مواد أخرى » لماذا تتصاعد الهجمات المسلحة ضد العمالة الأجنبية بالإقليم؟

تتعرض أسواق العمل بمنطقة الشرق الأوسط لتهديدات أمنية متسارعة منذ عام 2011، حيث بات اختطاف العمالة الأجنبية أو قتلهم ظاهرة متكررة بدول متعددة، مثل ليبيا واليمن والعراق وسوريا. وكما هو معروف فإن هذه الدول تعاني من اضطرابات أمنية واسعة منذ اندلاع الثورات العربية. وتتفاوت دوافع حوادث قتل أو اختطاف العمالة باختلاف الجماعات المنفذة لهذه الحوادث، ولكنها في العموم تتمثل في أربعة دوافع تتضمن الرغبة في جني الأموال، أو ممارسة ضغوط على السلطات المحلية من أجل تلبية بعض المطالب الفئوية الخاصة، أو بعض المطالب السياسية، أو إثارة الذعر.

ومن دون شك، فإن مثل هذه التهديدات الخطرة تهدد المصالح الاقتصادية للدول الأجنبية، ومن ثم تحتاج إلى استجابات أمنية موازية تختلف من دولة لأخرى، وقد تراوحت استجابات الدول لتهديدات العمالة ما بين تشديد الإجراءات الأمنية والانسحاب مؤقتًا من الدول ذات التهديدات العالية، وهو ما يكبد تلك الدول خسائر اقتصادية في مقابل مكاسب أكبر للجماعات المنفذة وذات الصلة بهذه الحوادث.

مصادر التهديدات:

تصاعدت حدة التهديدات الأمنية التي تستهدف العمالة الأجنبية بإقليم الشرق الأوسط والعاملة بالشركات العامة والخاصة على حدٍّ سواء أو المؤسسات الإغاثية أيضًا. وكمؤشر هام في هذا السياق، جاءت 5 دول في منطقة الشرق الأوسط وهي سوريا، واليمن، وليبيا، والعراق، والصومال ضمن قائمة تضم 10 دول على مستوى العالم ذات تهديدات مرتفعة للغاية لاختطاف الأفراد - سياحًا كانوا أم عاملين- في عام 2015، والتي تعدها سنويًّا شركة 'إن واي إيه إنترناشيونال' البريطانية المتخصصة في إدارة الأزمات. 

وعلى صعيد العمالة الأجنبية، فقد شهدت هذه الدول حوادث متكررة من عمليات الاختطاف، بجانب القتل كمستوى آخر أكثر خطورة. وتعددت مصادر هذه التهديدات ما بين القبائل والجماعات المحلية المسلحة من جانب، والجماعات الإرهابية من جانب آخر، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1-جماعات مسلحة: تنوعت التهديدات للعاملين الأجانب في ليبيا ما بين الخطف والقتل، ففي غضون أكتوبر 2015، احتجزت مجموعة مسلحة يُعتقد أنها تنتمي لقوات 'فجر ليبيا' بمدينة صبراتة قرابة 300 عامل تونسي من أجل المطالبة بالإفراج عن مسئول تابع للجماعة المسلحة. وبنفس الأسلوب، تعرض 18 عامل بناء تركيًّا ينتمون لشركة إنشاءات تركية للاختطاف من قبل مجموعة مسلحة محلية في سبتمبر 2015 في حي الحبيبية بشمال شرق بغداد.

2- جماعات إرهابية: يُعتبر تنظيم 'داعش' الأكثر نشاطًا في عمليات الاختطاف وقتل العاملين في غضون السنوات الأخيرة، ففي تطور أكثر خطورة تعرض 11 موظفًا أمنيًّا مسئولين عن حماية حقل الغاني النفطي الليبي للذبح من قبل تنظيم 'داعش' في مارس 2016. بينما اختطف التنظيم في كلٍّ من العراق وسوريا نحو 46 تركيًّا، ونحو 200 عامل من أماكن سكنهم في مصنع أسمنت قرب مدينة الضمير السورية في عامي 2014 و2016 على التوالي.

3- قبائل محلية: كان العاملون بالمؤسسات الإغاثية هدفًا للقبائل المحلية اليمنية، ففي ديسمبر 2015 اختطف مسلحون يمنيون مسئولة إدارة الحماية في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والتي على إثرها غادر نحو 30 موظفًا دوليًّا اليمن في نهاية الشهر نفسه. ويتعرض العاملون بالإغاثة لحوادث متكررة باليمن، ففي حادثة أخرى، اختطفت مجموعة مسلحة من القبائل عامل إغاثة سويسريًّا، يعمل في اللجنة الدولية للصليب الأحمر بمحافظة أبين جنوبي اليمن.

دوافع متعددة:

لا يُمكن التنبؤ بدوافع عمليات الاختطاف أو قتل العاملين دون النظر إلى طبيعة وهوية الجماعات المنفذة. وكما سيتبين فإن دوافع الاختطاف أو القتل تنقسم إلى أربعة أنماط رئيسية، هي: جني الأموال، أو تحقيق مطالب سياسية، أو فئوية خاصة، وأخيرًا إثارة الذعر.

