قراءات سياسية » بن سلمان رد على نتنياهو .. هل يخرج التطبيع للعلن؟

محمد باقر ياسين

ظهر رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ فترة على قناة "العربية" السعودية، عارضاً اتفاق تطبيع بين كيانه الغاصب والسعودية. وتوجهت الأنظار بشكلٍ تلقائي إلى الحاكم الفعلي للسعودية أي محمد بن سلمان، فما هو جواب بن سلمان على عرض نتنياهو؟ وما الشروط التي طلبها؟ وهل أصبح التطبيع العلني السعودي - الإسرائيلي وشيكاً؟

إن أي اتفاقٍ يحتاج حكماً إلى أطراف أساسية، وهنا في موضوعنا، تشكل السعودية الضلع الأول، والعدو الإسرائيلي الضلع الثاني، والولايات المتحدة الأمريكية الضلع الثالث، والأخيرة هي الراعية الأساسية لأي اتفاق تطبيع. ولنا بما وقع بين العدو الإسرائيلي وكل من الامارات والبحرين برعاية أمريكية خير مثال. فما هي حسابات كل ضلع من أضلاع الاتفاق؟  

موقف السعودية من التطبيع

السعودية موقفها واضح، فهي مارسته وما زالت تمارسه حتى يومنا هذا ولكن بالخفاء. نحن هنا بصدد الحديث عن التطبيع العلني الذي كان يمنعها عن تنفيذه هو الحفاظ على مكانتها في العالم الإسلامي من جهة، وعدم تطبيع دول عربية إضافية. فتطبيع كل من الإمارات والبحرين، يعتبر بالون اختبار للنظام السعودي. كل ما لا يريد أن يظهر به السعودي بشكلٍ علني يدفع بالبحرين اليه كبالون اختبار، فإذا نجحت التجربة يخوضها وإذا فشلت لا يكون قد خسر شيئاً. أما بالنسبة لمكانة السعودية الدينية كونها تحوي مكّة المكرمة والمدينة، فهي قد تخلت عنها وسنوضح في سياق الحديث كيف تنازلت السعودية وبمقابل ماذا؟

عملت السعودية على جعل اتفاق التطبيع أمرًا مرحبًا به لدى الشعب السعودي، وبشكلٍ تدريجي عبر أمور عدة نذكر أبرزها:

ــ شيطنة حركات المقاومة، وتكريس فكرة بأن هذه الحركات تقوم بالمتاجرة بالقضية الفلسطينية، وركزت بشكلٍ خاص على حركة "حماس". مدعيةً بأن الحركة ناكرةً للجميل وباعت القضية وهمها فقط جني الأموال وغيرها من الادعاءات الباطلة، فأصبحت الحركة تلقى النفور لدى شريحة من السعوديين.

ــ فتحت المجال لكل مغردٍ سعودي مع التطبيع أن يعبر عن رأيه بحرية ومن دون أي إجراءات رادعة، حتى أصبح هؤلاء يستضيفون شخصيات إسرائيلية في الرياض وغيرها من المناطق السعودية.

ــ أطلقت العنان لوسائل الإعلام السعودية فأصبحت تستضيف شخصيات سياسية وعسكرية إسرائيلية بكل أريحية، حتى وصل الأمر لاستضافة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على قناة "العربية".

أما رسمياً، فكان بارزاً مواقف نقلتها وسائل الإعلام "العبرية" عن كل من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والوزير عادل الجبير. فأما عن مواقف بن سلمان بشأن التطبيع، أو بالأحرى ما أسمته الصحافة العبرية بـ"الشروط السعودية للتطبيع". فتنقسم إلى قسمين، الأولى قبل إعلان نتنياهو عن مبادرته، والثانية بعده.

أما عن شروطه قبل مبادرة نتنياهو، فقد حصرها "i24 الإسرائيلي"، بثلاثة شروط طلبها بن سلمان خلال اجتماع شارك به مسؤولون أمريكيون في الرياض، وهي كالتالي:

"أولاً: تأكيد التحالف بين الولايات المتحدة والسعودية بشكل معلن وتوقيع اتفاقيات بهذا الخصوص.

ثانياً: التزام الولايات المتحدة بإمداد المملكة بالأسلحة كما لو كانت السعودية دولة في حلف شمال الأطلسي.

ثالثاً: سماح واشنطن للرياض باستغلال الاحتياطيات الكبيرة من اليورانيوم الموجود بالمملكة، من أجل إنشاء برنامج نووي "يكون تحت الرقابة".

أما شروطه بعد مبادرة نتنياهو، حصرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، بثلاثة شروط، وهي كالتالي:

"المطلب الأول، أن تحرص "إسرائيل" على أن ترتب العلاقات بين بن سلمان وبين إدارة "بايدن" والكونجرس الأمريكي، ذلك لأن محمد بن سلمان أحد الزعماء الأجانب الأكثر كرها في أمريكا.

المطلب الثاني، أن يحرص نتنياهو على أن يزيل مؤيدو "إسرائيل" في الكونجرس، الحظر على بيع السلاح المتطور للسعودية، بما في ذلك طائرات أف 35.

المطلب الثالث، إعطاء السعودية مكانة في المسجد الأقصى".

