مواد أخرى » مقابلة مع خبير أجنبي: هل يُسهم اتفاق وقف إطلاق النار في حل الأزمة السورية؟

يقول نوا بونسي، محلل أول في الشئون السورية لدى مجموعة الأزمات الدولية، في حوار أجراه معه زكاري لاوب، الكاتب والمحرر بالموقع الإلكتروني لمجلس العلاقات الخارجية، إن إعلان وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، ووزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف عن اتفاق لتقديم المعونة الإنسانية الفورية للمناطق المحاصرة في سوريا، وعن وقف للأعمال العدائية، صِيغَ بعبارات تجعل الآمال في التوصل إلى وقف لإطلاق النار على المستوى الوطني سابقة لأوانها على الأرجح. ويرى نوا في حواره أن المجهود الرامي إلى التفاوض بشأن عملية انتقالية سياسية قد يواصل تعثّره؛ لأن القوات الموالية للأسد تُحرز تقدمًا في حملتها العسكرية.

تاليًا نص الحوار:

ما الأوضاع التي طرأت على ساحة المعركة فتسببت في حالة شبه الحصار التي ترزح تحتها مدينة حلب؟

هناك ركيزتان غير سوريتَيْن في هذه الحملة العسكرية (هما: الضربات الجوية الروسية، والمقاتلون الأجانب الذين يسّرت إيران مجيئهم إلى سوريا) هما اللتان رجحتا كفة النظام السوري على مدى الأسابيع الماضية؛ لأن النظام يعاني من مشكلة مستعصية هي نقص القوة البشرية نظرًا لارتفاع معدل الاستنزاف الذي تعرض له بشدة، ولا يستطيع إحلال القوة البشرية التي يخسرها بمقاتلين سوريين على قدر مساوٍ من الفعالية، ومن ثمّ فهو يعتمد بشكل متزايد على الحلفاء الأجانب لمساعدته في تعويض هذا النقص المتنامي.

ويقدم الروسيون العون بشن ضربات جوية مكثفة للغاية، وقد بدأ الأثر التراكمي للتدخل الجوي الروسي الذي بدأ في 30 سبتمبر وتم تصعيده تدريجيًّا على مر الوقت يُلحق أضرارًا داخل صفوف المتمردين، كما صعّد الروسيون ضرباتهم الجوية تصعيدًا حادًّا بالتزامن مع الوقت الذي كان يُفترض أن تبدأ فيه محادثات السلام في جنيف (في أوائل فبراير).

ويقدم الإيرانيون العون بتوفير مقاتلين على الأرض، سواء من ميليشيات أجنبية أو مقاتلين شيعة يصلون إلى هناك بتسهيل من إيران. وكثير من هؤلاء المقاتلين عراقيون، وكثير منهم لاجئون أفغان جاءوا من إيران، ويسّر وصولهم إلى سوريا الحرس الثوري الإيراني. كما يلعب أفراد الحرس الثوري أيضًا دورًا على الأرض.

هل تجسد عمليات الحصار هذه إستراتيجية نظام الأسد؟

تستند إستراتيجية النظام العسكرية التي يؤيدها داعموه ويعتنقونها على نحو متزايد بقوة إلى العقاب الجماعي، وهو شيء له أهمية خاصة نظرًا لما يعانيه النظام من نقص في القوة البشرية. وهذا أحد الأسباب التي تجعلنا نرى مثل هذا الاستخدام المكثف للقصف الذي لا يميز بين أهدافه، إلى درجة أنه يستهدف عمدًا المناطق التي يسكنها مدنيون والبنية التحتية المدنية. وهذا هو أيضًا السبب في أننا نرى تكتيكات الحصار هذه التي تصل في بعض المناطق التي يسيطر عليها المتمردون إلى حد التجويع.

وفيما يرحل المدنيون عن المناطق، يسهل تقدم النظام إليها والاستيلاء عليها. كما يتم استعمال هذه التكتيكات أيضًا كوسيلة لزيادة ثمن المقاومة الذي تتكبّده المجتمعات المحلية ككل، ومن ثم تضغط هذه المجتمعات المحلية على المقاتلين الموجودين في نطاقها لقبول ما يعرضه عليها النظام كشروط لوقف إطلاق النار، وليس هذا فحسب، بل أيضًا لقبول الاستسلام الفعلي.

