قراءات سياسية » .. تتمة الجزء الاول من.. الربيع العربي: انعكاساته على السياسة والمصالح الأميركي

الانعكاسات بالنسبة للسياسة والمصالح الأميركية
إتفق كل الباحثين على أن ليس هناك من حل عسكري للصراع الإسرائيليـ  الفلسطيني. وهم يعتقدون عموماً بأن السياسات الإسرائيلية الحالية تأخذ البلد بإتجاه طريق مسدود. فبما أن العرب سيكونون في النهاية الأكثرية السكانية ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط، فإن الحقائق الديمغرافية ستفرض خيارات: (أ) دولة ديمقراطية واحدة غير يهودية ثنائية القومية؛ (ب) دولة يهودية واحدة غير ديمقراطية بأكثرية مضطهدة؛ ( ج)  استمرارية إسرائيل ( فيها 20% عرب، ليس لهم نفس الحقوق كاليهود) واستمرار الاحتلال؛ أو (د) دولتان، إسرائيل بأكثرية يهودية كبرى ودولة أخرى فلسطينية مع تقاسم مدينة القدس بينهما.
كان الدعم السياسي والأمني الأميركي القديم مرتكزاً على توقع واضح: إسرائيل المزدهرة، القوية والواثقة التي ستفاوض حول السلام مع مكاسب للجانبين، في قالب المعاهدة التي صيغت مع مصر في العام 1979. بدلاً من ذلك، تستخدم إسرائيل الآن القوة العسكرية لمواصلة الاحتلال وسياساتها الاستيطانية الى حد أنها تعرض حل الدولتين للخطر. ويُنظر الى الولايات المتحدة، على نطاق واسع، على أنها الممكِّنة للسياسات الإسرائيلية وأنها الصديق الحميم الوحيد لإسرائيل. هذا الفهم يساهم في تدني الهيبة الأميركية ونسب التأييد للولايات المتحدة في العالم العربي بشكل ينذر بالخطرـ  فقط 5 بالمئة في مصر و10 بالمئة في الأردن.
وقال مؤرخ من بين الباحثين إن أفضل فرصة لإسرائيل لتبقى دولة ديمقراطية ويهودية هي التوصل الى إتفاق سلام مع جيرانها حتى ولو كان ذلك بكلفة ما بخصوص هواجسها الأمنية المبالغ فيها. في هذه الظروف، اعترض المؤرخ على مسألة ما إذا كان من مصلحة الولايات المتحدة إعطاء ضمانات قاطعة لأمن إسرائيل، الذي يعتمد في النهاية على التكيف مع الفلسطينيين. وفق هذه الرؤية، قد يكون على إسرائيل، في الواقع، مواجهة لحظة وجودية قبل إمكان حدوث إعادة التوجيه.
من جانبهم، على الفلسطينيين أن يفهموا حدود جهودهم بـ "; تدويل"; الصراع وتوضيح استعدادهم للتفاوض أكثر رداً على الضمانات الأميركية الملموسة أكثر بشأن قضايا الوضع النهائي أو التبادل الإسرائيلي من خلال ضبط النفس بخصوص المستوطنات. إضافة لذلك، من الصعب التصور قيام الولايات المتحدة أو إسرائيل، في أي وقت من الأوقات، بدعم تسويات إسرائيلية مع حكومة موحدة يرفض شريكها الثانوي الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود. لذا على الولايات المتحدة البحث عن مقاربة جديدة لإعادة توحيد الفلسطينيين بحيث يتجاوز هؤلاء نزعة الرفض الموجودة لدى حماس. ينبغي للقيادة الفلسطينية أيضاً البدء بتحضير شعبها لتسويات مؤلمة أخرى ينبغي صنعها، على سبيل المثال ما يتعلق باللاجئين، كجزء من تسوية سلام نهائية مع إسرائيل.
ماذا يمكن للولايات المتحدة أن تفعل؟ لقد انتقد نتانياهو علناً مقترحات الرئيس وعارضها منذ البداية. واستنتج الفلسطينيون أن الاستعداد الأميركي لاستخدام تأثيرها المحتمل على إسرائيل هو أقرب الى الصفر، وأن السلطة الفلسطينية قد اختارت طريقاً آخر. هذا الأمر مع تأثير الربيع العربي على الوضع الإستراتيجي لإسرائيل وعلى القضايا الفلسطينية الداخلية فيما بينهم، يطرح شكوكاً بأن تتمكن أية مبادرة أميركية بمفردها من النجاح. فأحد العناصر الإيجابية في اقتراح اللجنة الرباعية هو أنه ليس أميركياً فقط.
مع ذلك، اعتقد باحثو معهد الشرق الأوسط بأنه لا ينبغي للولايات المتحدة التخلي عن الميدان و";الانتظار حتى يصبح الوضع قويماً";. لا يمكن لإسرائيل والولايات المتحدة حل المشكلة وحدهما وقد بدأ الوضع  يسوء أكثر وربما أصبح خطيراً. الوقت ليس لصالحنا. ينبغي للولايات المتحدة  قيادة جهد دولي كبير لإبلاغ الشعوب، والسياسيين، وصناع القانون، والجماعات الدينية وصناع الرأي عن سبب كون المسار الحالي غير قابل للثبات وعن سبب كون الحل مع إسرائيل وإنشاء دولة فلسطين الجديدة تعيشان جنباً الى جنب بأمن وسلام هو الحصيلة الوحيدة التي تضع نهاية لصراعهما وتضمن وجود دولة ديمقراطية ويهودية. وقد أيد بعض الباحثين وجوب أن تشرح الإدارة في الولايات المتحدة سبب وجوب درس وجود قيادة أميركية أكثر حزماً ، بما في ذلك التحدث مع حماس ربما، ولم تعتبر ديبلوماسية كهذه ضرورية لحماية المصالح الأميركية. وفي حين أنه ينبغي لمفاوضات سلام الشرق الأوسط أن تبقى من بين الأولويات الأميركية العالية، فمن غير المرجح أن تصنف في قمة الأولويات في الوقت الذي تمضي فيه الولايات المتحدة الى انتخابات 2012.
الطاقة والعلاقات الاقتصادية
تناول باحثو معهد الشرق الأوسط الأسئلة الجوهرية التالية المتعلقة بتأثير الربيع العربي على أمن الطاقة.
