قراءات سياسية » أرباح وخسائر في معركة الساعة

علي عبادي

انتهت معركة التوقيت الشتوي – الصيفي التي دامت بضعة أيام، وبدأ تقويم الحصيلة وما ستتركه من تداعيات على الوضع اللبناني واستحقاقاته المتعددة.
من المؤكد أن هذه المعركة لم تنتهِ باعتماد التوقيت الصيفي رسمياً، بالطريقة التي تلبي طلب المعترضين على التمديد للشتوي. ذلك أن أصل الاعتراض لا يقوم على هذه الجزئية في حياة اللبنانيين، بقدر ما يتصل بأوزان القوى السياسية والتفاعلات القائمة حول المواضيع الراهنة وأبرزها انتخاب رئيس الجمهورية، في ظل ما قيل عن سعي رئيس الحكومة وحلفائه الى التفرد بالسلطة على حساب موقع رئيس الجمهورية الشاغر مؤقتاً. وعلى ذلك يمكن تقدير الآتي:

"أرباح" مفترضة

- تمكنت القوى المسيحية التي شكّلت قوام القوة الاعتراضية على التمديد للتوقيت الشتوي من تسجيل "انتصار" رمزي أعاد إليها الاعتبار داخلياً في معركة الحدّ من الخسائر السياسية واستعادة المبادرة في الصراع على السلطة.

- أتاحت هذه المعركة مرحلياً توحيد القوى المسيحية الرئيسية ورموزها الدينية في السعي لإسماع صوتها العالي النبرة. صحيح أن الشعارات التي رُفعت في المعركة ذات وجه تصحيحيّ يتعلق بالتناغم مع "التوقيت الدولي" و"الانفتاح على العالم"، لكنها اتسمت ببعد طائفي واضح ونفَس استعلائي في بعض المواقع (التقدم والتحضّر في وجه التأخر والرجعية) وجنوح نحو سلوك خيار تقسيمي فيدرالي (لنا لبناننا ولكم لبنانكم).  

- حفّزت نتيجة هذه "المنازلة" مجموعات متشددة طائفياً على رفع سقف خطابها التصعيدي أملاً في استغلال اللحظة من أجل إكمال المواجهة لتحقيق مكاسب ملموسة أبعد من الساعة وتوقيتها. ولوحظ في هذا الإطار دعوات على مواقع التوصل الاجتماعي الى العصيان المدني ورفض دفع الرسوم والضرائب للدولة وصولاً الى الدعوة لبناء هيكل سياسي- إداري جديد يراعي المكون المسيحي وفق ما يرتئي.

- من المؤكد أن هذه الجولة حققت النتيجة التي انتهت إليها بفعل تكوّن "وحدة مسيحية" ظرفية وتخوّف المعنيين في الطرف المقابل من أن يقود الانشطار العمودي للمجتمع اللبناني الى تشظيات أوسع، وكان القرار بالتراجع والاكتفاء بهذا الحد من الخسائر.

مخاطر مقبلة

- لكن الجولة المقبلة من المواجهة ستكون أصعب مما سبق، لأن الرهان على استمرار "الوحدة السياسية المسيحية" بشأن كل الملفات يحمل مخاطرة كبيرة لا تلحظ التباينات الجادة بين أطراف هذا المكوّن، ولا يلحظ كذلك استعداد الأطراف الأخرى للمواجهة حيث ترى ذلك لازماً. وإذا كانت بعض القوى الحزبية المسيحية ترغب في أن تكون القاطرةَ التي تجرّ بقية القوى المسيحية خلفها في معركة رئاسة الجمهورية مثلاً من دون البحث عن التوافق مع القوى السياسية على الساحة الإسلامية، فإن ذلك سيدفع البلد الى المزيد من الفراغ القاتل فحسب، وبما يؤدي الى نزيف إضافي للجميع ولا سيما للمكون المسيحي.