ومن المطالب أعلاه يتبين لنا بشكلٍ واضح وجلي، عدة أمور نذكر أبرزها، كالتالي:

- السعودية لم تطلب أي شيء يمت للقضية الفلسطينية بصلة، وكل ما طلبته يندرج تحت خانة المصالح السعودية، بل مصلحة بن سلمان الشخصية.

- تقديم اتفاق التطبيع للعدو الإسرائيلي مجاناً، دون الحصول على أي مكاسب تخص الفلسطينيين والقضية الفلسطينية.

- احكام السيطرة السعودية على العالم الإسلامي، وذلك اذا تحقق المطلب الثالث، فتصبح السعودية تحكم مقدسات المسلمين في مكة والمدينة وكذلك المسجد الأقصى ولن يجد بن سلمان صعوبة باقناع الأردن بالتخلي عن رعايتها للمسجد الأقصى، فهي تمر بوضع داخلي متوتر وبحاجة إلى دعم مادي، ومليارات السعودية تتكفل بحل المشكلة.

وتجدر الإشارة إلى أن بن سلمان قبل "بتعهد نتنياهو بتعليق خطط ضم الضفة الغربية". أي أنه قبل بعرض نتنياهو، فبن سلمان لم يضع هذه المطالب لكي يرفض مبادرة نتنياهو، بل سعى من خلالها للحصول على مكاسب إضافية. من خلال قوله بأنه لم يقدم تطبيع مجاني بل انتزع مكاسب للسعودية، واذا دققنا بمطالبه الثلاثة الأخيرة فهي قابلة للتحقيق. وليس مستغرباً أن يضحي ببعضها إذا دقت ساعة توقيع الاتفاق.

الحسابات الإسرائيلية للتطبيع

يسعى نتنياهو إلى تحقيق انجاز كبير بعد إعادة تشكيله للحكومة الإسرائيلية، وبما أنه استطاع توقيع اتفاق تطبيع مع كل من الامارات والبحرين. يسعى حالياً لإنجاز اتفاق مع السعودية لما لها من مكانة دينية لدى العالم الإسلامي، وكونها تمتلك قدرات اقتصادية ضخمة يستطيع أن يستفيد منها على غرار الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعت مع الإمارات. وقد قدم نتنياهو وعداً يتيماً للسعودية يتمثل بـ"تعليق خطط ضم الضفة الغربية"، وحتى لم يتعنى بأن يتعهد بإلغاء خطط الاستيطان".

من المعلوم بأن هناك عقبات تقف أمام تحقيق هذا الاتفاق ولا بد من اجتيازها. ومن هذه العقبات تلبية مطالب السعودية الصعبة، فنتنياهو لن يستطيع ترتيب علاقات بن سلمان مع بايدن كونه هو بحاجة لمن يرتب له أوضاعه لدى الإدارة الأمريكية. كما أن نتنياهو لن يستطيع بسهولة أن يؤثر على اللوبي الصهيوني في الكونجرس من أجل تمرير صفقات عسكرية للسعودية. أما عن إعطاء السعودية مكانة في المسجد الأقصى ففيه مصلحة "إسرائيلية" كبرى، حيث أن رعاية إحدى أكبر الدول الإسلامية (السعودية) للمسجد الأقصى هو أفضل من بقائها تحت الرعاية الأردنية ذات البعد الإسلامي المتواضع. ويمكن أن تكون أيسر المطالب التي يستطيع نتنياهو تحقيقها، كون الأردن تعاني وليس لها ذلك المستوى المرتفع من التأثير التي كانت تحظى به سابقاً.

جهوزية أمريكا لإبرام الاتفاق

من المعروف بأن الإدارة الأمريكية الحالية التي يسيطر عليها الديمقراطيون من خلال الرئيس بايدن، غير متحمسة لهكذا اتفاق لانشغالاتٍ عدة، أبرزها:

- سياسة بايدن التي تعتمد على الخروج من المنطقة وعدم تكبد المزيد من الخسائر، وعدم استعدادها لخوض أي حربٍ بالوكالة.

ــ الانشغال بحرب أوكرانيا التي هي منازلة مستترة بين الولايات المتحدة الأمريكية بثوب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من جهة وبين القوات الروسي، من جهةٍ أخرى.

ــ الحرب الاقتصادية الطاحنة مع الصين، والسعي لتكبيلها لكي لا تسيطر على الاقتصاد العالمي بتحالفها مع مناوئي أمريكا.

ــ الاتفاق الايراني وتهديد محور المقاومة للمصالح الأمريكية.

ــ سعي أمريكا لفصل روسيا وإيران والصين عن بعضهما البعض تلافيًا لمواجهتهم كقوة عسكرية اقتصادية مشتركة.

وهذا لا يمنع إذا كانت المصلحة الأمريكية الكبرى تقتضي رعاية اتفاق التطبيع بين الجانبين، وهي كذلك، من مبادرة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى رعاية هذا الاتفاق، بل يمكن أن يجد فيه ورقة قوة تعطيه الدفع للسير نحو ولايةٍ رئاسيةٍ جديدة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد البشري


موقع الخدمات البحثية