ـ هل ستترجَم الأحداث السياسية الحالية بعدم استقرار طويل الأمد مع تأثيرات مستمرة مصاحبة على أسواق الطاقة؟
ـ كيف ستكون نقاط الاختناق التي تمر عبرها إمدادات الطاقة عرضة للاستهداف؟
ـ ما هي الانعكاسات بالنسبة للاقتصاد العالمي؟
وجهات النظر
التأثيرات على أسوا الطاقة. حتى الآن لم يتسبب الربيع العربي سوى بحد أدنى من الاضطرابات في سوق النفط لأن دول الخليج المنتجة، السعودية بشكل رئيس، قد عوضت خسائر الإمدادات من ليبيا. في الجانب الاقتصادي، اقتصرت الاضطرابات، الى حد كبير، على البلدان المتورطة بالربيع العربي. مع ذلك، هذه الأحداث تطرح سؤالاً عن حجم التعطيل الذي يمكن للسوق استيعابه بسبب هكذا أحداث قبل انتشار الارتدادات.
الوقائع هي هذه: يستهلك الكوكب حالياً أكثر من 88 مليون برميل من النفط يومياً، مستوى من الاستهلاك غير مسبوق. ومن المتوقع أن يتزايد الطلب 50 % تقريباً على امتداد الـ 25 عاماً المقبلة، من قبل اقتصادات آسيا البارزة الآن بشكل ساحق. علاوة على ذلك، إن بلدان الشرق الأوسط المنتجة للنفط، بحد ذاتها، تستثمر، وبشكل سريع، في مجالات تحديث بنيتها الاجتماعية، والتجارية، والحكومية، مستخدمة، على نحو متزايد، كميات أكبر من منتجاتها من الهايدروكربون تاركة كمية أقل للسوق التجارية. وبالتالي فإن معادلة الإمداداتـ  الطلب تضيق، مع سعة فائضة تقدر بحوالي 2ـ  3 مليون برميل يومياً، موجودة بكاملها تقريباً لدى منتجي النفط في دول مجلس التعاون الخليجي.
الاضطرابات لها تكلفة. كان الإنتاج السعودي قادراً على تعويض 1.5 برميل من الخسائر في الإنتاج الليبي في الوقت الذي استمر فيه متكيفاً مع الطلب المتزايد من الشرق. مع ذلك يضع خبير في معهد الشرق الأوسط تقديرات تقول إن أحداث الربيع العربي قد أضافت 10 – 15 دولار لسعر كل برميل من النفط الخام. كما أن التكنولوجيا المتطورة والتقدم الحاصل في صناعة النفط سيشتري أيضاً الوقت للأرض، لكن ذلك لن يكون الى أجل غير مسمى. بالإجمال، إن القلق بشأن تقلب السوق قد يعجل البحث عن طاقة غير بترولية، تاركاً المنتجين من دون مستهلكين، وهذا مصدر قلق أساسي في التخطيط السعودي للأمد الطويل.
نقاط الاختناق والتعقيدات بالنسبة للاقتصاد العالمي. هناك نسبة مئوية كبيرة من نفط العالم يعبر مضيق هرمز، وباب المندب، وقناة السويس. هذه المعابر عرضة لاستهداف إمدادات النفط الجدي والخطير. في كل الأحوال، إن خطورتها وأهميتها يتطابقان مع الاهتمام الذي تلقاه في التخطيط العسكري.
بالنسبة الى الانعكاسات والتداعيات على الاقتصاد العالمي، فإن مفتاح توفير الطاقة الذي يتطلبه الكوكب يكمن في تطوير كل من موارد العراق وإيران غير المستغلة. فلا العراق ولا إيران استأنفا مستويات إنتاجهما الخاصة التي كانا عليها قبل 30 عاماً. ( قبل حرب إيرانـ  العراق، وسقوط الشاه في إيران عام 1979). إن السؤال حول تطور العراق مرتبط ارتباطاً وثيقاً بطرق الصادرات، وما إذا كان بإمكان تلك الطرق جعلها آمنة وكيفية القيام بذلك. ولا يزال المستثمرون الدوليون حذرين. أما الإتفاق الذي تم توقيعه مؤخراً من قبل إيران، والعراق، وسوريا لتزويد الأسواق الأوروبية فيعتمد بشدة على تطوير خطوط الأنابيب. وقدمت أوبك إعفاءات للعراق تصل الى 4 مليون برميل يومياً من حصة إنتاجه ( حصة العراق حالياً 2.5 مليون برميل يومياً)، لذا، فإن العراق لديه الوقت لبناء قدراته الإنتاجية.
إن الحسابات التحليلية الواقعية للطاقة بحاجة لضم إيران أيضاً الى المعادلة. فالطاقة الإيرانية الكامنة المحتملة مذهلة ( المقدرة بـ 5.3 مليار برميل من النفط) إلا أن الإنتاج ينحدر وهو الآن في حدود 4.5 ملايين برميل يومياً. ومن غير المرجح تناول إمكانيات طهران الكامنة في حسابات الطاقة العالمية بشكل جدي طالما أن الطموحات النووية الإيران لا تزال استفزازية. إن العقوبات الحالية تقيد بشدة الاستثمارات الخارجية ومسألة التحديث الضرورية بقوة لقطاع النفط الإيراني.
كما تناول الباحثون مسألة الديمغرافيات أيضاً: فالشعوب الشابة جداً ( حوالي 60% تحت سن الـ 25(  تطالب بوظائف عمل وفرص اقتصادية أكبر. ففي شمال أفريقيا، قد تنتهي البطالة المتنامية بهجرة اليد العاملة، ما يؤثر ربما على أوروبا في الغالب، في المدى القصير على الأقل. أما في الخليج، فإن أرضية تكلفة العمالة يضعها الآسيويون الجنوبيون الذين يعملون لقاء بدلات أقل من تلك التي لأي من السكان الأصليين. ومع عدم وجود ما يريح في المدى المنظور في مسألة البطالة، فإن احتمالية رفع الإعانات أمر موضع تساؤل شديد. بالإجمال، أكد المشاركون على الحاجة الى ضم إيران كجزء من واقع الطاقة الإقليمي والعالمي، كما أكدوا على الحاجة لجعل الاستهلاك النفطي الأميركي في ظل إدارة أفضل.
