قراءات سياسية » الانفصالية الكردية وحق تقرير المصير للشعوب

صوفيا ــ إعداد: جورج حداد

تشكو غالبية القيادات الانفصالية الكردية، العشائرية و"الثورية"، اليمينية واليسارية، المحافظة والتقدمية، حول عدم وجود دولة مستقلة ومعترف بها دوليا للشعب الكردي، الذي يعد اكثر من 8 ملايين نسمة في العراق وسوريا، وبضع عشرات الملايين في الشرق الاوسط الكبير. وتعتمد القيادات الانفصالية الكردية في شكواها على ان عدم وجود دولة كردية مستقلة يتعارض مع مبدأ "حق تقرير المصير للشعوب" المعترف به دوليا كأحد المبادئ الاساسية للشرعية الدولية، وللمساواة والعلاقات الندية بين الشعوب والدول.

وتستخدم القيادات الكردية المعنية التمسك بمبدأ "حق تقرير المصير للشعوب" لتبرير وتسعير النزعات الانفصالية في المنطقتين "الكرديتين" في شمال العراق وشمال شرق سوريا، وهي النزعات التي تحظى بدعم الامبريالية الاميركية واسرائيل، تماما كما تم دعم النزعة الانفصالية في جنوب السودان، وتقسيمه، مع "الاستفادة" من السيطرة على الحكم في الخرطوم، في عهد البشير، من قبل العسكر والتيار الاسلاموي الرجعي، المتخلف، اللاوطني، والغبي.

ومن غير المبرر ابدا للقوى الوطنية والتقدمية العربية، الصادقة، في سوريا والعراق خاصة، وفي الوطن العربي عامة، ان تضع رأسها في الرمال، وان لا تتصدى بوعي وشفافية وعلمية وحزم لـ"المسألة الكردية" وارتباطها بمبدأ حق تقرير المصير للشعوب، وبحركة التحرير ضد الامبريالية والصهيونية.

XXX

ان "المسألة الكردية" هي مرتبطة بشكل وثيق بالوضع الدولي عامة، وبانهيار السلطنة العثمانية والسيطرة الاستعمارية الغربية على الشرق خاصة. ولاجل المقاربة العلمية التاريخية للمسألة الكردية، ينبغي في رأينا المتواضع ان تؤخذ في الاعتبار اولا النقاط الاساسية التالية:

ـــ ان الحرب العالمية الاولى (1914 ــ 1918) انما اندلعت لاجل اعادة تقسيم العالم بين الضواري الاستعمارية. وبعد نهاية الحرب طرحت بقوة مسألتان:

1ــ الحفاظ على السلم العالمي وتجنب الحروب.

2ــ تحرير الشعوب الصغيرة والفقيرة والضعيفة من ربقة الدول الاستعمارية، مهما كانت أشكالها وقيودها "القانونية" و"الشرعية" دوليا، عن طريق توفير الدعم الدولي لتلك الشعوب.

ومن حيث الشكل، أنشئت "عصبة الامم" League of Nations، في 1919، من اجل تحقيق هاتين الغايتين. ولكن "عصبة الامم" كانت تحت هيمنة الدول الاستعمارية ذاتها اكثر مما هي اليوم "هيئة الامم المتحدة" التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية تحت الهيمنة الاميركية.

ـــ وفي 7 تشرين الثاني 1917 قامت في روسيا القيصرية الثورة الاشتراكية العظمى بقيادة الحزب الشيوعي. وفضحت قيادة الثورة اتفاقية سايكس ــ بيكو، التي وصفها زعيم الثورة لينين بأنها اتفاقية استعمارية لصوصية. ونُشر نص الاتفاقية لاول مرة في الصحافة الشيوعية الروسية في 23 تشرين الثاني 1917 بعد العثور على نصوص الإتفاقيات في سجلات وزارة الخارجية للقيصرية الروسية.

وطرح الشيوعيون الروس بشدة مسألة تحرير الشعوب المستعمرة وشبه المستعمرة، ومنحها حق تقرير المصير ذاتها بذاتها، والعمل لتوفير الدعم الدولي لعملية تحرير الشعوب الصغيرة والفقيرة والضعيفة، كجزء لا يتجزأ من عملية الكفاح لاجل تحرير الانسانية من الاستعمار والامبريالية.

