مواد أخرى » بين الفجائية وتأخر رد الفعل: مشكلات الأداء الحكومي المصري في ملف جزيرتي تيران وص

أثار البيان الرسمي لمجلس الوزراء المصري الذي صدر يوم السبت (9 إبريل 2016)، والذي أشار إلى أن جزيرتي تيران وصنافير الموجودتين في البحر الأحمر تقعان في المياه الإقليمية للمملكة العربية السعودية، جدلاً واسعًا في الساحة السياسية المصرية، وذلك بعد يوم من توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع السعودية بحضور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز.

وبينما سعت الحكومةُ في مواجهة هذا الجدل إلى إعلان الوثائق الخاصة بتبعية الجزيرتين للسعودية؛ فإن تيارات معارضة وظفت الحدث سياسيا واعتبرته تنازلا عن أراضٍ مصرية، وسعت إلى تأجيج الرأي العام الشعبي، وهو الأمر الذي يستدعي طرح بعض المشكلات الخاصة بالأداء الحكومي، والتي تُفسر جانبًا من توسع هذا الجدل، بل وتحويله إلى أزمة حول ملف جزيرتي تيران وصنافير.

بدايةً، ترتبط الإدارة الجيّدة للأزمات بعدة محددات وفق ثلاث مراحل، هي: مرحلة الاستعداد قبل الأزمة، ومرحلة الاستجابة للحد من الأضرار خلال الأزمة، وصولا إلى التعامل مع ردود الفعل بعد الأزمة؛ حيث إنه لا بد من وجود آليات واضحة للتواصل يتم من خلالها تمرير الرسائل بين القيادة السياسية وبين الجمهور، وأن يكون ذلك في الوقت المناسب من أجل ألا تكون هناك أزمة ثقة بين الطرفين. وكذلك يرتبط بالإدارة الجيدة للأزمة 'التفاعل الدائم'، وهو أن يكون هناك تفاعل وحضور مستمر، سواء ببيانات أو بتصريحات من أجل مواجهة تدفق المعلومات المغلوطة، وانتشار الشائعات بشكل يُخلّ بالقضية ويؤثر عليها سلبًا، حيث إن هذا التفاعل يضمن عدم خلق أي هُوة بين المواطنين والسلطة القائمة.

الفجائية:

لم يتم عمل أي تمهيد من قبل الحكومة المصرية لقضية نقل الجزيرتين للسيادة السعودية، سواء من خلال الجهات الرسمية المعنية أو من خلال الإعلام الحكومي أو الخاص أو حتى الصحافة، خاصة وأن الاتفاق لم يحدث بشكل مفاجئ، ولكنه جاء تكليلا لجهود طويلة استمرت خلال السنوات الست الماضية، بحسب بيان مجلس الوزراء، وأنه شمل إحدى عشرة جولة لاجتماعات لجنة تعيين الحدود البحرية.

وبالتالي، كان لا بد أن يكون هناك نقاش مجتمعي هو بالضرورة يصبُّ في صالح الدولة المصرية، خاصة وأن مثل تلك القرارات الهامة لا يتم حسمها إلا بعد دراستها بشكل جيد. وربما يكشف فجائية الإعلان المصري عن نقل الجزيرتين للسيادة السعودية عن معضلة في توقع ردود الأفعال داخل الرأي العام المصري، كان يُمكن تلافيها في حالة التمهيد الشعبي لمثل هذا القرار.

التوظيف السياسي:

يرى البعض أن الحكومة لم تُدرك خطورة الظرف السياسي الاستثنائي، خاصةً خلال السنوات الثلاث الأخيرة؛ حيث كان يجب أن يكون أحد الأمور الهامة التي تُحدد الآلية الصحيحة التي يتم بها التعامل مع ملف الجزيرتين، حيث استغل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وبعض المتعاطفين معها مثل ذلك الأمر من أجل محاولة التشكيك في السلطة القائمة، ومحاولة تحقيق أية مكاسب سياسية لها، وهو ما تحول مع الوقت إلى مطالبات بتظاهرات ودعاوى للتخوين، وهي كلها أمور سلبية كان من الممكن تفاديها.

كذلك فإن هناك جانبًا ليس بالضرورة من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أو المتعاطفين معها، لكنه يضم معترضين على الطريقة التي تمّت بها إدارة ملف الجزيرتين، وتحاول جماعة الإخوان المسلمين استغلالها من أجل الدفع بعدم شرعية النظام السياسي القائم، حيث تتعامل الجماعة بمنطق التربُّص بعد أن لفظهم الشعب المصري خارج السلطة.

