مواد أخرى » أوكرانيا: الوقت ينفد

تقرير أوروبا (Crisis Groascii117p) ـ كييف / بروكسل، 14 مايو/ أيار 2014
(*) ترجمة ايمان سويد ـ خاص موقع مجموعة الخدمات البحثية
تواجه حكومة أوكرانيا المؤقتة مهمة شاقة للوصول الى الانتخابات الرئاسية في 25 مايو/ أيار. لم تثبت هذه الحكومة التي تهزها عمليات التحريض الانفصالية والمتحيرة بسبب وجود القوات الروسية على حدودها، بأنها متماسكة كما أنها فقدت السيطرة على إقليمي دونيتسك ولوغانسك الشرقيين، اللذان صوتا لصالح الاستقلال في استفتاء مثير للجدل. وتبدو الحكومة عاجزة عن حفظ النظام في قسم كبير من الجنوب الشرقي، حيث الانفصاليين يهددون، بدعم وتشجيع من قبل موسكو ، بقاء الدولة ووحدتها . ينبغي لكييف والمرشحين للرئاسة التواصل مع منطقة الجنوب الشرقي، وايضاح الخطط حول الحكم الذاتي المحلي وحقوق الأقليات، وبأن تكون أوكرانيا جسراً بين روسيا وأوروبا، وليس ساحة معركة جيوسياسية. ومع وجود علاقة جفاء عميقة بين موسكو والغرب، يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مواصلة فرض عقوبات صارمة ليظهروا لروسيا انها ستدفع ثمناً متزايداً على زعزعتها استقرار جارتها أو تفكيكها، في الوقت الذي يواصلون فيه سياسة ديبلوماسية موازية ونشطة للوصول إلى تفاهمات تتجنب ما هو أسوأ وتحترم المصلحة المتبادلة.
وقد ازداد الوضع سوءاً باستمرار منذ أواخر شباط/ فبراير، حيث تلاشى قسم كبير من التفاؤل الناجم عن احتجاجات ' الميدان ' التي اسقطت حكومة يانوكوفيتش. فبعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، أمسك 'المتطوعون'، وبشكل محتمل جداً القوات الخاصة (سبيتسناز) التي أوفدها الكرملين، بزمام المبادرة في الجنوب الشرقي. ويبدو أن هدف الانفصاليين ' إثارة الفوضى الكافية وإراقة الدماء، بحيث يكون بامكان الرئيس فلاديمير التأكيد، اذا ما اختار، على ما يقول أنه حق موسكو بحماية الناطقين بالروسية في أي مكان - في أسوأ سيناريو من خلال ابتداع ما من شأنه أن يكون في الواقع كياناً مستقلاً جديداً يضم ما يقرب من ثلث البلاد والعديد من الموارد الاقتصادية الأكثر قدرة على البقاء، والذي قد يتم امتصاصها في نهاية المطاف داخل الاتحاد الروسي. كل هذا يعمق الأزمة بين الغرب وروسيا ، مما يجعل التقارب اللازم لحلها أكثر صعوبة بكثير.
تهدد الفوضى في الجنوب الشرقي الانتخابات الرئاسية بجدية. فالحكومة التي تشكلت في شباط/ فبراير بعد أشهر من المظاهرات في الشوارع والقتال وبالكاد تقوم بوظيفتها، تتألف في معظمها من القدامى والمتمرسين في نظام سياسي لا مصداقية له ومن وجوه جديدة من ذوي الخبرة الحكومية الضئيلة أو المعدومة. الاتصالات داخل المؤسسات الحكومية تبدو ضعيفة، مع عدم وجود الجمهور ككل تقريباً. إن تصوير موسكو لبلد مستعبد بانقلاب فاشي، تهيمن عليه الميليشيات اليمينية المتطرفة قد أقنع الجمهور الروسي بعدم وجود بدائل وترسخ ذلك في أجزاء من أوكرانيا.  
يجب على كييف الحديث مع شعبها على وجه السرعة، وخاصة في الجنوب الشرقي، حيث الاثنية الروسية، وخلافا لشبه جزيرة القرم، ليست أغلبية، حتى أن بعض الأعضاء البارزين في الحزب الحاكم في عهد يانوكوفيتش يستنكرون الدعوات إلى تقسيم البلاد. ينبغي أن تكون اللغة والحكم الذاتي والفساد ـ وهذه الأخيرة ذات اهتمام عام هائل ـ على جدول أعمال الحكومة وتصنع لها الدعاية على هذا النحو. لذلك ينبغي أيضا إعداد السكان لألم الإصلاحات العميقة المطلوبة والحتمية لانقاذ اقتصاد دُمر بسبب عقدين من الفساد المستشري وعدم الكفاءة .