ـــ وردا على ذلك، وبعد فترة قصيرة جدا، وفي كانون الثاني 1918 اصدر الرئيس الاميركي وودرو ويلسون ما سمي "المبادئ الويلسونية الـ14" التي تضمنت العديد من الأفكار التقدمية الداخلية وترجمتها إلى سياسة خارجية "تحررية" اميركية جديدة تتضمن: التجارة الحرة، والاتفاقات المفتوحة، والحفاظ على السلام، ونشر الديمقراطية، وحق تقرير المصير للشعوب والامم.

وبصرف النظر عن النوايا والميول الفكرية للرئيس ويلسون ذاته (الذي جاء الى موقع الرئاسة من الاوساط الاكاديمية الاميركية المتنورة و"التقدمية" و"اليسارية")، فإن السياسة الخارجية الاميركية طوال الحقبة التاريخية اللاحقة استخدمت شعارات اشاعة الدمقراطية وحقوق الانسان وحق تقرير المصير للشعوب والامم، ليس لاجل التحرر من الاستعمار والامبريالية، بل من اجل تبرير التدخل الاميركي في السياسة الدولية عامة، وفي الشؤون الداخلية لمختلف الدول والشعوب، والسعي لاعادة رسم الخريطة السياسية للعالم، واعادة ترميم النظم الاستعمارية والامبريالية، وخصوصا إحلال الامبريالية الاميركية محل البنى المتزعزعة للدول الاستعمارية والامبريالية الاخرى.

وهكذا ظهر في الساحة الدولية مفهومان لمبدأ حق تقرير المصير للشعوب والامم:

الاول ــ "المفهوم الثوري الروسي" القائم على تحقيق تحرر حقيقي للشعوب المستعمرة وشبه المستعمرة عن طريق توحيد جميع شعوب العالم في النضال ضد الاستعمار والامبريالية.

والثاني ــ المفهوم البراغماتي ــ الالعباني الاميركي، الهادف الى ترميم واستبدال اشكال الاستعمار والامبريالية، والتدخل الاميركي في الشؤون الدولية.

ومقاربة "المسألة الكردية"، واي مسألة اخرى تتعلق بحق تقرير المصير للشعوب، ترتبط، اولا وبالاساس، إما بمسألة الكفاح ضد الاستعمار والامبريالية، حسب "المفهوم الثوري الروسي" لحق تقرير المصير للشعوب؛ وإما بخدمة الاهداف السرية او المفضوحة للجيوستراتيجية الامبريالية عامة والاميركية خاصة، حسب "المفهوم البراغماتي الاميركي".

XXX

ونحاول فيما يلي مقاربة "المسألة الكردية"، انطلاقا من ارتباطها او تعارضها مع الكفاح التاريخي لشعوب منطقتنا من اجل الاستقلال والتحرر من الانظمة الاستعمارية والاستبدادية القديمة، والنظام الاستعماري ــ الامبريالي المعاصر:

ـــ ان المؤرخ اليوناني القديم كسينوفون (Xenophon)‏  (430 – 354 ق.م) يصف الاكراد (الذين قاتلوا القوة العسكرية اليونانية التي كان كسينوفون نفسه احد قادتها) بأنهم قوم محاربون اشداء.

ـــ وكان الطابع الاجتماعي المميز للعشائر الكردية القديمة هو نظام "الاقطاع العسكري". اذ كان قادة العشيرة هم انفسهم القادة العسكريين الذين كانت تعود لهم القيادة القضائية والدينية والسياسية. وكان القتال والغزو والحرب هو مصدر الرزق الاول لحياة العشيرة الكردية.

وعلى امتداد قرون طويلة، وخصوصا  في المرحلة العثمانية، كان مصدر الرزق الاول للعشائر الكردية هو الخدمة العسكرية في جيوش الدول والامارات التي حكمت المنطقة، وخصوصا الامارتان (الطورانيتان): السلجوقية ثم الزنكية، اللتان حكمتا المنطقة قبل العهد الكردي (الايوبي) (1174 ـ 1250م).
 
ـــ وفي معركة جالديران (1514م) التي انتصر فيها العثمانيون على الفرس، وكانت مقدمة للاكتساح العثماني للبلاد العربية، قاتل الاكراد الى جانب العثمانيين. ويقول المؤرخ الكردي العراقي البارز محمد امين زكي (1880 ـ 1948) انه لولا الاكراد لما انتصر العثمانيون.

ـــ وخلال مرحلة الاستعمار العثماني (1516 ـ 1918)، كان الاكراد احد الشعوب التي حكمها الاتراك. ولكنهم كانوا يتميزون عن سائر الشعوب المحكومة في ان القوات العسكرية العشائرية الكردية (ولا سيما الفرسان) كانت تشكل قوة عسكرية ضاربة رئيسية في الجيوش العثمانية.   
 
