مواد أخرى » كيف تعامل الإعلام الإيراني مع المفاوضات اليمنية بالكويت؟

تمارس إيران دورًا سلبيًا في الأزمة اليمنية من البداية، حيث تستند إلى أدوات عديدة في هذا السياق، يتمثل أولها في استمرار محاولاتها تهريب أسلحة لحركة الحوثيين والتي كشفت عنها أطراف دولية وإقليمية عديدة، ويتعلق ثانيها باستخدام وسائل إعلامها سواء للتأثير في تطورات الأزمة، أو لدعم دورها فيها، وهو ما يبدو جليًا في تناولها للمفاوضات التي تجري بين وفد الحكومة اليمنية الشرعية وحركة الحوثيين وحلفائها في الكويت بداية من 21 أبريل 2016، حيث ركزت في هذا السياق على التداعيات المحتملة التي يمكن أن تفرضها تلك المفاوضات على حالة الاستقرار السياسي والأمني في اليمن.

اتجاهان رئيسيان:

     يمكن القول إن الإعلام الإيراني انقسم إلى اتجاهين رئيسيين في تناوله للمفاوضات: الأول، يمثله الإعلام الرسمي الذي تعبر عنه بدرجة كبيرة وكالات الأنباء الإيرانية مثل 'مهر' و'إرنا'، ويتحدث عن المزاعم التي تروجها إيران والتي تشير من خلالها إلى دعمها لمفاوضات الكويت من أجل تسوية الأزمة اليمنية، وهو ما لا يتوافق مع المعطيات الموجودة على الأرض، التي تكشف أن إيران تسعى إلى عرقلة المفاوضات ووضع عقبات أمام الجهود التي تبذلها أطراف عديدة من أجل الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة.

      وفي هذا الإطار، احتل خبر: 'عبد اللهيان: إيران تدعم المفاوضات السياسية اليمنية في الكويت' صدارة مواقع تلك الوكالات، والذي أشار فيه مساعد وزير الخارجية الإيراني للشئون العربية والإفريقية حسين أمير عبد اللهيان إلى أن 'طهران تدعم المفاوضات السياسية بين الأطراف اليمنية في الكويت للوصول إلى اتفاق سياسي'.

      في حين تمثل وسائل الإعلام الإيرانية الأخرى الاتجاه الثاني، الذي يلقي الضوء على الخلافات القائمة بين أطراف التفاوض، والتي تفرض، في رؤيتها، عقبات عديدة أمام الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة.

      وبالطبع، فإن هذين الاتجاهين يتعمدان بشكل واضح تجاهل المحاولات العديدة التي تبذلها إيران لتهريب أسلحة إلى الحوثيين، والتي كشفت عنها قوات التحالف العربي وبعض الأطراف الدولية، وعدم التركيز على بعض التقارير الدولية التي تدين إيران في هذا السياق، على غرار التقرير الذي أعده خبراء من منظمة الأمم المتحدة في مايو 2015، والذي أشار إلى أن إيران تقدم أسلحة إلى الحوثيين منذ عام 2009 على الأقل ورصد بعض الأدلة التي تثبت ذلك.

 ملاحظات أساسية:

    يمكن طرح مجموعة من الملاحظات الأساسية الخاصة بتعامل وسائل الإعلام الإيرانية مع المفاوضات التي تجري في الكويت الخاصة بالأزمة اليمنية. الأولى، التركيز على ما يسمى بـ'الجهود الإيرانية الحثيثة' – حسب تعبيرات وسائل الإعلام الإيرانية – من أجل تقدم الدعم للشعب اليمني، حيث تصدرت أخبار مثل 'عبد اللهيان يجري مباحثات مع ممثلي بوتين ومون بشأن المساعدات لليمن' المواقع الإخبارية الإيرانية الناطقة بالعربية، مثل 'راديو عربي إيران'، وصحيفة 'الوفاق'، وقناة 'العالم'، وهو ما يتناقض مع الإجراءات التي تتخذها إيران، والتي تساهم في عدم الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة وعرقلة الجهود المبذولة في هذا السياق، بشكل دفع اتجاهات عديدة إلى مهاجمة السياسة الإعلامية التي تتبناها إيران، باعتبار أنها لا تعكس سياستها الحقيقية وأدوارها السلبية في الأزمات الإقليمية المختلفة، وأنها تعبر بشكل واضح عن 'الازدواجية' التي تتسم بها تفاعلات إيران باستمرار مع التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.

     والثانية، توجيه انتقادات مستمرة للمبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد بعدم الحيادية في تعامله مع التطورات السياسية أو الميدانية في اليمن، خاصة فيما يتعلق بتركيزه على الانتهاكات المتكررة للهدنة التي ترتكبها حركة الحوثيين وحلفائها.
     والثالثة، التأكيد علي أن الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة اليمنية يواجه عقبات عديدة لا تبدو هينة في الفترة الحالية رغم الدعم الإقليمي والدولي الذي حظيت به المفاوضات التي تجري في الكويت، لاسيما وأن الدول الغربية غير جادة- في رؤية وسائل الإعلام الإيرانية- في بذل جهود من أجل الوصول إلى تلك التسوية.

     والرابعة، الاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي وآراء الناشطين بهدف بلورة أفكار ورسائل وسائل الاعلام الإيرانية عن الأزمة، حيث طرح برنامج 'تواصل' على قناة 'العالم' الإيرانية، في 9 مايو 2016، سؤالا مفاده: ما هى أسباب دخول القوات الأمريكية إلى اليمن من وجهة نظر رواد 'فيس بوك'، وعرض البرنامج وجهات نظر النشطاء على موقع التواصل الاجتماعي 'فيس بوك'، وبدت الآراء التي عرضها البرنامج وكأنها منصبة حول فكرة رئيسية، وهى أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تتدخل عسكريًا في الأزمة اليمنية من أجل فرض مزيد من الضغوط على وفد حركة الحوثيين وحلفائها بهدف قبول مطالب الحكومة في المفاوضات.
 
     والخامسة، توجيه انتقادات مستمرة للمادة الإعلامية التي تبثها وتنشرها وسائل الإعلام العربية بشكل عام خاصة فيما يتعلق بالنتائج التي تحققها العمليات العسكرية التي تشنها قوات التحالف العربي بهدف استعادة الشرعية الدستورية في اليمن.

     وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول في النهاية إن إيران تبذل جهودًا حثيثة من أجل إضعاف احتمالات وصول المفاوضات اليمنية في الكويت إلى نتائج إيجابية، باعتبار أن ذلك لا يتوافق مع مصالح إيران ومساعيها إلى دعم دورها الإقليمي السلبي وتدخلاتها المستمرة في الأزمات الإقليمية المختلفة والتي فرضت تداعيات سلبية عديدة لا تبدو هينة، ومن هنا كان حرصها على تبني استراتيجية إعلامية مزدوجة ركزت من البداية على توجيه انتقادات للجهود التي تبذلها أطراف عديدة للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة اليمنية. 

المصدر:المركز الاقليمي للسياسات الاستراتيجية.

موقع الخدمات البحثية