مواد أخرى » دلالات امتلاك الإرهابيين لصواريخ محمولة في الشرق الأوسط

انطوت الموجة الإرهابية الجديدة بمنطقة الشرق الأوسط على تحولات جوهرية في طبيعة الفاعلين الإرهابيين وأهدافهم، فالأمر لم يعد قاصرًا على خلايا إرهابية داخل الدولة بمنظومة تسليحية محدودة. فقد أفضت سياقات ما بعد الثورات العربية إلى حالة من الفوضى الإقليمية كان من أبرز ملامحها تراجع فكرة الدولة في مخيلة الكثيرين، وتعرض عدد من دول المنطقة -مثل ليبيا وسوريا والعراق- إلى ضعف وتفكك للسلطة وتغيبها عن مناطق معينة داخل حدود الدولة.

وقد كان لهذا التغيب مردود إيجابي على التنظيمات الإرهابية، فهي من جهة استثمرت سقوط الأنظمة الحاكمة والفوضى الأمنية للحصول على ترسانة هائلة من الأسلحة تضمنت منظومات تسليحية أكثر تعقيدًا، ومن جهة أخرى، ساهمت أزمات الدولة الوطنية في تعزيز طموحات التنظيمات الإرهابية بتأسيس دولتها المنشودة، ومن ثم وجدنا تنظيم الدولة الإسلامية 'داعش' يعلن عن تكوين الخلافة الإسلامية، ليتحول التنظيم إلى دولة تتحكم في أراضٍ، ولها موارد تمويلية تنفق من خلالها على تقوية منظومتها التسليحية.

فوضى تهريب الأسلحة:

أفضت الحروب والثورات التي قامت بالمنطقة على مدار السنوات الماضية إلى تفكك عدد من الجيوش النظامية، واستيلاء شبكات التهريب على أسلحة الحكومات لتصبح هذه الشبكات في حد ذاتها مصدرًا لتجارة الأسلحة بعيدًا عن سلطة ورقابة الدولة. وعادة ما تُذكر الحرب الأمريكية على العراق في 2003 للتدليل على هذا الأمر، فقد أسقطت القوات الأمريكية نظام صدام حسين، وفككت معه الدولة لتصبح مستودعات الأسلحة متاحة للتنظيمات المختلفة، علاوة على تورط بعض الجنود وعناصر الأمن التابعين للدولة في عمليات لبيع الأسلحة والذخائر بعد سقوط النظام. 

وشكلت ثورات الربيع العربي محفزًا جديدًا لهذا النمط من التجارة، وبدت معها ليبيا محورًا هامًّا لتجارة السلاح بالمنطقة، فقد استولت التنظيمات على مستودعات الأسلحة الخاصة بنظام القذافي، إذ خلف القذافي وراءه مخازن مليئة بالذخائر بأصناف مختلفة وأسلحة متنوعة، ويقدر البعض هذه المخازن بـنحو 87 مخزنًا دُمر منها 21 مخزنًا أثناء الثورة، وتتفاوت التقديرات أيضًا في تعداد الأسلحة إذ إنها تتراوح بين 20 و30 مليون قطعة سلاح. وبالطبع أصبحت هذه الأسلحة الهائلة بمثابة مخزون رئيسي للتنظيمات والميليشيات المختلفة، لا سيما مع بزوغ شبكات معقدة لتهريب الأسلحة إلى فاعلين بدول الجوار، حيث ارتبط الطلب على الأسلحة طرديًّا ببزوغ الحركات الراديكالية بالمنطقة التي سعت إلى الحصول على أسلحة متنوعة تكفل لها مجابهة سلطة الدولة.

انتشار الصواريخ المحمولة:

سرعان ما اكتسبت أنظمة الصواريخ المحمولة أهمية مركزية لدى التنظيمات الإرهابية، حيث أفاد تقرير صادر عن الأمم المتحدة في مارس 2014 بأنه 'يجري تهريب الصواريخ المضادة للطائرات التي تُحمل على الكتف من ليبيا إلى تشاد ومالي وتونس ولبنان وربما إلى جمهورية إفريقيا الوسطى، كما أن محاولات جرت لإرسالها إلى جماعات مسلحة داخل سوريا'، واتساقًا مع تلك الروايات بدت عملية الاستحواذ على أنظمة الصواريخ المحمولة موزعة على نطاق جغرافي واسع بالإقليم، ففي ليبيا تمتلك التنظيمات الإرهابية على غرار تنظيم الدولة الإسلامية أنظمة دفاع جوي محمولة من طراز (9K32 Strela) الروسية المنشأ، بالإضافة إلى الصواريخ المحمولة المضادة للدبابات.

