مواد أخرى » دوافع الحذر الإسرائيلي تجاه الجدل حول جزيرتي تيران وصنافير

لم تكن إسرائيل بعيدةً عن الجدل الذي اندلع في القاهرة بعد الإعلان عن اتفاق الحكومتين المصرية والسعودية على 'تحديد' الحدود البحرية بينهما، والذي تضمن إعادة جزيرتي تيران وصنافير إلى السيادة السعودية، فقد نشر موقع صحيفة هآرتس (١١ أبريل 2016) تقريرًا أشار فيه إلى أن إسرائيل قد أُحيطت علمًا قبل أسبوعين من زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى مصر، بنية مصر نقل أو إعادة الجزيرتين إلى السعودية. وذكرت الصحيفة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ناقش القرار المصري، وأشار إلى تعهد كلٍّ من مصر والسعودية بعدم تغيير الوضع القائم في الجزيرتين والممرات البحرية التي تضمهما، والمثبت في اتفاق كامب ديفيد الموقع بين مصر وإسرائيل عام ١٩٧٨، وفي البروتوكول العسكري والأمني بمعاهدة السلام ١٩٧٩.

وبرغم ذلك، قال موقع times of Israel في ١٠ أبريل 2016، إن مكتب رئيس الحكومة سيكلف لجنة خاصة بدراسة الوضع من كافة جوانبه السياسية والأمنية قبل الإعلان عن الموقف الرسمي من الاتفاق السعودي المصري، كما قالت الصحيفة إن الجزيرتين كانتا تحت السيادة السعودية حتى عام ١٩٥٠، وأن ما يهم إسرائيل هو ضمان حرية الملاحة ومصالحها الأمنية في المنطقة.

أبعاد غير منظورة:

مع ما أبدته إسرائيل من حذر في تناول القضية، بامتناعها عن التصريح بموقف رسمي منها، ومع تشكيل لجنة حكومية لدراسة الوضع وتقديم تقرير للحكومة دون تحديد موعد، ومع التأكيد على تعهد السعودية بالحفاظ على وضع الجزيرتين منزوعتي السلاح ولا تتواجد بهما سوى القوات المتعددة الجنسيات - فإن هذا يُعد أمرًا كافيًا لإسرائيل حتى هذه اللحظة، وأن ذلك لن يرتب أي تعديلات على اتفاقية السلام مع مصر، ولن يرتب بالتبعية مناقشة القضية في الكنيست الإسرائيلي، كونه الجهة المنوطة بإجراء التعديلات على الاتفاقيات التي تبرمها تل أبيب مع العالم الخارجي.

مع كل هذه الركائز التي تَصِمُ الموقف الإسرائيلي بالحذر، فثمة شكوك أبدتها بعض التعليقات القليلة من الخبراء الإسرائيليين حول أن هناك أمورًا غامضة تستدعي البحث عما تنوي إسرائيل فعله عندما تظهر موقفها الرسمي. فعلى سبيل المثال، كتبت الصحفية المتخصصة في الشئون المصرية والعربية 'سيمدار بري' في 'يديعوت أحرونوت' في (١٠ أبريل 2016) قائلة: 'في عصر ملوك السعودية السابقين، نجحت إسرائيل التي خافت من أن يشوش ربط بري بين الخليج ومصر عبور القوات والعتاد العسكري، في إحباط إقامة الجسر، كما أقنعت الرئيس المصري السابق حسني مبارك بأن الجسر سيضر بالسياحة. وتعتقد سيمدار بري أن مصر والسعودية ستخرجان رابحتين من اتفاقهما.

 وتساءلت: لماذا تصمت إسرائيل، ولا تقول ماذا سنستفيد أيضًا؟ هل بفضل العلاقات من تحت الطاولة مع القاهرة والرياض اطلعت إسرائيل على سر الجسر؟ ما الذي يفكرون به عندنا عن احتمالات المخاطر؟. وأجابت على تساؤلاتها بالقول: يمكن الافتراض بأنهم في القدس يُصلُّون بأن تبقى الخطط في النهاية مجرد رسم على الورق فقط. قناعة الصحفية بري تفتح الباب للبحث في ماذا يمكن أن تجنيه إسرائيل من الاتفاق، أو على الأقل كيف تفكر في الاستفادة منه مستقبلا؟.

