قراءات سياسية » عن التصدي التاريخي لروسيا الوطنية للتركيبة الدولية وللامبريالية الغربية

صوفيا ــ جورج حداد(*)

في 9 ايار/ مايو من كل سنة يحتفل الشعب الروسي ومعه كل احرار العالم بـ"يوم النصر" على النازية. فبالرغم من الدور الخياني ــ التخريبي للطابور الخامس "السوفياتي" (بقيادة جوزف ستالين)، الموالي للدوائر العليا للامبريالية واليهودية العالمية، والذي ترك في حينه الاتحاد السوفياتي بدون خطة دفاعية، واستعاض عن الخطة الدفاعية برفع صور وتماثيل الخائن ستالين في كل زاوية وشارع، مما ساعد المعتدين النازيين، في الايام الاولى للحرب، على تحطيم 2\3 من الطائرات الحربية السوفياتية وهي مكدسة عشوائيا في مدرجات وعنابر المطارات، واجتياح اراض سوفياتية واسعة جدا وصولا الى اطراف العاصمة موسكو، وابادة واسر ملايين الجنود والمواطنين السوفيات؛ بالرغم من كل ذلك، فإن الشعب الروسي، وحوله جميع الشعوب السوفياتية في حينه، هب كالمارد الاسطوري، وصد وكسر موجة الهجوم النازي الكاسح.

لقد كان الجيش الالماني النازي يمثل أرقى وأقوى وأشد جيش في العالم الغربي. وكان قد اكتسح اوروبا الغربية (باستثناء الجزيرة البريطانية) في اشهر قليلة، واستند الى كل "المدى الحيوي" الاوروبي، والصناعة والاقتصادات واليد العاملة الاوروبية، لتمكين النازية من حشد اكبر واقوى جيش عرفه التاريخ، عددا وعدة، لشن "الحرب الصاعقة" او "الحرب الخاطفة" او "حرب البرق"(Blitzkrieg)  ضد الاتحاد السوفياتي، بهدف تحطيم روسيا وتمزيقها اربا اربا، وهو ما سمي "عملية باربروسا"، التي شارك فيها اكثر من 4،5 ملايين جندي الماني ومن دول المحور الالماني، على امتداد حوالى 3000 كلم، مما لم يسبق له مثيل في التاريخ العسكري للعالم.

وبعد الهجوم على الاراضي السوفياتية في 21 حزيران/ يونيو 1941،  فإن الدول "الدميقراطية" الحليفة (اميركا وبريطانيا وفرنسا، وحواشيها) تقاعست عمدا عدة سنوات عن فتح "الجبهة الثانية"، في "الغرب"، ضد النازية. ولم يكن تأخير فتح "الجبهة الثانية" نتيجة تقصير او سوء تقدير من قبل القيادات الامبريالية "الدمقراطية" الغربية، بل كان من ضمن خطة جيوستراتيجية مدروسة، وضعتها سرا الدوائر الامبريالية الاميركية بالاشتراك مع الطغمة المالية اليهودية العالمية العليا القابعة في نيويورك، وطبقتها بكل غباء (مقصود او غير مقصود) قيادات الدول الامبريالية والرأسمالية الاوروبية الغربية. وكانت تلك الخطة تقضي بتسهيل سيطرة النازية على اوروبا الغربية خاصة واوروبا عامة، ومن ثم فسح المجال امامها واعطاؤها الوقت الكافي كي تسحق الاتحاد السوفياتي وروسيا؛ واخيرا تطبق الامبريالية الاميركية واليهودية العالمية احد احتمالين:

ــ اما التفاهم مع هتلر والنازيين لفرض سيطرة مشتركة، او لتقاسم السيطرة، على العالم.

ــ اما متابعة الحرب ضد المانيا النازية بعد ان يكون قد اصابها الضعف بنتيجة الاصطدام مع "الدب الروسي".

