أوراق إستراتيجية » جهاد مؤقت: المعارضة الأصولية السورية

International Crises Groascii117p ـ ' تقرير الشرق الأوسط رقم 131' ـ 12 تشرين أول 2012
موجز تنفيذي
أصبح وجود فرع سلفي بين المتمردين أمراً لا ليمكن دحضه، بعد إلقاء النظام الضوء عليه وإبرازه بشكل مبكر ومبالغ به، وبعد اعتراف المعارضة متأخرة وبتردد بذلك. هذا الأمر مقلق، لكنه لا يشكل سوى جزءاً من الصورة المعقدة. بداية، ليس كل السلفيين سواء؛ فالمفهوم يغطي سلسلة كاملة بدءاً من التيار السائد وصولاً إلى التطرف. ثانياً، إن سوريا في يومنا هذا تقدم أرضاً مضيافة للسلفيين ـ العنف والمذهبية؛ التحرر من وهم الغرب، قادة علمانيون وشخصيات إسلامية براغماتية؛ إضافة إلى القدرة على الوصول إلى تمويل دول عربية خليجية و المعرفة العسكرية الجهادية ـ لكنها تقدم أيضاً ظروفاً معاكسة، بما فيه تقليد إسلامي معتدل، تركيبة طائفية تعددية، وخوف منتشر وواسع النطاق من نوع من أنواع الحرب الأهلية المذهبية التي ابتلعت بلدين جارين. ثالثاً، تسبب فشل الاندفاع المسلح هذا الصيف برد فعل عكسي ضد مجموعات سلفية استحوذت على العناوين الرئيسة خلال القتال.