- أصيب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وحلفاؤه بضرر سياسي نتيجة إما خطأ في آلية تكوين قرار التمديد للتوقيت الشتوي أو خطأ في تقدير ردة الفعل على القرار أو نتيجة المسارعة الى التراجع عنه عند أول هبّة اعتراضية. صحيح أن التراجع عن "الخطأ" فضيلة، لكن ذلك لا يعفي من دفع ثمنه، وقد يكون من رصيد الرئيس ميقاتي الذي كان يُعدّ نفسه ليكون رئيس حكومة تصريف الأعمال لفترة طويلة في حال تأخر إنجاز الاستحقاق الرئاسي أو رئيس حكومة جديدة في حال إتمام الاستحقاق. وربما قصد فاعلون وراء الحملة الوصول الى هذا الهدف السياسي. ولا يخفي التيار الوطني الحر معارضته الشديدة لشخص الرئيس ميقاتي منذ بدء الشغور الرئاسي، وقد دعا رئيسُه صراحة الى عصيان قرار تمديد التوقيت، متبنياً سقف خطاب مرتفعاً.

- في المقابل، أدى الاصطفاف المسيحي خلف معركة التوقيت وإعطاؤه بعداً طائفياً متمايزاً الى "شدشدة" الساحة الإسلامية التي عبّرت عن ردّة فعل غاضبة واتخذت وضعية دفاعية مضادة في وجه محاولة تسجيل نقاط سياسية أو عدائية.

- بعد التراجع عن قرار تمديد التوقيت الشتوي، من المرجح أن تكون الفاعليات التي تمثل الساحة الإسلامية أقل استعداداً لتقديم تنازلات في ملفات ذات طابع كباشي، لا سيما اذا تعلّق الأمر بالتعامل مع قوى تسعى الى تعزيز الاصطفاف الفئوي. وهذا يستدعي من الجميع، وليس من فئة واحدة، مقاربة المرحلة المقبلة بحذر خاص وتفعيل التواصل في مختلف الاتجاهات توخياً الى عدم الوصول الى الانسداد السياسي التام.     

- لذلك، قد يكون على ممثلي الساحة الإسلامية إعادة مراجعة الأداء السياسي في هذه المرحلة في التعامل مع الفراغ الرئاسي والحكومي، بينما تتكثف الأزمة الاقتصادية والمعاناة الاجتماعية. ويمكن أن يندرج في هذا الإطار النظر في الحدّ من عقد جلسات لمجلس الوزراء تجنباً لأي استفزازات أو استغلال يضرّ بالمناخ العام في مرحلة الشغور الرئاسي.  

- قد تكون هناك حاجة أيضاً لملامسة الهواجس الوجودية لدى المكون المسيحي والتي يتم تسعيرها في الخطابات السياسية والمنابر الاجتماعية من قبل جهات مأزومة، علماً أن لبنان ككل واقع في مهبّ الريح بسبب الانهيار الاقتصادي. وثمة زيادة ملحوظة في مساحة التعبير لدى بعض الأوساط عن الرغبة في تقاسم تركة بلد الأجداد وفضّ العيش المشترك، تارة بسبب داعي الاختلاف الثقافي، وتارة بسبب داعي العجز عن التفاهم على إصلاح النظام، وطوراً ثالثاً بسبب عدم القدرة على تحمّل الوزن النوعي لقوى إسلامية مثل حزب الله.  

من المؤكد أن "معركة الساعة" تركت ندوباً في المجتمع السياسي اللبناني برغم أنها وصلت الى خواتيم "إيجابية"، لكن تداعياتها سترخي بثقلها على أصحاب القرار في ضوء الصراع بين اتجاهين: واحد يسعى الى البناء على ما تحقق لتحصيل مكاسب إضافية، وآخر مقابل سيكون بالمرصاد لكل تحرك يهدف الى تمديد مفعول "معركة الساعة" على الانتخابات الرئاسية وغيرها. ولتلافي مزيد من الانقسام، سيكون من الضروري الإسراع في إنجاز الاستحقاقات الدستورية التي تستدرج الى مواجهات لا لزوم لها في الوقت الضائع.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد البشري


موقع الخدمات البحثية