ولدى حدوث انتفاضات شعبية ضد السلطنة العثمانية والاقطاعيين كان الولاة الاتراك يتعمدون ارسال قوات كردية لقمع تلك الانتفاضات. وكان يعقب حملات القمع والمذابح والتشريد عمليات استيطان كردي وتركي في القرى والبلدات الخالية من سكانها الاصليين. وادى ذلك الى حدوث شرخ في العلاقات بين الاكراد والشعوب الاخرى الواقعة تحت الحكم العثماني. وهذا ما جعل الكثير من المؤرخين اليونانيين والارمن والاشوريين والسريان ينظرون الى الاكراد والاتراك كوجهين للسلطنة العثمانية الجائرة الواحدة.

ـــ وقد تعمد الاتراك العثمانيون، ثم "الاتراك الفتيان" والاتاتوركيون، ان يزجوا الاكراد في المذابح ضد اليونانيين في القسطنطينية وسميرنا اليونانية (ازمير) الواقعة في القسم الاسيوي من سواحل البحر الابيض المتوسط، وضد الارمن والاشوريين والسريان والمسيحيين العرب في كيليكيا وغيرها، في السنوات 1915 ــ 1922.  
ـــ والقيادات الانفصالية الكردية، التي تنتهج سياسة التبعية للامبريالية الاميركية واسرائيل، انما تجدد تقاليد "فرسان الحميدية" في العهد العثماني، وتغامر بمصير الشعب الكردي الشقيق، بوضعه في الجانب المعادي لجميع شعوب المنطقة والعالم، وربط مصيره بمصير الاستعمار والامبريالية واسرائيل والصهيونية.

ـــ ويتوجب على جميع القوى الوطنية والتقدمية العربية والارمنية والكردية التصدي بكل جدية لرأب الصدع في العلاقات بين الاكراد والشعوب المظلومة الاخرى في السلطنة العثمانية، مع الادراك التام لصعوبة هذه المهمة، خصوصا لكون الاكراد استوطنوا في الاراضي التي طرد منها سكانها الاصليون.

XXX

تثبت التجربة التاريخية لجميع شعوب العالم ان التناقض الرئيسي الذي يواجهه كل شعب مناضل، طامح الى الحرية والتقدم والازدهار، هو التناقض الخارجي مع الاستعمار والامبريالية، وانه بدون التحرر الوطني من الاستعمار والامبريالية لا يمكن حل اي قضية "داخلية" تتعلق بتحقيق الهوية الذاتية الوطنية، والنضال ضد الدكتاتورية  وتحقيق الدمقراطية الحقيقية، والتقدم الاقتصادي والعلمي والاجتماعي، والسلام والتآخي مع الشعوب الاخرى.

وتثبت التجربة ان اي حركة "قومية" حقيقية او موهومة تستند الى الاستعمار والامبريالية هي حتما حركة رجعية ومعادية لجميع شعوب العالم بمن فيها شعبها الخاص. والنموذج "اليهودي ــ الاسرائيلي"، الذي حوّل اليهود المضللين (الذين كانوا ضحية الشوفينية والنازية في اوروبا) الى مطية وادوات للنظام الامبريالي العالمي، ــ هذا النموذج هو لطخة عار في جبين الانسانية جمعاء، وهو سيسقط حتما عاجلا ام آجلا.
والحركة القومية الكردية لا تشذ عن هذه القاعدة الكفاحية، الوطنية والاممية الثابتة، والتي لا بديل لها.
والسؤال التاريخي الراهن هو:

ـــ هل تتقيد القيادات الانفصالية الكردية بقاعدة الالتزام بالكفاح المشترك ضد الاستعمار والامبريالية؟!
للجواب، نسمح لانفسنا ان نقدم بعض الامثلة:

ـــ  نتناول اولا تجربة الزعيم القومي الكردي الاشهر الملا مصطفى البرزاني:

في كانون الثاني 1946 قامت في كردستان ايران "جمهورية مهاباد" الكردية. وحينها برز الملا مصطفى البرزاني بوصفه قائدا عسكريا كبيرا في الدفاع عن "جمهورية مهاباد"، ضد الشاه والمستعمرين الانكليز. وبعد انسحاب القوات السوفياتية من ايران، عملا بـ"اتفاقية يالطا" التي وقعها خائن الشيوعية ستالين، مع روزفلت وتشرشل، انهارت جمهورية مهاباد، في كانون الاول 1946، وتم أسر واعدام قادتها وفي مقدمتهم  رئيسها البطل القومي قاضي محمد؛ وقد تمكن الملا مصطفى البرزاني من الانسحاب مع بضع مئات من المقاتلين الاكراد العراقيين، وقاموا بمسيرة طويلة وشاقة عبر الاراضي التركية نحو الحدود السوفياتية، حيث استقبلوا استقبال الابطال وعاشوا في الاتحاد السوفياتي حتى قيام الثورة العراقية في 1958، وعوملوا بكل رعاية اخوية، ومنح الملا مصطفى رتبة شرفية كجنرال في "الجيش الاحمر" السوفياتي. وبعد انتصار الثورة العراقية في 1958 دعا عبدالكريم قاسم الملا مصطفى البرزاني للعودة الى العراق، وقامت مفاوضات بين القيادة الكردية وحكومة عبدالكريم قاسم لمنح الاكراد  الحقوق القومية المشروعة، ولكن المفاوضات فشلت، فامتشق الاكراد السلاح واندلع الصراع المسلح في 1961.

وبعد وقوع الانقلاب البعثي الفاشستي في العراق في 8 شباط 1963 والاعدام الخسيس لعبدالكريم قاسم، اشتد الصراع المسلح ضد الاكراد في شمال العراق. وفي تلك المرحلة نسجت القيادة الكردية وعلى رأسها الملا مصطفى البرزاني العلاقات مع نظام شاه ايران، وبدأت تتلقى المساعدات من نظام الشاه. وفي الوقت ذاته اقامت القيادة الكردية العلاقات مع اسرائيل، وتحولت مناطق السيطرة الكردية في شمال العراق الى قاعدة ثابتة للموساد والخبراء العسكريين الاسرائيليين، الذين اصبحوا المشرفين والموجهين الاوائل لقوات البيشمركه الكردية. وقد قال لي يوما المثقف الكردي (اليساري سابقا... والموالي لاميركا لاحقا) الاستاذ صلاح بدر الدين، انه خلال زيارته لمنطقة السيطرة الكردية في 1965، اكتشف ان خيمة كبار ضباط الموساد قد نصبت تماما بجوار خيمة الملا مصطفى البرزاني.

ـــ وهناك اقاويل واسعة الانتشار ان الزعيم الكردي الاخر جلال الطالباني (اليساري و"الماركسي" سابقا) قد زار اسرائيل سرا في تلك المرحلة ايضا.
 
ـــ وحتى سنة 1975 كان الصراع على اشده بين السلطة الفاشية البعثية العراقية والحركة الكردية. وكان الاكراد يتلقون الدعم العسكري واللوجستي من نظام الشاه. وفي 6 اذار 1975 وقع صدام حسين وشاه ايران، برعاية هواري بومدين في مقدمة المسرح والمخابرات الاميركية في الكواليس، ما يسمى "اتفاقية الجزائر"، التي قدم فيها النظام العراقي بعض التنازلات مقابل ايقاف الدعم الايراني للاكراد العراقيين. وبنتيجة ذلك انهارت الحركة المسلحة الكردية في شمال العراق. وعلى الاثر سافر الملا مصطفى البرزاني الى الولايات المتحدة الاميركية لمواصلة التفاوض مع الاميركيين، وللعلاج، حيث توفي في 1 اذار 1979. ويردد بعض العارفين ان الملا مصطفى البرزاني قال لبعض المقربين منه قبل وفاته "لا تثقوا بالاميركيين". ويعلق بعض المحللين على ذلك بالقول "انه كان بامكان الملا مصطفى البرزاني ان يسافر الى الاتحاد السوفياتي، حيث كان سيلقى افضل عناية سياسية وشخصية وطبية. ولكنه يبدو انه عمل بنصائح مستشاريه من ضباط الموساد الاسرائيليين وسافر الى اميركا وتوفي فيها.

ـــ في اعقاب العدوان الاميركي الوحشي ضد العراق، وتدميره وقتل مئات الالاف من ابنائه من المدنيين الابرياء، عُين بول بريمر "حاكما اداريا مدنيا" للعراق. ولدى وصوله في ايار 2003 استقبله الزعيم الكردي جلال الطالباني بحفاوة "شرقية" حارة وقال له حرفيا: "اعتبر البيت بيتك!"، كما نشر العديد من وسائل الاعلام.