3. تربة خصبة، محصول غامض    
 كما أشرنا، تجذرت الثورة في خانة اجتماعية كانت، من حيث المبدأ، قابلة بشدة للتأثير والنفوذ السلفي: فالطبقة الدنيا من النازحين الريفيين، كثير منهم كانوا مركزين في أحياء عشوائية تزنر المدن الكبرى. وعلى خلاف الدائرة الداخلية للنظام والنخب المتحضرة، لم تكن هذه الشريحة من السكان تتمتع بثمار الانفتاح الاقتصادي ما بعد 2005. وقد دفعت سنوات من القحط والجفاف والانحدار الاقتصادي خارج المراكز السياسية والتجارية إلى  فترة نزوح مطولة من الأرياف إلى ضواحي المدن. فالناس المعتادون على أساليب الحياة الريفية التقليدية، زُرعوا فجأة في مواضع قاسية، لا شخصية، بعيداً عن شبكاتهم الاجتماعية الداعمة. في هذه الأثناء، لم تقدم الدولة سوى خدمات قليلة كانت تقل شيئاً فشيئاً، وأصبح حزب البعث، الذي كان يتمتع مرة بجذور قوية في أوساط الطبقة الدنيا، غير ذي صلة بهؤلاء.
 قدمت المجتمعات، الفقيرة والمحرومة، غالباً، والتي تفتقر للتواصل مع مؤسسة دينية يقتصر اهتمامها غالب الأحيان على النخب المتحضرة، والتي تعيش على أطراف مدن دمشق، حلب وحمص، أرضاً خصبة ومؤاتية للمبشرين والخطباء السلفيين. وعلى عكس طبقة التجار الليبرالية اقتصادياً والمحافظة اجتماعياً الموجودة في المدن الكبيرة، والتي تعتبر هويتها منغرسة في التقاليد والموروثات القديمة وتقود أنشطتها التجارية البراغماتية الدينية، يبدو النازحون الريفيون ميالين لتبني رواية السلفيين.
يمكن القول بأن البعد الطائفي والمكثف للصراع كان العامل الأكثر حسماً وحساسية وراء انتشار النظرة العالمية السلفية. فلسنوات، سعى بعض قادة  الفكر التيار السني السائد حتى إلى إبراز إيران وحلفائها الشيعة كتهديد جدي وخطير ( خانة تم احتساب العلويين فيها، والذين يعتبر دينهم فرعاً مهرطقاً في المذهب الشيعي). فبالنسبة لكثير من السلفيين البارزين بالتحديد، تستلزم مواجهة المخاطر الجيوسياسية والثقافية المتجسدة في هذا المحور الشيعي المتصور أن تكون لها الأسبقية على حساب المخاطر التي تشكلها إسرائيل والغرب. فقبيل الثورة السورية، صنعت هذه التطلعات بعض الاختراقات، لكنها كافحت لتوسيع امتدادها. وقدمت لها الظروف الحالية فرصاً غير مسبوقة لكسب الأرض في أوساط السنة في سوريا وما عداها.
على مدى 40 عاماً، عاشت الأكثرية السنية بظل نظام يهيمن عليه آل الأسد العلويين؛ فقد تم بناء الجيش وأجهزة الأمن والاستخبارات بحيث تضمن بقاء السلطة ذات المعنى بأيدي أفرد الطائفة العلوية. وهذا لا يعني القول بأن النظام كان يمثل مصالح العلويين- فحتى هذا اليوم، تعتبر هذه الطائفة من بين أفقر الطوائف في البلد ـ ولا يعني بأنه قد تجاهل مجتمعات أخرى؛ فهو لم يتواصل مع الأقليات فقط، وإنما مد يده أيضاً للممثلين السنة. بالواقع، وعن طريق رعاية الدعم للمؤسسات التجارية والدينية السنية ( خاصة في دمشق ، وفي السنوات الأخيرة في حلب)، استعراض أشكال التدين السني، الزواج من نساء سنيات وتعيين سنة في مراكز بارزة، وأحياناً حساسة، ضمنت العائلة الحاكمة ـ تحديداً بظل حكم بشار- بأن تكون بنية السلطة انعكاساً لقطاع عريض من المجتمع.
في كل الأحوال، لقد أدى رد النظام على الاحتجاجات والتظاهرات إلى تفاقم الأزمة وأبرز عمق هويتها المذهبية. فما أن انتشرت التظاهرات، حتى اعتمد النظام، بشكل متزايد، على عناصره العلويين الأكثر ولاء له في قواته الأمنية لسحق الثورة السنية بغالبيتها الساحقة. أما الأمر الأهم ربما فكان الدور الحاسم الذي لعبه ' الشبيحة': بلطجية متوحشون انضموا إلى عملية سحق المتظاهرين وألقيت اللائمة عليهم بخصوص بعض أشنع المجازر التي وقعت. ورغم أن ' الشبيحة' ليسوا علويين بصورة موحدة بأي حال من الأحوال، فإنهم في عدد من المناطق ـ خاصة في وسط سوريا ـ يشكلون، وإلى حد كبير، أفراد الطائفة الموالية للنظام، القادمين غالباً من قرى متاخمة للمناطق السنية التي يهاجمونها.
عززت عوامل أخرى المحاولات السلفية وجعلتها متماسكة ومتناغمة لجهة تصوير النزاع بأنه نزاع مذهبي أساساً بطبيعته. عموماً، ظل قسم كبير من العلويين إما صامتين وإما داعمين للنظام؛ أما جهود المعارضة المتواضعة للتواصل معهم وطمأنتهم فلم تلق آذاناً صاغية، وفشلت في إقناع أفراد هذا المجتمع العلوي بأنهم سيكونوا بأمان في سوريا مستقبلاً وبالتالي فإن عليهم الانفصال عن الأسد. نتيجة لذلك، وبسبب الافتقار لأية مشاركة علوية ظاهرة وواضحة في الثورة، فقد أصبح 'الشبيحة' يمثلون الطائفة العلوية في نظر كثير من السنة.
تم دعم الرواية المذهبية  بهوية أولئك الذين يدعمون النظام بالأسلوب الأكثر علانية وقدرة على التحمل: شخصيات سياسية شيعية عراقية، إيران وحزب الله، الذي يردد قائده وقناته الفضائية صدى بروباغندا النظام.  وهناك تقارير غير مؤكدة ـ منشورة على نطاق واسع من قبل ناشطين سوريين، ووسائل إعلام موالية للسعودية وشخصيات سلفية ـ تقول بأنهم يقدمون المساعدات العسكرية وهي تقارير اكتسبت مصداقية داخل دوائر المعارضة السورية. وحيث أنهم يدعمون، في آن معاً،  الثورة البحرينية ( الشيعية بغالبيتها) فإن هذا الأمر لم يؤد سوى إلى إبراز الصورة الطائفية والمذهبية بشكل أكثر حدة.
بالإجمال، تسبب اعتماد النظام على المقاتلين العلويين المحليين وعلى الشيعة الأجانب بإنتاج رواية ـ تحديداً في رواجها  في معاقل المعارضة السنية ـ تساوي بين رواية النضال ومقاومة احتلال الغرباء والهجمات ضد قوات الحكومة وبين الجهاد ضد المحتل. وبمجيئها عقب ثلاثة عقود من المقاومة الإسلامية المزعومة ضد الاحتلال الروسي، الإسرائيلي والأميركي، وجدت الفكرة صداها، وعلى نطاق واسع، على امتداد المنطقة.
استفاد السلفيون من توجهات وديناميات أخرى. كانت الاستفادة أولاً من التحرر من وهم مسارات المعارضة المتنافسة. وحتى عندما ظلت التظاهرات السلمية سمة مركزية للثورة وأساسية في صورتها، فإنها أثبتت عجزها عن هز قبضة النظام الممسكة بالسلطة؛ بما أن الأمل بحل سريع نسبياً وخال من العنف قد تضاءل، وفشل القادة المعتدلون بتقديم بديل قابل للتطبيق. وكانت أصوات المعارضة التي تدعم الحوار قد فقدت مصداقيتها، بما أن النظام كان قد اختار، وبشكل أوضح من أي وقت مضى، الحل الأمني والعسكري، وظهرت إصلاحاته بأنها إصلاحات سطحية وشكلية. وكان القادة العلمانيون في معارضة المنفى منقسمون حول تسليح الجيش السوري الحر والدعوة إلى تدخل أجنبي؛ فأولئك الذين يرفضون المسارين أبعدوا الداعمين العاديين للثورة داخل سوريا، بينما كان الذين يفضلونهما غير فاعلين في حشد دعم دولي ذي معنى. وكما سنناقش لاحقاً، فقد كان هناك أصوات إسلامية أكثر اعتدالاً صامتة غالب الأحيان.
ثانياً، لقد استفاد بعض السلفيين من فشل المجتمع الدولي بدعم المعارضة بشكل حاسم. ورغم أن بعض مناشدات الناشطين للحصول على الدعم الغربي قد عقدت، بدون شك، الرسالة السلفية نظراً لموقف هؤلاء التقليدي المعادي للغرب، فإن التردد الأميركي والأوروبي بتطابق الدعم الكلامي مع الفعل الصلب قد دعم في نهاية المطاف رواية تصور الشخصيات الغربية كشريك سلبي في جرائم النظام. وبأسلوب مماثل، إقترن تردد الغرب بتسليح الجيش السوري الحر ـ سواء كان مبرراً أم لا ـ مع فشل دول الخليج المبدئي بالوفاء بالتزاماتها تزويد المعارضة بالسلاح، الأمر الذي كان بالتأكيد لصالح جماعات سلفية مسلحة مستقلة. وعلى خلاف الجيش السوري الحر- الذي كانت أعماله ونشاطاته مقيده نوعاً ما برواية تشدد على الدفاع عن النفس إضافة إلى خوفه من ابتعاد داعمين غربيين محتملين عنه ـ فقد شعرت هذه الجماعات بحرية أكبر، لتسوِّق، بشكل عدائي، غزواتها وغاراتها ضد قوات النظام و'الشبيحة' على امتداد ربيع 2012. وكانت المحصلة فهماً وتصوراً شعبياً متنامياً، إن لم يكن مبالغاً به، بكون المجموعات السلفية هي اللعبة الوحيدة في البلد.
قال أحد الناشطين في حمص:
إن المزاج السوري يتغير، تدريجياً، من معتدل إلى متطرف. ففي حين أن الأميركيين يفكرون ويخططون، فإن الاسلامين المتطرفين يقاتلون كل يوم للحصول على الدعم من الشعب. وفي الوقت الذي تكون فيه الولايات المتحدة مستعدة لاتخاذ قرار، ستكون كل سوريا عبارة عن إسلاميين.
وعلى نفس المنوال، إن التردد الغربي بتوفير الدعم لجماعات المعارضة المسلحة وتأخر دول عربية خليجية بالقيام بذلك أعطى المانحين الخليجيين الأغنياء على المستوى الشخصي السبق لفعل ذلك؛ فبقدر ما يميل هؤلاء، بحد ذاتهم، لأن يكونوا سلفيين، بقدر ما يكون من المرجح أكثر أن يتبرعوا بالمال للجماعات السلفية، ما يعطي هؤلاء مكسباً نسبياً آخر. وقال أعضاء في مجموعة قيادية ناشطة في حمص لـ Crisis Groascii117p بأن المنح والتبرعات المقدمة من مغتربين سوريين وعرب في بلدان خليجية ساعدت على تغذية توجه سلفي متنام بين المسلحين منذ أوائل العام 2012. وبحلول أيار، بحسب ما قال أحد الناشطين، فإن معظم  الأموال التي تلقتها جماعات مسلحة في حمص قد تم إرسالها ' من إسلاميين إلى إسلاميين'.
كان هناك دينامية مشابهة تطورت في محافظة إدلب، حيث برزت ألوية سلفية ( كتائب أحرار الشام) في أوساط أبرز المسلحين والمقاتلين في الشمال. ففي تموز 2012، ذكر أحد الصحافيين الغربيين في تقرير له من إدلب بأن قدرة وصول السلفيين المباشرة إلى التمويل الخليجي كان موضع حسد قادة الجيش السوري الحر المحليين، الذين اشتكوا، وبمرارة، من أن قادتهم الموجودين في تركيا لم يكونوا يقدمون لهم المال والسلاح الكافيين.
إن تدفق المال من المانحين المحافظين فعل ما هو أكثر من تعزيز الفئات السلفية نسبة إلى نظرائهم في تيار المعارضة السائد. وكما قيل، لقد دفع ذلك المقاتلين من غير السلفيين نحو الانضمام إلى الوحدات السلفية القادرة عل توفير السلاح والذخيرة المطلوبين لهم. فالمجموعات التي لا انتماء ايديولوجي لها مهما كانت بدأت بتبني الرموز والخطاب وإطالة شعر اللحى المرتبطة  كلها بالسلفية لأجل ذلك الغرض. وفي حين أن أشكال السلوك من هذا النوع قد تبدأ، عادة، كظاهرة انتهازية إلى حد كبير،وبالتالي تقود إلى تقييمات مبالغ بها عن المد الإسلامي الصاعد، فإنها بمرور الوقت يمكن أن تتحول، بالفعل، إلى مشاعر حقيقية أكثر، حيث أن تجربة النضال بوحي من الدين تخترق جيلاً كاملاً من المقاتلين. في كل الأحول، وكما سنناقش لاحقاً فإن من المحتمل أيضاً أن يثير ذلك رد فعل عنيف، إذا ما انخرط هؤلاء السلفيون السطحيون بسلوك وتصرف يلطخ الشعار الأوسع نطاقاً.