أكدت الجهود العسكرية لاستعادة النظام في الجنوب الشرقي، وعلى حد سواء، على ضعف الحكومة والحاجة الملحة للتوصل إلى حل من خلال الحوار، وليس القوة . إن مثل هذا الحل هو أكثر صعوبة بسبب الرؤى المتضاربة التي من خلالها يتم النظر اليه. فبالنسبة الى قسم كبير من اوكرانيا والغرب فإن ثورة شعبية دعما لأوكرانيا ذات توجه أوروبي أكثر هي في وضع حرج بسبب سياسة الانتقام الروسية (سياسة استرداد مقاطعة مسلوبة)؛ فبالنسبة لروسيا ، كانت ثورة 'ميدان' عبارة عن تحرك محسوب آخر، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، لتطويق روسيا وتهديدها بالأعداء وإذلالها.
يبدو أن الرئيس بوتين يرى أن حكومة أوكرانية ذات ميول غربية قد ولدت من احتجاجات جماهيرية سوف تكون قدوة خطيرة في الداخل وتحبط طموحه في ترسيخ النفوذ الروسي المهيمن على أكبر قدر ممكن من الجمهوريات السوفيتية السابقة. إن روسيا تتغير بسرعة، وبدعم من التأييد الشعبي الكاسح بعد ضم شبه جزيرة القرم، يخلق بوتين بسرعة أيديولوجية محافظة معلنة ترفض، وبوعي، العديد من المبادئ والمفاهيم الديمقراطية الغربية. في كل الأحوال، وفي جعلها أوكرانيا تركع، قد تكون روسيا أيضاً قد خسرت جارتها كحليف ثقافي وسياسي على المدى الطويل .
تم تجاهل اتفاق جنيف المعقود بين الأطراف الأربعة ـ روسيا، كييف، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبيـ في منتصف نيسان/ أبريل لتهدئة الوضع وذلك من قبل القوى الانفصالية، ليكون بذلك حبراً على ورق. مع ذلك ، ينبغي تجديد الجهد في أقرب وقت ممكن. إذ يجب على القادة الأوكرانيين ـ لا سيما المرشحين للرئاسة ـ الالتزام بتشكيل حكومة وحدة وطنية ما بعد الانتخابات ذات تمثيل هام للجنوب الشرقي والتأكيد ، كمبدأ توجيهي للتقارب، انهم يريدون لبلدهم أن يكون على اتصال بروسيا وأوروبا. يجب أن يقولوا بصراحة أيضا أنهم لا يرغبون بعضوية حلف شمال الاطلسي وبأنهم سوف يضمنون استمرار صناعة الدفاع الروسية الهامة والعلاقات الأخرى إزاء الاقليم الجنوب الشرقي، بل إزاء كل أوكرانيا.
أدى الخلل داخل الحكومة المؤقتة إلى تعقيد الاستجابة الغربية البطيئة والمنقسمة غالباً. إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بحاجة الآن الى نقل رسالة متماسكة موحدة وموزونة، والاعتراف - حتى لو لم يكن القبول – بتعزيز موسكو لأصل الأزمة. يجب أن تكون مكونات هذه الرسالة الدعم السياسي لكييف لإجراء الانتخابات، وتقديم الدعم السياسي والمالي والخبراء لتشكيل حكومة وحدة وطنية لتقوم بالتنفيذ من خلال تدابير لتحقيق الاستقرار اللازم؛ تدابير لجعل أوكرانيا قابلة للحياة للاستثمار الأجنبي؛ فرض مزيد من العقوبات للتأثير بشكل أعمق بالاقتصاد الروسي اذا لم تغير روسيا مسارها ؛ واجراء محادثات هادئة رفيعة المستوى مع موسكو وتسهيل محادثات كييف ـ موسكو بهدف تهدئة الوضع والسماح لاوكرانيا بتسوية وضعها عضوياً على مدى فترة تمتد سنوات .
من المهم أن ندرك أن الاستعداد الروسي الجديد باستخدام القوة لتغيير الحدود، الواضح بداية منذ 6 سنوات في جورجيا، يتطلب الآن، وبوضوح، رداً رادعاً حازماً بما في ذلك العقوبات وطمأنة أعضاء حلف شمال الاطلسي بالالتزام بالوفاء بالالتزامات الأمنية الجماعية. مع ذلك، يجب أن توازي تلك الإجراءات خطوات دبلوماسية لتخفيف المواجهة. أما على الأرض في أوكرانيا اليوم، فلدى روسيا مزايا التصعيد المباشر؛ مع مرور الوقت، من المرجح أن يكون لدى الغرب الميزة الاقتصادية والقوة الناعمة. أما أوكرانيا الديمقراطية، المتكاملة اقتصاديا إلى حد كبير مع الغرب، إنما خارج التحالفات العسكرية، والشريك الثقافي واللغوي والتجاري الوثيق الذي يضع في اعتباره المصالح الروسية فسوف تعود بالفائدة على الجميع. أخيراً، وبما أن كييف ومؤيديها الدوليين يتطلعون إلى المستقبل، يجب أن يُبقى الجميع في صلب اهتمامهم أن أوكرانيا دولة قد تضررت بشدة. هذا الضرر يذهب إلى ما هو أبعد من الانفصالية و يعتبر ثمرة سوء الإدارة والفساد الضخم الذي، وعلى مدى العقدين الماضيين، لم يفعل سوى تدميرها.