سوء التوقيت:

جاء الإعلانُ عن نقل الجزيرتين للسيادة السعودية خلال زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز التي وصفت بأنها زيارة تاريخية لمصر، وهو الأمر الذي أثار الكثير من اللغط حول القرار المصري. كان يمكن تأجيل حسم موضوع جزيرتي تيران وصنافير إلى وقت آخر يكون فيه المناخ السياسي أكثر استيعابًا لمثل تلك الأمور الهامة والحيوية، وكذلك من أجل ألا يؤثر مثل ذلك اللغط على النجاح الكبير للزيارة ومكتسباتها الهامة للشعبين المصري والسعودي، حيث إن قضية الجزيرتين ليست قضية ملحة أو عاجلة، ولذا كان من الأفضل تأجيلها إلى وقت آخر يكون المناخ فيه أفضل من الوقت الراهن.

تأخُّر رد الفعل:

يرتبط تأخر رد الفعل الحكومي بمرحلة الاستجابة للأضرار خلال الأزمة، والأضرار هنا مقصود بها التعامل السريع مع رفض البعض للأمر، أو عدم قناعته بصحة الموقف الرسمي المصري المعلن، حيث إن الحكومة قد نشرت وثائق تؤكد صحة موقفها بعد فترة من إعلانها عن قرار وقوع الجزيرتين في المياه الإقليمية السعودية. وقد كان الأولى أن يكون نشر مثل هذه الوثائق أو المستندات التي تثبت صحة التوجُّه الحكومي والرسمي إزاء الأمر متزامنًا مع الإعلان عن اتفاق ترسيم الحدود من أجل ألا يخلق هُوة يتم استغلالها بشكل سيئ ضد الوطن أو رموزه، خاصةً في ظل محاولة البعض استغلال مثل تلك الأمور من أجل توظيفها سياسيًّا ضد مصلحة الوطن، وكذلك كان من الهام استخدام الإعلام من أجل تعريف المواطنين بذلك بشفافية تامة ومكاشفة كاملة.

الشائعات:

إن فارق التوقيت بين الإعلان الرسمي عن كون الجزيرتين تابعتين للسيادة السعودية وبين نشر الوثائق الرسمية التي تؤكد صحة الموقف المصري، شكَّل مناخًا جاذبًا للشائعات وللمعلومات المغلوطة المدفوعة من جانب البعض. 

وقد لعبت مواقع التواصل الاجتماعي الدور الأبرز في ذلك، خاصةً في ظل سرعة نقل المعلومات والبيانات من خلالها، وهو ما خلق حالة سيئة غطَّت بدرجةٍ ما على النتائج الإيجابية الكبيرة للزيارة، سواء فيما يتعلق بما تمَّ إنجازه اقتصاديًّا أو حتى سياسيًّا واستراتيجيًّا.

الإيحاء بالصفقة:

نظرًا إلى أن قضية ترسيم الحدود جاءت في خضم زيارة تضمنت اتفاقيات اقتصادية بين مصر والسعودية، ومنها: إنشاء جسر بري يربط بين البلدين، وهو ما أعطى ذريعة لتيارات المعارضة للتعامل مع إقرار مجلس الوزراء المصري بتبعية الجزيرتين للمملكة العربية السعودية على أنها صفقة اقتصادية، خاصة وأن الاتفاق جاء إثر مشكلات اقتصادية مصرية في الآونة الأخيرة على إثر ارتفاع سعر الدولار وانخفاض قيمة الجنيه المصري.

وختامًا.. يُمكن القول إن ثمة مشكلات في الأداء الحكومي المصري في إدارة قضية جزيرتي تيران وصنافير أسهمت في توفير فرصة للتوظيف السياسي، ومحاولة البعض تمرير معلومات مغلوطة ونشر شائعات، الأمر الذي أسهم في توسيع حالة من الجدل في الرأي العام المصري. فمثل تلك القضايا الشائكة كان ينبغي فيها الاستعداد الجيّد، والتعامل السريع والفعَّال أثناء حدوثها، ومواجهة أي ضرر واقع، وصولا إلى مرحلة مواجهة ردود الأفعال، وكذلك مراعاة الظرف السياسي الراهن سواء داخليًّا أو إقليميًّا.

أحمد عبد العليم

المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية .

موقع الخدمات البحثية