4. من التطرف إلى التيار السائد
ما أن اشتد الرد العسكري للنظام في النصف الأخير من العام 2011، حتى واجه التشديد الأساسي للمعارضة المسلحة على الوحدة الوطنية والدفاع عن النفس تدريجياً تطلعات إسلامية صريحة وأكثر عدائية. أما جبهة النصرة وكتائب أحرار الشام، أبرز مجموعتين مرتبطتين بهذا التوجه، فقد أعلنتا عن إنشاء مجموعتيهما في أواخر كانون الثاني 2012. ورغم أن معظم الناشطين من التيار السائد، ومعظم السياسيين في المعارضة وقادة الجيش الجيش الحر قد تجنبوا استخدام مصطلح ' الجهاد' عموماً ـ إلى جانب جماعات سلفية عديدة مستقلة برزت منذ كانون الثاني وما بعده ـ فإنهم  تبنوه صراحة. فقد طور كل منهم، وبدرجات مختلفة، مفهوماً سلفياً متمايزاً، مصورا قتاله على أنه نضال ديني بصلبه ضد نظام مذهبي علوي. وفي حين أن هذه الفصائل ليست بارزة ولا متعددة كتلك التي تبنت راية الجيش السوري الحر، فقد أثبتت تكتيكاتها الهجومية وتقنياتها التسويقية الذكية على الانترنت فائدتها ودورها الفعال في إعادة تشكيل مصطلحات الجدل داخل سوريا.