التوصيات
إلى الحكومة المؤقتة في أوكرانيا والحكومة التي ستأتي إلى السلطة بعد الانتخابات :
1 . التواصل على الفور مع الجنوب والشرق، وتمركز كبار المسؤولين،على الأقل نائب واحد لرئيس الوزراء، مع وجود مهمة واضحة بالانخراط في حوار مع المواطنين، سواء في المدن الكبرى أوالمناطق الريفية. النظر في عقد جلسات طارئة لمجلس الوزراء في المدن الرئيسة في الاقليم الجنوب الشرقي لمعالجة الشكاوى المحلية على الأرض.
2 . الاعلان عن خطط الحكم الذاتي المحلي وحقوق لغات الأقليات وشرحها بشكل خاص.
3. الانكباب، كأولوية، على معالجة مزاعم الفساد على أعلى المستويات في الإدارة الحالية؛ وحلول جهاز وظيفي، واسع، ممول جيداً، يخضع للرقابة العامة ويمكنه كسب ثقة الجمهور محل دائرة مكافحة الفساد التي تعاني من نقص في الموظفين.
4 . النأي بنفسها علناً و بأسرع وقت ممكن عن الأيديولوجية المتطرفة والمعادية للديمقراطية لحزب سفوبودا ( الحرية) وقطاع اليمين.
5 . إعلان التزام أوكرانيا الحياد العسكري، ربما باستخدام صيغة مماثلة للمادة 11 من دستور مولدافيا، الذي يعلن الحياد الدائم وبألا تكون القوات الأجنبية متمركزة على أراضيها.

لجميع المرشحين في الانتخابات الرئاسية في 25 مايو/ أيار :
6 . التعهد بتشكيل حكومة وحدة وطنية جغرافياً وسياسياً ولغوياً مباشرة بعد الانتخابات لإدارة كل من الحوار الوطني والإصلاح الاقتصادي والسعي إلى المصالحة العادلة مع روسيا.