ـــ ومع بداية المقاومة الشعبية المسلحة ضد الاحتلال الاميركي، بدأت القوات الاميركية تشن حملات المطاردة والمداهمة لاسر رجال المقاومة في جميع الاراضي العراقية. وكانت وحدات البيشمركه الكردية ترافق وتساند الاميركيين. ومن اقصى الشمال وصل البيشمركه مع الاميركيين حتى البصرة في اقصى جنوب العراق.

XXX

في تاريخنا القديم ان الفرسان الامازيغ (البربر) كانوا يقاتلون ضد المستعمرين الرومان الى جانب القرطاجيين، في جيش هنيبعل برقة الذي كان شديد الاعتماد على سلاح الفرسان الامازيغي. ولكن عشية معركة زاما في 202ق.م اتصل القائد الروماني الداهية الملقب "سكيبيو الافريقي"، بالقائد الامازيغي ماسينيسا (الذي كان سابقا مقاتلا في جيش هنيبعل) ووعده بتأسيس مملكة امازيغية (بربرية) مستقلة، اذا قاتل الامازيغ الى جانب الجيش الروماني. وفي المعركة الفاصلة بين الجيشين الروماني والقرطاجي، في سهل زاما بتونس، في تشرين الاول 202ق.م، هاجم الفرسان الامازيغ (البربر) الجيش القرطاجي من الخلف، وكان ذلك سببا رئيسيا لهزيمة ساحقة للجيش القرطاجي، كانت مقدمة لمحاصرة قرطاجة في 149 ــ 146ق.م، وتدميرها تدميرا كاملا واشعال النار فيها مدة 17 يوما بلياليها، وقتل 300 الف من سكانها واسر وبيع الـ400 الف الباقين بالجملة الى النخاسين اليهود لبيعهم لاحقا بالمفرق كعبيد واماء في قصور السادة الرومان، والعجزة والمسنين كطعام للحيوانات الضارية في ملاعبهم.

ولكن بعد تدمير قرطاجة تحول الرومان الى الامازيغ (البربر)، وقضوا على مملكتهم واستعبدوهم واذلوهم، ووصفوهم بالهمجية، وصارت كلمة "بربري" تعني "الهمجي" في جميع لغات العالم.

XXX

وللاسف الشديد يبدو ان القيادات الانفصالية الكردية في العراق وسوريا لا تريد ان تتعلم من دروس التاريخ، وهي تريد ــ على طريقة ماسينيسا ــ بناء دولة كردية على حساب طعن حركة التحرر الوطني العربية والمقاومة، والوحدة الوطنية في العراق وسوريا، في ظهرها.

ولكن الشوفينية تسبب العمى السياسي للقيادات الانفصالية الكردية، التي لا ترى ان الزمن قد تغير، وانه بوجود "المحور الشرقي الجديد": روسيا والصين ومحور المقاومة بقيادة ايران الثورة، فإن امكانية انشاء  "اسرائيل ثانية" اصبحت مستحيلة، بل ان وجود "اسرائيل الاولى" اصبح في مهب الريح.

XXX

كيف تطبق القيادات الانفصالية الكردية "حق تقرير المصير للشعوب"، بدون وضد الالتزام بمبدأ الكفاح ضد الاستعمار والامبريالية؟

ــ1ــ تعمل تلك القيادات ــ على طريقة الصهيونية في الوسط اليهودي ــ لبناء كيانين انفصاليين في شمال العراق وشمال شرق سوريا، على اساس شوفيني عنصري معاد خصوصا للامة العربية.

ــ2ــ ترفض الاعتراف بالهوية العربية للارض في شمال العراق وشمال شرق سوريا، التي هي ارض اشورية وسريانية منذ آلاف السنين، والادعاء انها ارض "كردستانية"، لمجرد ان الاكراد استوطنوها، في الاغلب عنوة، في العهود الظلامية: الايوبي، والسلجوقي، والمملوكي والعثماني.

ــ3ــ ترفض الاعتراف بأن النفط في المنطقتين هو ملك الشعبين العراقي والسوري بأكملهما، وتقوم بنهب النفط بالتعاون مع الاميركيين والاتراك وداعش، وانفاق عائدات النفط لخلق طبقة من المرتزقة وبناء مؤسسات سياسية وعسكرية "انفصالية".

ــ4ــ تعمل لتحويل شمال العراق الى قاعدة تجسسية وعسكرية لاسرائيل، لمحاربة ايران الثورة والجيش الوطني والشعب العراقي. وتحويل البشمركه الى جيش مرتزقة تابع لاسرائيل والامبريالية الاميركية، كما كان "جيش لحد" ابان الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان قبل التحرير سنة 2000.