أ‌. المشهد

1. جبهة النصرة لأهل الشام
برزت جبهة النصرة في مشهد حركة التمرد في أواخر كانون الثاني 2012 مع شريط فيديو تم إنتاجه بشكل بارع واعداً بشن الجهاد ضد النظام. وفي حين قادت اللقطات السيئة الجودة والترجمة الإنكليزية والخطاب العدائي والمذهبي، ضمناً، مجموعات المعارضة السائدة إلى إهمالها بصفتها مناورة برعاية النظام لتشويه سمعة مقاتليهم، فقد فازت جبهة النصرة بثناء فوري مباشر على الإنترنت من المناصرين والداعمين للقاعدة.
وفي ظهورها في وقت سيطرت فيه محاولات الناشطين وقادة الجيش السوري الحر على الخطاب القتالي للمعارضة لاجتذاب الدعم الغربي، إضافة إلى إبراز العنف المعادي للنظام على أنه دفاع عن النفس وتبني المفهوم المثالي لديمقراطية لا مذهبية مستقبلاً، ميَّزت جبهة النصرة نفسها بخطابها وصورها السلفية- الجهادية بلا حرج أو ارتباك، كما ميَّزت نفسها بتحذيرها الساعين للحصول على مساعدة غربية إضافة إلى هجومها على الحكومة التركية بسبب كونها إسلامية بشكل غير كاف ولأنها رهينة بيد الأميركيين. فبالنسبة للمجموعة، لا تمثل الإطاحة بالأسد إلا نصف المعركة فحسب؛ فالنجاح سيأتي فقط ما أن يُستبدل النظام بكامله بدولة إسلامية تتبع المبادئ السلفية.
حتى عندما تبنت مجموعات أخرى خطاباً ورمزية مشابهين، تبرز جبهة النصرة من خارج سياق المقاتلين السلفيين أو المنظمات السلفية لأسباب عديدة. فهي تتحمل المسؤولية، بانتظام، عن الهجمات الانتحارية في الأحياء المدنية؛ وتعتبرها القاعدة الجماعة الجهادية السلفية المفضلة لديها؛ وتوظف استراتيجية نشر إعلامية على الإنترنت شبيهة بتلك التي لأتباع القاعدة ولقطاتها. ورغم أن الفضل يعود لها بخصوص عشرات الهجمات ضد القوى الأمنية على امتداد البلاد، يمكن القول بأنها أصبحت معروفة أكثر من غيرها بسبب إعلانها مسؤوليتها عن التفجيرات الانتحارية البارزة في دمشق وحلب في أوائل عام 2012. وفي الوقت التي سعت البروباغندا لديها لإبراز هذه التفجيرات على أنها تستهدف، بحذر، المباني الأمنية الحكومية والعاملين فيها، فقد ذكرت كل وسائل الإعلام المؤيدة للنظام والموالية للمعارضة والإعلام الغربي سقوط عدد هام من الضحايا المدنيين. لكن بما يتعلق بانتقاء الأهداف ( المباني الحكومية التي تزدحم فيها الأحياء الحضرية) أو التكتيكات ( تظل المجموعة فصيل المعارضة البارز الوحيد الذي يتبنى، صراحة، التفجيرات الانتحارية)، فإن لديها ما هو مشترك مع ' القاعدة في العراق' أكثر مما لديها مع فصائل وفئات المعارضة السورية.
يمكن القول الأمر نفسه عن التبني الصريح والمفتوح لجبهة النصرة للخطاب المذهبي: رغم أن معظم فصائل المتمردين تسعى للتخفيف من مخاوف مجتمعات الأقليات وتصوير نزاعها مع النظام على أنه حرب تحرير لصالح السوريين، فإن جبهة النصرة تبرز نفسها على أنها المدافع العدائي عن المجتمع السني ضد ' العدو العلوي' و' عملائه الشيعة'. فهي تستخدم، وبشكل روتيني، مصطلح ' الروافض' المهين، قاصدة بذلك الشيعة، وهي ممارسة شائعة بين المتمردين الجهاديين السلفيين. أما استخدامها لكلمة ' النصيري' بدلاً من 'علوي' فهو مساوٍ من حيث المذمة، والقصد منه تسليط الضوء على الانفصال عن أسس العقيدة الإسلامية الحنيفة:  النصيري كلمة تعود لإسم مؤسس العقيدة، وهو تلميذ للإمام الشيعي الحادي عشري، بينما  تعود كلمة العلوي لعلي بن أبي طالب، الذي يعتبره السنة  رابع ' الخلفاء الراشدين'.
لقد أدت أموراً مشابهة كهذه لممارسات القاعدة إلى رفع الشعور بالخطر لدى العواصم الغربية وأضرت بشدة بسمعة المجموعة إضافة إلى الإضرار بالقادة العاديين والداعمين للثورة. وقد عرض المسؤولون الأميركيون علناً إلى أن هناك هجومين على الأقل أعلنت جبهة النصرة عن مسؤوليتها عنهما نفذتهما ' القاعدة في العراق'، التي يتهمونها بالسعي للتسلل إلى المعارضة المسلحة. ورغم أن جبهة النصرة لم تعترف بوجود ارتباطات مباشرة مع ' القاعدة في العراق'، إلا أن أعضائها اعترفوا بوجود مقاتلين عراقيين، يمنيين، سعوديين، أردنيين، كويتيين، ليبيين وكازاخستانيين في صفوفهم.
أما داخل المعارضة، كما ذكرنا، قد كانت المزاعم منتشرة بخصوص ترتيب النظام بحد ذاته، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لتفجيرات دمشق وحلب أوائل العام 2012 لإخافة الأقليات السورية والقوى الغربية. وكما رأت بعض الشخصيات المعارضة، في البداية على الأقل، كانت جبهة النصرة عبارة عن خياطة مفصلة لتثبيت وتأكيد مزاعم النظام حول مواجهته لإرهابيين سلفيين. من هنا فقد استنتج هؤلاء بأن الأجهزة الأمنية نفذت التفجيرات؛ بينما عرض آخرون، بمن فيهم  السفير السوري المنشق في العراق، بأن المجموعة نشأت من رحم تعاون قديم موجود بين الاستخبارات السورية و' القاعدة في العراق'. كما اتهم علناً أبو بصير الطرطوسي، وهو شخصية سلفية جهادية بارزة، المجموعة بخدمة مصالح النظام. ومهما كان من صحة هذه المزاعم أو لا، فإنها أدت إلى تعقيد جهود جبهة النصرة بالحصول على قبول واسع أكثر من الداعمين للمعارضة.
هذا يعني بأن بعض المؤشرات تعرض إلى أن جبهة النصرة، منذ تموز، قد تكون تعافت من الأخطاء التي ارتكبتها وبنت مصداقية لها إضافة إلى التعاون مع عدد أكبر من مجموعات التمرد السائدة. وهذا ملحوظ كأكثر ما يكون في مدينة حلب، حيث يبدو بأنها تعمل إلى جانب مقاتلي كتائب أحرار الشام ولواء التوحيد، أي قوات التمرد القيادية المتورطة في الأعمال العدائية. وتظهر أشرطة الفيديو على الانترنت أعضاء المجموعة وهم يقاتلون ويحتفلون معاً، كما أخبر أحد قادة جبهة النصرة في حلب أحد الصحافيين بأن هناك 300 مقاتل تحت إمرته ينسقون مع لواء التوحيد.
إن تعاوناً مفتوحاً كهذا مع نظيرتها الأكبر منها أكسب جبهة النصرة ثناء ومديحاً عاماً من قادة تمرد بارزين ومن ناشطين محليين. ففي آب أثنى قائد بارز في لواء التوحيد على مساهمة المجموعة، وفسر ناطق بلسان المجلس الثوري لحلب وريفها ـ وهي منظمة ناشطة بارزة مرتبطة بلواء التوحيد ـ فقال بأن مقاتلي جبهة النصرة مرحب بهم  بصفتهم ' أبطالاً' في المدينة. وبشكل مشابه، ظهرت رايات جبهة النصرة وسط جماهير تحيي التظاهرات خلال حشود يوم الجمعة في ' بينيش'، معقل للمعارضة في جوار محافظة إدلب.
لا تزال جبهة النصرة، حتى هذا اليوم، المجموعة المسلحة الناشطة الوحيدة التي تتلقى التأييد المباشر من مدراء المنتدى المباشر على الانترنت للقاعدة ومن شخصيات جهادية سلفية. فمادة البروباغندا التي لديها معتمدة من قبل شبكة التوزيع الإعلامي للقاعدة ويعلن عنها على موقع  'شموخ الإسلام'، وهو المنتدى الرئيس للقاعدة. وقد تماشى رجال دين جهاديون سلفيون بارزون مع القاعدة بخصوص ما نسبته لجبهة النصرة، خصوصاً، بأنها الفئة الإسلامية الأكثر وثوقاً على الإطلاق في سوريا وألحوا على المجاهدين المحتملين للانضمام إلى صفوفها. كذلك الأمر،  يعكس توضيب المادة المباشرة على الانترنت لجبهة النصرة، والأسلوب الذي توزع فيه، استراتيجية إعلامية مألوفة للجماهير الجهادية رغم أنها فريدة من نوعها في أوساط مجموعات التمرد السورية. فبينما تحدِّث فئات وفصائل أخرى حساباتها الرسمية على الفايسبوك والتويتر بتوثيق فوري للهجمات، توظف جبهة النصرة نموذج انتشار إعلامي أبطأ مشابه لـ ' القاعدة في العراق'. فبدلاً من الإعلانات اليومية، فإنها ترسل التقارير عن معظم عملياتها بعد أيام من الحدث، بإصدارها بيانات رسمية تغطي عدداً من هجماتها في منطقة محددة. وفي حالات الهجمات البارزة فقط ، تركز بياناتها على حدث واحد، وحتى  في هذه الأمثلة من الحوادث فإن المسؤوليات عنها تنشر بعد 24 ساعة على الأقل من حصولها واقعاً وأحياناً في وقت متأخر جداً. كما يتم  تأخير نشر وثيقة مسجلة على الفيديو أكثر حتى، حيث تقوم المجموعة بتوضيب المادة عادة بأسلوب براق وبارع تقنيا أكثر من الآخرين. فضلاً عن ذلك، كل شيء يتم نشره عبر منتديات الانترنت الجهادية، وبالتالي تقدم اثباتاً موثوقاً للمناصرين والداعمين على الانترنت الذين يعيدون نشرها بسرعة على الفايسبوك، اليوتيوب، التويتر وأماكن أخرى.

