مواد أخرى » الاتجاه المتصاعد لتمكين القيادات النسائية في السعودية .

يبدو أن هناك اتجاهًا متصاعدًا في المملكة العربية السعودية نحو تمكين المرأة، وذلك على خلاف ما هو شائع. فعلى سبيل المثال قام الملك السابق عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود بتعيين 30 امرأة في مجلس الشورى السعودي في عام 2013، كما تم إدخال عددٍ من العناصر النسائية في الغرفة التجارية والصناعية، ومركز الملك عبدالله للحوار الوطني، بالإضافة إلى إشراك المرأة السعودية في عمليات صنع القرار، والمشاركة السياسية والاجتماعية.

هذه الملامح لتمكين المرأة السعودية ترصدها وتفسرها دراسة معنونة بـ'القيادات النسائية السعودية: الفرص والتحديات' للباحث مارك طومسون الأستاذ المساعد في جامعة الملك فهد، ومعهد الدراسات العربية والإسلامية التابع لجامعة إكستر البريطانية. وتم نشر الدراسة في دورية الدراسات العربية الصادرة عن مركز دراسات الخليج التابع لجامعة إكستر البريطانية؛ حيث تعرض الدراسة الفرص والتحديات التي تُواجه المرأة السعودية، وكيفية التعامل معها، وسبل تفعيل أدوارهن القيادية، مع التأكيد على أن المرأة السعودية شريكٌ للرجل في عملية التنمية.

صعود القيادات النسائية:

تمثل النساء نسبة 50% من السكان، و60% من طلاب الجامعات السعودية، و25% من المستفيدين من المنح الدراسية بالخارج، بالإضافة إلى وجود العديد من النساء في العديد من الشركات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية. وقد احتلت السعودية المركز الأول على مستوى دول التعاون الخليجي من حيث نسبة تمثيل المرأة في الغرف البرلمانية، مما يزيد من شرعية المجلس، ويساعد في حصوله على القبول المجتمعي، ويوسع من دور القيادات النسائية في صنع القرارات.

ولم يقتصر صعود القيادات النسائية على مجلس الشورى السعودي، بل ظهرت قيادات نسائية أيضًا في جدة في إطار غرفة التجارة والصناعة، ومركز أعمال خديجة بنت خويلد، كذلك تم تعيين 'نورا بنت عبدالله الفايز' في عام 2009 كنائب لوزير التعليم كأكبر منصب حكومي تم شغله من قبل سيدة، كما تنوعت المناصب التي وصلت إليها قيادات سعوديات منها: رئيس مجلس إدارة، ومديرات تنفيذيات، ومصرفيات، ومعلمات، ومقدمات خدمات، مما أثبت جدارتهن بالعمل.

وحسبما أشار الباحث، قامت العضوات الجدد المعينات في مجلس الشورى بإثارة قضايا شائكة، مثل قيادة المرأة للسيارة، فقد طالبت العضوات 'منى آل مشيط' و'هيا المنيع' و'لطيفة الشعلان' بأحقية المرأة في قيادة السيارة بما لا يخالف الشريعة الإسلامية وقواعد حركة المرور، وقد ظهرت في الجلسات قدرتهن على الإجابة على الانتقادات المطروحة والمناقشة.

وفي حقيقة الأمر كان هناك دائمًا قيادات نسائية لهن إنجازاتهن مثل الأميرة 'نورة بنت عبدالرحمن بن فيصل آل سعود' وهي أخت الملك الراحل عبدالعزيز مؤسس المملكة، وكانت تشرف على تسيير شئون القصر الداخلية وشئون نساء العائلة ، كما ساهمت الملكة 'عفت بنت محمد آل سعود' زوجة الملك 'فيصل بن عبدالعزيز آل سعود' في إنشاء مدارس الإناث في جميع أنحاء المملكة، كما قامت بتأسيس مراكز أبحاث طبية. فيما قامت الأميرة 'لولوة بنت فيصل بن عبدالعزيز آل سعود' بتمثيل المرأة السعودية في مختلف المحافل الدولية والمحلية، وتعتبر عضوًا رئيسيًّا في جدول أعمال قمة منتدى دافوس الاقتصادي العالمي.