ومثلت ليبيا المزود الأهم لأنظمة الصواريخ للتنظيمات الراديكالية بدول الجوار، ومنها تونس التي شهدت عمليات تهريب لأنظمة صواريخ محمولة من ليبيا، ولعل المثال الأبرز على ذلك في يناير 2013 حينما ضبطت السلطات التونسية في مدينة مدنين شحنة صواريخ من طراز ستريلا -2م وتبين أنها كانت مهربة من ليبيا. كما ذكرت الحكومة الجزائرية أنها ضبطت منذ سقوط نظام القذافي عشرات منظومات الدفاع الجوي المحمولة أثناء محاولات تهريبها من ليبيا، وفي مارس 2016 أعلنت وزارة الدفاع الوطني الجزائرية عن اكتشاف أنظمة صواريخ ستينجر المحمولة المضادة للطائرات، وقاذفات صواريخ آر بي جي وذلك أثناء العملية التي أدت إلى القضاء على ثلاثة عناصر إرهابية بولاية الوادي.

وعلى غرار التنظيمات الإرهابية المتواجدة في دول شمال إفريقيا، سعى تنظيم أنصار بيت المقدس النشط في شبه جزيرة سيناء المصرية إلى الحصول على أنظمة صواريخ محمولة، وقد ظهر هذا الاتجاه بشكل واضح منذ عام 2011 حينما ضبطت السلطات المصرية شحنة من صواريخ إيجلا -1 في سبتمبر 2011 بالقرب من الإسماعيلية. 

بالانتقال إلى حالة تنظيم داعش في سوريا والعراق، يبدو أننا إزاء منظومة تسليح أكثر تعقيدًا، فقد تمكن التنظيم من الاستيلاء على الكثير من الأسلحة العراقية بعد هزيمته للجيش العراقي ليكتسب بذلك العديد من المزايا العسكرية، فالتنظيم وفقًا لعدد من التقارير يمتلك أنظمة دفاع صاروخي محمولة متعددة، ومنها نظام الدفاع الصاروخي المحمول الأمريكي الصنع رايثون إف آي إم 92 ستينجر Raytheon FIM-92 Stinger، وهو من الأنظمة ذات الفعالية الكبيرة، ناهيك عن كونه من الأسلحة المتعارف عليها لدى الكثيرين ممن شاركوا في الحرب الأفغانية ضد القوات السوفيتية. وكذلك أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات ستريلا -2، وأنظمة إف إن -6 (FN-6) صينية الصنع التي يصل مداها إلى نحو 6000 متر. بالإضافة إلى ذلك، تتضمن المنظومة التسليحية لداعش قذائف الصواريخ آر بي جي 7، وقاذفة الصواريخ المضادة للدبابات إم 79 أوسا M79 osa. 

دلالات وتهديدات :

يرتبط الطلب المتنامي من جانب التنظيمات الإرهابية على أنظمة الصواريخ المحمولة بتداعيات خطيرة على الأمن الإقليمي، لا سيما مع الأزمات التي تمر بها الدولة الوطنية بالمنطقة، وتآكل سيادتها بصورة دفعت الفاعل الإرهابي إلى طرح نفسه كخيار بديل.

وفي هذا السياق، يُمكن الإشارة إلى عدد من الدلالات المتصلة بامتلاك التنظيمات الإرهابية لأنظمة الصواريخ المحمولة، وهي على النحو التالي:

أولا- يكرس انتشار أنظمة الصواريخ المحمولة بالمنطقة لما يعرف باسم 'الحروب الهجين'، والتي تتسم بسعي التنظيمات الإرهابية إلى الاستعاضة عن تكتيكات حرب العصابات المنفردة في القتال والمواجهة مع الجيوش النظامية، بتكتيكات أخرى تمزج بين حرب العصابات، وامتلاك قدرات تقليدية، وأسلحة تشبه تلك التي كانت تعد حكرًا على الجيوش النظامية، ومن ضمنها الصواريخ المحمولة على الكتف.

مثل هذا التكتيك العسكري نجده بشكل رئيسي في تنظيم داعش، فالتنظيم يستخدم استراتيجية عسكرية تجمع بين الأساليب الإرهابية التقليدية (كالسيارات المفخخة، والانتحاريين، والعبوات الناسفة)، وأساليب حرب العصابات (مثل الكمائن، والاغتيالات)، بالإضافة إلى أنماط الحرب النظامية عبر استخدام أسلحة معقدة مثل الصواريخ المحمولة المضادة للطائرات والدبابات. 