للمفارقة، ساهمت استراتيجية الانتشار الإعلامي الفريدة هذه ببروز ضئيل نسبياً للمجموعة في مشهد مسلح قتالي مزدحم. فعن طريق نشر البيانات واللقطات بسرعة على اليوتيوب، بنت ألوية الجيش السوري الحر والفصائل السلفية المستقلة سمعتها في أوساط الجمهور السائد الموالي للمعارضة المتآلف مع الأحداث التالية في خطوة تُقارب الآنية. إذ يتم إعادة نشر مادة الفيديو بسرعة على صفحات الفايسبوك الشعبية وتظهر على القنوات الفضائية العربية الصديقة؛ أما بالنسبة لأولئك المتعاطفين مع التمرد، فإن هذا  الأمر يوفر إحساساً تقريبياً ، إن لم يكن دقيقاً بالضرورة، عن الفصائل المسلحة وأيها الأكثر نشاطاً وأين. بالمقابل، فإن خطوة جبهة النصرة الأكثر حذراً والمؤجلة لا تلبي شهيه هذا الجمهور للرضا الفوري، ما يحد من قدرة المجموعة على تشكيل النقاش ويجعل وضوحها ورؤيتها الكاملة تتضاءل. أما بالنسبة لأولئك الراغبين بالقيام بذلك، فقد جعلت خطوة جبهة النصرة من الأسهل عليها أيضاً تجاهل دورها المتنامي.

2. جماعات سلفية أخرى

بينما برزت جبهة النصرة على أنها المفضلة لمناصري القاعدة، فقد أثبتت مجموعات سلفية مستقلة ومعروفة بشكل أقل نجاحاً أكبر في اكتساب موطئ قدم لها داخل التيار السائد للمعارضة المسلحة. بالواقع، إنها تحتل أرضاً وسطاً بين جبهة النصرة والجيش السوري الحر.
على خلاف جبهة النصرة، لم تدع هذه المجموعات المسؤولية عن الهجمات في الأحياء المدنية؛ لم تتبن رسمياً التفجيرات الانتحارية؛ وتجنبت خطاب الجهاد العالمي المرتبط بالقاعدة عموماً. من جهة أخرى، وعلى عكس الفصائل القيادية في الجيش السوري الحر، هم يبررون اللجوء إلى العنف ضمن إطار مرجعية إسلامية حصرياً، ويعلنون بأن هدفهم النهائي هو حكم إسلامي، ولا يقدمون ضمانات حول نظام ديمقراطي ما بعد الأسد. وبنفس الروحية، يميل هؤلاء إلى تبني صورة وخطاب سلفييْن، إضافة رايات إسلامية سوداء إلى علم المعارضة الثلاثي الألوان إضفاء الحيوية على أشرطة الفيديو بأناشيد تمجد الجهاد، وهي سمة للبروباغندا الإسلامية المسلحة والمتشددة. كما أن من المحتمل أكثر بالنسبة لهذه المجموعات أن تذكر وتسمي عدوها بمصطلحات مذهبية صريحة.
تعرض المناقشات على الانترنت إلى أن الجماعات السلفية كانت حتى الآن أكثر فاعلية من جبهة النصرة في بناء المصداقية في أوساط الداعمين العاديين لحركة التمرد. ورغم أنها تتلقى تغطية أقل من نظيراتها في الجيش السوري الحر على الشبكات الفضائية العربية وتتبنى إيديولوجية لا تزال موضع جدل ضمن صفوف المعارضة، فإنها لا تحمل حقيبة العلاقات العامة المرتبطة بالقاعدة وبالتالي فإن كثيرين ضمن المعارضة يعتبرونها جهة فاعلة شرعية. وتزعم الفصائل السلفية المستقلة بأنها تنسق عملياتها مع وحدات الجيش السوري الحر، وغالباً ما لا يميِّز الداعمون للمعارضة على الانترنت بين الاثنين، برغم الشعارات والايديولوجيات المتمايزة.
لا يبدو بأن المصداقية التي اكتسبتها جماعات سلفية مستقلة كهذه ضمن دوائر اعتيادية أكثر تأتي على حساب الدعم الجهادي. فرغم عدم تأييدها من قبل شخصيات جهادية قيادية أو منتديات على الانترنت مرتبطة بالقاعدة، فإنها تنال الثناء على عملياتها بانتظام من قبل المتعاطفين الجهاديين الذين ينشرون أيضاً البروباغندا الخاصة بهم على الانترنت، وفي بعض الحالات المضي بعيداً إلى حد دعوة المجموعات لتشكيل جبهة موحدة مع جبهة النصرة.

