مواد أخرى » لماذا تصاعد الصراع بين حركة طالبان والحزب الإسلامي في أفغانستان

يبدو أن التوتر سوف يتصاعد تدريجيًا بين 'الحزب الإسلامي' وحركة 'طالبان'، وذلك بعد الهجوم المفاجئ الذي شنه زعيم الحزب قلب الدين حكمتيار على الحركة، والتي وصفها بـ'الغدة السرطانية التي يستوجب استئصالها'، وأنها 'حركة عميلة لاستخبارات أجنبية أنشأتها القوى الدولية، من أجل القضاء على المجاهدين'، على حد تعبيره، ودعا جموع الشعب الأفغاني إلى التحرك ضدها، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول أسباب هذا التصعيد وتأثيراته المحتملة على توازنات القوى داخل أفغانستان خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل الجهود التي تبذلها أطراف عديدة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وباكستان، لدفع عملية السلام ودعم الاستقرار السياسي في أفغانستان.

عاملان رئيسيان:

يمكن القول إن ثمة عاملين رئيسيين دفعا قلب الدين حكمتيار إلى تصعيد انتقاداته ضد حركة 'طالبان' في هذا التوقيت، بعد أن كان 'الحزب الإسلامي' يسعى في الفترة الماضية إلى تجنب الصدام مع الحركة، وهما:

1. اتهام 'طالبان' باستهداف قيادات الحزب: أشارت اتجاهات عديدة إلى أن 'طالبان' مسئولة عن قتل بعض قيادات 'الحزب الإسلامي'، مثل مولوى هاشم ومولوى رحمان غل، والقيادي حاجي خان الذي كان له دور بارز في الحرب ضد الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذا السياق، ربما يمكن القول إن حكمتيار سعى من خلال هذا الهجوم إلى استيعاب تصاعد حدة الاستياء داخل الحزب بسبب المواقف التي تتبناها الحركة تجاهه في الفترة الأخيرة، والذي ربما يدعم من احتمالات حدوث انشقاقات داخلية على غرار القوى الأخرى مثل 'طالبان'، في حالة ما إذا تجنب الصدام مع الحركة.

2. تحسين صورة الحزب: خاصة أن الهجوم على 'طالبان' تزامن مع إعلان الحزب قبوله المشاركة في مفاوضات السلام مع الحكومة الأفغانية، بشكل يوحي بأن الحزب يسعى إلى توجيه رسائل إلى الأطراف الرئيسية الداخلية بأنه يدعم إنجاح مفاوضات السلام من أجل تحقيق الاستقرار السياسي في أفغانستان، على عكس 'طالبان' التي ما زالت تمثل أحد أهم العقبات الرئيسية التي تواجه تلك المفاوضات. إذ انه بعد موافقتها على إجراء حوار مع الحكومة الأفغانية في العاصمة الباكستانية إسلام أباد، عادت ورفضت ذلك، واشترطت أن تشارك في الحوار بعد إنهاء الوجود العسكري الأجنبي في أفغانستان.

 وربما يمكن القول إن الحزب يسعى، منذ عام 2013، إلى العودة للحياة السياسية، من خلال تبني توجهات جديدة لا تتوافق مع السياسة التي تتبعها حركة 'طالبان'، في إطار الجهود التي يبذلها لاستعادة دوره كطرف سياسي على الساحة الداخلية الأفغانية، بعد أن تراجع نسبيًا خلال الفترة الأخيرة، بسبب تصاعد نفوذ حركة 'طالبان' من جديد.

تداعيات متعددة:

في إطار ما تُعانيه حركة 'طالبان' في الوقت الحالي من تفاقم للأزمات نتيجة الانشقاقات الداخلية من ناحية، والتهديد الذي يفرضه تصاعد نشاط تنظيم 'داعش' من ناحية أخرى؛ فإن تصاعد حدة التوتر بين 'الحزب الإسلامي' وحركة 'طالبان' في هذا التوقيت يمكن أن يفرض تداعيات عديدة، لا سيما على الأخيرة، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي: 

 1- تعدد جبهات المواجهة: ربما يؤدي التوتر مع 'الحزب الإسلامي' إلى تصاعد حدة الضغوط التي تتعرض لها حركة 'طالبان'، نتيجة تعدد جبهات المواجهة سواء مع الحكومة الأفغانية، أو مع تنظيم 'داعش'، وأخيرًا مع 'الحزب الإسلامي'، وهو ما يتزامن مع اتساع نطاق الأزمات الداخلية التي تواجهها الحركة، والتي تتمثل في تعدد الانشقاقات الداخلية، نتيجة انفصال عدد من الكوادر مثل مولوي عبدالسلام، الذي أعلن انفصاله وتمرده على الحركة، فضلا عن تزايد وتيرة الخلاف بين أكثر من طرف داخل الحركة، وهو ما قد يتسبب في إرباك الحركة وإضعاف نفوذها على الساحة السياسية الأفغانية. وقد حاولت الحركة في الفترة الأخيرة تقليص تلك الخلافات، من خلال تعيين الملا محمد يعقوب ابن مؤسس الحركة السابق الملا محمد عمر، وعمه الملا عبد المنان في مجلس شورى الحركة، إلا أنها ما زالت تواجه تحديات عديدة في هذا السياق.

2- تراجع شعبية 'طالبان': لا سيما في ظل المحاولات التي تبذلها من أجل عرقلة مفاوضات السلام بين الحكومة وبعض الأطراف الرئيسية الأخرى، وفي مقدمتها 'الحزب الإسلامي'، خاصة بعد أن طالبت الحركة بأن تكون هى الطرف الرئيسي الذي يقود المفاوضات مع الحكومة بعد إنهاء الوجود العسكري الأجنبي في أفغانستان، حيث تعتبر أن بعض تلك الأطراف يتبنى سياسة عدائية ضدها، ومنها 'جماعة شورى الإمارة الإسلامية'، التي انشقت عن الحركة وضمت قيادات تقليدية كانت من أبرز كوادر الحركة في الفترة الماضية.

3- تهديد نفوذ الحركة: تَعتبر حركة 'طالبان' أن 'الحزب الإسلامي' يمثل خطرًا حقيقيًّا عليها إلى جانب كل من الحكومة الأفغانية وتنظيم 'داعش'، مما قد يدفعها إلى الدخول في مواجهات مسلحة واسعة مع 'الحزب الإسلامي'، خاصة بعد الهجوم الأخير الذي شنه قلب الدين حكمتيار ضدها.

وقد شهدت الفترة الماضية بالفعل بعض المواجهات المسلحة بين الطرفين، على نطاق ضيق، في أحد الأقاليم المجاورة للعاصمة كابول. لكن إذا اتسع نطاق هذه المواجهات، فإن ذلك ربما يدفع 'الحزب الإسلامي' إلى تغيير سياسته والتحرك من أجل تحجيم نفوذ الحركة وإضعافها، خاصة في ظل إدراكه للأزمات التي تعاني منها والانشقاقات المتصاعدة داخلها.

خلاصة القول، إن تصاعد حدة الصراع بين حركة 'طالبان' و'الحزب الإسلامي' سوف يفرض عقبات جديدة أمام الجهود التي تبذلها أطراف عديدة للوصول إلى توافقات بين الحكومة والأطراف الرئيسية على الساحة، وربما يزيد من احتمالات اندلاع مواجهات مسلحة بشكل أوسع بين تلك الأطراف خلال المرحلة القادمة.

المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية.

موقع الخدمات البحثية