وكان ستالين، من جهته، قد ارتكب احدى اكبر جرائمه الخيانية ضد الشعب الروسي وضد الشيوعية، حينما اقدم، عشية الحرب، على اعدام اكثر من 35 الف ضابط روسي وسوفياتي، من ادنى الرتب حتى اعلاها (ومنهم المارشال ميخائيل توخاتشيفسكي رئيس الاركان وواضع اسس العلم العسكري السوفياتي الذي لا تزال كتبه الى اليوم تدرس في الاكاديميات العسكرية الروسية). و"التهمة" التي وجهت الى أولئك الضباط الوطنيين الروس، الشيوعيين وغير الشيوعيين، هي انهم كانوا يطالبون بتحضير خطة دفاعية للبلاد، واعتبروا لذلك "عملاء استفزازيين" لالمانيا يريدون إعطاء "حجة" لالمانيا بأن روسيا تستعد للحرب ولمهاجمة المانيا، وبهذه "الحجة" تبرير الهجوم الالماني على روسيا.  وكان الهدف من هذه الاعدامات ضعضعة الجيش الاحمر عشية الهجوم الهتلري الكاسح. وكان هدف ستالين من وراء ذلك ــ وبالتفاهم الضمني او المباشر مع الطغمة اليهودية العالمية العليا التي كان يعمل معها ــ انه، بعد هزيمة الجيش الاحمر، سيكشف ستالين عن وجهه الحقيقي، كحليف وشريك فعال للطغمة المالية اليهودية العليا العالمية، وللنازية، وكقاتل للينين جسديا، وكمزيف للفكر الاشتراكي العلمي، وللشيوعبة، وكعدو لروسيا والشعب الروسي، ويتم تشكيل "ثلاثي" (tripartite)  امبريالي يحكم اوروبا والعالم، ويتألف من:

ـــ "الشيوعيين الخونة" بقيادة ستالين، الذين كانوا يشكلون حزبا داخل الحزب الشيوعي السوفياتي، بمن فيهم اليهود الصهاينة الذين كانوا يتغلغلون في الحزب؛

ـــ النازيين العنصريين الآريين الالمان الذين كان يقودهم هتلر؛

ـــ "الامبرياليين الدمقراطيين" او "الليبيراليين"، الانغلو ــ ساكسون، الذين كان يقودهم روزفلت وتشرشل، وكانوا في حالة اندماج تام مع الطغمة المالية اليهودية العليا العالمية.
ولكن الشعب الروسي الباسل خيب آمال كل اطراف الـ(tripartite)، بانتصاره الباهر على النازية.

فمنذ معركة ستالينغراد (فولغوغراد حاليا) ــ التي استمرت حوالي 6 أشهر بين 21 آب/ أغسطس 1942 و2 شباط/ فبراير1943 ــ تحول مجرى الحرب جذريا، وانتقل الجيش الاحمر من مرحلة الدفاع الستراتيجي، الى مرحلة الهجوم الستراتيجي، بفضل البطولات الخارقة والتضحيات الجسام للجيش الاحمر والمقاومة الشعبية الروسية خاصة والسوفياتية عامة. ولم يتوقف الهجوم الا بعد اقتحام برلين وتجاوزها 400 كلم باتجاه الغرب.
 
*****

وتجمع غالبية التقديرات انه في الصراع المرير ضد النازية، فان الاتحاد السوفياتي، وبالاخص روسيا، تكبدا ما لا يقل عن 29 مليون قتيل ومفقود، ومثلهم واكثر من الجرحى والمصابين والمعاقين، وعشرات ملايين المهجرين والنازحين والمشردين الذين فقدوا منازلهم وارضهم وذويهم، وبالاخص ملايين الاطفال الذين فقدوا أهاليهم وتاهوا في كل الجهات، كما تم تدمير اكثر من عشرات الوف المدن والبلدات والقرى واكثر من 80% من الاقتصاد والبنى التحتية الروسية، مما وضع الشعب الروسي بأسره على حافة الجوع. ولم يبق بيت او عائلة في روسيا لم يقدما الشهداء والتضحيات في المواجهة المصيرية مع الطاعون النازي الآتي من الغرب الامبريالي.

والسؤال التاريخي الكبير هو: كيف كافأت اميركا و"الدمقراطيات" الغربية والطغمة اليهودية العالمية العليا، روسيا والشعب الروسي، على انقاذ شعوبهم وشعوب العالم قاطبة من الوحش النازي؟!