الانعكاسات بالنسبة للسياسة والمصالح الأميركية
أولاً، الغرب مستمر بمصارعة ومكافحة متاعبه الاقتصادية، ويقع العبء، على نحو متزايد، على البلدان المنتجة للنفط وثروتها لتمويل النمو في البلدان غير المنتجة للنفط في الوقت الذي تشق طريقها سعياً للبحث عن الوظائف والعمل، والعدالة، والكرامة.
ثانياً، إذا ما تمكنت الولايات المتحدة من إثبات أن بإمكانها ترتيب بيتها المالي الداخلي، فسيكون لديها مصداقية أكبر في وصف الإصلاحات الاقتصادية للآخرين. وفي حين الطاقة البديلة فرصة للولايات المتحدة كي تقلل من اعتمادها على صادرات النفط، فإن الحديث لا يزال عن الوسيلة الفضلى لتوفير النفط.
ثالثاُ، إن الاستقرار في دول مجلس التعاون الخليجي المنتجة للنفط أمر أساسي لأسواق الطاقة المستقرة، إذ تواجه دول الخليج تحديات محلية بارزة في المستقبل. وتشتمل هذه التحديات على الانتفاخ الشبابي، ومشاكل الإسكان، وارتفاع نسب البطالة، وتزايد المطالب بمشاركة سياسية أكبر. وفي حين قد تشجع الولايات المتحدة دول مجلس التعاون الخليجي على أن تكون "; في الجانب الصحيح للتاريخ،"; فإنه ينبغي للتغيير أن يكون طبيعياً صادراً عن أهل البلد الأصليين وألا ينظر إليه على أنه إملاء ومطالبات من الخارج.
أخيراً، سيبقى الالتزام الأميركي القوي بالخليج مسألة حيوية لاستقرار أسواق النفط في المستقبل المنظور.
إيران وأمن الخليج
إذا كان المسرح المتوسطي للربيع العربيـ  تونس، مصر، ليبيا وسورياـ  بؤرة الأحداث الرئيسة، فإن مسرح الخليج لا يقل أهمية. وفي حين أن القضايا في منطقة البحر المتوسط تتمحور حول الإصلاحات المحلية والى حد ما حول انعكاسات عملية سلام الشرق الأوسط، فإن قضايا مسرح الخليج تتمحور حول أسئلة جوهرية وحقيقية بالنسبة للأمن والاقتصاد الأميركيين. وقد تناولت جماعة الخبراء وجهات النظر حول الأسئلة التالية:

ـ ما هو مستقبل الحركة الخضراء الإيرانية في ضوء ثورات العالم العربي؟
ـ هل أضعفت الأحداث الحالية قدرة دول الخليج على التعامل والتأقلم مع تحدي إيران؟
ـ ما هو مستقبل التعاون الأمني الخليجيـ  الأميركي؟
ـ كيف أثرت الأحداث في العالم العربي على توازن القوى الأميركي ـ  الإيراني، خاصة بما يتعلق بالقضية النووية والعراق؟
وجهات النظر
إيران والحركة الخضراء. تنبأ وزير الدفاع الأميركي بانيتا بأن الربيع العربي سيصل الى طهران حتماً في النهاية لكن ليس هناك من مؤشرات كبيرة تدل على أن الوقت قريب. فقادة الحركة الخضراء هم قيد الإقامة الجبرية وتنتظر النقمة الشعبية الظاهرة قيادة جديدة للتحرك. باختصار، هناك عزلة قوية لكن ليس هناك من قيادة بديلة واضحة؛ هناك جماهير ناقمة، لكن القمع يعيق التحرك؛ والظروف تنتظر سبباً معجلاً.
حاول النظام الإيراني إبراز الربيع العربي على أنه إلهام مستوحى من الثورة الإيرانية عام 1979. في كل الأحوال، لقد أدت معاملته القاسية للمتظاهرين والمعارضة بعد انتخابات 2009  الى  تقويض هذا الجدل بشكل حاد. لقد كان النظام محمياً، مع تغلغل الحرس الثوري الإيراني في الحياة السياسية، والاقتصاد، والقضاء، والتعليم، والشؤون العسكرية. فنطاق مسؤولياته كبير، بما في ذلك الاضطلاع بالنشاطات العسكرية في الخليج، وإدارة البرنامج النووي الإيراني، والاضطلاع بمسؤوليات اقتصادية جديدة للتعويض عن تأثير العقوبات.
سياسياً، هيمن الصراع ما بين القائد الأعلى الخامنئي والرئيس أحمدي نجاد على الحياة السياسية في العام الماضي. فالخامنئي لا يزال على قمة التل مهيمناً وملغياً لقرار أحمدي نجاد صرف وزير الاستخبارات من الخدمة وإتخاذه خطوات أخرى لكبح جماحه في السلطة. في كل الأحوال، لقد أخمد القائد الأعلى تحركات برلمانية لإقالة أحمدي نجاد، على الأرجح لأنه يجد مقاربته العدائية تجاه الغرب وشعبيته في الداخل أمراً مفيداً. مع ذلك، لقد قدم الخامنئي إمكانية إنشاء حكومة برلمانية تحذف منصب الرئاسة. أما حالياً، فإن المناورة السياسية للانتخابات البرلمانية 2012 تلون، وبقوة، كل الحياة السياسية الإيرانية.
الاقتصاد الإيراني عبارة عن صورة مختلطة؛ فهو يستمر بالنمو بمعدل 3% تقريباً سنوياً برغم العقوبات بسبب أسعار النفط المرتفعة نسبياً. مع ذلك، الاقتصاد يتضرر حيث إن العقوبات تقلص وتعيق القطاع المصرفي، والتجاري، والنفطي، بالإضافة الى قطاعات أخرى. إضافة لذلك، إن معالجة أحمدي نجاد لإزالة الإعانات المالية تشعل شرارة التضخم، البالغة الآن 15% ومرشحة للتصاعد، بالإضافة الى البطالة، التي هي 15 % تقريباً أيضا، لكنها تصل الى 30% في أوساط الشباب.
إيران ودول الخليج. ليس هناك من دليل كبير على أن النظام الإيراني نموذج يحتذى بحيث تريد أية دولة من دول الربيع العربي محاكاته. مع ذلك، فإن الأحداث في البحرين تقدم فرصاً يمكن للإيرانيين استغلالها جيداً إذا ما فشلت الإصلاحات في معالجة شكاوى الأكثرية الشيعية. وفي حين تظهر إيران أنها قدمت دعماً معنوياً كبيراً للمتظاهرين الشيعة في الآونة الأخيرة، فإن اكتشاف مؤامرة جديدة مزعومة تستهدف أهدافاً بحرينية يمكن أن تكون إشارة لدور أكثر نشاطاً.
