مواد أخرى » استراتيجية داعش للتمدد الأوروبي من تركيا إلى بلجيكا

أثار إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (الأربعاء 24 مارس 2016) أن أحد المشتبه بهم في هجمات بروكسل اعتقل في تركيا عام 2015 وتم ترحيله بعد ذلك إلى بلجيكا بعد تعذر تحديد ارتباطه بالإرهاب تساؤلا حول استراتيجية تنظيم داعش في التمدد الأوروبي انطلاقا من أنقره وإلى قلب أوروبا.

إذ إن هجمات بروكسل التي وقعت الاثنين 22 مارس الجاري وأعلن تنظيم 'داعش' مسئوليته عنها جاءت بعد أيام من هجمات في تركيا (19 مارس الجاري) تبناها أيضا التنظيم، الأمر الذي يجعل خطوط الاتصال محتملة وممكنة بين الهجمات في البلدين.

 كما تطرح الهجمات الأخيرة أيضا استفهامات حول تأثير مثل تلك الأحداث الإرهابية على العلاقات بين دول الاتحاد الأوروبي وتركيا، في ضوء الاتفاق الأخير بينهما حول اللاجئين السوريين، والذي يقضي بوقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا مقابل مساعدات تحصل عليها أنقره للتعامل مع اللاجئين على أراضيها والذي دخل حيز التطبيق في 20 مارس الجاري.

ما بين أنقره وبروكسل 

في هذا الإطار، يربط الخبير الأمريكي جورج فريدمان في تحليل له بعنوان 'بلجيكا وتركيا واستراتيجية الدولة الإسلامية Belgiascii117m, Tascii117rkey and Islamic State&rsqascii117o;s Strategy' ما بين الهجمات التي وقعت في بلجيكا وفي تركيا، مشيرا إلى أن هذه الهجمات أصابت المعاقل الرمزية لاثنين من الأعداء المحتملين لتنظيم 'داعش'، بهدف زعزعة الاستقرار فيهما، وتجنيد عملاء محتملين في كل منهما. 

ويضيف فريدمان في تحليله المنشور على موقع ' Geopolitical Fascii117tascii117res' أن الهجمات وقعت في الدولتين لأن بهما عملاء لـتنظيم 'داعش'. فتركيا دولة مسلمة، والتنظيم قادر على تجنيد الأتراك ونقل عناصر آخرين إلى تركيا إذا لزم الأمر. كما تضم بلجيكا عددًا كبيرًا من السكان المسلمين، ويمكن أن يستهدفهم التنظيم لحشد عملاء جدد وتوظيفهم. لكن بطبيعة الحال، ينطبق هذا أيضًا على كثير من البلدان.

ويربط التحليل بين مكانة الدولتين الرمزيتين في محيطهما. فالتنظيم شن هجمات ضد تركيا باعتبارها مهمة من الناحية الاستراتيجية. فأهمية تركيا واضحة بوصفها قوة عظمى في منطقة الشرق الأوسط. كما كان لديها علاقات قوية نسبيًا مع تنظيم 'داعش'، لكن هذه العلاقات انهارت مؤخرا. وقد هدف التنظيم من شن هجمات إرهابية بتركيا أن يبين لأتباعه أنه قادر على ضرب أي عدو. 

كما يأمل التنظيم – بحسب التحليل- إعطاء دفعة للجهاديين المحتملين داخل تركيا ليقوموا بهجمات، مما يشلّ قدرات تركيا على ضرب داعش في سوريا والعراق سياسيًا وعسكريًا. ويحاول التنظيم تشكيل سلوك تركيا التي تحتل مكانة مركزية ومحورية في المنطقة وتشكّل رمزًا لوجهات النظر غير العربية المعارضة لتنظيم 'داعش'. 