*****
جوابا على السؤال المفصلي المذكور آنفا، نكتفي بايراد ما يلي:
 
ـــ في 1918، ومع اندلاع الحرب الاهلية الروسية بعد انتصار الثورة الاشتراكية الروسية، تدخلت جبهة واسعة من الدول "الغربية"، الامبريالية وتوابعها، وارسلت جيوشا منها لنصرة جيش "الروس البيض" القيصري، ضد جيش "الروس الحمر" السوفياتي. وكانت الجيوش الاجنبية المعتدية بقيادة ونستون تشرشل اياه وزير الحربية البريطاني في ذلك الحين. ولكن "الجيش الاحمر" (الذي هو في الوقت نفسه "الجيش الوطني للشعب الروسي" و"الجيش الثوري" للعمال والفلاحين الفقراء والمثقفين الشرفاء، الروس، تمكن من تحقيق الانتصار على "الجيش القيصري" وعلى قوات التدخل الاجنبي وطردها من الاراضي الروسية في 1920 (باستثناء المعتدين اليابانيين الذين طردوا من الشرق الاقصى في 1922، واستطاعوا البقاء في شمالي جزيرة سخالين حتى سنة 1925).  

ـــ ومن المؤكد ان ونستون تشرشل، احد اكبر عتاة رجال الامبريالية الغربية التاريخيين، كان يستخلص الدروس ويستشرف العواقب التاريخية لانتصار "الوطنية الروسية" على الامبريالية "الدمقراطية"، والنازية، "الغربيتين"، في اعقاب الحرب العالمية الاولى وخلال الحرب العالمية الثانية، حينما اقدم في 1946، اي غداة نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة، على القاء خطبته الشهيرة في احدى الكليات العسكرية في الولايات المتحدة الاميركية، التي قال فيها ــ بمنتهى الصراحة والوقاحة: ان الدول "الدمقراطية" اخطأت ــ بعد القضاء على النازية ــ بأنها لم تتابع الحرب للقضاء على الاتحاد السوفياتي ايضا.

ـــ وبهذه الخطبة دشن ونستون تشرشل ما سمي "الحرب الباردة" بين "المعسكريين" الغربي والشرقي. ويخطئ تماما كل من يعتقد ان "الحرب الباردة" لم تكن سوى وسيلة جيوسياسية للضغط المعنوى والابتزاز السياسي ضد الاتحاد السوفياتي السابق وروسيا. بل هي كانت وسيلة جيوسياسية لتهيئة جميع دول العالم "الغربي" وعلى رأسها اميركا والدول الامبريالية الغربية الاخرى، "ثقافيا" واقتصاديا وسياسيا وعسكريا، لتطويق الاتحاد السوفياتي و"المعسكر الاشتراكي"، والانقضاض عليهما من كل جهات الارض وبكل الاسلحة النووية والكلاسيكية، وتدمير روسيا مرة والى الابد.

ـــ وفي تلك الخطبة فإن ونستون تشرشل، الذئب الامبريالي العجوز الماكر واحد اكبر وادهى دهاقنة الامبريالية الغربية التاريخيين، ألقى "الكذبة الكبرى"، التي تقول ان الاتحاد السوفياتي والكتلة السوفياتية والاشتراكية عزلوا انفسهم عن "العالم"، واسدلوا حولهم ما سماه تشرشل "الستار الحديدي". اي ان الاتحاد السوفياتي وفي قلبه وعلى رأسه روسيا، عزل وطوق وحاصر  نفسه بنفسه، ثقافيا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وتحول الى ما سمي "امبراطورية الشر". والواقع هو العكس تماما، وهو ان حصار روسيا والاتحاد السوفياتي والكتلة الاشتراكية بدأ منذ 10 ايار/ مايو 1945، اي في اليوم الثاني لاستسلام المانيا النازية. وكان شعار "الستار الحديدي" تعبيرا عن منتهى الديماغوجيا والكذب والعهر السياسي الذي يزيف الشعارات ويقلب الحقائق الى نقيضها. وعلى غراره ادعت آلة البروباغندا الاميركية في 2003 وجود اسلحة الدمار الشامل في العراق؛ فقامت الامبريالية الاميركية ــ تحت هذه الحجة الكاذبة ــ بعملية تدمير شاملة ضد الجيش الوطني العراقي وجماهير الشعب العراقي المظلوم، بالتواطؤ الكامل مع النظام الخياني لصدام حسين، الذي "سوّد وجهه" امام الاميركيين، بالفشل في ضرب الثورة الايرانية، وكان عاجزا عن منع تحول الجيش الوطني العراقي للتوجه نحو مساعدة الشعب الفلسطيني في محاربة اسرائيل وتحرير فلسطين.