ويرى السعوديون أنفسهم وجود يد إيرانية مهددة تقف خلف الأحداث في البحرين. فبحسب رؤيتهم، لا تهدد الأحداث البحرينية حكم آل خليفة في البحرين فحسب، وإنما تهدد أمن المحافظة الشرقية الشيعية بغالبيتها الساحقة والغنية بالنفط الواقعة على المقلب الآخر في الناحية الثانية. لقد قاد السعوديون الطريق في تنظيم قوة تابعة لمجلس التعاون الخليجي مؤلفة من بضعة آلاف من جنود الصحراء الشجعان المنتشرين في الداخل البحريني، ظاهرياً بغرض حماية البنية التحتية البحرينية، أما من وجهة نظر الباحثين في معهد الشرق الأوسط، فإن السعوديين عازمون ومصممون على منع إيران من الحصول على معقل لها في البحرين.
إن المؤامرة المزعومة للحرس الثوري الإيراني لاغتيال الجبير، السفير السعودي في واشنطن، ترفع هواجس ومخاوف السعودية. وقد تعهد السعوديون بإتخاذ "; رد موزون";  لمحاسبة إيران على أية أفعال تقوم بها. ذلك التعهد انتهى بالأمن الحذر لكن المشدد على الحجاج الإيرانيين في موسم الحج وتقديم قرار في مجلس الأمن الدولي يدين إيران على هجماتها على أشخاص محميين دولياً. أما المكسب الحقيقي للسعوديين فيكمن في الدور الراجح في سوق النفط؛ إن جعل أسعار النفط تهبط سيؤذي الإيرانيين أكثر مما سيؤذي السعوديين ودول مجلس التعون الخليجي بالتأكيد؛ مع ذلك، هذا مسار غير مرجح بسبب كلفته على السعوديين وعلى منتجي مجلس التعاون أنفسهم.
إتفق باحثو معهد الشرق الأوسط الذين زاروا الخليج على أن السعوديين لا زالوا يلقون باللائمة، وبقوة، على الولايات المتحدة بخصوص صعود إيران، وبأن المخاوف السعودية من إيران صاعدة هاجس قوي في اليمن، حيث تم إتهام الحوثيين المتموضعين على الحدود السعودية بتلقي المساعدة الإيرانية، من دون دليل واضح؛ أما في العراق، فلم يعتمد السعوديون سفيراً لهم هناك حتى الآن بسبب وجهات نظرهم حول الروابط الإيرانية لرئيس الوزراء المالكي؛ وفي سوريا، كان السعوديون منتقدين بشدة لإجراءات الرئيس بشار الأسد ضد المتظاهرين، وذلك عائد، جزئياً، الى أنهم يرون فرصة لإمكان سلخ سوريا بعيداً عن تحالفها مع إيران.
ولا تبتعد الكويت بوجهة نظرها حول إيران عن كل من البحرين والسعودية، حيث كان هناك عملاء إيرانيون متورطين في قضايا تجسس في الآونة الأخيرة. أما في الإمارات العربية المتحدة، فإن الروابط التجارية الإيرانية الهامة مع دبي وإمارات أخرى تلطف قليلاً من حدة الاستياء القوي المناهض لإيران والناشئ عن اإحتلال إيران لجزر أبو موسى، وطنب الكبرى وطنب الصغرى. أما قطر وعُمان فلديهما قيم متطرفة؛ تتقاسم قطر أكبر حقل نفطي في العالم مع إيران، وحافظت عُمان، تاريخياً، على علاقات تجارية وسياسية مع إيران نظراً لمسؤوليتهما المشتركة عن مضيق هرمز. وكانت عُمان وسيطاً عدة مرات مع إيران، بما في ذلك في الحصول على إطلاق سراح الرحالة المتجولين الأميركيين المحتجزين من قبل الإيرانيين.
برغم هذه الظلال في وجهات النظر، كان لمجلس التعاون الخليجي وقفة قوية في مزاعمه حول التدخل الإيراني في البحرين وفي إدانته المؤامرة الإيرانية. وذهبت دول مجلس التعاون بعيداً الى حد دعوة الأردن والمغرب الى الانضمام الى ما سيكون تحالف ملكيات، ليس بهدف التكاتف ضد إيران فحسب، وإنما لتمتين المصالح المشتركة في مجالات أخرى أيضاً.
الفكرة الرئيسة هنا هي أن الربيع العربي لم يضعف ولم يعق قدرة مجلس التعاون الخليجي على التعامل مع إيران. بالواقع، لقد حفزت أحداث الربيع العربي والمؤامرة الإيرانية بلدان مجلس التعاون الخليجي على دعم وتعزيز دفاعاتها لتصل الى آفاق جديدة.
التعاون الأميركي مع مجلس التعاون الخليجي. عسكرياُ، العلاقات ممتازة، علاقات مبنية على عقود من مبيعات الأسلحة الأميركية والتدريبات العسكرية التي تضمن تفوق القوات الخليجية وكذلك الوجود العسكري الأميركي الكبير في الخليج. ووقعت الولايات المتحدة في العام الماضي صفقة أسلحة بقيمة 60 مليار دولار، في أكبر عملية بيع أسلحة في تاريخ الولايات المتحدة، مع السعودية، بالإضافة الى توقيع صفقات مع الإمارات العربية المتحدة  ومع الكويت وقطر. أما الصفقة المعلقة حالياً لمبيعات أسلحة بقيمة 53 مليون دولار للبحرين فقد تم تبرير ذلك كتجهيزات للاستخدام للدفاع الخارجي.
أما سياسياً، فقد كانت العلاقات مختلطة. فالسعودية، بالإضافة الى دول أخرى في مجلس التعاون الخليجي كانت منتقدة، بحدة، لـ "; التخلي"; الأميركي عن مبارك. في كل الأحوال، يعتقد باحثو معهد الشرق الأوسط بأن عمل المصالح المشتركة معاً لمواجهة التهديد الإيراني، جلب الاستقرار لليمن، الحافظ على أسواق نفط منتظمة، ودعم حكومات شعبية في ليبيا وسوريا أمر بمثابة الورقة الرابحة من وجهة النظر الأميركية – السعودية المتباينة حول العراق، مصر، وتعزيز الديمقراطية عموماً. أما التعاون الاستخباراتي، كما ظهر في الكشف عن المؤامرة الإيرانية المزعومة ضد السفير السعودي في الولايات المتحدة ومؤامرات القاعدة، التي منشأها اليمن، ضد الولايات المتحدة، فيظل تعاوناً ثابتاً ومجرباً.
