مواد أخرى » نيجيريا.. اختطاف بلد

لورين بون وتشيكا أودواه(*) - (النيويورك تايمز) 14/5/2014
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
تشيبوك، نيجيريا- الطريق إلى تشيبوك هادئ بشكل غريب، تتخلله نقاط تفتيش يشغلها مدنيون، العديد منهم في سن المراهقة، يحملون بنادق صدئة ويخدمون كقوات أمن مضافة في منطقة تتوافر على القليل منه. في هذه القرية النيجيرية الشمالية الشرقية، حيث اختطفت أكثر من 300 طالبة مدرسة على يد المجموعة الانفصالية الإسلامية المتشددة 'بوكو حرام' يوم 14 نيسان (أبريل) الماضي، ما تزال عائلاتهن المصدومة تنتظر عودتهن إلى الديار.
كان لاوان زانا ما يزال ينتظر ابنته، عائشة، البالغة من العمر 18 عاماً. وتساءل: 'كيف يمكن أن أنام؟ الغضب يطبق على جسدي'. وقال السيد زانا إنه بعد أن خطفت الفتيات، قام هو وآباء آخرون بتفتيش غابة 'سامبيسا' المجاورة بحثاً عن بناتهن، لكنهم عادوا خالي الوفاض. وفيما كان يتحدث، وقفت شقيقة عائشة، حواء، البالغة من العمر 19 عاماً بلا كلام. كانت الشقيقتان تتقاسمان غرفة النوم الصغيرة وكل شيء آخر تقريباً.
كان أكثر من 750 شخصاً قد قتلوا هذا العام فقط في هجمات شنتها منظمة 'بوكو حرام'. وقد قتل 29 فتى على الأقل في شباط (فبراير) الماضي خلال غارة على مدرسة. وهذه المرة، أدى فشل الحكومة في إنقاذ الفتيات وفي الاستجابة للقضية إلى إخراج النيجيريين عن أطوارهم، كما أغضب الناس في بقية أنحاء العالم.
في خضم هذه الأزمة، استضاف المنتدى الاقتصادي العالمي حول أفريقيا اجتماع قمة دام ثلاثة أيام 7-9 أيار (مايو)، حضره أكثر من ألف مندوب من العالم والنخبة النيجيرية في أبوجا، العاصمة النيجيرية، لبحث النمو الاقتصادي والتنمية. وفيما كانت نسبة 001 تدلي بآرائها داخل أجنحة مكيفة الهواء، بعيداً عن الواقع الساخن لشوارع أبوجا ونفسيتها، نشرت الحكومة 6000 رجل أمن لحماية المنتدى -في جهد أضحك وأبكى العديد من النيجيريين الذين قالوا إنه ما كان ليتم بذله لحماية النيجيريين العاديين أو لإنقاذ فتيات المدرسة في تشيبوك.
كانت المدينة ساكنة. وتجمع رجال الأمن والشرطة في زيهم الرسمي الأزرق حول الرؤساء الجالسين على مقاعد خشبية، مستمعين إلى أصوات تطلق اللعنات على 'بوكو حرام' الغامضة. وقال ضيف على الهاتف في برنامج في الإذاعة النيجيرية: 'إننا لا نعرف من هم هؤلاء الناس وماذا يريدون فعله بالضبط. ويقولون إنهم يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية وما إلى ذلك، لكن نيجيريا ليست دولة إسلامية! فليعاقبهم الله!'، ووافق رجل يرتدي زياً رسمياً ويحمل حبة مانغو نصف ممضوغة: 'نعم! فليعاقبهم الله!' ليلقى إيماءات بالموافقة.
يعيش المواطنون النيجيريون في هذه الدولة السوريالية التي تنطوي على تناقضات كبرى، في بلد يغمره الفساد، والذي يتعرض لهجوم التمرد الإسلامي، بينما يضج بالإمكانيات ويعتبر المحرك الاقتصادي للقارة الأفريقية. وتعد نيجيريا التي يبلغ عدد مواطنيها 170 مليون نسمة البلد الأفريقي الأكثر سكاناً والأضخم إنتاجاً للنفط. وقد استطاع اقتصادها تجاوز اقتصاد جنوب أفريقيا، ما جعلها الاقتصاد الأكبر في القارة. لكن ذلك النمو وسع اللامساواة الاقتصادية فقط. وقد تباطأ النشاط الاقتصادي إلى درجة التوقف في مناطق أجبر فيها إرهاب 'بوكو حرام' المزارعين على التخلي عن حقولهم، بينما غادر الشباب الذين لا يجدون وظائف مهاجرين إلى المدن. ويعاني المزيد من النيجيريين اليوم من الفقر مقارنة مع ما كانوا عليه أثناء الاستقلال في العام 1960، حيث تصل نسبة السكان الذين يقعون تحت خط الفقر إلى 60 %.