ـــ وفي 1949 تم تشكيل "حلف شمالي الاطلسي" (الناتو (NATO، بمبادرة اميركية. وضم الحلف المانيا ذاتها، التي لم تكد تنزع جلدها النازي، والطامحة للانتقام من روسيا؛ وتركيا، العدو الرئيسي لروسيا طوال قرون، منذ ان أناخ الطاعون الهمجي العثماني على القسطنطينية ــ لؤلؤة الشرق، في 1453، وحتى سقوط السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الاولى. ومع تأسيس حلف الناتو كانت قد انتهت مسرحية الحرب العربية ــ الاسرائيلية الاولى (1948 ــ 1949)، التي تم إخراجها بسيناريو غربي مكشوف لاجل تثبيت قيام الكيان الصهيوني الغاصب فوق الارض الفلسطينية. ومنذ الساعات الاولى لانشائها تأكد ان دولة "اسرائيل" او "الوطن القومي اليهودي المزعوم" ليست اكثر من قاعدة متقدمة لحلف الناتو الامبريالي العدواني، وخصوصا لاميركا، بمواجهة لا حركة التحرر الوطني العربية فقط، بل ايضا لمواجهة الاتحاد السوفياتي وروسيا. ولم يتم الاعلان عن الانضمام الشكلي لــ"اسرائيل" الى حلف الناتو، لعدم إحراج الانظمة العربية والاسلامية العميلة المرشحة للتعاون مع الناتو. وبالفعل، ففي خمسينات القرن الماضي، انتشرت حمى إنشاء الاحلاف العسكرية: حلف الدفاع المشترك، حلف المعاهدة المركزية، الحلف التركي ــ الباكستاني، الحلف الاسلامي، حلف بغداد. وجميعها لم تكن اكثر من امتداد واجنحة "شرقية" لحلف الناتو.

ـــ ان فذلكة إنشاء حلف الناتو تقول انه "حلف دفاعي"، هدفه الدفاع المشترك عن اي عضو من اعضاء الحلف يتعرض للعدوان الخارجي. ولكن كل تاريخ حلف الناتو يشي بأنه ليس اكثر من اداة عسكرية للامبريالية الغربية، لتهديد امن واستقرار واستقلال جميع شعوب ودول العالم. وقد تجلى ذلك بشكل صارخ في تسعينات القرن الماضي، في التدخل العدواني وتخريب وتدمير وتفكيك "اتحاد الجمهوريات اليوغوسلامية" السابق، ثم في تخريب وتدمير وتقسيم الجمهورية الصربية في 1999.

ولحلف الناتو هدفان تأسيسيان هما:

الهدف الادنى: ترويع واخضاع وتطويع جميع شعوب ودول العالم لهيمنة الامبريالية الغربية وعلى رأسها الامبريالية الاميركية ــ اليهودية.

والهدف الاقصى: تطويق روسيا من كل الجهات، والتحضير للحرب العالمية الثالثة ضدها وتدميرها، عملا بنصيحة ونستون تشرشل في 1946.

وكل ما يجري اليوم على الرقعة الجيوسياسية والجيوستراتيجية العالمية، لا يخرج عن هذا الاطار.

*****

ان روسيا الوطنية ــ وكما تثبت التجربة التاريخية ــ هي صخرة جلمود تكسرت وتتكسر عليها جميع اشكال العدوان الاستعبادي والاستعماري والامبريالي العالمي:
فبعد ان قامت روما القديمة باحراق والتدمير الكامل لقرطاجة العظيمة، وبصلب السيد المسيح (حسب الرواية المسيحية)، فإن روسيا الوطنية، وفي بواكير ارهاصات تشكل "الوعي الذاتي"  الروسي، ما ــ قبل ــ الدولة، هي التي كسرت موجة التوسع الاستعماري الروماني وتعميم نظام العبودية الروماني على العالم القديم.