توازن القوى الإقليمي وإيران. لم تنتج سياسة الحوار والضغط الأميركي حتى الآن تغييراً في حسابات إيران السياسية بشأن طموحاتها النووية. وقد تعهد أوباما بتشديد العقوبات أكثر حتى بداية كشف المؤامرة الإيرانية الأخيرة، الأمر الذي ينبغي أن يكون له تأثير في تسهيل فرض الإذعان على الحكومات المترددة. مع ذلك، لدى باحثي معهد الشرق الأوسط صعوبة في أن يروا، تماماً، كيف يمكن لعقوبات أن تثمر النتيجة المطلوبة في النهاية.
إن الاحتمال المفضل هو المسار الديبلوماسي، حيث أشار أحمدي نجاد في أيلول إلى أن إيران تدرس تعليق إنتاج اليورانيوم المخصب عند مستوى 20% إذا ما ضمن الغرب إمدادها باليورانيوم العالي التخصيب ( HEU) لـ ";مفاعل أبحاث طهران";. في كل الأحوال، لم يتابع الإيرانيون المناقشات في  ";الوكالة الدولية للطاقة الذرية"; ( IAEA) أو من خلال القوى الخمس الكبرى زائد 1، منتدى المناقشات السابقة مع إيران. قد تكون المؤامرة الإيرانية، في الواقع، قد عملت على التخلص من هذه المبادرة.
من المرجح أن تكون المؤامرة نابعة من إحباطات الحرس الثوري الإيراني من الانتكاسات في البرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك قتل عدد من العلماء النوويين الإيرانيين، وتأثير فيروس ";ستاكسنت"; ( Staxnet)، بالإضافة الى "; إجراءات فعالة "; متحفظ عليها أخرى. هذه الإجراءات، في الواقع، اشترت بعض الوقت للمفاوضات، رغم أن تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الصادر في تشرين الثاني يرسم صورة موثوقة عن عزم إيران، في الحد الأدنى، على الحصول على القدرة لإنتاج أسلحة نووية. وكما وضع الأمر أحد الباحثين، التقرير يوضح أن هناك مسدساً لكن من غير الواضح بعد أن هناك مسدساً دخانياً.
الانعكاسات بالنسبة للسياسة والمصالح الأميركية.
من المرجح أن يأخذ الحل الديبلوماسي شكل القبول الغربي لتخصيب إيراني محدود مقابل مراقبة وتفتيش دولي صارم. في كل الأحوال، لقد غامرمسؤول أميركي قائلاً إن صفقة كهذه ستكون "; نهاية اللعبة";، وحتى الآن نحن لسنا "; في اللعبة"; بعد.
هناك إحتمالات أخرى تتخطى المسار الديبلوماسي وتتضمن تغييراً محلياً في إيران، الأمر الذي لا يبدو وشيكاً؛ العمل العسكري؛ الذي لا يوجد هناك من حماسة له؛ وسياسة الإحتواء، التي رفضتها الإدارة الأميركية، إحتمالات تسعى لتقييد إيران القادرة نووياً.
إن الإختيار بين هذه الخيارات يمكن أن يقع على عاتق الإدارة التالية، إعتماداً على نجاح الإجراءات التي ستوقف البرامج النووية الإيرانية.
مكافحة الإرهاب وفرص الإسلام السياسي
كان الربيع العربي بمثابة تعنيف لإيديولوجية التطرف الداعية للإطاحة عن طريق العنف بالأنظمة المدعومة من الغرب. وقد نظر الباحثون في معهد الشرق الأوسط في هذه الأسئلة التالية:
ـ هل موت بن لادن والمطالبة بالديمقراطية تخلق رواية سياسية جديدة شاملة وجامعة تنسخ تلك التي للقاعدة؟
ـ هل سينقص الربيع العربي أم سيزيد خطر إستيلاء الإسلاميين على الحكم؟
ـ كيف ستؤثر الإضطرابات والفوضى على التعاون في مجال مكافحة الإرهاب بين الحكومة الأميركية والحكومات الأساسية، خاصة اليمن؟
وجهات النظر
رواية سياسية جديدة جامعة وشاملة. بعد أحداث الربيع العربي، موت بن لادن، والضغط العالمي الذي فرضته الولايات المتحدة وحلفائها على شبكات القاعدة، تشوهت رواية القاعدة وفقدت مصداقيتها وتم إضعاف منظمتها كثيراً. مع ذلك، لم تتآكل؛ ولا يرجح أن تتآكل إيديولوجية كهذه. إن الإحتمال الأرجح هو أن روايتها ستتحول وتتغير لتعزيز مجموعات متطرفة جديدة، خاصة إذا لم تلب الحكومات توقعات متظاهري للربيع العربي.
إن سياسة مكافحة الإرهاب الأميركية مؤطرة حالياً في سياق تعطيل، تفكيك، وفي النهاية إلحاق الهزيمة بمركز القاعدة والمنتسبين لها. وقد عانت القاعدة من ضربتين شديدتين الواحدة إثر الأخرى. الضربة الأولى هي ثورات الربيع العربي، التي فاجأت الولايات المتحدة، والثانية موت أسامة بن لادن، نتيجة مباشرة للسياسة الأميركية. وفي حين إعترف باحثو معهد الشرق الأوسط بأن الإنعكاسات الكاملة لسياسة مكافحة الإرهاب في هذه الأحداث غير واضحة، فإنهم توصلوا الى إجماع حول إستنتاجات عديدة.
أولاً، لقد رفض متظاهرو الربيع العربي، أو تجاهلوا، الى حد كبير، إيديولوجية عنف القاعدة. ففي تونس، مصر، المغرب، وبدايةَ في اليمن وسولريا، كانت التظاهرات سلمية عموماً. وحتى في ليبيا، التي تطورت تظاهراتها في بنغازي بسرعة لتصبح تمرداً مسلحاً، لم يكن للقاعدة صلة بالعنف، رغم أن نظام القذافي حاول الربط بين الاثنين. هذا الرفض للقاعدة، والتفضيل للا عنف عموماً هي أخبار جيدة بعمق بالنسبة للسياسة الأميركية لأنها تضعف القاعدة. علاوة على ذلك، خدم موت بن لادن المطالبات بالعدالة، إلا أن تأثيره النهائي على القاعدة يعتمد على النجاح المستمر لسياسة مكافحة الإرهاب وما إذا كان الربيع العربي قد قاد الشعوب بعيداً عن التطرف أم أنه أعادها إليه.
