مواد أخرى » تدويل الحرب على داعش: كيف تتعامل القوى الدولية مع تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق

ريهام مقبل(*)

لا تزال القوى الدولية تتبنى مواقف حذرة في التعامل مع الحرب التي أعلنتها حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على تنظيم 'داعش'، لا سيما بعد إعلان هذا التنظيم عن تشكيل دولة الخلافة الإسلامية في العراق وسوريا، وتعيينه أبا بكر البغدادي خليفة لها. وتظل فرص تدويل هذه الحرب محدودة، خاصة فيما يتعلق بتوفير هذه القوى الدعم اللوجستي للقوات العراقية، وإعلان حرب دولية على 'داعش' على غرار الحرب على الإرهاب التي أعلنها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، لا سيما أن مواقف هذه القوى تجاه هذه الحرب تحددها متغيرات خاصة بالأبعاد السياسية لهذه الحرب، وتأثيراتها على الصراع في سوريا، فضلا عن دور القوى الإقليمية فيها.

ثلاثة محددات رئيسية:
daeeshjascii117ly2014_300يمكن القول إن مواقف القوى الدولية من الحرب التي تشنها القوات العراقية على تنظيم 'داعش'، تحكمها ثلاثة محددات رئيسية: يتمثل المحدد الأول، في أن خطر 'داعش' لا يقتصر على العراق، فأى انتصار لهذا التنظيم في مواجهة القوات الحكومية والقوات الموالية لها سيؤثر على القدرة العملياتية للتنظيم في سوريا، وعلى جاذبيته للمقاتلين الأجانب، لا سيما من خارج إقليم الشرق الأوسط، وهو أمر يمثل هاجسًا حقيقيًّا للدول الأوروبية، فاستنادًا للإحصاءات الخاصة بالمركز الدولي لمكافحة الراديكالية، يمثل المقاتلون الأجانب من أوروبا الغربية 18% من إجمالي المقاتلين الأجانب الذين انتقلوا إلى سوريا خلال الفترة من ديسمبر 2011 إلى ديسمبر 2013، وتأتي النسبة الأكبر من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وهولندا.
وفي هذا السياق يُمكن تفسير اجتماع مجلس الدفاع الفرنسي المصغر برئاسة الرئيس فرنسوا هولاند، وحضور رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية ورئيس أركان القوات المسلحة ومسئولي الأجهزة المخابراتية في 19 يونيو 2014، بهدف مناقشة 'الخيارات الفرنسية في سوريا والعراق'، وإعلان بريطانيا، في 16 يونيو، عن أنها ستحظر تنظيم 'داعش'، وإصدار وزارة الداخلية البريطانية مسودة مرسوم يدرج التنظيم تحت قانون الإرهاب البريطاني.

وينصرف المحدد الثاني، إلى أن هذه المواجهات لها أسباب سياسية، خاصة بوضع السنة في النظام السياسي العراقي، وبالأزمة السياسية التي يمر بها العراق منذ نهاية عام 2012، وأن اتباع المدخل الأمني في التعامل معها سيؤسس لحالةٍ من عدم الاستقرار في العراق ربما تستمر لفترة طويلة من الزمن، وقد تنفجر مجددًا في أى لحظة، في صورة صراع سنيـشيعي يصعب التحكم في تداعياته، ويبدو أن هذا المحدد هو الذي دفع القوى الدولية إلى الحذر في الدفع باتجاه الخيار العسكري في التعامل مع 'داعش'، أو دعم سياسات حكومة المالكي الخاصة بذلك.

ويتعلق المحدد الثالث، بحدود تأثير القوى الدولية على مسار تطورات الأحداث في العراق، فرغم أهمية النفوذ الأمريكي في العراق، إلا أنه لا يستطيع أن يحد من نفوذ القوى الإقليمية، خاصة إيران، وبدرجة أقل تركيا، وهذا يعني عمليًّا أن أى تحرك من قبل القوى الدولية في العراق يتطلب تنسيقًا ما مع هذه القوى الإقليمية.