دعم الكفاءات النسائية
:

يُشير الباحث إلى أنه لا يمكن فهم دور القيادات النسائية السعودية دون الأخذ في الاعتبار السياق السياسي والاجتماعي المحيط بهم، كذلك يشير إلى أنه في غالب الدول العربية تكون الدولة مركزية في غالبية الشبكات الاجتماعية، وقادرة على التأثير على الفاعلين الجدد الآخذين في الظهور، ولها دورٌ في انتشار المعتقدات الجديدة على المستوى الديني والسياسي والاجتماعي.

ومن ثمّ يؤكد طومسون أن إدماج المرأة السعودية جاء بدعم من الدولة كجزء من البرنامج الوطني للتنمية، وكنوع من الخطوات الإصلاحية في المملكة على النطاق الاجتماعي والسياسي، وبمشاركة عدد من الفواعل الرئيسية في المملكة وهم: العائلة الحاكمة، والمؤسسة الدينية، والإسلاميون المعتدلون، من جانب آخر فإن الشبكات غير الرسمية في هذه المرة بشكل خاص مارست دورًا واضحًا في دفع صعود القيادات النسائية؛ إذ إن تجمعات سيدات الأعمال السعوديات غير الرسمية ساهمت في إنشاء طبقة قادرة على التأثير والحفاظ على مصالحها.

وقد دعم ظهور القيادات النسائية السعودية أيضًا أنه منذ بداية حكم الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود كان هناك تركيز شديد على معيار الكفاءة كأساس لتولي المناصب، وكان هناك تفضيل للذين تلقوا تعليمهم في الخارج بغض النظر عن مستواهم الاجتماعي أو انتماءاتهم، وبالتالي فإن وصول التكنوقراط السعوديين رجالا ونساء إلى المناصب في المملكة قد زادت، وهو ما يتضح من خلال مراجعة السيرة الذاتية لبعض السيدات المعنيات بمجلس الشورى السعودي على غرار 'إلهام بنت محجوب بن أحمد حسنين' التي تخرجت في كلية ريتشموند الأمريكية الدولية في عام 1988، وأكملت دراساتها العليا بجامعة سري بجنوب لندن.

كما أن 'حنان بنت عبدالرحيم الأحمدي' قد حصلت على دراساتها العليا من الولايات المتحدة الأمريكية، فيما حصلت 'الجوهرة بنت إبراهيم بن محمد بوبشيت' على البكالوريوس من جامعة أم القرى وحصلت على دراساتها العليا من جامعة أوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية، كما تم تعيين 'نورة بنت عبدالله بن عبدالرحمن العدوان' والتي قامت بالحصول على دبلوم اللغة الإنجليزية وقامت بالحصول على درجة الماجستير من جامعة إنديانا بالولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك كان الحال بالنسبة لغالبية أعضاء مجلس الشورى المعينات.

تحديات مجتمعية:

يؤكد طومسون أن غالبية الأبحاث والدراسات عن النساء السعوديات تتعامل معهن باعتبارهن جماعة واحدة لديهن نفس الفرص والتحديات، وفي حقيقة الأمر هن يمثلن جماعات متنوعة لكل جماعة خصائص مختلفة، فهناك جماعات اقتصادية واجتماعية وقبلية.

ولقد زادت المشاركة السياسية للمرأة السعودية بتعيينها في مجلس الشورى، وزيادة فرص العمل المتاحة لها في القطاعين العام والخاص، إلا أن هناك عددًا من القضايا الملحة التي تواجهها على 3 مستويات، وذلك حسبما يرى الباحث طومسون، فعلى 'مستوى الأسرة' تواجه المرأة السعودية العبء الأكبر من مسئوليات الأسرة، وينظر المجتمع السعودي للبيت باعتباره الوطن الحقيقي للمرأة، والعمل مجرد دور ثانوي.

وفيما يتعلق بالمستوى المجتمعي فإن المرأة السعودية ليست مسئولة فقط عن عائلتها الصغيرة، بل هي مسئولة عن عائلتها الممتدة بما في ذلك عائلة الزوج. وعلى المستوى الوطني تؤدي المرأة السعودية عملها تحت رقابة مشددة، بالإضافة إلى أن عبارة 'مناسب لطبيعة المرأة' تجعل بعض المديرين يرفضون تعيين نساء تحت دعوى هذه العبارة رغم أن العمل قد يكون إداريًّا، بيد أن الوضع من الممكن أن يتغير بعض الشيء بعد صعود قيادات نسائية في كثير من المناصب.

