قراءات سياسية » أردوغان والشمال السوري والانتخابات.. ماذا بعد؟

عبير بسام
وقف الرئيس التركي رغب طيب أردوغان الأسبوع المنصرم في خطاب له مهدداً بالإستمرار بالعمليات في شمال سوريا وصولاً إلى القامشلي، ومتوعداً بإعادة احتلال تل رفعت ومنبج. زاعماً العمل للقضاء على التنظيمات الإرهابية، وبأن تركيا لا تحتاج إلى إذن من أحد كي تقوم بأي عملية من أجل حماية أمنها.

جاء إعلان أردوغان ببدأ العمليات في الجنوب التركي مترافقاً مع إعلان المجلس القومي التركي أن العمليات العسكرية المستمرة على حدود تركيا الجنوبية هي ضرورة للأمن القومي التركي. ولكن مهلاً.. العمليات العسكرية التركية ستكون في الشمال السوري!

أردوغان يحاول استعادة تجربة العام 2018 بعد خروج بات مرتقباً للأميركي المأزوم في المنطقة وهو يمني النفس باحتلال باقي الشمال السوري حتى مدينة القامشلي، تحت ذريعة التخلص من الإرهاب الكردي، وذلك فقط من أجل تحقيق مكاسب انتخابية.

بالتأكيد حليفا سوريا الروسي والإيراني في الصورة التي مفادها أن الدولة السورية ستتعامل مع كل وجود عسكري فوق أراضيها بوصفه إحتلالاً أجنبياً، فكلا الدولتين الحليفتين ستقفان إلى جانب سوريا ما دامت تقف مدافعة عن سيادة أراضيها. وقد تكرر إعلان سوريا أن الوجود الأميركي والتركي هو حالة احتلال موصوفة في محافل دولية على مدى سنين عشر طويلة ومضنية من الحرب على سوريا. وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد أكد في 26 الشهر الماضي دعم بلاده لسوريا في استعادة وحدة أراضيها. وأشار أن الولايات المتحدة تريد الإبقاء على الوضع متأزماً في سوريا. وهذا معناه أنه يجب على تركيا أن تضع في حسبانها مواجهة مع الجيش السوري وحلفائه في حال بدء التوغل في الأراضي السورية.
 
بالطبع جاء بلاغ أردوغان بدء العمليات مترافقاً مع موقف القيادة الغربية في أوروبا والولايات المتحدة، التي ابتدأت تحركاتها من أجل ثني أنقرة عن القيام بأية مغامرة قد تفقدها ماء وجهها. وهنا لا يمكننا إلا أن نستحضر عملية تحرير منبج في العام 2019، والتي تمخض عنها بطولات رواها أصحابها فيما بعد، ومنها محاصرة كتيبة تركية لأيام، اذ أحاط بها رجال الجيش العربي السوري دون الإشتباك معها حتى اضطرتها للإنسحاب مذعورة بعد تدخل الوساطة الروسية.

قرار الحرب الأردوغاني جاء أيضاً في ظل الإستياء الجماهيري التركي المتصاعد منذ أشهر ضد وجود اللاجئين السوريين في تركيا، وتحميلهم أسباب غير منطقية حول الأعباء الإقتصادية التي تعاني منها بلادهم. وجاء أيضاً بسبب استياء شخصي لأردوغان، اذ تصطدم في كلّ مرة خططه لتحسين الإقتصاد التركي بالعقبات السورية، ومنها منع مرور خطوط الغاز القطري إلى أوروبا قبل العام 2011، والذي كان السبب الأساسي في الخلاف مع كل من قطر وأنقرة وحتى أمريكا وبالحرب على سوريا، ومنها مشكلة اللاجئين السوريين المتفاقمة في بلاده. ويبدو أنه لم يبق أمامه سوى الهروب نحو حرب في الجنوب والعودة إلى مشروعه القديم "30 كم منطقة أمنية عازلة في داخل الشمال السوري"، يقوم بإخلائها من سكانها وإعادة إسكان اللاجئين السوريين مكانهم.

