تشجيع المبادلات والمقايضات الإيجابية في عملية نزع أسلحة الدمار الشامل. وقد صرَّح الرئيس السوري بشار الأسد علناً، على سبيل المثال، في مقابلة مع صحيفة التلغراف في عام 2004 بأنه

سيتم التخلص من القدرات الكيميائية والبيولوجية في البلاد فقط إذا ما تخلت إسرائيل عن ترسانتها النووية (بروغان 2004). ولمحت إسرائيل في كثير من الأحيان إلى الحاجة للحفاظ على قوة أسلحة دمار شامل لردع قدرات غير تقليدية من جيرانها العرب وإيران.

مع ذلك، إن التوسع في محتوى الاقتراح يضيف المزيد من التعقيدات لا محالة، وخاصة في تصميم وتنفيذ آليات تحقق فعالة، وذلك بسبب الطبيعة 'ذات الاستخدام المزدوج' غير القابلة للتمييز للمواد الكيميائية والبيولوجية والمعدات خاصة.

مع ذلك، فإن مفهوم منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل والتجربة الملموسة لمناطق موجودة خالية من السلاح النووي لهما صلة وثيقة جداً بمنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل المقترحة في الشرق الأوسط، وتقدم نقطة انطلاق لوجهات النظر حول كيفية التغلب على العقبات التي تعترض تحريك اقتراح الشرق الأوسط إلى الأمام.

إن التعقيدات المضافة لمنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل ليست جديدة تماماً. فكل منطقة جديدة خالية من السلاح النووي برزت كانت تعتبر أكثر تعقيدا وشمولاً من التي سبقتها، بتقديمها ترتيبات قانونية إبداعية (IAEA2011b). هذا يعني أن لدينا اليوم خبرة وتجربة أكبر، وممارسات أفضل يبنى عليها نحو هدف إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل ( WMDFZ ) في الشرق الأوسط. إن معاهدة 'بليندابا' ( Pelindaba) لإنشاء منطقة NWFZ الأفريقية ذات صلة وأهمية خاصة لمنطقة الشرق الأوسط  ليس لأنها تشمل مجموعة واسعة جداً من المحظورات فحسب وإنما لأنها الوحيدة أيضاً التي تشمل دولة مسلحة نووياً سابقاً في الواقع ، هي جنوب أفريقيا، والتي انكبت على معالجة هاجس وجوب تحديد وتفكيك جميع المرافق وأجهزة التفجير النووية (ميلر وشاينمان 2007، ص 147-48).

العودة إلى الجزء الأول

موقع الخدمات البحثية