وفيما بعد، فإن روسيا الوطنية هي التي قامت بتدمير مملكة خزاريا اليهودية في محيط بحر قزوين. وكانت هذه المملكة قد نشأت، وتهودت، بدعم كلي من الطغمة المالية ــ التجارية لـ"اليهود العرب" (العبرانيين)، في بواكير القرون الوسطى، وهو الدعم الذي لم يكن بالامكان ان تكون تلك المملكة بدونه. وقد قامت تلك المملكة، وتوسعت، واغتنت، وتقوّت، بفعل الغزو المتواصل والسلب والنهب والسبي وقضم الاراضي في جنوب غربي "روسيا" (قبل ان تنشأ كدولة) ومملكة بلغاريا القديمة (بلغاريا الفولغا)، التي كانت قد تبنت الاسلام بفضل الدعوة الدينية، قبل وصول الفتح العربي الاسلامي الى تلك المناطق. وفي تلك المرحلة، حينما كانت الارستقراطية الحاكمة في الدولة العربية ــ الاسلامية سكرى بـ"الثروات" التي تتدفق عليها من الاراضي والاقاليم "المفتوحة" والمستحلبة حتى الرمق الاخير، وغارقة في "الملذات" مع الجواري والمحظيات، اللواتي كان النخاسون اليهود يشحنون بها قصور ومخادع القواد والامراء العرب المسلمين، ولاهية تماما عما يدبر لها بليل، ــ في ذلك الوقت كانت الارستقراطية "اليهودية العربية" (العبرانية)، المالبة ــ التجارية ــ الدينية، تعمل على خطين:

الاول ــ العمل على مفاقمة الترهل والضعف في الدولة العربية ــ الاسلامية، عن طريق الفساد والافساد وتعميق النزاعات الداخلية.

والثاني ــ هو رعاية، "تطوير"، توسيع وتقوية مملكة خزاريا اليهودية، وتهيئتها للقيام في الوقت المناسب بالانقضاض على الدولة العربية ــ الاسلامية من الخارج، بمساعدة "اليهود العرب" (العبرانيين) من الداخل. (وهو ما فعله العثمانيون لأنفسهم بعد عدة قرون).

ولكن مع بداية تشكل البراعم الاولى للدولة الروسية (تأسست "إمارة روس كييف" في 862م)، هاجم الروس إيتل (عاصمة مملكة خزاريا اليهودية) ودمروها. واستمر الصراع الروسي ــ الخزري حتى القرن الحادي عشر الميلادي، حينما نمكن الروس من تحرير جميع المناطق من سيطرة الخزر اليهود، ومنعوهم من الاقامة في محيط بحر قزوين وفي جميع المدن الروسية؛ فانكفأ اليهود الخزر الى الارياف الروسية ومنها الى بولونيا، التي كانت جزءا لا يتجزأ من الاراضي الروسية. وهكذا انقذ الروس المنطقة العربية ــ الاسلامية، والعالم، من قيام اول "اسرائيل كبرى" في التاريخ. وبذلك تلاشت في تلك الحقبة الاحلام المريضة لمعتوهي "شعب الله المختار" من "اليهود العرب" (العبرانيين) و"اليهود الترك" (الخزريين).

وروسيا الوطنية هي التي كبّلت ولجمت لاكثر من مائتي سنة، ثم اسقطت نهائيا مشروع الغزو والسيادة الوحشية المغولية ــ التتارية على العالم القديم (بالتفاهم مع البابوية الكاثوليكية وبمباركتها).