تياران رئيسيان:
في إطار هذه المحددات الثلاثة، يمكن تحديد تيارين رئيسيين يعبران عن مواقف القوى الدولية من تطورات الوضع الأمني في العراق: يتمثل التيار الأول، في الدول التي تطالب بحل سياسي للأزمة من خلال تشكيل حكومة وطنية جديدة، تضمن إدماجًا سياسيًّا ‏لمختلف مكونات المجتمع العراقي، وترفض تقديم أى دعم عسكري لحكومة نوري المالكي. ويُعبر عن هذا التيار دول الاتحاد الأوروبي؛ حيث صرح جيل دي كيرشوف، المسئول الأول عن ملف مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي، في 30 يونيو 2014، قائلا: 'نبذل أقصى جهودنا في أوروبا لإقناع رئيس الوزراء نوري المالكي بتشكيل حكومة تشمل كل الجماعات السنية والشيعية والأكراد'، كما أرجعت فرنسا ما يشهده العراق إلى وجود نوعٍ من 'السلوك الطائفي الذي سهل على الإرهابيين الدخول بسهولة إلى عدد من المدن العراقية'. فيما أكد وزير الدفاع البريطاني فيليب هاموند، في 26 يونيو، عدم وجود توجه لدى بلاده للتدخل عسكريًّا في العراق، وحثّ الحكومة العراقية على إعادة بناء قوات الأمن العراقية بشكل يمثل كل أطياف المجتمع.

وينصرف التيار الثاني، إلى الدول التي أبدت استعدادها لتقديم دعم عسكري للقوات العراقية، حيث أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن إرسال 300 مستشار عسكري أمريكي إلى العراق في 15 يونيو 2014، بهدف 'تقييم أفضل سبل التدريب، وتقديم المشورة والدعم' لقوات الأمن العراقية في حربها على الإرهاب، كما وجه رسالة إلى الكونجرس الأمريكي يطالب فيها بمزيد من الدعم للعراق ليتضمن طائرات وخبراء أمنيين، مشيرًا إلى أن هذا الإجراء يعزز الأمن القومي الأمريكي، ويحقق المصالح الأمريكية. بينما أرسلت روسيا خمس طائرات مقاتلة من طراز'Sascii85ـ25' إلى العراق، وتُشير عدة تقارير كذلك إلى إرسالها خبراء عسكريين إلى العراق، ويمكن فهم الموقف الروسي في إطار تخوف موسكو من تصاعد نفوذ الجماعات الإسلامية المتطرفة في العراق، والذي سيؤثر على الوضع في سوريا.

ثلاثة مسارات محتملة:
يمكن القول إن مواقف القوى الدولية تهدف إلى عدم تمكين 'داعش' من التوسع في العراق، نظرًا لما يمثله ذلك من تهديدات لمصالحها في المنطقة، وفي ضوء المحددات الثلاثة السابقة، يمكن تحديد ثلاثة مسارات محتملة لتدويل الحرب على 'داعش'، وذلك على النحو التالي:

عمليات عسكرية محدودة، تستهدف مواقع تمركز قيادات 'داعش'، وأماكن تخزين السلاح الخاصة به، وقد تسبقها طلعات جوية بطائرات بدون طيار تركز على جمع معلومات استخباراتية، وكذلك عمليات إعادة تأهيل وتدريب الجيش العراقي، وتزويده بالأسلحة النوعية من طائرات مقاتلة. ويتم تنفيذ هذه العمليات من قبل القوات الأمريكية بصورة رئيسية، وبدعم محتمل من قوات حلف الناتو، وفي إطار اتفاقيات أمنية ثنائية مع الحكومة العراقية، ودون الحاجة للجوء إلى مجلس الأمن الدولي.
ويدعم هذا السيناريو إعلان رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية الجنرال مارتن ديمبسي عن أن 'واشنطن لا تزال تنظر في إمكانية توجيه ضربات محددة الأهداف ضد المتطرفين في العراق'، وكذلك تصريح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، في 28 يونيو 2014، بأن بلاده 'لن تقف مكتوفة اليدين أمام الهجوم الذي يشنه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام'. وربما يمكن القول إن ما قد يُعزز تحقق هذا السيناريو أيضًا، عدم اقتصار تأثيرات انتصار 'داعش' على العراق؛ حيث قد تتعرض الأردن لهجوم من قبل 'داعش'، لا سيما بعد سيطرته على الشريط الحدودي الذي يفصل العراق والأردن، على نحو قد يدفع الولايات المتحدة للتحرك عسكريًّا، نظرًا لأهمية الأردن باعتبارها حليفًا تعتمد عليه في تحقيق مصالحها في المنطقة.