ثانياً، الأخبار السيئة هي أن القاعدة تسعى الى الاستفادة من عدم الاستقرار الملازم للربيع العربي لإيجاد دور لها. هذه المحاولة أكثر ما تكون واضحة وجلية في اليمن، حيث كانت القاعدة في شبه الجزيرة العربية منظمة بشكل عال وذات وجود خطير في بعض المناطق العشائرية غير المحكومة نسبياً. وعندما عصفت بالعاصمة صدامات بين الموالين والمعارضين للحكومة، تحركت منظمة القاعدة في شبه الجزيرة العربية لتعزيز قبضتها على المناطق البعيدة والنائية. في كل الأحوال، وحتى في معاقلها الريفية، لا يمكن للقاعدة في شبة الجزيرة العربية أن تحل محل الروابط القبلية القوية التي تقيد نفوذها. بالإجمال، لا تزال منظمة القاعدة اللامركزية تمتلك القوة لعرض قوتها في هجمات محلية وعابرة للبلدان، كما يمتلكها وكلاؤها والمتعاطفون معها مثل شبكة "; حقاني";، وحركة طلاب باكستان (TTP)، وعسكر طيبة، وحركة الشباب الصومالي، ومنظمة بوكو حرام النيجيرية.
ثالثاً، ونظراً لهذا الواقع، ستبقى عمليات مكافحة الإرهاب واقعاً حياتياً في السياسة الخارجية الأميركية بينما تحاول الولايات المتحدة البناء على نجاح برامجها. إن العمليات العسكرية الحركية النشيطة، مثل قتل أنور العوالقي في اليمن مؤخراً، ستستمر من دون شك.
رابعاً، كان هناك إدراك لضرورة التركيز على مكافحة التطرف والعنف. ينبغي لبعض هذه الجهود أن يدعم ويعزز البرامج التي تنزع الشرعية عن الروايات المتطرفة. هذا المقدار من الجهد ينبغي أن يذهب باتجاه توفير بدائل للشباب غير المتأثر في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، والانكباب على  "; عوامل تمهيدية "; لأولئك الأكثر عرضة للتطرف مثل البطالة والافتقار الى المحاسبة الحكومية. أما المفتاح للنجاح فهو الاعتراف بأن الإرهاب هو عارض لقضايا كامنة على المستويين المحلي والإقليمي.
إن التصنيفات الواسعة من نوع "; الجهادي"; أو "; الراديكالي"; تقود الى سوء تطبيق للدواء الشافي المحتمل.
خطر استيلاء الإسلاميين على الحكم. لا جدال بأن الإسلاميين في عدد من بلدان الربيع العربي يقفون ليحصلوا على مكاسب من التغييرات الجارية. وإن حزب النهضة الإسلامي المعتدل في تونس قد سبق وفاز بأكثرية كبيرة من المقاعد في الانتخابات الأخيرة للجمعية التأسيسية، ويستعد لقيادة حكومة ائتلافية. أما في مصر، فإن الإخوان المسلمين هم الأفضل تنظيماً ومن المرجح أن يبلوا بلاءً حسناً في الانتخابات البرلمانية الجارية الآن. وفي ليبيا، يطالب المقاتلون المتمردون الآن بحصة من السيطرة ما بعد التحرير لتشمل عناصر إسلامية  كانت محظورة سابقاً من قبل نظام القذافي. وفي اليمن، اضطلع حزب الإصلاح الإسلامي الأصولي بدور مهم في نشاطات المعارضة. أما في الشرق، فإن مركز التظاهرات الرئيس في سوريا كان في مدينة حماه، المدينة التي ارتكبت فيها قوات حافظ الأسد مجزرة بحق آلاف الإسلاميين قبل ثلاثة عقود. فإذا ما كان بشار الأسد سيسقط في النهاية، فمن المحتمل تماماً أن تقوم عناصر إسلامية بتنظيم  حضور أساسي لأية انتخابات لاحقة.
هناك أسباب وجيهة للقلق بشأن تعزيز الإسلاميين المتطرفين،  وللهدوء بشأن تأثير مجيئ إسلاميين أكثر إعتدالاً الى السلطة. فسواء تم إطلاق سراح إسلاميين من السجن أم جاؤوا من خلال برميل بارود، هناك سبب كبير للقلق من أن يتفوق التزامهم بفرض دولة إسلامية صافية على دعوات مواطنيهم للديمقراطية والتسامح. على سبيل المثال، لا نعلم مدى التزام بعض مقاتلي التمرد الليبيين بالديمقراطية حقاً، وما إذا كانوا سيخلقون المشاكل والمتاعب للمجلس الوطني الانتقالي في الوقت الذي تجاهد فيه ليبيا لتشكيل أحزاب سياسية، وكتابة دستور، وإجراء انتخابات. من جهة أخرى، لا ينبغي لإسلاميين كالإخوان المسلمين وحزب النهضة اللذين "; يلعبون وفق قوانين اللعبة"; ويبرهنون عن التزام بالمحاسبة، والديمقراطية، والتعددية الحزبية، أن يكونوا مصدر قلق مفرط لصناع السياسة. هناك اختلافات وفروقات واضحة بين الإسلاميين السياسيين والمتطرفين الجهاديين.
وقد اتفق باحثو معهد الشرق الأوسط على أن الأكثرية الكبيرة من العرب ترفض العنف والتفسير الفظ والقاسي للإسلام من قبل السلفيين الجهاديين، وأن النزعة السلفية الواسعة ستظل محصورة ضمن أقلية في بلدان الربيع العربي.