جاء اجتماع 11 فبراير للمجموعة الدولية لدعم سوريا فيما كان يبدو أن محادثات السلام الناشئة في فيينا وصلت إلى طريق مسدود، فإلى أين وصلت هذه الجهود الرامية إلى التوصل إلى عملية انتقال سياسي؟

تستند العملية السياسية إلى افتراض الرعاية الأمريكية الروسية التي تكون فيها الولايات المتحدة بمثابة رأس الحربة، فتحشد المعارضة وداعميها للمشاركة في عملية تفاوضية جادة، فيما تقوم روسيا بالدور ذاته على جانب النظام السوري. والسبب في أن الجولة الراهنة من العملية السياسية محاطة بمثل هذه الشكوك هو أنه على الرغم من الحماس -الذي يصل إلى حد الاستماتة- الذي تبدو عليه الولايات المتحدة لإطلاق عجلة نوع ما من العملية السياسية، تبدو روسيا أقل اهتمامًا بكثير بإنجاح العملية في هذه المرحلة. وكان قرار روسيا بتصعيد هجماتها الجوية على حلب -التي تضم مناطق ذات كثافة سكانية عالية من المدنيين- تصعيدًا حادًّا في ذات اليوم الذي وصل فيه وفد المعارضة إلى جنيف للمشاركة في المحادثات، أحدث حلقة في سلسلة من المؤشرات التي تنم عن أن روسيا يُسعدها أن ترى هذه العملية السياسية تتعطل أو ربما حتى تنحرف عن مسارها.

يساعد التدخل العسكري الروسي على تحقيق مكاسب كبيرة على أيدي النظام وحلفائه الذين يضمون الكثير من القوات الأجنبية. وتعتبر وتيرة هذه المكاسب مرتفعة نسبيًّا الآن، وبالتالي فقد يرى الروسيون أن مصلحتهم تكمن في المضي قدمًا على الصعيد العسكري طالما أنهم قادرون على إحراز تقدم، بدلا من الشروع الآن في عملية تفاوض ستستلزم في النهاية تقديم تنازلات.

هل يُتيح إعلان المجموعة الدولية لدعم سوريا احتمالا حقيقيًّا لإغاثة المدنيين؟

يعطي الاتفاق بارقة أمل، للوهلة الأولى على الأقل. فعلى النقيض من اتفاقيات المجموعة الدولية لدعم سوريا السابقة، يشتمل هذا الاتفاق على خطوات أوضح وذات طابع عملي أكبر من شأنها أن تنقذ الأرواح، وتتيح وسيلة لقياس الالتزام بهذه العملية بين الدول الداعمة على كلا الجانبين، وكذلك قدرة هذه الدول الداعمة على إقناع الطرف السوري الحليف لها بالتصرف بناء على ذلك.

يدعو بيان ميونخ صراحة إلى تقديم المعونات فورًا وبشكل مستديم إلى المناطق المحاصرة. وكانت روسيا قد وافقت فيما سبق من حيث المبدأ على ضرورة تقديم هذه المعونات، بما في ذلك موافقتها التي جاءت في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي صادق على أساس محادثات جنيف، لكن النظام السوري واصل عرقلة وصول المعونات إلى المناطق التي يحاصرها، ولم تُبد روسيا أي ميل إلى الضغط على دمشق لتغيير سياستها هذه. وكل ما نأمله الآن هو أن تتحرك روسيا أخيرًا لضمان امتثال النظام السوري. ولو لم تفعل ذلك، فسيوحي هذا بأن موسكو إما غير راغبة وإما غير قادرة على التصرف كشريك جادٍّ في هذه المرحلة الزمنية.

كما يدعو بيان ميونخ أيضًا إلى البدء في تطبيق وقف للأعمال العدائية في غضون أسبوع، وهذا شيء إيجابي من الناحية النظرية، لكن شروط الاتفاق قد تُفرغه من معناه على أرض الواقع. ويسمح هذا الاتفاق، شأنه شأن اتفاقيات المجموعة الدولية لدعم سوريا السابقة، باستمرار العمليات العسكرية التي تستهدف تنظيمي 'داعش' و'جبهة النصرة'، وكلٌّ منهما يصنفه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كجماعة إرهابية.