وحينما نجحت الحملات "الصليبية الشرقية" في الوصول الى القدس والاراضي المقدسة، وارتكبت فيها المجازر ضد المسلمين والمسيحيين الشرقيين واليهود العرب العاديين، واستقرت فيها ردحا من الزمان، قامت بابوية روما الكاثوليكية بالتحريض لتوجيه الحملات "الصليبية الشمالية" (من السكندينافيين والبلطيقيين والجرمان والبولونيين الكاثوليك) لاختراق روسيا من الشمال الى الجنوب، والوصول منها ــ عبر بلاد فارس والعراق ــ الى الاراضي المقدسة، وتكريس سيطرة روما الكاثوليكية على العالم القديم (بالتعاون وبتقاسم النفوذ مع الغزاة المغول، خصوصا عبر "تنصير" و"كثلكة" الامراء والاميرات المغول). ولكن روسيا الوطنية افشلت تماما ذلك المشروع الاستعماري العالمي للبابوية الكاثوليكية، بعد التحطيم الكامل، في اواسط القرن الثالث عشر، لـ"الصليبيين الشماليين"، الذين لم يستطع واحد فقط منهم ان يصل الى الاراضي المقدسة حتى ولو كان هاربا. ولو قدّر لـ"الصليبيين الشماليين" ان ينتضروا على روسيا ويخترقوها، ويلتقوا مع اضرابهم من "الصليبيين الشرقيين" فوق الاراضي المقدسة، لقاموا معا بابادة المسلمين والمسيحيين الشرقيين، كي يقيموا فوق جماجمهم "مملكة الرب!"، كما كانت تزعم عقيدتهم، بالرئاسة الفعلية او الفخرية لبابا روما (على غرار اقامة "الولايات  المتحدة الاميركية" فيما بعد فوق جماحم "الهنود الحمر")، ولكان العالم القديم كله لا يزال الى اليوم لا اكثر من "مزرعة دواجن بشرية" يسود عليها "الصليبيون" ("النازيون" و"الدواعش المسيحيون المسيحيون المزيفون" لذلك العصر)، الذين ينظرون الى انفسهم فقط بأنهم "ابناء الله"، اما سائر خلق الله فليسوا اكثر من "بهائم بشرية" (او"غوييم" حسب التعبير اليهودي "المقدس!"، طبعا مقدس طالما قالت به اليهودية!!!).

وبعد هزيمة "الصليبيين الشماليين" (السويديين زالجرمان) في معركة بحيرة لادوغا عام 1164م، ومعركة نهر نيفا عام 1240م، وفي الصراع على السلطة ضد الارستقراطية الروسية، اختارت الارستقراطية البولونية الانقلاب على الاصول السلافية للبولونيين، التي تجمعهم مع الروس، واعلنت تبني الكاثوليكية، والظهور كقوة "صليبية جديدة"، املا في الحصول على دعم البابوية والامبراطورية الرومانية المقدسة، لكسر الارستقراطية الروسية والسيطرة على العالم السلافي. ولكن الامبراطورية البولونية واجهت في القرون الوسطى ثورة القوزاق (جماعة اتنية روسية لها مميزاتها وتقاليدها الخاصة، كانت تعيش في المناطق التخومية على طرفي الحدود بين روسيا وبولونيا، بما في ذلك جنوب شرق اوكرانيا الحالية) بقيادة الأتمان (زعيم الجماعة) بوغدان خميلينتسكي، الذي وقع اتفاقية الوحدة مع روسيا في 1654، مما حتم هزيمة بولونيا امام روسيا. وتلاشى الى الابد الوهم "الصليبي البولوني". وفي 1795م تفكك الاتحاد البولوني ــ الليتواني، وتم تقسيم بولونيا بين النمسا وبروسيا وروسيا. وبقيت بولونيا (الحالية) جزءا لا يتجزأ من الاراضي الروسية حتى ما بعد الثورة الاشتراكية الروسية في 1917، التي اعلنت بولونيا كدولة مستقلة، فاتخذت على الفور موقفا معاديا لروسيا وللحكم السوفياتي والاشتراكية، ومواليا للغرب الامبريالي.

وبعد فشل حملته ضد الشرق العربي ــ الاسلامي، توجه نابوليون بونابرت بجيش هائل قوامه 680 الف جندي وضابط حسب غالبية التقديرات (نصفهم من الفرنسيين والنصف الآخر من سائر الجنسيات الاوروبية)، وذلك في شهر حزيران/ يونيو 1812م، وكان الجيش يرتدي البسة صيفية، مما يدل على ان نابوليون كان متأكدا من تحقيق نصر سريع على الجيش الروسي والعودة الى فرنسا قبل حلول الشتاء الروسي القاسي.
 