وعن بلجيكا، كتب فريدمان أنها لا تُعد إحدى البلدان الأوروبية الأساسية، مثل فرنسا، فحسب، لكنها أيضًا عاصمة أوروبا بالمعني الدقيق للكلمة، حيث تضم بروكسل مقر أمانة الاتحاد الأوروبي، كما تقع بالقرب من مقر منظمة حلف شمال الأطلسي 'الناتو'. وضرب بروكسل يعني ضرب 'داعش' لمركز أوروبا. وهو ما يؤشر إلى أن تنظيم داعش بات ينظر إلى أوروبا كعدو، ليس لأنها تدين بالمسيحية فحسب، لكن لأنها تسهم في تقليص وجوده أيضا.

وأوضح فريدمان أن نجاح العمليات الإرهابية للتنظيم في الدولتين سيمكن 'داعش' من تحقيق هدفين رئيسيين: أولهما؛ أنها ستخلق فصيلًا في كل دولة يقاوم محاربة 'داعش' خشية العواقب. ثانيهما؛ سيستغل عدد السكان الكبير في الدولتين لتجنيد عملاء يمكنهم الانضمام إلى صفوف التنظيم. وحتى لو تعذر ذلك على الفور، فإن تمحيص هؤلاء السكان وإخضاعهم بطريقة لا مفر منها للرقابة الأمنية قد يؤدي إلى بشكل غير مباشر إلى تجنيد عملاء جدد وموالين للتنظيم كرد فعل على هذه الاجراءات.

ويضيف فريدمان أن التنظيم يواجه ضغوطا كبيرة من القوات التقليدية، ويبدو أن حدوده تنكمش في سوريا والعراق. ويحتاج الى زعزعة استقرار الأعداء المحتملين، وأن يبعث برسالات رمزية. وبالتالي فينظر إلى الهجوم على السياح بالقرب من ميدان تقسيم في قلب اسطنبول وكذلك هجمات بروكسل بأنها استراتيجية لداعش يهدف من خلالها إلى الحفاظ على وجوده في سوريا والعراق مع تكثيف الأعمال الإرهابية خارجهما.

ويقول فريدمان: يمتلك تنظيم 'داعش' القليل من الخيارات في هذا الصدد، لكن مهاجمة اسطنبول وبلجيكا يشكّل ضربات موجهة نحو قلب اثنين من التهديدات المحتملة له، باستخدام الموارد الموجودة في تلك البلدان وتوليد استجابات يمكنها أن تعزز من موقف التنظيم.

تداعيات تركية- أوروبية:

وأوضح فريدمان في تحليله إلى أنه من الممكن أن يتأثر أيضًا الاتفاق الهش الذي عُقد مؤخرًا بين تركيا والاتحاد الأوروبي للحد من وصول طالبي اللجوء لأوروبا. فالوعي المتجدد بخطر الإرهاب بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي سيلفت الانتباه أكثر إلى الحدود الخارجية للاتحاد الاوروبي، وربما تبرير تعميق التعاون مع تركيا. 

كما توقع التحليل أن تعيد الهجمات إثارة المشاعر المعادية للمسلمين في أوروبا، ما يؤدي إلى زيادة المطالب الشعبية لحكومات الاتحاد الأوروبي بعدم منح المواطنين الأتراك حرية السفر بدون تأشيرة؛ وهو شرط أساسي وضعته أنقرة للتعاون بشأن قضايا المهاجرين. ومن المحتمل أن تؤدي المشاعر المعادية للمسلمين أيضًا إلى تقوية الأحزاب القومية في جميع أنحاء القارة، فعلي سبيل المثال، يحظى حزب 'الجبهة الوطنية' الفرنسي اليميني بدعم كبير بالفعل في استطلاعات الرأي الانتخابية، أما في ألمانيا، فقد حقق حزب 'البديل لألمانيا' المناهض للهجرة نجاحات باهرة مؤخرًا في الانتخابات الإقليمية ويُعد حاليا ثالث أكثر الأحزاب شعبية في البلاد.

 

جورج فريدمان

المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية.

 

موقع الخدمات البحثية