وينطوي هذا على إشكالية لسببيْن، أولا: كثيرًا ما تزعم روسيا والنظام السوري أنهما يضربان 'داعش' أو 'جبهة النصرة' بينهما هما في الحقيقة يستهدفان الجماعات المعتدلة التي تشارك في العملية السياسية. ثانيًا: تمارس 'جبهة النصرة' عملياتها بالقرب من الجماعات المعتدلة في بعض أجزاء سوريا، وبالتالي يمكنها بسهولة أن تفسد أي وقف للأعمال العدائية بمواصلتها عملياتها الهجومية. كما قلتُ سابقًا، فإن أي وقف مجدٍ للأعمال العدائية سيتطلب توافقًا كافيًا على دعمه فيما بين المعتدلين لردع 'جبهة النصرة' عن مواصلة هجماتها. كما يتطلب أيضًا التزامًا من جانب موسكو لمنع القوات الروسية وقوات النظام والقوات الحليفة من المبادرة بشن هجمات على مواقع 'جبهة النصرة' في المواقع التي تُوجد بها فصائل متمردة تُشارك في هذه الهدنة. ومن دون هذا، فإن أي وقف للأعمال العدائية يبدو مجديًا على الورق لن يحقق الكثير على الأرض.

هل للمعركة الدائرة للاستيلاء على حلب عواقب على مسار الحرب عمومًا؟

نشرت مجموعة الأزمات الدولية' في عام 2014 تقريرًا جاء في بدايته ما يلي: 'أينما ذهبت حلب ذهب المتمردون السوريون'. يقع مركز ثقل العناصر غير الجهادية المكونة للمعارضة السورية المسلحة (تلك العناصر المدعومة من الولايات المتحدة وتركيا والمملكة العربية السعودية وبعض الدول الأخرى في المنطقة) في حلب وما حولها. فهذا هو المكان الذي يضم أقوى الجماعات، كما أنه على الصعيد الإستراتيجي أهم جزء في شمال سوريا.

ومنذ سنتين وهذه الجماعات في وضع متزعزع، حيث توجد إلى شرقها قوات 'داعش' المعادية التي ظلت تسعى إلى تحقيق مكاسب على الأرض التي يسيطر عليها المتمردون في المناطق الريفية الواقعة شمال حلب، كما ظل النظام السوري يهدد بفعل الشيء نفسه انطلاقًا من داخل المدينة ومن مشارفها، وإلى الغرب منها توجد قوات وحدات حماية الشعب الكردية التي كثيرًا ما دخلت معها في صدام.

وتمكنت القوة الجوية الروسية وتدفق المقاتلين الأجانب الموالين للنظام الذين يسّرت وصولهم إيران من شن حملة قوية لإلحاق هزيمة بالمعارضة غير الجهادية في هذا الجزء المهم من سوريا. وربما يتلقى هؤلاء مساعدة بطريق غير مباشر من المحاولات القريبة التي تبذلها وحدات حماية الشعب الكردية للاستفادة من الوضع الراهن والتقدم من الغرب، وتنظيم 'داعش' الذي يمكن أن نتوقع أن يستغل هذه الأحداث من جهة الشرق. بإمكان هذه التوليفة أن توجه للمعارضة ضربة تصيبها بالشلل في هذا الجزء من البلد، وهو ما سيثير الشكوك في جدوى المعارضة غير الجهادية ككل. وفيما تتعرض تلك الجماعات للهزيمة، يمكنك أن تتوقع من الجماعات الجهادية، كـ'جبهة النصرة' بل و'داعش' أن تسعى لكسب المجندين.