تدويل 'محدود' من خلال مجلس الأمن الدولي، بحيث يتم استصدار قرارٍ من المجلس، تحت البند السابع، يسمح باتخاذ إجراءات محدودة، خاصة بتتبع التمويل الذي يحصل عليه تنظيم 'داعش'. ويدعم هذا السيناريو انقسام القوى الدولية حول الوضع في العراق، وعدم وجود موقف موحد بين القوى الإقليمية حول الحرب التي تشنها القوات العراقية على 'داعش'، وهو وضع شبيه بالصراع في سوريا، حيث لم تنجح القوى الدولية في استصدار قرار من مجلس الأمن يمكنها من تنفيذ عمل عسكري ضد نظام بشار الأسد. ومن المتوقع أن يقتصر هذا القرار ـفي حال صدورهـ على اتخاذ إجراءات خاصة بمنع نقل الإرهابيين من العراق وإليه، ونقل الأسلحة لهم، وأى تمويل يدعمهم.
وبدون شك، فإن ما يدعم هذا السيناريو، أنه برغم إدانة المجلس، في 11 يونيو، الهجمات التي شنها تنظيم 'داعش' في العراق، والتي استولى خلالها على مدينتي الموصل وتكريت، فإنه لم يتخذ خطوات حتى الآن، ولم تسع القوى الدولية من خلاله إلى طرح القضية، باستثناء اقتراح روسيا الخاص بتبني إعلان يُوصي بمنع 'مجموعات إرهابية في سوريا' من بيع النفط وخصوصًا مقاتلي 'داعش'.

الضغط الدولي لتشكيل حكومة عراقية جامعة، تستند إلى تحالف مع القوى السنية المعارضة لـ'داعش'، وذلك على غرار التحالف الذي هزم 'القاعدة' بين عامى 2006ـ2007، والذي ضم الحكومة العراقية وقوات 'الصحوات' والقوات الأمريكية، حيث قد تتجه الإدارة الأمريكية للضغط على الحكومة العراقية الحالية أو الجديدة، في حال تخلي المالكي عن حقه في تشكيل الحكومة، بهدف إحياء تجربة قوات 'الصحوات السنية' التي قاتلت، إلى جانب القوات الأمريكية، تنظيم 'القاعدة' في الأنبار، بحيث يتم إعادة تشكيلها، ودعم قدراتها القتالية، وتطوير آلية تضمن دمجها في القوات الحكومية.
ومن المتوقع أن يستتبع تشكل هذه الحكومة، تقديم القوات الأمريكية دعمًا عسكريًّا محدودًا لها في مواجهة 'داعش'. لكن يظل تحقق هذا السيناريو مرتبطًا بقدرة الحكومة العراقية على اتباع سياسات تفرق بين 'داعش'، والقوى السنية المعارضة لرئيس الوزراء نوري المالكي، وكذلك وجود قدر من الثقة بين هذه القوى والحكومة العراقية، وتوافر ضمانات تحول دون تكرار عمليات تهميش 'الصحوات' وإضعافها.
ويمكن القول، إن المسار الأخير قد يكون الأقرب للتحقق، وذلك بالنظر إلى إعلان الجنرال مارتن ديمبسي، في 4 يوليو 2014، عن أن 'داعش' لا يمثل حتى الآن تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الأمريكي، وأن 'أى مساعدة من القوات الأمريكية تعتمد على جهود الحكومة العراقية لتشكيل حكومة جديدة تضم السنة والأكراد والشيعة'. ولكن يتطلب تحققه دعمًا من القوى الإقليمية لا سيما إيران، على نحو يضمن وجود شراكة حقيقية بين القوى العراقية الثلاث تستمر فترة من الزمن. وفي النهاية، تظل مسارات تدويل الحرب التي تشنها القوات العراقية على 'داعش'، مرتبطة بتطورات الوضع على الأرض، وبتصورات القوى الدولية لتأثيرات هذه الحرب على مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة، فضلا عن قدرة هذه القوى على الحصول على دعم من القوى الإقليمية الفاعلة في العراق لأي سياسات تسعى إلى تبنيها.
(*) باحثة بالمركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية
المصدر: المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية

موقع الخدمات البحثية