لحكومة الاتحاد الروسي والاتحاد الأوروبي و الدول الأعضاء فيها، والولايات المتحدة :
7 . إعلان الدعم الكامل وغير المشروط لسلامة أراضي أوكرانيا، وحقها في اجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة في 25 مايو/ ايار.
8 . التأكيد على أن الوضع الحالي لا يمكن حله إلا بالوسائل الدبلوماسية وتشجيع جميع الأطراف على تهدئة الخطاب .
9 . مناقشة طرائق ، بما في ذلك المراقبة الروسية ربما، تطمئن الجميع الى أن الانتخابات يمكن أن تعقد بحرية ونزاهة في جميع أنحاء أوكرانيا وتسفر عن نتائج تكون ذات مصداقية على الصعيدين الوطني والدولي.
10 . الإعراب عن دعم تشكيل حكومة وحدة وطنية ما بعد الانتخابات والاستعداد للعمل معاً على تدابير من قبل صندوق النقد الدولي وغيرها من المنظمات الدولية للمساعدة على تحقيق الاستقرار في الاقتصاد الأوكراني .
11. توفير التمويل وتمديد ولاية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) التي تراقب العمليات في أوكرانيا وتوسيع حجمها؛ وعرض أية مزاعم عن إساءة معاملة الأقليات أمام منظمة الأمن والتعاون للتحقيق فيها والقيام بالوساطة الممكنة.
12 . عزل الانقسامات حول اوكرانيا، وإلى أقصى حد ممكن، عن المخاوف المتبادلة الثنائية والمتعددة الأطراف الأخرى.

إلى الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه والولايات المتحدة :
13 . اعطاء أوكرانيا الدعم السياسي والاقتصادي والمالي القوي للمساعدة على الاستقرار، بما في ذلك إجراء انتخابات في ربيع هذا العام. يتعين على الاتحاد الأوروبي إعداد وتقديم برنامج مساعدة خاص لتحديد الاصلاحات والبدء في تطبيقها بشكل عميق، بما في ذلك تدابير لمكافحة الفساد؛ وينبغي أيضا تسريع الإصلاح القضائي.
14. اتخاذ تدابير ملموسة لضمان توفير كييف بيئة استثمارية قابلة للحياة؛ النظر في التأمين ضد المخاطر السياسية للشركات التي تستثمر أو تقوم بأعمال تجارية مع أوكرانيا.
15 . البدء بالتخطيط وتخصيص الأموال وذلك لمساعدة السلطات الأوكرانية في اصلاح القطاع الأمني، الجذر والفرع ، على مساحة الوطن أولوية بعد الانتخابات مباشرة .
16 . إشراك روسيا في المناقشات الهادئة وتشجيع اجراء مناقشات مماثلة بين كييف وموسكو بهدف التخفيف من حدة التوتر؛ السماح لمستقبل أوكرانيا بالتطور عضوياً، وبأن تكون حرة من الضغوط الخارجية؛ وتوخي أن تكون البلاد بمثابة جسر بين روسيا و بقية أوروبا، وليس ساحة معركة جيوسياسية.
17 . إعداد وتنفيذ مزيد من العقوبات الاقتصادية والمالية التي ستنجح في التأثير بعمق في الاقتصاد الروسي الضعيف في حال لم يتم التوصل إلى مثل هذه التفاهمات.
18 . التوضيح لموسكو بأن أي جهود لتقويض أو تخريب الانتخابات الرئاسية في 25 أيار/ مايو ستقابل بعقوبات جديدة و شاملة.
19 . طمأنة دول الناتو على حدود روسيا بالالتزام الكامل للأمن الجماعي بموجب المادة 5 من معاهدة حلف شمال الأطلسي 1949 .

لحكومة الاتحاد الروسي :
20. سحب قواتها من الحدود مع أوكرانيا، وكذلك سحب أي من القوات شبه العسكرية التي تسللت من شبه جزيرة القرم أو من مكان آخر .
21 . استخدام نفوذها لإقناع الناطقين بالروسية في الجنوب الشرقي بانهاء احتلال البلدات و المباني التي استولوا عليها و تفكيك ميليشياتهم وكياناتهم الإقليمية المعلنة. يتعين على روسيا أيضاً تنأى بنفسها عن استيلاء جمهورية دونيتسك المزعومة على جميع قوات الأمن والقوات المسلحة في المنطقة.
22 . إعادة الدخول في مناقشات مع السلطات الأوكرانية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لمتابعة تنفيذ التفاهمات السياسية على النحو المبين أعلاه .
23 . الامتناع عن القيام بأي تدابير يمكن أن تفسر على أنها تعرقل، تعيق أو تخرب سير انتخابات 25 مايو/ أيار.
24 . تقديم كافة الأدلة والمزاعم عن الفظائع التي ارتكبت ضد الناطقين بالروسية في أوكرانيا إلى هيئة دولية، مثل مكتب المفوض السامي لمنظمة الأمن والتعاون للأقليات القومية ، لإجراء تحقيق مفتوح وشفاف.

موقع الخدمات البحثية