مواد أخرى » لماذا أعلنت روسيا سحب قواتها من سوريا

ربما لا يمكن فصل إعلان روسيا عن سحب الجزء الأكبر من قواتها من سوريا عن التطورات السياسية التي تشهدها الأزمة السورية، وعلى رأسها بدء جولة جديدة من مفاوضات جنيف بين نظام الرئيس السوري بشار الأسد وقوى المعارضة، بما يشير إلى أنها لا تهدف فقط إلى دعم الجهود المبذولة للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة والتي تحولت موسكو إلى طرف رئيسي فيها، وإنما تسعى أيضًا إلى فرض ضغوط على النظام السوري من أجل عدم وضع عقبات أمام تلك الجهود. ومن دون شك، فإن تلك الخطوة الجديدة سوف تفرض تداعيات مباشرة سواء على الصعيد الميداني، خاصة فيما يتعلق بالحرب ضد التنظيمات الإرهابية خاصة تنظيم 'داعش' و'جبهة النصرة'، أو على المستوى السياسي، لا سيما فيما يرتبط بمفاوضات جنيف التي تجري في الفترة الحالية.

دوافع الانسحاب:

يمكن تصور مجموعة من العوامل التي دفعت روسيا لسحب  الجزأ الأكبر من قواتها في سوريا. فمن ناحية، يبدو أن روسيا ربما تكون قد اعتبرت أن تلك القوات نجحت في تحقيق بعض أهدافها، الخاصة بتغيير توازنات القوى على الأرض لمنع انهيار النظام السوري، وتعزيز موقعه التفاوضي في مواجهة قوى المعارضة، لكن دون أن يعني ذلك أن روسيا تتوافق بشكل كبير مع الأهداف العامة التي يتبناها النظام السوري والتي كان يسعى من خلالها إلى استكمال العمليات العسكرية ضد قوى المعارضة مع استثمار الضربات العسكرية الروسية في هذا السياق.

ومن ناحية أخرى، نجح وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه في 27 فبراير 2016، جزئيًا في تقليص أعمال العنف والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي كان يصعب الوصول إليها في السابق، كما أنه مثل دعمًا قويًا للمفاوضات التي بدأت بين النظام السوري والمعارضة، والتي تسعى من خلالها روسيا، إلى جانب بعض القوى الدولية والإقليمية الأخرى، إلى الوصول لتسوية سياسية للأزمة التي بدأت عامها السادس في مارس الحالي.

وقد كان لافتًا أيضًا أن اتجاهات عديدة داخل روسيا بدأت تشير إلى أن رفع مستوى الانخراط العسكري الروسي في الصراع السوري أدى إلى القضاء على بعض العناصر الروسية المتطرفة التي انضمت إلى التنظيمات المتطرفة وتولى عدد منهم مناصب قيادية في تلك التنظيمات، وذلك في إطار ترويجها للمكاسب العديدة التي حققتها روسيا من خلال التدخل عسكريًا في الصراع السوري. 

كما يمكن القول إن الخطوة الروسية جاءت لتوجيه رسالة إلى نظام الأسد بأن التلميحات الأخيرة التي أشار إليها بعض المسئولين السوريين لا تتوافق مع الاتجاهات العامة للسياسة التي تتبناها روسيا، على غرار تأكيد رئيس الوفد السوري بشار الجعفري على أنه 'لا يوجد شئ اسمه مرحلة انتقالية في سوريا'، وهو ما يتنافى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي كانت روسيا أحد الأطراف الرئيسية التي سعت إلى إقراره من أجل إضفاء شرعية دولية على الجهود التي تبذلها من أجل الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة السورية.