كتائب أحرار الشام

إن كتائب أحرار الشام هي أبرز مجموعة سلفية مستقلة معروفة بلجوئها الواسع إلى الهجمات بالعبوات الناسفة على جانبي الطرق وبالبروباغندا المعقدة على الانترنت. ورغم أنها تدعي المسؤولية من وقت لآخر عن هجمات بالتعاون مع ألوية الجيش السوري الحر، فإنها تصنف نفسها كبديل سلفي مستقل لمجموعة مظلة معروفة جيداً.  فهي تؤكد أن لديها  أكثر من عشرين ' كتيبة' منتمية لها عبر البلد، رغم أن مراجعة لعملياتها المسجلة على أشرطة الفيديو تعرض إلى أن نشاطها مركز في الشمال الغربي،  خاصة محافظة إدلب، حيث تتمتع المعارضة بدرجات سيطرة مختلفة على بعض البلدات والمناطق الريفية. كما أنها ناشطة أيضاً على نحو متزايد في محافظات اللاذقية، حماه، وحلب؛ ففي آب، قدَّر أحد  الصحافيين من حلب أنه لدى كتائب أحرار الشام 500 مقاتل في المدينة.
كانت المجموعة من بين فصائل المعارضة الأولى التي توثق هجماتها بالعبوات الناسفة ضد القوات النظامية، بتحديثها بانتظام صفحة الفايسبوك مع أشرطة فيديو عن العبوات الناسفة على جانبيْ الطرق التي تستهدف القوافل العسكرية. وبأسلوب مماثل، تدعي المجموعة بأنها وظفت آليات محملة بالمتفجرات يتم التحكم بها عن بعد، وهو تكتيك كان رائداً في العراق ويستخدم أيضاً من قبل جبهة النصرة. في كل الأحوال، وحتى عندما يعترفون بحصولهم على الخبرة في صنع القنابل من جهاديين قاتلوا في العراق وأفغانستان، فإن أفرادها ينكرون أن يكون هناك مقاتلين أجانب في صفوفهم.
إن قضية التفجيرات الانتحارية مسألة أكثر حساسية ودقة. فخلال الأشهر الأربعة الأولى عقب بروزها الرسمي في كانون الثاني 2012، لم تدَّع كتائب أحرار الشام المسؤولية عن هكذا هجمات؛ في كل الأحوال، أصبح الوضع مؤخراً أكثر إرباكاً.  ففي 7 حزيران، قامت المجموعة بتفجير شاحنة عند نقطة تفتيش تابعة للنظام قرب بلدة خان شيخون، في محافظة إدلب؛  وأعلنت المجموعة عن الهجوم على الفايسبوك واليوتيوب في اليوم التالي، مؤكدة بأن الآلية تم تفجيرها عن بعد. تلك الدعوى نقضها قائد لواء كتائب أحرار الشام في خان شيخون، الذي أكد على أن مجموعته نفذت هجوماً على نقطة تفتيش في نفس ذلك اليوم مستخدمة انتحارياً بعمر 19 عاماً. وأضاف بأن برغم أن هذا الهجوم الانتحاري كان الأول بالنسبة لمجموعته، فإن كتائب أخرى تابعة لأحرار الشام قد لجأت لهذا التكتيك بشكل منفصل.
من خلال التواصل عبر الانترنت، تقدم كتائب أحرار الشام أهدافها المبدئية ومعتقدها الإيديولوجي: شن حرب الجهاد ضد جهود إيرانية لنشر القوة الشيعية عبر الشرق وتأسيس دولة إسلامية. وهي تكرس صفحة فايسبوك منفصلة بكاملها ' للدعوة'، ما يعني مهمة الدعوة للإسلام، وتحدِّث، على نحو منتظم، الصفحة بتوجيهات وإرشادات سلفية عملية. إضافة لذلك، تروج المجموعة لأنشطتها الإنسانية، نشر أشرطة الفيديو على اليوتيوب عن مقاتليها وهم يوضبون مساعدات الإغاثة وتوزيعها على السكان المحليين.
ما أن تسارعت خطى عملياتها وامتدت جغرافياً، حتى برزت  صورتها العامة أكثر. فبحلول أوائل حزيران 2012، تم الترويج لها بصفتها أكبر عضو عسكري في ' جبهة الثوار السوريين' المعلنة حديثاً، وهي تحالف سياسي- عسكري يهيمن عليه الإسلاميون. وبشكل مثير للسخرية، ورغم أن كتائب أحرار الشام اعترفت بالجزء القيادي الذي قامت به لإنشاء التحالف، فإنها علقت المشاركة فيه بعد يوم من إطلاقه، بسبب عدم ارتياحها الظاهر للهجة المعتدلة للتحالف. بعد ستة أسابيع، عادت المجموعة لتقلب المسار مرة أخرى، رافعة التعليق بعد تبني الائتلاف لمسودة سياسية جديدة ـ مسودة تدعو بصراحة أكبر إلى إنشاء دولة إسلامية، مشددة على الالتزام بـ ' المعاهدات والمواثيق الدولية، طالما أنها لا تتعارض مع مبادئ الشريعة ' ومعلنة رغبتها بـ ' تفعيل الدور الايجابي لسوريا في كل الميادين' وهي بذلك سعت للسير على الخط الدقيق الفاصل بين موقف إسلامي أكثر وضوحاً وصراحة  وبين مجهود براغماتي للمحافظة على الروابط مع المجتمع الدولي.
بعد تردد طويل بالانضمام إلى الثورة التي كانت معظم البلدات والمدن المحيطة مشتركة بها، أخلى قسم هام من السكان المدينة، في الوقت الذي كان المتمردون من الريف المتاخم يقاتلون قوات النظام للسيطرة على الأحياء.

لواء صقور الشام

تم تأسيس لواء صقور الشام في تشرين الثاني 2011، ومنذ آذار 2012 برزت المجموعة كواحدة من أقوى المجموعات في محافظة إدلب، حيث تذكر التقارير بأن لدى اللواء حوالي 4000 مقاتل. وتبين رسائل المجموعة على الانترنت الحدود الضبابية الفاصلة بين الجماعات السلفية المستقلة سواء عن الجيش السوري الحر أو عن بعضها البعض. ويزعم لواء صقور الشام بأنه قام بعمليات مشتركة مع كتائب أحرار الشام في محافظة إدلب وبأن المنظمتين تنسقان مع بعضهما الهجمات إضافة إلى التنسيق مع وحدات الجيش السوري الحر.

بالواقع، في الخطاب الأول على شريط الفيديو الذي يروج لهجمات المجموعة، أكد قائدها، أحمد عيسى أحمد الشيخ ( غالباً ما يدعى باسم أبو عيسى) بأن المجموعة جزء من الجيش السوري الحر. وفي الأسابيع التالية فقط قام لواء صقور الشام بإسقاط مرجعيته للجيش السوري الحر وتبنى الخطاب السلفي، ناشراً بيانات وأشرطة فيديو بإسمه. ومنذ ذلك الحين يظهر الشيخ عيسى في شريط فيديو مصور يعطي فيه تعاليمه للمقاتلين قائلاً بأن هدفهم النهائي ينبغي أن يكون تأسيس دولة إسلامية، وفي 27 تموز، ألقى خطبة ألح فيها على جمهوره كي يركزوا على الترويج للسلوك الإسلامي الصحيح بين المحيطين بهم.
أما صفحة الفايسبوك الرسمية للمجموعة فتنشر الآن، بانتظام، مادة تدعو إلى الحكم الإسلامي؛ وفي إحدى المنشورات، أبلغ السوريين بضرورة رفض أية هوية وطنية وعروبية، حيث أن الوحدة الوطنية بين السنة، العلويين والمسيحيين ' محرمة تماماً' بظل القانون الإسلامي.
في محاولة ظاهرة لاجتذاب جماهير مختلفة ـ من عرب الخليج المحافظين وصولاً إلى دول غربية ـ خفف لواء صقور الشام من تبنيه للخطاب السلفي على الانترنت بطرحه رؤىً أكثر اعتدالاً. وفي لقاءات مع صحافيين غربيين، على سبيل المثال، يعترف الشيخ ومسؤولين آخرين بأن هدفهم النهائي هو دولة إسلامية لكنهم يتحدثون أيضاً عن ضمان الحقوق الديمقراطية للأقليات ـ موقف أقرب للمواقف التي تتبناها فروع الإخوان المسلمين من تلك التي للخطاب السلفي.