وفي السابع من ايلول/ سبتمبر 1812م اشتبك الجيشان الفرنسي والروسي في معركة تاريخية كبرى (تسمى معركة بورودينو)، التي اشترك فيها 250,000 جندي وقع منهم 70,000 قتيل، من كلا الجانبين. وعن هذه المعركة يقول نابوليون في مذكراته فيما بعد: "لقد اثبت الفرنسيون انهم يستحقون النصر؛ واثبت الروس انهم لا يقهرون". وفي الليل كان الجيش الروسي يتهيأ لمواصلة المعركة في اليوم التالي، ولكن القائد الجنرال المحنك ميخائيل كوتوزوف لم يكن واثقا من امكانية صمود وانتصار الجيش الروسي، فأمر بالانسحاب في اتجاه موسكو التي كان نابوليون يقصد احتلالها، وبإحراق جميع السهول المزروعة والقرى والبلدات والمدن بما فيها موسكو. وفي اليوم التالي زحف الجيش الفرنسي باتجاه موسكو التي وصلها بعد اسبوع من معركة بورودينو، وكان هذا الجيش الصخم يبحث عن المواد الغذائية والالبسة الشتوية، ولكنه لم يجد سوى الرماد. وشن الجيش والفلاحون الروس حرب عصابات واسعة النطاق ضد الغزاة الفرنسيين. وحينما عوتب كوتوزوف فيما بعد على خطته التي ادت الى سقوط موسكو قال: "لقد سقطت موسكو، ولكن بقي الجيش وبقيت روسيا؛ ولو سقط الجيش لسقطت موسكو وسقطت روسيا". ومكث نابوليون وجيشه اكثر من شهر في موسكو المحروقة بانتظار ان يوقع القيصر الروسي على الاستسلام او ما سمي "اتفاقية الصلح". ولكن القيصر اجاب "سنوقع "اتفاقية الصلح"، ولكن في باريس!".  وحين تراجعت قوات نابوليون طاردتها القوات الروسية وصولاً إلى وسط فغرب أوروبا وإلى أبواب باريس نفسها.

 انتهت حملة نابوليون على روسيا عمليًا في الرابع عشر من كانون الاول/ ديسمبر 1812، أي بعد أقل من ستة أشهر على بدايتها، بمغادرة آخر القوات الفرنسية لأرض روسيا. وكان تعداد الجنود والضباط المنسحبين مع نابوليون 27000، اما الباقون (من زهرة شباب فرنسا واوروبا) فقد تناثرت عظامهم على الارض الروسية.

وفي القرون التي اعقبت استيلاء العثمانيين على القسطنطينية في 1453م، بالتعاون والدعم من قبل بابوية روما والطغمة المالية اليهودية العليا، فإن روسيا هي التي تصدت للسلطنة العثمانية وخاضت ضدها حروبا متواصلة انهكتها وزعزعتها حتى انهارت اخيرا في الحرب العالمية الاولى.

وفي الحرب العالمية الثانية، انقذت روسيا شعوب العالم قاطبة من الشر المستطير للنازية، وقدمت لاجل ذلك تضحيات هائلة لم يقدم مثلها اي شعب او بلد اخر.

وهذه الروسيا الوطنية تنبري اليوم على الساحة الجيوبوليتيكية العالمية بوصفها الصديق الحقيقي الوفي لجميع شعوب العللم، بمن فيها شعوب اوروبا الغربية واميركا الشمالية، بصرف النظر عن الاختلافات العرقية والعنصرية والقومية، والسياسية والايديولوجية والدينية والفكرية.

وهي تمثل حجر  الزاوية في النضال لاجل القضاء على الهيمنة الدولية للامبريالية الغربية واليهودية العالمية، ولاعادة بناء نظام عالمي جديد، يقوم على التعددية الحضارية والتعاون والتآخي بين الشعوب، كبيرها وصغيرها، ولتحويل الكوكب الارضي الى بيت مشترك، بمنازل متعددة، للعائلة الانسانية الكبرى، الواحدة والمتوحدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) كاتب لبناني مستقل

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد البشري


موقع الخدمات البحثية