ثانيًا- تحقق أنظمة الصواريخ المحمولة للتنظيمات الإرهابية عددًا من المزايا العسكرية، فهي من جهة تتسم بسهولة الاستخدام وخفة الوزن بصورة تيسر عملية استخدامها الفردي، فهذه الأنظمة التسليحية تصلح لأنماط الحروب اللا متماثلة القائمة على تبادل إطلاق النار والانطلاق (أو الاختفاء) بسرعة shoot and scoot، وهذه الفكرة تتجلى بوضوح في منظومات الدفاع الجوي المحمولة، حيث إن الصاروخ يوجه نفسه ذاتيًّا إلى هدفه بعد إطلاقه. علاوة على ذلك، فإنه بمجرد أن يترك الصاروخ ماسورة الإطلاق، يمكن للمهاجم إعادة تعبئة الذخيرة بشكل فوري، وإطلاق صاروخ ثانٍ وإصابة الهدف، أو مغادرة موقع الهجوم سريعًا، مما يقلل من احتمالات اكتشافه. ومن جهة أخرى، تسمح هذه الأنظمة للتنظيمات الإرهابية بالتعويض الجزئي للفارق العددي بينها وبين الجيوش النظامية، فهذه الأسلحة تؤدي إلى خسائر مضاعفة في الجيوش النظامية، وتقلل من الخسائر البشرية في صفوف التنظيم الإرهابي، فضلا عن التقييد من حرية الطائرات العسكرية للجيوش، إذ إن أنظمة الدفاع الجوي المحمولة تدفع هذه الطائرات إلى تجنب الطيران على مسافات منخفضة.

ثالثًا- يساعد الاعتماد على أنظمة الصواريخ المحمولة في الإبقاء على الدويلات الإرهابية بالمنطقة لفترة زمنية أطول، لا سيما مع التأثير السلبي الذي تُحدثه هذه الصواريخ على الدول وجيوشها النظامية، وهو الأمر الذي تُظهره العمليات التي نفذتها التنظيمات الراديكالية خلال السنوات الماضية، فقد تحدثت الكثير من التقارير عن إسقاط تنظيم داعش لطائرات عراقية باستخدام الصواريخ المحمولة، ناهيك عن تدمير العديد من الدبابات والمدرعات باستخدام صواريخ الآر بي جي. وفي شهر ديسمبر 2014 تمكن التنظيم من إسقاط طائرة أردنية عبر صاروخ محمول، وتم أسر قائد الطائرة معاذ الكساسبة الذي تم إحراقه فيما بعد من جانب التنظيم.

وتكررت عمليات إسقاط الطائرات السورية من جانب التنظيمات الراديكالية، وكان آخرها في شهري مارس وإبريل 2016، ففي مارس الماضي (2016) تم إسقاط طائرة ميج 21 عن طريق قاذفة صواريخ محمولة في غرب محافظة حماة، وهي من المناطق التي يتمركز فيها كل من تنظيم داعش وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، وفي شهر إبريل تم إسقاط طائرة للجيش السوري في منطقة العيس التي تخضع لسيطرة جبهة النصرة.

وامتد هذا النمط من العمليات إلى دول عربية أخرى مثل مصر حينما أعلن تنظيم أنصار بيت المقدس عن إسقاط مروحية مصرية، ومقتل خمسة جنود في يناير 2014 بسيناء عن طريق منظومة دفاع جوي محمول من طراز إيجلا، كما كانت صواريخ الآر بي جي المحمولة من الأسلحة الحاضرة بشكل رئيسي في الهجوم الذي نفذه التنظيم بكرم القواديس في أكتوبر 2014. 

مثل هذه العمليات تشكل عوامل ضغط على دول المنطقة، خاصة مع الترويج الإعلامي لها من جانب التنظيمات الإرهابية، ومن ثم توظيفها في استقطاب المزيد من العناصر الراديكالية التي ترى في مثل هذه العمليات مكاسب عسكرية تعزز من فرص استمرار التنظيمات الإرهابية. 

رابعًا- يفضي انتشار الصواريخ المحمولة بين التنظيمات الإرهابية إلى ما يمكن أن نطلق عليه 'سباق تسلح' بين التنظيمين الرئيسيين بالمنطقة (القاعدة وداعش) بحيث يندفع كل تنظيم إلى تطوير ترسانته العسكرية بوتيرة متسارعة كمحاولة لتعزيز شرعيته، واكتساب المزيد من المؤيدين. وهكذا يحرص كل تنظيم على امتلاك أحدث أنظمة الصواريخ المحمولة. وهذا الأمر يعني تدعيم 'التحالفات اللا متماثلة' بين التنظيمات الإرهابية وشبكات تهريب الأسلحة بالمنطقة كضمانة لتدفق دائم للأسلحة المتطورة. وبالطبع سيكون لهذه الأبعاد انعكاسات كارثية على دول المنطقة قد تحتاج لسنوات كي تتعافى منها.

محمد بسيوني عبد الحليم

المصدر:المركز الاستراتيجي للدراسات الاقليمية

 

 

موقع الخدمات البحثية