السعودية ومسار التسوية

على فرض أن الخطاب الذي أرسلته السعودية إلى مصر عام ١٩٥٠، وطلبت فيه منها أن تتولى حراسة الجزيرتين بقواتها البحرية، نظرًا لعجز المملكة عن وضع قوات لها فيهما، ومنع مرور إسرائيل في مضيق تيران، وثيقة رسمية يعتد بها في إثبات ملكية السعودية للجزيرتين، فإن احتمال لجوء السعودية لهذا الطلب لم يكن فقط بسبب عدم قدرتها على حماية الجزيرتين، بل أيضًا لأنها لم تشأ أن تكون دولة مواجهة مع إسرائيل مثلها مثل الدول العربية الأربع التي وقعت اتفاق الهدنة مع إسرائيل عام ١٩٤٩ (مصر، الاْردن، لبنان، سوريا) لما يرتبه ذلك من مسئوليات وتبعات لم تكن راغبة في تحملها. وقد استمر هذا الوضع على الأقل حتى توقيع مصر لاتفاق السلام مع إسرائيل عام ١٩٧٩، والذي أنهى عمليًّا حالة الحرب بينهما.

إصرار السعودية على عدم الدخول في الصراع العربي الإسرائيلي كدولة مواجهة مباشرة، قيد حركتها في طلب استرداد الجزيرتين على أكثر من مستوى:

(*) المستوي الأول، أن الجزيرتين ظلّتا جزءًا من مسرح الصراع بين مصر وإسرائيل حتى توقيع اتفاق السلام بينهما عام ١٩٧٩، ولم تكن السعودية تريد أن تستردهما طالما ظلت حالة الحرب قائمة هناك، حتى لا يكون إعلان ملكيتها للجزيرتين أثناء فترة الحروب المتوالية بين إسرائيل ومصر بمثابة تخلٍّ عن دعم جهود مصر العسكرية لاسترداد فلسطين (كشعار معلن) حتى عام ١٩٦٧، أو تخلٍّ مماثل عنها في جهودها لتحرير سيناء لاحقًا وحتى عام ١٩٧٨ على الأقل، ومن جهةٍ أخرى كانت أي محاولة من جانب السعودية لإعلان ملكيتها للجزيرتين أثناء فترة الاحتلال الإسرائيلي لهما (١٩٦٧ - ١٩٨٢) سيحولها إلى دولة مواجهة مباشرة مع إسرائيل، ويتعين عليها حينها إما أن تدخل حربًا لتحريرهما، وإما أن تدخل في مفاوضات مع إسرائيل لتحقيق نفس الهدف.

(*) المستوي الثاني، بافتراض أن السعودية قد علمت أن الجزيرتين ستدخلان ضمن اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، وأن الاتفاقية سترتب وضعًا محددًا لا يمكن تغييره مستقبلا، فإن تدخلها لمنع مصر من التصرف في الجزيرتين كان سيقودها إلى صدام مع الولايات المتحدة الأمريكية الراعية لاتفاق السلام، كما كان سيقود للنتيجة الأولى أيضًا بالتوازي، وهي إدخالها في الصراع مع إسرائيل كدولة مواجهة إذا ما أصرت الأخيرة (أي إسرائيل) على البقاء في الجزيرتين طالما أن السعودية تدعي ملكيتهما مع فصل مصيرهما عن اتفاقية السلام المصرية، ودعوة السعودية للتفاوض معها مباشرة إذا أرادت استرداد الجزيرتين.

المستوي الثالث: برغم تأكيد وزير  الخارجية السعودي عادل الجبير أن بلاده  ستحترم التزامات مصر الواردة في اتفاق السلام بشأن وضع الجزيرتين منزوعتي السلاح، وبهما قوات متعددة الجنسيات، وأن السعودية ليست مضطرة للتحدث إلى إسرائيل في هذا الشأن - إلا أن مجرد رفع العلم السعودي على الجزيرتين مع الإبقاء على وضعهما الملتبس في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية سيُدخل المملكة إلى مسار العلاقات المباشرة مع إسرائيل بصورة أو بأخرى، خاصةً إذا ما أرادت المملكة إقامة مشروعات اقتصادية بحتة عليهما، ومنها جسر الملك سلمان نفسه.