أما موقف المجموعة من التفجيرات الانتحارية فغامض هو الآخر بشكل مشابه. ففي مناسبات عدة، ادعت الجماعة مسؤوليتها عن هجمات يعمد فيها أحدهم إلى قيادة آلية محملة بالمتفجرات باتجاه نقطة تفتيش تابعة للنظام. وفي المثال الأول لتفجيرات كهذه، أكدت المجموعة على أن التفجير لم يكن ' عملية استشهادية' ( مصطلح جهادي  للتفجيرات الانتحارية)؛ بدلاً من ذلك، لقد زعمت بأنها أخفت متفجرات في سيارة شخص مشتبه به بأنه عميل مغطىً تابع للنظام ، ومن ثم فجرت الآلية عندما وصل إلى نقطة التفتيش. وفي المناسبة الثانية، تذكر صفحة الفايسبوك التابعة لها كذلك خبر العميل للنظام، رغم أن شريط الفيديو عن الانفجار المنشور على الصفحة يصنف، وبوضوح، الهجوم على أنه ' عملية استشهادية'.
مهما يكن الحال، لقد كان لواء صقور الشام المجموعة المسلحة الأولى، عدا جبهة النصرة، التي تعلن عن استخدام الآليات المفخخة يقودها سائقون، وهو تكتيك مرتبط بشكل شائع بالعناصر الأكثر تطرفاً في حركة التمرد العراقية.  ومنذ ذلك الحين تبنت كتائب أحرار الشام هذا اللواء، والتي تدعي بدورها بأنها قاسمت لواء صقور الشام قدراتها في مجال تفجير السيارات المفخخة عن بعد. فالتعاون بين المجموعتين كان واضحاً وجلياً منتصف حزيران ومنتصف تموز 2012، عندما تحملتا المسؤولية عن ثلاث تفجيرات مشتركة استهدفت نقاط تفتيش للنظام ونُفذت بآليات متحركة.

لواء الإسلام  

يقدم لواء الإسلام، الناشط في دوما والضواحي القريبة من دمشق منذ آذار 2012 دليلاً أكبر حتى على ميوعة الخطوط الفاصلة بين الجماعات السلفية المستقلة وبين وحدات الجيش السوري الحر. ويعلن اللواء إضافة إلى كتيبة شهداء دوما التابعة لجيش السوري الحر المحلي، عن عمليات مشتركة، وتثني كل منهما على الأنشطة المستقلة للأخرى، كما وأنهما يضغطان على  كلمة  'أعجبني' لبعضهما البعض على صفحات الفايسبوك، بحسب الروايات.
ويظهر بأن التمايز الرئيس بين المجموعتين لا يتعلق بالاستراتيجية والتكتيكات أكثر مما يتعلق بالإيديولوجية واللهجة، رغم أن هكذا تباينات لم يكن لها تأثير ظاهر على استعداد لواء الإسلام للتعاون مع الجيش السوري الحر. وعلى خلاف نظرائه في الجيش السوري الحر، اختار لواء الإسلام الراية الإسلامية السوداء؛ معرِّفاً عن نفسه بأنه ' مجموعة جهادية مسلحة'؛ منفذاً هجمات باسم  ' الجهاد في سبيل الله'؛ ومتبنياً مفهوماً وتصوراً سلفياً للشريعة. وتتناقض لهجة ومحتوى البروباغندا لديه مع تلك التي للخطاب الإسلامي العام والأوسع لمجموعات الجيش السوري الحر. وتشتمل لائحة رجال الدين الذين تروج لهم المجموعة على عدنان العرعور ( وهو رجل دين سوري ذي نفوذ سيتم البحث بشأنه أكثر لاحقاً) ونبيل العودي، خطيب كويتي صاحب كاريزما والذي تعتبر مساجلاته ومهاتراته المعادية للشيعة سمة بارزة على صفحته على الفايسبوك  والتي تهدف إلى توضيح مواقفه الإيديولوجية والتشجيع على آداب السلوك السلفي بين مقاتلي هذه المجموعة.

غالباً ما تكون منشورات المجموعة على الفايسبوك مذهبية الطابع ، وبشدة، رغم أن الجماعة سعت إلى التوضيح بأنها لا تحبذ الحرب الشاملة ضد العلويين. وفي إحدى الفتاوى، تفسر ' لجنة الشريعة' الموجودة لديها فتقول بأن على المتمردين أن يحاربوا المقاتلين التابعين للنظام بصرف النظر عن مذهبهم وبأن الدعوات للتطهير العرقي ضد المدنيين العلويين تعتبر غير شرعية من الناحية الدينية ولا تنسجم مع مصالح الثورة الأوسع نطاقاً. ورغم أنه بالكاد يمكن اعتبار المجموعة غير مذهبية الطابع، فإن هكذا تأكيدات تميِّزها ( مع تنظيمات سلفية مستقلة أخرى) عن مواقف يتبناها كل من تنظيمي القاعدة في العراق وجبهة النصرة ـ الأولى لكونها تستهدف الشيعة من سنوات والثانية لكونها هددت بمعاملة العلويين بشكل مشابه.

كتائب الأنصار  

تصف كتائب الأنصار، الناشطة منذ آذار 2012 في مدينة حمص وضواحيها، مهمتها بأنها جهاد، وتروِّج للسلوك السلفي الصحيح وتتحدث بصراحة وعلناً عن الطبيعة المذهبية للصراع. وقد تبنت المجموعة الراية الإسلامية البيضاء، مستعرضة إياه إلى جانب العلم الثلاثي الألوان للمعارضة. كما تنكب الجماعة على مسألة العلاقات مع فصائل وفئات المعارضة غير السلفية؛ مشيرة إلى البيئة الفاسدة التي عمل بها عدد من المقاتلين قبيل الثورة ( في الجيش وفي عصابات الأحياء المحلية)، وتصف منشورات عديدة على الإنترنت المسلحين اللا مبالين بأنهم  إخوة 'مرضى' ينبغي معالجتهم من أمراضهم الروحية بدلاً من معاقبتهم أو مواجهتهم.
إذا ما وضعنا هكذا تصريحات دينية جانباً، كما في حالة لواء الإسلام، تحافظ كتيبة الأنصار على علاقات تعاون مع نظرائها في الجيش السوري الحر ، خاصة كتيبة الفاروق ( سيتم البحث بشأنها لاحقاً). ففي أوائل نيسان 2012،  استشهدت بعلاقتها مع الفصيل في الجيش السوري الحر  بصفته سبباً رئيساً لقبول الهدنة التي طالب بها كوفي أنان المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية ـ رغم أنها لم تنفذ أبداً، مما استدعى قيام النظام بانتهاكات  لتبرير عملياته المسلحة المستمرة.