التعاون في مجال مكافحة الإرهاب مع دول الربيع العربي الأساسية. إن التأكيد بشكل أكبر على السياسة الأميركية في مكافحة الإرهاب يهدف الى بناء قدرة الشركاء الخارجيين. هذا المجهود يدعم برامج تحسين وتطوير سيادة القانون والحكم في تلك البلدان التي يؤدي الربيع العربي الى إحداث تغييرات حكومية مفاجئة وحادة فيها. ومع إدراكها بأن الدول الضعيفة تخدم كأرضيات خصبة للإرهاب وعدم الاستقرار، ينبغي للولايات المتحدة الاستمرار بالعمل مع شركائها، وبالإصرار على احترام حقوق الإنسان، في الوقت الذي تعمل فيه على بناء القدرة على فرض وتعزيز القانون وبناء نظام قضائي عادل ونزيه.
ما هي العناصر الأساسية للدينامية السياسية المتطورة على مدى العام المقبل؟ العنصر الأول هو أن لدى الولايات المتحدة قدرة محدودة على تشكيل الأحداث لضمان نتيجة مطلوبة. ففي عدد من البلدان، تعاني الولايات الولايات المتحدة من نسبة قبول متدنية بشكل لافت. جزء من هذا الموقف هو نتيجة لا مفر منها للدعم الأميركي للأنظمة السابقة، بالإضافة الى الدعم الأميركي لإسرائيل. عموماً، علينا توقع رؤية الجهاديين وهم يبحثون عن موطئ قدم لهم في الظروف الحالية. وإذا ما برز متطرفون، فلا سبب لدينا لأن نتوقع أن يكونوا منتسبين للقاعدة. ومن الأرجح أن يشكل الإسلاميون المتطرفون تهديداً للتطور الديمقراطي في البلد موضع الاهتمام أكثر من تشكيلهم تهديداً مباشرا ً للولايات المتحدة. بالإجمال، إن دعماً لحقوق الإنسان وللحكم الرشيد سيثمر، على الأرجح، جواً لمكافحة العنف والتطرف هو أفضل من أية محاولة لفرض ديمقراطية على النموذج الغربي.
أما في اليمن، تحديداً، فستستفيد القاعدة في شبه الجزيرة العربية من الفوضى وتستمر في محاولاتها لمهاجمة المصالح السعودية والأميركية. ومن المرجح أن هذا الاستبدال الحتمي للرئيس صالح لن يكون له تأثير كبير على استعداد للحكومة المركزية، أو ما تبقى منها ، للتعاون مع الولايات المتحدة. وفي حين تعتبر القاعدة في شبه الجزيرة العربية خطيرة، فإنها ليست القوة الأقوى أو من بين أقوى القوى في اليمن بأي حال من الأحوال. ولا يزال اليمن يسعى لتحقيق توازن قوى جديد على مدى العام المقبل، وهو وضع لا يستدعي تدخلاً أميركياً ما عدا أن يكون ذلك في سياق الجهود الإقليمية لجعل الوضع مستقراً وتقديم المساعدات الاقتصادية والتقنية.
في الميزان، ليس هناك من سبب يدعونا لأن نتوقع وجود معاناة في مجال التعاون في مكافحة الإرهاب في المدى القريب. فكل بلد سيكون مركزاً على التعامل مع أوضاعه المحددة والخاصة، إلا أن الحاجة الى السيطرة على العنف الصادر عن عناصر متطرفة ستكون فكرة رئيسة مشتركة. وطالما أن بإمكان الولايات المتحدة التمسك بمبادئها المركزية  في الوقت الذي تعمل فيه على تعديل برامجها إزاء الظروف المحلية، فإن الربيع العربي يحمل وعوداً في طياته أكثر مما يحمل تهديداً. أما عامل التغيير في هذا التقييم فسيكون انتشاراً آخر للقوات القتالية الأميركية بأعداد كبيرة رداً على حدث إرهابي ناجح أو حتى سلسلة أحداث. سيكون التحدي الأكبر بالنسبة للسياسات الأميركية هو الحفاظ على برامج تطوير إنسانية، واقتصادية مفيدة بالإضافة الى تطوير الحكم الرشيد في وجه هبوط موازنات السياسة الخارجية الأميركية.
الانعكاسات بالنسبة للسياسة والمصالح الأميركية
يحتفظ باحثو معهد الشرق الأوسط بوجهات نظر متنوعة. ينبغي أن تكون مكافحة الإرهاب أداة خيار، إذا ما ظهرت تهديدات محددة للولايات المتحدة أو لحلفائنا وبرز إجماع عام على أن على الولايات المتحدة أن تدرك أن الظروف الاقتصادية في كل بلد تلعب دوراً هاماً فيما إذا كان السكان سيصبحون متطرفين أم لا. على الولايات المتحدة أن تسعى الى تعزيز نظام المحاسبة وتدارك المظالم والشكاوى بحيث لا يشعر المواطنون الناقمون بأن ملاذهم الوحيد يكمن في إيديولوجية التطرف وتكتيكاته. إن القدرة المبنية على المجتمع المدني، والمساعدات التقنية والاستثمار في الاقتصادات المحلية، ولو بمقادير صغيرة، تساعد على مكافحة الدعوات الراديكالية على المدى الطويل. بالإجمال، ينبغي للربيع العربي أن يقدم فرصاً أكبر للتعاون مع حكومات إفرادية حول مكافحة الإرهاب والتطرف والعنف، شريطة أن تأخذ الولايات المتحدة في حسابها الحساسيات المحلية بشأن السياسات الخارجية الأميركية.
الاستنتاج:  حقبة إعادة التشكيل والتنظيم
القوة الأميركية وصعود آخرين. إتفق باحثو معهد الشرق الأوسط على أننا ندخل حقبة جديدة. بعض خصائص هذه الحقبة ظاهر.
ـ إن الولايات المتحدة، المدعومة بحجم اقتصادها، وقدرتها التي لا مثيل لها تاريخياً على عرض القوة في أي مكان حول العالم، وموجودات قوتها الناعمة كوضعها لجدول الأعمال وسلطتها المعقودة، ستظل القوة الخارجية الراجحة والمتفوقة في الشرق الأوسط. لكن سيكون لديها امتداد مخفف نابع، جزئياً، من أخطائها السياسية الخاصة، خاصة الحرب المكلفة في العراق التي دفعت بإيران بسرعة الصاروخ الى المقدمة، بالإضافة الى صعود دول أخرى.
ـ سيكون للصين دور أكبر إلا أن مدى تأثيره له حدود، لأن الصين غير قادرة وغير مستعدة لتحمل التزامات عسكرية كبرى. مالياً، تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي الغنية بالنفط، إذا ما تعاونت، كفؤاً ونداً للموارد الصينية، أما تكنولوجياً وثقافياً، فللغرب اليد الأقوى بكثير.