الجزيرتان واحتواء إيران:

في السياق نفسه، تُظهر بعض التعليقات في الصحف الإسرائيلية مؤخرًا أن إسرائيل تعتقد أن التطورات الإقليمية الأخيرة تصب في صالحها من أكثر من زاوية:

أولا: أدى انشغال معظم الدول العربية بالتحديات التي فرضتها التنظيمات الإرهابية عليها، وتدهور الأوضاع الاقتصادية فيها بسبب انخفاض أسعار النفط، إلى تراجع ضغوطها من أجل دفع إسرائيل للعودة إلى مائدة المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، كما تراجع التأييد الشعبي للفلسطينيين في أكثر من بلد عربي وعلى رأسه مصر.

ثانيا: تزايد مخاوف السعودية وبلدان الخليج من التمدد الإيراني في المنطقة العربية، مما يخلق مصلحة مشتركة لهم مع إسرائيل في محاصرة النفوذ الإيراني، وإجباره على التراجع، خاصةً مع ما يظهر من تساهل أمريكي حيال سياسة التدخل الإيراني في الصراع في سوريا واليمن.

ثالثا: استعداد كتلة المعارضة الرئيسية في إسرائيل (المعسكر الصهيوني بقيادة تسيبي ليفني ويتسحاق هرتسوج) للدخول في مفاوضات للانضمام للائتلاف الذي يقوده بنيامين نتانياهو بشرط تجاوب الأخير مع مشروعات التسوية، ومنها المبادرة السعودية المعتمدة من القمة العربية منذ عام ٢٠٠٢ كمشروع للتسوية الشاملة للصراع العربي الإسرائيلي، ويعني ذلك تخفيف الضغوط الأمريكية والأوروبية على إسرائيل لحملها على استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين؛ إذ سيمكِّنها ذلك -في حالة القبول المبدئي بالمبادرة العربية كأساس للتسوية- أن تؤمن تماسكًا سياسيًّا للائتلاف الحاكم في الداخل، كما تتفادى الصدام مع أوروبا والولايات المتحدة.

هذه التطورات يمكن ربطها بقضية الجزيرتين من خلال توقع أن السعودية ستقترب خطوات كبيرة من الدخول كطرف مباشر في الصراع العربي الإسرائيلي بعد أن ترفع علمها عليهما، وإن بقي أن عامل الزمن ليس في صالح هذا التصور، فتمرير الاتفاقية بين مصر والسعودية يواجه صعوبات عديدة، على رأسها محاولات المعارضين للرئيس عبدالفتاح السيسي عرقلته، واتهامه بالتفريط في أراض مصرية على غير الحقيقة التاريخية التي أبرزتها وثائق الحكومة المصرية.

 كما أن إيران بدورها تُدرك أن هذا المسار في حالة نجاحه سيؤدي إلى عزلها إقليميًّا، وتراهن على إبقاء الصراعات في سوريا واليمن والداخل اللبناني لمنع المملكة العربية السعودية من التفرغ لمسار التسوية المؤسس على المبادرة العربية.

وفي كل الأحوال، لن تخسر إسرائيل شيئًا لو تمكنت المعارضة ضد الرئيس السيسي من إجهاض إعادة الجزيرتين إلى السعودية، الأمر الذي سيزيد من الأعباء الاقتصادية والأمنية لكليهما، ويضمن مزيدًا من تقلص اهتمامهما بشئون المنطقة وعلى رأسها الشأن الفلسطيني، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تخفيف الضغوط الأمريكية والأوروبية عليها لحلحلة مسار التسوية المعطل مع الفلسطينيين طالما أنه لم يعد هناك شريك فلسطيني أو عربي في السلام كما تروج الدعاية الإسرائيلية.

سعيد عكاشة

المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية.

موقع الخدمات البحثية