مواد أخرى » لماذا تصاعدت حدة التوتر بين تركيا وأوروبا؟

يبدو أن الخلافات سوف تتسع تدريجيًا بين تركيا والدول الأوروبية، بعد التحسن الملحوظ الذي شهدته العلاقات بين الطرفين في الفترة الأخيرة، لا سيما بعد توقيع اتفاق إعادة اللاجئين الجدد الذين يصلون من تركيا إلى اليونان إلى تركيا من جديد، مقابل حصول الأخيرة على تمويل من الاتحاد الأوروبي للاجئين الذين تستضيفهم على أراضيها فضلا عن تجديد مفاوضات الانضمام للاتحاد، وهو ما يعود إلى مخاوف الدول الأوروبية من تداعيات تنحي رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو، والتباين في التعامل مع قضية الحرب ضد الإرهاب، إلى جانب عدم الاتفاق على تعديل قوانين مكافحة الإرهاب في تركيا كأحد متطلبات إعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرات الدخول إلى فضاء 'شنغن'.

قلق أوروبي:

أثار إعلان رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو، في 5 مايو 2016، تنحيه عن رئاسة حزب 'العدالة والتنمية' وبالتالي عن منصبه كرئيس للحكومة، بعد تصاعد حدة الخلافات مع الرئيس رجب طيب أردوغان، قلقًا واضحًا لدى الدول الأوروبية من إمكانية تأثير ذلك سلبيًا على التزام أنقرة باتفاق اللاجئين، بشكل ربما يفرض تداعيات وخيمة على الدول الأوروبية التي تسعى في الوقت الحالي إلى منع أى لاجئين جدد من الوصول إلى أراضيها، خاصة في ظل الجهود الحثيثة التي بذلها أوغلو للوصول إلى هذا الاتفاق، قمع المعارضين السياسيين وتقييد الحريات الإعلامية.

ووفقًا للرؤية الأوروبية، فإن ما يضفي وجاهة خاصة على تلك المخاوف هو وجود خلافات لا تبدو هينة بين أردوغان وأوغلو حول العلاقات مع أوروبا بصفة عامة، وهو ما بدا جليًا، على سبيل المثال، في تصريحات نوربرت روتغن عضو حزب 'الاتحاد المسيحي الديمقراطي' ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الألماني، التي أكد فيها أن 'داوود أوغلو سعى إلى تقريب تركيا من أوروبا، في حين لا يبدو أن أردوغان يرغب في ذلك'. وتحسين العلاقات بين تركيا والدول الأوروبية، رغم سجل أنقرة في

وقد انعكست المخاوف الأوروبية من تأثير إبعاد أوغلو عن المشهد السياسي التركي في تأكيد الناطق باسم المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، التي مارست دورًا بارزًا في الوصول إلى الاتفاق مع تركيا، على أنها 'تتوقع من تركيا احترام الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي لضبط أزمة الهجرة بعد الإعلان عن تنحي أوغلو'، وهو ما يوحي بأن ألمانيا، وربما بعض الدول الأوروبية الأخرى، لم تعد تستبعد إمكانية تراجع أنقرة عن الالتزام بتنفيذ الاتفاق، في المرحلة القادمة، وهو ما دفعها إلى البحث عن بدائل للتعامل مع قضية المهاجرين واللاجئين من أجل تجنب اندلاع أزمة جديدة بسبب احتمال تراجع أنقرة عن تنفيذ الاتفاق، على غرار استخدام بعض الجزر اليونانية كمحطة لإعادة طالبي اللجوء الذين رفضت طلبات لجوئهم إلى دولهم الأصلية.

خلافات متعددة:

ومن دون شك، فإن ما يزيد من مخاوف الدول الأوروبية هو الانتقادات القوية التي يوجهها الرئيس التركي طيب أردوغان باستمرار إليها، بسبب التباين في التعامل مع الحرب ضد الإرهاب، فرغم تغاضي الدول الاوروبية عن السياسة القمعية التي تتبناها تركيا في التعامل مع المعارضة السياسية والأكراد، إلا أن ذلك لم يمنع أردوغان من توجيه اتهامات لتلك الدول بأنها 'تحولت إلى ملاذات آمنة للأجنحة السياسية لبعض الجماعات الإرهابية' في إشارة إلى سماح السلطات البلجيكية، في مارس 2016، لبعض الأكراد المؤيدين لـ'حزب العمال الكردستاني' بتنظيم احتجاجات واعتصامات خلف مبنى الاتحاد الأوروبي الذي عقدت فيه القمة الأوروبية التركية بمشاركة داوود أوغلو في تلك الفترة، وإلى إطلاقها سراح أحد المتشددين الإسلاميين الذين قامت تركيا بترحيلهم، والذي شارك في العمليات الإرهابية التي وقعت في العاصمة بروكسل.

فضلا عن ذلك، فقد رفض أردوغان مطالب الاتحاد الأوروبي بتعديل بعض القوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب، من أجل إعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة دخول فضاء شنغن، حيث قال في هذا السياق: 'نحن في جهة وأنتم في جهة أخرى'، في إشارة إلى صعوبة الوصول إلى تفاهمات بين الطرفين على مجمل الخلافات العالقة.

خيارات صعبة:

مع ذلك، فإن تراجع تركيا عن تنفيذ الاتفاق مع الدول الأوروبية، وهو الاحتمال الذي لم تعد تستبعده الأخيرة، سوف يفرض تداعيات لا تبدو هينة على مصالح تركيا. إذ أنه سوف يؤدي إلى تصعيد حدة التوتر في علاقاتها مع القوى الدولية والإقليمية المعنية بأزمات المنطقة، لا سيما الأزمة السورية، بكل ما ينتجه ذلك من ضغوط متزايدة على أنقرة التي فشلت سياستها في التعامل مع تطورات تلك الأزمة وتسببت في تدهور علاقاتها مع روسيا التي تحولت إلى طرف رئيسي، في الفترة الحالية، في الجهود المبذولة للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة.

وفضلا عن أن ذلك سوف يهدر المكاسب المالية التي سوف تعود على تركيا من تنفيذ الاتفاق ويعيد طموحاتها في الانضمام للاتحاد الأوروبي إلى مربعها الأول من جديد، فإنه سوف يساهم في تضييق هامش الحركة وحرية المناورة المتاح أمام طيب أردوغان نفسه، الذي يسعى في الوقت الحالي إلى إعادة صياغة التوازنات السياسية داخل تركيا، في مرحلة ما بعد تنحي أوغلو، من أجل تمهيد المجال أمام تغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي.

كما أن ذلك ربما يدفع الاتحاد الأوروبي إلى إلقاء مزيد من الأضواء على قمع الحريات السياسية والإعلامية والتعامل مع الأكراد، وربما تتجه الدول الأوروبية إلى ممارسة مزيد من الضغوط على تركيا في هذا السياق، في الوقت الذي تسعى فيه الأخيرة إلى الحصول على مزيد من الدعم الدولي لحربها ضد الإرهاب، وإضفاء شرعية دولية على رؤيتها لتلك الحرب، والتي تحرص فيها على عدم التمييز بين تنظيم 'داعش' و'حزب العمال الكردستاني'، بشكل ربما يؤشر إلى أن تركيا تبدو مقبلة على استحقاقات سياسية مهمة سواء بسبب التطورات المتسارعة على الساحة الداخلية، أو بسبب توتر علاقاتها مع القوى الدولية الرئيسية المعنية بأزمات المنطقة.

المصدر: المركزالاقليمي للدرسات الاقليمية.

 

موقع الخدمات البحثية