فضلا عن أنه لا يمكن إغفال أن روسيا سعت من خلال تدخلها العسكري في الصراع السوري إلى تأكيد قدرتها على تجاوز العزلة الدولية التي حاولت بعض القوى الدولية، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، فرضها على موسكو، بسبب اتساع نطاق الخلافات حول التعامل مع الأزمة الأوكرانية تحديدًا، وهو ما تحقق نسبيًا بتحول روسيا إلى رقم مهم سواء على صعيد المواجهات الميدانية على الأرض، أو على مستوى الجهود السياسية للوصول إلى تسوية، بالتزامن مع عزوف الولايات المتحدة الأمريكية عن التدخل بقوة لتحديد المسارات المحتملة للصراع في سوريا.

وإلى جانب ذلك، ربما ترتبط الخطوة الأخيرة التي اتخذتها روسيا بالخلاف الجوهري الذي تصاعد مع إيران، حول تلميح روسيا إلى إمكانية تأسيس دولة فيدرالية في سوريا، وهو مسار يمكن أن يفرض تداعيات سلبية على مصالح إيران، بشكل دفعها إلى المسارعة بالإعلان عن رفضها تلك الرؤية وتأكيد أنها لا تتوافق بشكل تام مع السياسة الروسية في سوريا، وهو ما يبدو أنه دفع موسكو إلى توجيه إشارات لإيران ونظام الأسد، بأنها لن تتراجع عن جهودها للوصول إلى تسوية، أيًا كان المسار الذي سوف تنتهي إليه تلك الجهود، لا سيما فيما يتعلق بطبيعة الدولة السورية في مرحلة ما بعد الوصول إلى تلك التسوية.

تأثيرات محتملة:

ربما يفرض انسحاب الجزء الرئيسي من القوات الروسية تداعيات محتملة على مسار الأزمة السورية، تتمثل في:

1- تعزيز احتمال تأسيس دولة فيدرالية في سوريا، لا سيما في ظل الدعم الواضح الذي تقدمه روسيا للأكراد في سوريا، الذين يسعون، حسب بعض التقارير، إلى تأسيس نظام فيدرالي في المناطق التي يسيطرون عليها في سوريا، تحت اسم 'اتحاد شمال سوريا'، وذلك رغم العقبات العديدة التي يمكن أن تواجههم في هذا السياق.

2- الدفع نحو حل الأزمة السورية، خاصة أن القرار الروسي لقى تجاوبًا من جانب قوى المعارضة وبعض الأطراف الداعمة لها، حيث قال أسامة أبو زيد، المستشار القانوني في الجيش السوري الحر: 'إذا صدقت القيادة الروسية بسحب قواتها ستمثل خطوة إيجابية لإفساح المجال أمام عملية انتقال سياسي يبدأ برحيل الأسد ورموزه'.

3- استمرار التنسيق الروسي- الأمريكي، حيث تبدو روسيا حريصة على فتح قنوات تواصل مع الولايات المتحدة الأمريكية حول الجهود المبذولة للوصول إلى تسوية للأزمة، وهو ما انعكس في تأكيد المتحدث باسم الكرملين ديمترى بيسكوف، في 16 مارس 2016، على 'الشعور بالرضاء إزاء التنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا والشغل الشاغل حاليًا هو التركيز على تسوية سلمية للأزمة السورية'.

يبقى القول إن الانسحاب الروسي رغم أهميته، ربما لن يحسم بشكل كبير المسارات المحتملة للأزمة السورية، وذلك لاعتبارات عديدة، يتمثل أهمها، في أن قسمًا من القوات الروسية ما زال موجودًا في قاعدتي حميميم وطرطوس، بما يعني أن روسيا نفسها لا تستبعد احتمال عودتها من جديد إلى رفع مستوى انخراطها العسكري في الصراع السوري في حالة ما إذا وجدت عوامل دافعة في هذا السياق، وهو ما يشير إليه تصريح الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين، في 17 مارس 2016، الذي قال فيه أن 'روسيا يمكن أن تعزز وجودها العسكري في المنطقة خلال ساعات إذا اقتصى الأمر ذلك'، بما يعني في النهاية أن القرار الروسي ربما لا يمثل نهاية المطاف للأزمة السورية التي بدأت عامها السادس في الشهر الحالي.

المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتجيية.

موقع الخدمات البحثية