ويعتقد الكاتب أن زيادة المشاركة المجتمعية للمرأة وتفعيل دورها التنموي يحتاج إلى: إصلاح نظام التعليم، وتأهيلها لسوق العمل، وتدريبها على تولي أدوار القيادة، وتشجيع القيادات النسائية الموجودة على الساحة. وفي هذا الإطار تؤكد 'حنان الأحمدي' -عضو مجلس الشورى المعينة- أن الحكومة السعودية تنتهج رؤية واضحة عن تمكين المرأة، ودعم دورها في عملية صنع القرار، بالإضافة للتركيز على الحق في التعليم والعمل.

وعلاوة على ذلك، فقد تحولت المرأة السعودية من مرحلة المطالبة إلى مرحلة المشاركة في سن القوانين والتشريعات في مجالات عديدة مثل: قوانين الأحوال الشخصية، وتمرير قوانين العمل الجديدة التي تعزز من حق المرأة في العمل، وزيادة فرص الاستثمار والتمويل، وصياغة قوانين جديدة تضمن للمرأة الحصول على منح دراسية. وتطالب القيادات النسائية السعودية بالتوسع في هذا النوع من التشريع ليتسنى للمرأة كتابة وصيتها الخاصة، وأن تصبح شاهدًا قضائيًّا، وزيادة فرصها في العمل واتخاذ القرارات.

معتقدات غربية شائعة:

يُشير الباحث في هذا الجزء إلى مجموعة من المعتقدات الخاطئة عن المرأة السعودية الموجودة في العديد من الكتابات والأبحاث، ويحددها فيما يلي:
1- ثقافات متعددة: فعلى خلاف المعتقد السائد فإن المجتمع السعودي يتكون من ثقافات متعددة، وكل ثقافة منها تنظر نحو المرأة السعودية نظرة مختلفة، ويجادل طومسون بأن هناك تأييدًا كبيرًا لتولي المرأة القيادة بين أوساط الشباب وصغار السن والذين تمثل نسبتهم حوالي 19,6% أقل من 24 عامًا، وحوالي 28,2% أقل من 15 عامًا.

2- دعم إلكتروني: ويشير الباحث أيضًا إلى إحدى المعضلات التي تكمن في التعامل مع قضية قيادة المرأة السعودية؛ حيث يتم شن حملات مكثفة ضد المملكة العربية السعودية في الفضاء الإلكتروني من جنسيات أخرى على وضع المرأة السعودية، وقد يحمل هذا الهجوم بعض المبالغة، وهو ما يدفع مواطني السعودية إلى الدفاع عن أوضاع المرأة في بلادهم عبر حملات إلكترونية، وهي في حقيقة الأمر دفاع عن وطنهم، ومن ثم يبدو للمراقب من بعيد أن هناك رغبة في الإبقاء على الوضع الحالي للمرأة وعدم تغييره.

3- دعم القيادات: كذلك تتجاهل وسائل الإعلام الغربية الحديث عن دور الرجال في دعم تمكين المرأة على اختلاف مستوياتهم، مثل القضاة، والمحامين، ورجال الأعمال، ورؤساء الجامعات، الذين أيدوا مشاركة المرأة في الانتخابات.

ولقد أشادت قيادات نسائية سعودية بالدعم الذي كُنَّ يتلقينه من الملك الراحل 'عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود'، وبعض أفراد الأسرة الحاكمة؛ حيث أعلن الملك عبدالعزيز في سبتمبر 2011 أنه سيكون من حق النساء ترشيح أنفسهن لعضوية المجالس البلدية، وتم تعيين 30 عضوة في مجلس الشورى عام 2013، مؤكدًا أن ذلك يتوافق مع أحكام الشريعة والتاريخ الإسلامي.

 وقد أكد 'عبدالله بن محمد آل الشيخ' رئيس مجلس الشورى أهمية هذا القرار في إطار الاعتراف بجدارة المرأة السعودية وخبرتها في مختلف التخصصات، كما حصلت على دعم بعض أعضاء المجلس، بينما عارضته القوة المحافظة في المجلس، ولا ينفي الباحث أنه ما زالت هناك قوة محافظة معارضة لتوسع الدور النسائي.

مارك طومسون

 

المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيحية.

 

موقع الخدمات البحثية