تُساعد الدول الداعمة للنظام السوري النظام على التقدم في الاتجاه الذي ظل يهدف إليه منذ بعض الوقت؛ ألا وهو إلحاق الهزيمة بالمعارضة غير الجهادية المدعومة من دول أخرى بحيث تصير الحرب ثنائية، أي بين النظام والجماعات الجهادية السلفية. ولا ينطوي ذلك السيناريو -وهو على ما يبدو ما تتجه إليه دفة الأمور- على آفاق حل سياسي، لأن الجماعات الجهادية والنظام لن يتوصلا إلى حل من هذا القبيل. وعندئذ سيلتمس النظام السوري عناصر أخرى من المجتمع الدولي لكي تهب لنجدته. وفي غضون ذلك ستظل الجماعات الجهادية على قوتها، فتشن حربًا غير نمطية طويلة الأجل ضد قوات النظام. وهذا أسوأ سيناريو يمكن أن نتوقعه، وهو سيناريو يصعب فيه أن نتخيل كيف ستهدأ وتيرة هذه الحرب، ناهيك عن أن تنتهي.

تعرضت تركيا لضغط من الأمم المتحدة وغيرها للسماح بدخول لاجئي حلب المتكدسين على حدودها في الأسبوع ذاته الذي جاءت فيه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى أنقرة للضغط من أجل الحد من تدفق اللاجئين إلى أوروبا، فكيف تتعامل تركيا مع هذه الضغوط المتعارضة؟

لقد بدأ يتبين للأتراك أنه من غير المجدي سياسيًّا واقتصاديًّا أن يتحمل البلد عبء استقبال أعداد متزايدة من اللاجئين. ويسعى كثير من هؤلاء اللاجئين إلى الذهاب إلى أوروبا. وقد جرت مفاوضات معقدة بين تركيا وأوروبا حول كيفية التعامل مع هذه المسألة. وهذا يساعد في تفسير إحجام تركيا عن فتح حدودها.

كما أن تركيا لديها أيضًا هدف قديم، وهو السعي إلى إقامة ما تسميه 'منطقة آمنة' على امتداد حدودها. فمنذ سنوات الآن وهي تلتمس من الولايات المتحدة مساعدتها في تحقيق ذلك بإقامة منطقة لحظر الطيران، على الأقل فوق الشريط الحدودي الضيق. ومع تزايد أعداد اللاجئين المحتشدين على الحدود، ترى تركيا أن من مصلحتها أن تُبقي على الحدود مغلقة؛ حيث إنها تسعى إلى الحد من حدوث تدفقات لاجئين كبيرة إلى الداخل، والتأصيل لسابقة من نوعها وهي إسكان اللاجئين على امتداد الحدود في المنطقة التي ترجو أن تتحول إلى منطقة آمنة.

ما الذي ستستلزمه مثل هذه المنطقة الآمنة إذا أخذنا في اعتبارنا مضاعفات وجود الطائرات الروسية في هذا المسرح؟

من بين متطلبات إقامة منطقة آمنة (علمًا أن هذا المصطلح ذاته قد يكون مضللا؛ لأن مدى أمان هذه المنطقة سيكون مطروحًا للنقاش) وضع نهاية للهجمات الجوية التي يشنها النظام السوري وروسيا في هذه المنطقة. ومن المستبعد أن يوافق النظام والروس على ذلك، وبالتالي فسوف يتعين ردع هذه الهجمات الجوية أو منعها بطريقة أخرى، وتركيا لا تقدر على ذلك وحدها، فهي تحتاج إلى القوات الجوية الأمريكية لفرض مثل هذه المنطقة الآمنة إذا كان النظام السوري وروسيا غير مستعدين للموافقة عليها.

يتمثل عامل الزجر في مقدار ما يستثمره الأمريكيون، سياسيًّا وربما عسكريًّا، لردع الهجمات الجوية في تلك المنطقة. وقد سعت الولايات المتحدة إلى تفادي ذلك النوع من التورط حتى قبل أن تبدأ القوات الجوية الروسية في التحليق في سماء شمال سوريا بأكمله. والآن يُمكننا أن نتوقع أن تكون الإدارة الأمريكية أكثر إحجامًا عن النظر في هذا الخيار بعين الجدية.

زكاري لاوب = كاتب ومحرر في مجلس العلاقات الخارجية الاميركي

المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاسراتيجية .

 

موقع الخدمات البحثية