مواد أخرى » تأثير اغتيال أختر منصور على تطورات الأزمة في أفغانستان

يبدو أن حركة 'طالبان' الأفغانية تتجه تدريجيًّا نحو تبني سياسة متشددة تجاه عملية السلام في أفغانستان، خاصة بعد اغتيال زعيمها الملا أختر منصور، في غارة أمريكية استهدفته في 21 مايو 2016، في إحدى مناطق بلوشستان الواقعة جنوب غربي باكستان. وقد انعكس ذلك في مسارعة الحركة إلى تعيين زعيم جديد هو الملا هيبة الله آخوند زاده، الذي كان أحد المقربين من أختر منصور وتولى منصب قاضي الشرع في الحركة، بالتزامن مع إعلان مسئوليتها عن العملية الانتحارية التي وقعت غربي العاصمة الأفغانية كابول، بشكل يوحي بأنها سعت إلى توجيه رسالة بأنها لن تتعاطى بإيجابية مع الجهود التي تبذلها أطراف عديدة للتوصل إلى تسوية للأزمة الأفغانية، خاصة الأمم المتحدة، وأنها ستلتزم بالشروط التي أعلنتها خلال الفترة الماضية قبل الدخول في جولة جديدة من المفاوضات، وعلى رأسها الانسحاب الأجنبي من أفغانستان وسحب أسماء كوادر الحركة من القوائم السوداء العالمية والإفراج عن أسرى الحركة.

وقد أشارت اتجاهات عديدة إلى أن الحركة سعت إلى استثمار التغيير الذي حدث على المستوى القيادي من أجل تقليص حدة الخلافات الداخلية التي واجهتها خلال المرحلة الماضية، وهو ما انعكس سواء في تعمدها اختيار شخصية دينية تحظى بإجماع داخلي رغم أنها تفتقر للخبرة العسكرية، لقيادة الحركة خلال المرحلة المقبلة، أو في تعيينها كلا من سراج الدين حقاني والملا يعقوب، ابن زعيم 'طالبان' الأسبق الملا عمر، نائبين للزعيم الجديد. 

دلالات هامة:

تطرح التوازنات السياسية الجديدة التي فرضها تعيين هيبة الله آخوند زاده قائدًا لحركة 'طالبان' الأفغانية خلفًا لأختر منصور، دلالات عديدة. يتمثل أولها، في ارتباط عملية اغتيال منصور بالتباين في رؤى وسياسات القوى الدولية والإقليمية المعنية حول التعامل مع تطورات الأزمة في أفغانستان، حيث أشارت تقارير عديدة إلى أن عملية اغتيال منصور وقعت خلال عودته من زيارة لإيران التي تسعى في الوقت الحالي إلى دعم دورها الإقليمي داخل أفغانستان، ومواجهة أية تداعيات قد يفرضها الانتشار المحتمل لتنظيم 'داعش' بالقرب من حدودها. في حين كشفت اتجاهات أخرى أن اغتيال منصور بواسطة طائرة أمريكية بدون طيار يعود إلى عرقلته الجهود التي بذلت للوصول إلى تسوية للأزمة.    

وينصرف ثانيها، إلى قدرة الحركة على اجتياز الأزمة سريعًا، وهو ما يبدو جليًّا في نجاحها في اختيار زعيم جديد لها رغم التوتر الذي تتسم به العلاقة بين أجنحتها الداخلية، بسبب التوازنات التي فرضها القائد الأسبق أختر منصور. وربما تكون الحركة قد تعمدت المسارعة إلى اتخاذ تلك الخطوة في إطار سعيها إلى توجيه رسالة بقدرتها على التعامل مع التحديات التي تُواجهها.

ويتعلق ثالثها، بسعى الحركة إلى الحيلولة دون تصعيد سراج الدين حقاني -نجل القائد جلال الدين حقاني- إلى قيادة الحركة، في ظل تخوفات كوادر الحركة من احتمال إقدامه على اتخاذ خطوات غير محسوبة في التعامل مع تطورات المشهد في أفغانستان، بشكل ربما يفرض تداعيات سلبية عديدة على الحركة.

تداعيات محتملة:

ربما يمكن القول إن اغتيال الملا أختر منصور سوف يفرض تداعيات عديدة على حالة الاستقرار السياسي والأمني داخل أفغانستان. فرغم أنه يمثل ضربة قوية للحركة، إلا أنه لن يؤدي إلى إضعاف نفوذها بشكل كبير، وهو ما تؤكده سرعة انتخاب الحركة لقائد جديد في أعقاب عملية الاغتيال، بل إن اتجاهات عديدة ترجح أن يؤدي اغتيال منصور إلى تقليص حالة الانقسام التي شهدتها الحركة خلال الفترة الماضية، بسبب رفض عدد من فصائلها لقيادة منصور، بما يعني أن تولي هيبة الله زاده ربما يكون فرصة للوصول إلى إجماع داخلي طالما سعت الحركة إلى تحقيقه خلال الفترة الماضية دون أن تنجح في ذلك.

وعلى الأرجح، فإن عملية اغتيال أختر منصور سوف تؤدي إلى تصعيد حدة العنف في أفغانستان، خاصة أن الحركة ربما تتجه خلال الفترة القادمة إلى القيام بعدد من العمليات النوعية ضد القوات الأجنبية والأفغانية، حتى تتمكن من الحفاظ على تماسكها الداخلي، والرد على الضربات التي تعرضت لها في الفترة الماضية. ومن دون شك، فإن تلك العملية ربما تعرقل الجهود التي تبذلها أطراف عديدة للوصول إلى تسوية للأزمة، لا سيما وأنها قد تعيد المفاوضات بين الحكومة الأفغانية والتنظيمات المتطرفة إلى مربعها الأول من جديد، حيث إنها تزامنت مع جولة جديدة من الاجتماعات في باكستان لمسئولين من باكستان والولايات المتحدة والصين وأفغانستان؛ بهدف وضع الأساس لمحادثات سلام مع 'طالبان'.

فضلا عن ذلك، يبدو أن تغير التوازنات الداخلية في الحركة ربما يفرض تداعيات مباشرة على العلاقة بين الحركة وباكستان، وذلك في ظل تصاعد الخلافات بين الطرفين، بسب فشل باكستان في استخدام نفوذها لدى 'طالبان' لإقناعها بالدخول في محادثات سلام مع الحكومة في كابول، واتجاه عدد كبير من قيادات الحركة إلى مغادرة باكستان نحو الداخل الأفغاني في أعقاب اتساع نطاق الخلافات بين الطرفين.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن اغتيال أختر منصور ربما يزيد من العقبات التي تواجه جهود التسوية في أفغانستان، على عكس ما سعت إليه العديد من القوى الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة، التي أشارت اتجاهات عديدة إلى أنها لم تعد تتبنى سياسة واضحة المعالم تجاه تطورات المشهد في أفغانستان، التي يبدو أنها مقبلة على استحقاقات سياسية وأمنية لا تبدو هينة.

المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية.

 

موقع الخدمات البحثية