أمضينا الأسابيع الثلاثة الماضية في التجوال في أرجاء البلد لنغطي تفشي البطالة بين ظهراني الشباب، وهو موضوع تتجاهله الحكومة على الدوام، لكن 'بوكو حرام' تقوم باستغلاله لصالحها. وقال تايو أولوفوا، رجل الأعمال الريادي من 'وشين' التي تعد واحدة من أفقر ضواحي لاغوس، والبالغ من العمر 23 عاما ويضع نظارات على عينيه: 'إن حوادث الاختطاف هي رأس قمة جبل الجليد وحسب'. وقد افتتح السيد اولوفوا شركة سعي للتوظيف على موقع وظائف في نيجيريا. وعندما صورناه قبل أسبوعين سائراً في شوارع طفولته القديمة لصالح فيلم إعلامي، قام رجال شرطة مدنيون باحتجازنا لأربع ساعات، وصادروا أوراقنا الثبوتية ومعداتنا، وقالوا لنا إنهم يحموننا من 'بوكو حرام' ومن تهديدات أمنية أخرى، وتصارعوا مع سائقنا من أجل الحصول على رشوة، وسخروا من حشد من الأطفال. وقال السيد أولوفوا بعد ذلك ساخطاً: 'إننا بلد نائم، وبعين مفتوحة واحدة'. وهو مصطلح يستخدمه النيجيريون الحانقون في الغالب، ولو أنهم لا يستغربون الممارسات والتقارير المتناقضة من الحكومة التي أصبحوا لا يولونها الثقة. وكان 16 نيجيرياً على الأقل قد قتلوا في آذار (مارس) الماضي بسبب التدافع بينما يقدم أكثر من نصف مليون شخص طلبات للتوظيف لأقل من 5000 وظيفة حكومية.
وكان فردريك كوسومبوا، 30 عاماً، قد انضم بشغف إلى الآلاف من الساعين للحصول على وظائف في الاستاد القومي في أبوجا؛ أحد مواقع الطلبات، ليشاهد الناس وهم يقفزون فوق بعضهم بعضاً أو يزحفون للحصول على نماذج تسجيل. وقال: 'سألت نفسي، ما الذي أصبح عليه بلدي؟'. وأعلن وزير الداخلية الذي أشرف مكتبه على التوظيف أن الموتى 'فقدوا أرواحهم بسبب عدم صبرهم'.
هناك الآلاف ممن يقدمون طلبات للحصول على البعثات الدراسية الكاملة التي عرضها معهد الدراسات البترولية في جامعة بورت هاركورت في دلتا النيجر. وقالت سيليستينا جونسون، الإدارية في المعهد، إنها غالباً ما غالبت البكاء خلال المقابلات، لأن العديد جداً من الطلبات لن تجد فرصة للقبول. وفيما كانت تتحدث، انقطع التيار الكهربائي -وهو حدث يتكرر كل يوم في نيجيريا. وقالت الآنسة جونسون: 'إذا استمر الحال على هذا النحو، فسوف تقوم ثورة جماهيرية وسينهار البلد'.
في لاغوس؛ العاصمة التجارية للبلد، كان سائق السيارة أوييباجو، 41 عاماً، يتصبب عرقاً وهو يشق طريقه عبر الشوارع المزدحمة. وقال، وهو خريج الجامعة الحاصل على درجة في إدارة الأعمال، إنه لم يتخيل أبداً أنه سيحمل الناس في سيارته مكافحاً من أجل جمع ما يكفي من النقود لعائلته المكونة من ستة أفراد. وأشار إلى مجموعة من الناس -في واحد من التجمعات الاحتجاجية اليومية التي تقام هنا وفي كل أنحاء البلاد منذ أسابيع تحت شعار 'أعيدوا لنا بناتنا'، وقال بينما يجفف العرق عن جبينه: 'كنت لأخرج وأقف مع النساء، لكن عليّ أن أسرع'. وأضاف: 'يبدو أن الحكومة تجعل العمل صعباً جداً بحيث نصبح متعبين جداً ولا نستطيع القيام بشيء مثل هذا (الاحتجاج)'. ثم فتح زجاج نافذة سيارته للسلام على إحدى المحتجات، وطرف بعينيه ثانية واحدة، ثم انطلق مسرعاً لالتقاط زبون آخر.
(*) الكاتبتان حائزتان على زمالة 'غلوبال بوست' لكتابة التقارير الصحفية في نيجيريا للعام 2014.
(*) نشر هذا التقرير تحت عنوان: The Kidnapping of a coascii117ntry
المصدر: موقع الغد

موقع الخدمات البحثية