ــ5ــ تقوم بتضليل الجماهير الشعبية الكردية والعمل لزجها في حرب اهلية ضد الجيش العربي السوري خاصة والشعب السوري عامة.

ــ6ــ تستظل بالاحتلال الاميركي للاراضي السورية، لاجل كسب الوقت وبناء الهيكلية الكيانية الانفصالية الكردية في شمال شرق سوريا.

ــ7ــ وفي الوقت ذاته تقدم المبررات للامبريالية الاميركية للاستمرار في احتلال الاراضي السورية، بحجة "حماية الاكراد" وتطبيق "حق تقرير المصير للشعوب" عليهم.

XXX

ان القيادات الانفصالية الكردية ــ وفي قطيعة تامة مع المصلحة العليا التاريخية الحقيقية لجماهير الشعب الكردي ــ تعمل لتطبيق "حق تقرير المصير للشعوب" تحت عناوين: الخيانة الوطنية، والسير في ركاب الامبريالية الاميركية واسرائيل واليهودية العالمية، وتسعير الشوفينية الكردية، وتضليل الشعب الكردي الشقيق وتحويله الى قوة "فرسان حميدية" ــ "اسرائيلية" جديدة، ضد ايران الثورية ومحور المقاومة والشعب الفلسطيني والعراقي والسوري واللبناني والامة العربية قاطبة، الشقيق الاكبر لجميع شعوب المنطقة، والمستهدفة بشكل خاص من قبل الامبريالية الاميركية والغربية واليهودية العالمية.

وحتى لا نفاجأ بظهور "اسرائيل جديدة... كردية"، ينبغي، في رأينا المتواضع، العمل لحل "المسألة الكردية" ضمن المقتضيات التالية:

ــ أ ــ فضح النهج الشوفيني الخياني والعميل للقيادات الانفصالية الكردية، التي تعمل، بمساندة الامبريالية والصهيونية، لانشاء كيان كردي انفصالي "مؤسرل"، مما هو اخطر من الاحتلال الاميركي، لان الاحتلال الاميركي هو دخيل ومؤقت ومن المؤكد ان يرحل، اما وجود الكيان الكردي المؤسرل فهو مرتبط بوجود الشعب الكردي الذي هو احد شعوب المنطقة ومن الخطأ وغير الممكن اي حديث عن رحيله. بل يجب النضال من اجل "استعادة" الشعب الكردي وتخليصه من نفوذ وتسلط الخونة الانفصاليين، احفاد "فرسان الحميدية" والجزارين البدرخانيين والقاتل السافل سيمكو الشكاكي.

ــ ب ــ وضع لائحة سوداء اسمية، تتضمن اسماء جميع القياديين والناشطين السياسيين والاعلاميين الاكراد، الذين يقيمون علاقات مباشرة مع المخابرات الاميركية والاسرائيلية ويتلقون منها الاموال والاسلحة، وفضح كل منهم شخصيا وتحضير اضبارات لتقديمهم الى القضاء بتهمة التعامل مع العدو والعمالة والتخابر مع دولة اجنبية ضد المصالح الوطنية.

ــ ج ــ نشر ابحاث ودراسات حول المجازر والارتكابات الكردية ضد الارمن والاشوريين والسريان، في الماضي، بهدف الاستفادة من دروس التاريخ واعادة تنوير واعادة تثقيف الجماهير الشعبية من مختلف الانتماءات الدينية والاتنية والقومية بروح التسامح والتآخي.

ــ د ــ المقاطعة التامة وقطع العلاقات مع مناطق السيطرة الكردية، الا ما تقتضيه المصالح الوطنية والضرورات الانسانية.

ــ هـ ــ تأميم "المسألة الكردية"، وعدم اقتصار البحث فيها على السلطة المركزية وقيادات الامر الواقع في مناطق السيطرة الكردية. والتحضير لعقد مؤتمر وطني عام يضم جميع الاطراف "الموالية" و"المعارضة" من جميع الاحزاب الوطنية الدينية والعلمانية، يتولى وضع "برنامج وطني عام استرشادي" حول "المسألة الكردية"، يتضمن شجب النزعة الانفصالية، والاعتراف بالحقوق المواطنية الكاملة والحقوق الثقافية للاكراد، اسوة بجميع المكونات الاتنية للشعبين العراقي والسوري.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد البشري


موقع الخدمات البحثية