فصل التحرش التركي بالشمال السوري مستمر منذ القصف المدفعي على تل رفعت في العام الماضي، وتل رفعت كان وما يزال هدفاً تركياً استراتيجياً، ومن المسلم به إن أي هجوم تركي في الشمال السوري لن يكون إلا بتوافق روسي ـ أميركي. وهذا التوافق من المستحيل تحقيقه اليوم في ظل الحرب الروسية - الأميركية في أوكرانيا. وبالتالي فإن أي موافقة أميركية على بدء المعركة تعني تخلي أميركا عن كبش الفداء الذي يحمي جنودها من ضربات المقاومة التي تشكلت فعلياً في شرق الفرات، وذلك بحسب مصادر خاصة متعددة في المنطقة وخارجها، والتي بتنا نرى نتائج ضرباتها وآخرها في حقل العمر منذ أيام قليلة. وهذا معناه أن الأميركي يأمل أن تحل الفوضى بعد خروجه وسيبدو الأمر وكأنه قد سمح للتركي بدخول المنطقة من أجل تنظيفها من المنظمات الكردية المسلحة واحتلالها حتى لا تعود إلى كنف الدولة السورية.

لكن التوافق الغربي ضد العملية التركية يظهر أن ما سبق لم يحن أوانه بعد. فالقيادة الكردية، التي أعلنت منذ أيام عن نيتها العودة إلى كنف الدولة وتسليم الحقول الزراعية وآبار النفط كاملة لها انتهت مفاعيلها. اذ يبدو أنها مناورة كردية جاءت بأكلها في منع الحرب التركية عليها. اذ خصصت الولايات المتحدة مبلغ 800 مليون دولار أميركي كمساعدات للسوريين ستذهب إلى القيادات الكردية بالتأكيد، كما يقول زياد غصن في موقع الميادين، وعاد الأكراد ليستجيبوا للمطالب الأميركية. أميركا لا ينقصها اليوم مشهد انسحاب مذل يشبه خروج "الإسرائيلي" من جنوب لبنان في العام 2000. فالمشهد مازال في الحقيقة معقداً وفي حالة تأهب قصوى، وما يزيد من حدة التأهب الحشد العسكري السوري في مطار منغ العسكري تحسباً لأي دخول تركي في أراضيها. والدليل أن العمليات اليوم في الشمال السوري هي عبارة عن قتال ما بين فصائل أردوغان الإرهابية والمليشيات الكردية.

خلال استعراض التحركات الدولية في الأشهر القريبة، فسنجد أن أردوغان قد عدم الوسيلة في عودة فتح أبواب الدبلوماسية مع القيادة السورية. وأن الإستماتة الأميركية في محاولة تجريم روسيا واتهامها باحتلال أجزاء من أوكرانيا لم تهدأ. وتصاعدت تصريحات بايدن باحتمال دخول الحرب إلى جانب تايوان إذا ما هاجمتها الصين، وبالتالي لا يمكنها اليوم تبرير أي احتلال تركي في سوريا أوغيرها وهي تسعى للنفاذ بجلدها. ولا ننس أن الغرب بات يحاول التخلص من العلة التركية في الناتو. وكانت هناك تصريحات تركية بأن هناك مفاوضات مع الجانب السوري من لأجل بدء نوع من العمليات المشتركة، لكن السوريين نفوا أي اتفاق مع الأتراك. وهذا ما يضحد أي نوع من التعاون مع الأتراك كما ضحد من قبل أن هناك مفاوضات من أجل فتح طريق للإستيراد والتصدير مع الخليج العربي عبر الأراضي السورية.

هناك ضغط يتزايد في كل يوم على كل من تركيا وحليفتها اللدودة، الولايات المتحدة. اذ تزداد فوق رؤوسهما ضربات المقاومة السورية وآخرها قصفين صاروخيين: الأول في 7 أبريل/نيسان والثاني في 29 أيار/ مايو على قاعدتها العسكرية في حقل العمر. إذن تركيا لا يمكنها تجاوز الموقف الدولي ضد تحركها العسكري في سوريا وبات لزاماً عليها أن تحسب حسابه وإن كان صورياً، لأنه سيحمّلها النتائج منفردة. وأما الضغط الإقتصادي الذي يرزخ تحته الأتراك بعد الحرب الأوكرانية، والذي بات لا يحتمل، فعلى تركيا أن تجد مخرجاً جديداً له.

أردوغان يعود كما في كل مرة ليخطئ الحساب بكيفية الحصول على مكاسب انتخابية عبر الهجوم على الشمال السوري أو احتلاله ضمن خطة إعادة توطين اللاجئين فيه، ليتباهى بإنجازاته في عام الإنتخابات القادم 2023. هجوم لن يتمخض إلا عن إنجاز جديد يسطره رجال الجيش العربي السوري بتمريغ أنفه بوحل منبج ثانية، ليتراجع ويبدأ بالزحف نحو تطبيق اتفاق أستانة من جديد.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد البشري


موقع الخدمات البحثية