3. نفوذ المقاتلين الأجانب
منذ بداية الثورة، كان يتم توجيه السؤال حول المقاتلين الأجانب في صفوف المعارضة واتهامها بذلك سياسياً. فقد سعى النظام إلى تضخيم  الدليل حول النشاط الجهادي الأجنبي لدعم قضيته عن أن ' الإرهابيين' غير السوريين يشكلون جزءاً من مؤامرة عالمية لزعزعة استقرار البلد. وقد أكدت وسائل الإعلام الرسمية، وبشكل روتيني، عن أن جثث المقاتلين والمدنيين المنتشرة في الشوارع في أعقاب العمليات العسكرية تعود لأجانب. بالمقابل، فقد رفضت المعارضة السائدة  حتى الآونة الأخيرة هكذا تلميحات تماماً؛ ومع مواجهتها بدليل معاكس لا يقبل الجدل، اختارت المعارضة التقليل من الظاهرة.
ورغم أن ليس هناك أموراً كثيرة تعرض إلى أن المقاتلين الأجانب يمارسون نفوذاً عملياً، سياسياً أو إيديولوجياً هاماً وبارزاً، فإن وجودهم كان ثابتاً بالأدلة من قبل الصحافيين العاملين في البلد وعبر المنطقة إضافة إلى المنشورات الخاصة على شبكات التواصل الاجتماعي الخاصة بالجماعات المسلحة الجهادية. وربما كان التأثير الحقيقي والملموس أكثر من غيره هو في المسائل العملية التكتيكية.  فكما أشرنا، تم تقديم الآليات المفخخة ، بحسب التسمية الشائعة ( أي عبوات VBIED) إلى حركة التمرد في أوائل العام 2012 من قبل جبهة النصرة وكتائب أحرار الشام، الذين تعود مهارة أفرادهما في تصنيع القنابل إلى مقاتلين ذوي خبرة وتجربة سابقة في حركات التمرد الأفغانية والعراقية. وقد اعترف قادة محليون من الفصائل والفئات المنتمية للجيش السوري الحر السائد، بدورهم، بالحصول على المعرفة بكيفية التعامل مع المتفجرات من هاتين المجموعتين؛ فمنذ حزيران 2012، يزيد مسلحو الجيش السوري الحر من هجماته بالعبوات الناسفة، وبشكل أقل تواتراً، من هجماته بالسيارات المفخخة.
كان للمسلحين الأجانب تورط مباشر أكبر، وذلك في قتالهم إلى جانب المتمردين السوريين. معظم الفصائل تنكر هذا الأمر، رغم أن عدداً من الصحافيين الموجودين في الشمال يذكرون في تقاريرهم أنهم شهدوا وجود أجانب مزروعين في مجموعات بقيادة سورية ورغم أن بعض المتمردين  يؤكدون، من وقت لآخر، بأن هناك أجانب يعملون ضمن ألويتهم. وبحسب كل الروايات، لا يشكل المقاتلون غير السوريين سوى فئة صغيرة فقط من مجموع المقاتلين، ويعرض الدليل المتوفر إلى أن معظمهم في فصائل سلفية وفي مجموعة تمرد مستقلة بارزة بقيادة مهدي الحاراتي، وهو ليبي كان قائداً أساسياً في الثورة ضد القذافي. في كل الأحوال، إن السرية المحيطة بأنشطة المسلحين الأجانب تجعل من الصعوبة للغاية تقييم مداهم، موقعهم، وآثارهم المحتملة بدقة.
مع ذلك ساعدت حوادث عديدة على إلقاء الضوء على هذه الظاهرة، في الوقت الذي تحدد فيه المآزق التي تمثلها بالنسبة للمعارضة المسلحة في وزن المكاسب التكتيكية للدعم الجهادي الأجنبي مقابل الثمن الاستراتيجي بما يتعلق بالعلاقات مع الغرب والصورة الشاملة لحركة التمرد.  ففي 19 تموز 2012، على سبيل المثال، ظهرت إلى السطح مجموعة من المجاهدين الأجانب غير معروفة سابقاً تدعو نفسها ' مجلس الشورى'، لتقاتل إلى جانب مسلحين ينتمون إلى الجيش السوري الحر في الإمساك البارز بمعبر باب الهوا الحدودي مع تركيا. ورغم أن ظهور جهاديين على أشرطة فيديو على اليوتيوب وفي وسائل الإعلام الغربية وضع الناطقين بإسم الجيش السوري الحر الموجودين في تركيا في موقع دفاعي، فإن المسلحين المنخرطين في المعركة ثمنوا الدعم بشكل واضح، مثنين على ' إخوانهم المجاهدين' في أشرطة فيديو مصورة خلال الاحتفال الذي تلا.
 في كل الأحوال، وفي نفس ذلك اليوم، قبض مجاهدون أجانب على اثنين من الصحافيين الغربيين في مكان ما على طول الحدود، واحتجزوهم لليلة واحدة إلى حين إنقاذهم على أيدي مقاتلي الجيش السوري الحر. وتصاعد التوتر بين فصائل المتمردين السائدة وبين الجهاديين الأجانب العاملين في المنطقة في الأسبوع التالي، وفي 4 أيلول، خطفت مجموعة من المقاتلين من كتيبة فاروق الشمال، وهي كتيبة منتمية لكتائب الفاروق، قائد مجموعة مجلس الشورى وأعدمته بحسب ما قيل.
هذا الوجود للمقاتلين الأجانب جاء بثمن حقيقي انعكس في التحول المدهش والبارز لأحد قادتهم وأهم أنصارهم، كما عُبَّر عنه في مقابلة مع Crisis Groascii117p . وكونه ترك سوريا بعد ما قاله بعد عشرة أشهر من القتال، فقد عبَّر عن المعطيات المضللة حول دور الأجانب قائلاً:
 لقد تسبب المقاتلون العرب بمشاكل كثيرة على الأرض. إذا ليس لديهم أدنى فكرة عن المجتمع. فمعظمهم لا يعرف الخارطة، المدن الرئيسة للبلد أو أحيائها، هذا عدا عن معرفة المشهد العرقي والطائفي للبلد. حتى أنهم لا يمتلكون الخبرة العسكرية غالب الأحيان. وقد تسبب تجاهلهم بردات فعل عكسية داخل المجتمع السوري. فحتى لو كان بإمكان المتطوعين الأجانب المساعدة في الإطاحة بالنظام، فإنهم سيجعلون الأمور أصعب بكثير في اليوم الذي سيلي. إن اعتمادهم على مختلف الراعين الأجانب المتنافسين أدى إلى تفاقم مسألة غياب التنسيق بين المجموعات المسلحة السورية. زذ على ذلك، أن وجودهم يخدم النظام، الذي يستخدم هذا الوجود كمبرر للتدمير الهائل.
يُعَد المقاتلين العرب بضع مئات فقط، غالبيتهم من التونسيين، الليبيين، والسعوديين، المجندين عادة عن طريق الإنترنت. في البداية كان هناك تعبئة إقليمية هامة لصالح سوريا، لكن الأمور هدأت. دعوتي لهم هي الرحيل جميعاً عن البلد.

1 . مقدمة

2 . مدخل إلى مصطلح الدوغمائية السلسة

3. تربة خصبة، محصول غامض

4. السلفية ضمن الجيش السوري الحر

5 . القيود المؤثرة على السلفيين

موقع الخدمات البحثية