ـ في خضم أحداث الربيع العربي، أظهرت قطر الدور الذي بإمكان دولة صغيرة غنية أن تلعبه؛ وبرزت تركيا كلاعب أقوى وكحليف أميركي أساسي في ديبلوماسية الشرق الأوسط؛ ودخلت دول مجلس التعاون الخليجي في أدوار قيادية إقليمية أكثر بروزاً. أما البلاد المتضائل دورها في هذه اللحظة فهي: البحرين، حيث العائلة الحاكمة، والشيعة، والسنة، وسمعة البحرين كمحورعجلة مالية كلها قد تضررت؛ واليمن، الذي تبدو مشاكله غير محلولة حتى مع رحيل صالح؛ وسوريا، التي يبقى مصيرها معلقاً وغير مقرر بعد.
ـ لدى دول التحول، تونس، ومصر وليبيا، حقوق المفاخرة النابعة من واقع أن أكثر من 100 مليون عربي ( ثلث العالم العربي تقريباً) هم الآن أكثر حرية مما كانوا عليه بداية العام 2011. أما الكيفية التي تلعب بها الأحداث في مصر فستكون ذات أهمية خاصة بالنسبة للحقبة الجديدة نظراً للدور المركزي لمصر في العالم العربي.
ـ يبقى تحديد مصير المبدلين للعبة، أي سوريا وإيران. بالإجمال، الأمر ينذر بحصول  اضطرابات بدلاً من الإبحار الهادئ السلس.
السياسة والمصالح الأميركية. في هذه الظروف، لم يتوصل باحثو معهد الشرق الأوسط الى استنتاجات صلبة من حيث تأثير الربيع العربي على المصالح الأميركية. فأحداث الربيع العربي جلبت الى المقدمة مسألة التضارب بين المصالح والقيم في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. ونظراً لتنوع طبيعة العلاقات الأميركية وإتساع المصالح في الشرق الأوسط، فإن حل هذا التضارب ينبغي أن يتم بالحكم بشكل صحيح على كل حالة بحالتها ضمن إطار عمل واسع على غرار ما طرحه الرئيس أوباما في أيار الماضي، ووزيرة الخارجية كلينتون في تشرين الثاني الماضي.
عرض الباحثون في معهد الشرق الأوسط، في مناقشتهم عناصر المصالح الأميركية – حماية إسرائيل، وأمن الخليج والقدرة على الوصول الى نفطه، والإصلاح السياسي والاقتصادي بما فيه تشجيع عمليات الانتقال والتحول الديمقراطي، ومكافحة الإرهاب، وعدم الانتشار النوويـ   مسألة هيمنة موضوع مكافحة الإرهاب في العقد الماضي وبأنها فاقت بأهميتها حقبة الربيع العربي بشكل مغالى به.
إعتقد بعض الباحثين أن على الولايات المتحدة أن تكون حكيمة في إشراك حلفاء لها في الشرق الأوسط وأماكن أخرى في التفكير، على الأقل، في ردود سياسية على إيران المتسلحة نووياً.
إعتبر بعض الباحثين أن السياسة الأميركية بشأن عملية السلام تلامس الاختلال حيث إنها لا تبدو أنها تهدف الى تشجيع التكيف الإسرائيلي مع التسويات التي ستكون في مصلحة إسرائيل على المدى الطويل، وبأنها معادية للفلسطينيين والدول العربية التي سيكون لسكانها تأثير متزايد بسبب الإصلاحات الديمقراطية التي تشجع عليها الولايات المتحدة. وإذا لم تثمر المبادرة الأخيرة للجنة الرباعية، فقد تكون السمة الرئيسة بالفعل للحقبة الجديدة إعادة تشكيل الحدود التي تشكل الآن العلاقات العربيةـ  الإسرائيلية والدور الأميركي فيها. قد تكون النتيجة انعزالاً متزايداً لإسرائيل واستقلالية متزايدة للقرارات العربية المتخذة في غرف الولايات المتحدة غير حاضرة فيها.
قد يكون الموقف الافتراضي لإستراتيجية (hubـ andـ spoke) في الخليج ـ أمر تسميه القيادة المركزية الأميركية "; التعددية الثنائية"; – أفضل ما يمكننا القيام به في هذا الوقت. إنه يعطي الولايات المتحدة دوراً حاسماً في دفاعات الخليج كما سهل وجود تقدم ملحوظ باتجاه الدفاع الجوي والبحري المنسق لدول مجلس التعاون الخليجي. إن قلق الخليج الحالي من أن تقود اقتطاعات الموازنة والانسحاب الأميركي من العراق وأفغانستان الولايات المتحدة الى "; عزلة ذاتية"; ينبغي دفنه. كما أن دمج العراق بنجاح ضمن بنية أمنية خليجية تتجاوز مقاربة hubـ andـ  spoke تنتظر تحسن العلاقات السياسية بين العراق ودول مجلس التعاون الخليجي، خاصة السعودية.
إن التوصيات السياسية الواسعة تحبذ وجود توازن مائل نحو الديبلوماسية. فحدود الموارد السياسية والاقتصادية الأميركية تملي وجود ديبلوماسية على حساب القوة ما عدا في حالات المصلحة الوطنية المهيمنة، كما تملي بناء ائتلاف على حساب الأحادية، والإصغاء والإقناع بدل المقاربات التعليمية. باختصار، ينبغي لنقاط القوة الأميركية أن تكون مدعومة بديبلوماسية قوية حساسة إزاء الحاجات المحلية بالإضافة الى انسجامها وتوافقها مع المصالح الأميركية.
بالإجمال، وبعد مرور 10 أشهر، يبقى وعد الربيع العربي حقيقة إلا أن تحقيقه أمر غامض. كما أن تعقيدات كيفية "; سير الولايات المتحدة وهي تمضغ العلكة في نفس الوقت"; عندما لا تكون المصالح الأميركية موائمة فمسألة غير واضحة. على المدى الطويل، يقدم الشرق الأوسط الأكثر ديمقراطية، وازدهاراً، ومسؤولية الفرصة لوجود منطقة ذات حكم أفضل وأقل انتهاكاً لحقوق الإنسان، وبذلك يقدم نتيجة إيجابية صافية بالنسبة للمصالح الأميركية.

موقع الخدمات البحثية