1- ضغط سياسي: تُعتبر حالتا ليبيا والعراق أكثر تفسيرًا لهذا الدافع. فكما يعتقد فإن عمليات اختطاف العمالة التونسية في ليبيا المشار إليها سابقًا ترجع إلى تدخل مباشر من قبل قوات 'فجر ليبيا' للضغط على السلطات التونسية التي أوقفت مسئولين تابعين لتلك الميليشيات في تونس، وهما حسين الذوادي، والأزهر الماقوري. ويأتي استغلال هذا الأسلوب عقب نجاح ضغوط نفس الجماعة في الإفراج عن القيادي وليد القليب عقب اختطاف دبلوماسيين تونسيين من القنصلية التونسية بليبيا في عام 2015.

وكنتيجة للتوترات السياسية التي تصاعدت بين العراق وتركيا في الآونة الأخيرة على إثر قيام الأخيرة باستقبال نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي الملاحق من قبل السلطات العراقية، علاوةً على توغل القوات العسكرية التركية بالموصل في ديسمبر 2015،  تعرضت المصالح التركية بالعراق إلى تهديدات مباشرة باستهداف الرعايا الأتراك من جانب ميليشيات أطلقت على نفسها 'فرق الموت' الشيعية.

2-جنى الأموال: يُعتبر النمط الريعي أو الربحي الأكثر انتشارًا باليمن؛ حيث تتكرر عمليات الاختطاف بالبلاد من جانب مسلحين بهدف طلب فدية مالية. وبحسب بعض التقديرات وصلت إيرادات تنظيم 'القاعدة في شبه الجزيرة العربية' في اليمن من أنشطة الخطف والفدية إلى 20 مليون دولار في الفترة من عام 2010 إلى عام 2012. وعلى نحو مشابه، تتراوح إيرادات تنظيم 'داعش' من عمليات الاختطاف والفدية ما بين 35 و45 مليون دولار. 

3- مطالب فئوية: تكشف حالة اختطاف الألماني روجرز فيديس بمأرب شمال شرق اليمن في فبراير 2014 عن نمط آخر لدوافع الاختطاف، يتمثل في ممارسة ضغوط من أجل تحقيق أغراض خاصة؛ إذ طالب المسلحون بإطلاق سراح سجناء لهم صلة قرابة بالخاطفين.

4- إثارة الذعر: من دون شك فإن حوادث الاختطاف أو القتل التي تُنفذها الجماعات الإرهابية تهدف بجانب جني العوائد المالية إلى إثارة الذعر والخوف لدى العاملين الأجانب أو المحليين بشكل عام، وهو ما يمثل أسلوبًا متعارفًا عليه لدى هذه التنظيمات من أجل تطويع السكان المحليين بغرض تسهيل مهمتها في السيطرة على الأراضي والأصول المختلفة.

استجابات مختلفة:

كشفت استجابات المؤسسات الدولية عادةً عن تفضيل الانسحاب الجزئي من هذه الدول من أجل حماية عامليها الأجانب، بالإضافة إلى العمل على مسارٍ موازٍ يضمن تشديد الإجراءات الأمنية على مواقع إنتاجها. وقياسًا على ذلك، فقد أَجْلَتْ شركة النفط الفرنسية 'توتال'، في مارس 2015، كل الموظفين الأجانب من صنعاء وخرير، وخفضت عدد العاملين إلى الحد الأدنى الضروري، كما رفعت الإجراءات الأمنية إلى الدرجة القصوى. وعلى نحو مماثل، سحبت مجموعة 'إيني' الإيطالية للنفط في عام 2014 موظفيها الإيطاليين من ليبيا بسبب ارتفاع مستوى التوترات الأمنية، وقررت الاعتماد على الموظفين المحليين في مواصلة أعمالها هناك.

وعقب حادثة اختطاف العمالة التركية في سبتمبر 2015، تم تشديد الإجراءات الأمنية على المواقع التركية، وذلك بالتنسيق مع الجيش والشرطة الاتحادية وجهاز المخابرات العراقية. وكإجراء تصعيدي آخر خشية تزايد التهديدات عقب توغل القوات التركية بالموصل، حذرت وزارة الخارجية التركية، بنهاية ديسمبر 2015، مواطنيها من السفر إلى العراق.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن مجمل التهديدات التي تعرض لها العاملون بمؤسسات الإغاثة أو الشركات الأجنبية كانت سببًا رئيسيًّا في تعطل مسار إنتاجها بشكل جزئي وكلي في أحيان أخرى. وعلى جانب آخر، قد يكون استهداف العمالة الأجنبية على وجه الخصوص سببًا لمغادرتها، أو على أقل تقدير عرقلة تدفقاتها من الدول المجاورة بنفس مستوياتها الطبيعية السابقة، كما هو عليه الأمر في العمالة المصرية في ليبيا، إذ تسببت التوترات الأمنية في ليبيا في عودة 306 آلاف عامل مصري منذ عام 2011 وحتى  عام 2015 بحسب تقديرات وزارة العمل المصرية. 

وفي النهاية، يُمكن القول إن التهديدات التي تعرضت لها العمالة الأجنبية كانت وجهًا آخر لتبعات الصراعات السياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط منذ سنوات، وهو ما حقق من دون شك مكاسب أكبر لهذه الجماعات في مقابل خسائر مرتفعة للدول المصدرة للعمالة ومصالحها الاقتصادية أيضًا.

المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية.

 

 

 

موقع الخدمات البحثية