مواد أخرى » سياسة إيران الخارجية: تحول المشهد الاستراتيجي

Middle East Policy ـ شتاء 2013

على عكس رؤية محمد خاتمي الليبرالية – البراغماتية أو الموقف الأيديولوجي الشعبوي لمحمود أحمدي نجاد، يبدو الرئيس الإيراني المنتخب حديثاً حسن روحاني عازماً على مواصلة أجندة وسطية- براغماتية. وقد عكس برنامج حملته الانتخابية هذه الرؤية: يجب إشراك إيران في مفاوضات جادة مع العالم الغربي، الحد من الصراع الإقليمي، تحديد أولويات الانتعاش الاقتصادي ورفاه شعبه التي تعلو اولويات البرنامج النووي. هل سيكون روحاني قادراً على تنفيذ هذه الرؤية، نظراً الى العوائق الهيكلية، المؤسسية والاستراتيجية لنجاحه؟ إذا كانت فترة ولايته في منصبه أكثر نجاحاً من أسلافه، فسوف يكون على إدارته معالجة العديد من المشاكل، مع توفير المنظور والمرونة السياسية اللازمين للخروج من نهج الماضي العقيم.
على الرغم من أنه من الصعب التنبؤ بطبيعة أي تحول جذري في السياسات الاستراتيجية من جانب إيران، فمن الواضح أن الحفاظ على الوضع الراهن في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، الذي يعزز أيضا عزلة ايران الدولية، قد فقد قوة جاذبيته، فالاشارات والمبادرات الإيجابية من جانب إيران تجاه الولايات المتحدة في الأشهر الأولى من رئاسة روحاني كانت سبباً لوجود منسوب مخفف من التفاؤل، ما يدل على استعداد نادر من جانب القادة الايرانيين للتواصل مع واشنطن. وقد تبادل الرئيسان روحاني وأوباما الرسائل وعبَّرا عن رغبتهما بتحسين العلاقات الدبلوماسية، التي تم تجميدها منذ عام 1979. وقد أطلق روحاني ووزراؤه لهجة تصالحية وصريحة بشكل ملحوظ في مقالة رأي في صحيفة واشنطن بوست ومنح مقابلة لمحطة أن بي سي نيوز قال فيها انه مخول من قبل القائد الأعلى آية الله علي خامنئي للدخول في مفاوضات مباشرة مع الغرب حول القضية النووية. وفي تناقض صارخ مع الرئيس السابق أحمدي نجاد، وفي محاولة التأسيس للهجة جديدة في السياسة الخارجية، بعث الرئيس روحاني على التويتر تحية رأس السنة الى الجاليات اليهودية في العالم وأطلق سراح العديد من السجناء السياسيين، كان ابرزهم نسرين سوتوده. وفي مقابلة مع كريستيان أمانبور في محطة السي أن أن، أدان روحاني أيضا 'جريمة' القتل الجماعي لليهود من قبل النازيين.
تتوقف النهاية الناجحة للأزمة النووية أيضاً على قدرة الرئيس أوباما على إقناع الكونغرس وأولئك المعارضين للتقارب بين الولايات المتحدة وإيران، حيث ان نظام العقوبات المتصاعدة والتهديد باستخدام القوة العسكرية لا يؤديان إلى حل سلمي. في الواقع، لدى إيران والولايات المتحدة مصلحة مشتركة في الحفاظ على الاستقرار في كل من العراق وأفغانستان، في الوقت الذي يعملان فيه معاً للحد من تأثير تنظيم القاعدة وحركة طالبان. نحن نقول بأن رئاسة روحاني تمثل نافذة فرصة لإحداث تحول في سياسة إيران الخارجية والسياسة الأميركية تجاه إيران.

العقوبات والاقتصاد الإيراني
إن العائق البنيوي الأخطر الذي يقيد سلطات الرئيس الإيراني هو تبعيته الدستورية للمرشد الأعلى. فتوازن القوى نادراً ما يكون لصالح الرئيس، هذا ان حصل أساساً. بالإضافة إلى ذلك، فإن التوتر بين مؤسسات الحكم المنتخبة وغير المنتخبة، الكيانات الحكومية وشبه الحكومية التي تسيطر على الاقتصاد، ومراكز السلطة المتعددة كلها تحث على وجود خلل سياسي في السلطة التنفيذية. وربما يعود ذلك في جزء منه الى الإحباط الشعبي العميق، إذ أظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية 2013 موجة من الدعم من أجل التغيير.
في الماضي كان من غير المتصور الاعتقاد بأن الرئيس سوف يكون قادراً على اقناع رجال الدين الحاكمين والحرس الثوري - الذين ما زالوا مسيطرين بقوة على برنامج إيران النووي ويكون له رأي كبير ومعبِّر في وضع أجندة السياسة الخارجية – الاستسلام لمسار سياسي تصالحي. في كل الأحوال، لقد أثبت روحاني خطأ هذه الفكرة التقليدية. ولأن المشهد السياسي المحلي الإيراني قد تحول، فإن حسابات نخبته قد تحولت كذلك. فالقائد الأعلى خامنئي يشيد الآن بفضيلة 'المرونة البطولية' في التعامل مع الغرب وفي حل الازمة النووية، على وجه الخصوص. إن فحصاً دقيقاً للتطورات الاجتماعية في إيران على مدى السنوات الـ 34 الماضية تشير، بعد كل شيء، إلى أن سلطة القائد الأعلى ليست مطلقة. إذ بالإمكان تقويضها بواسطة قوى المجتمع المدني والديناميات الاجتماعية التي تحرر سياساته.
غالباً ما كانت لخامنئي ردات فعل إزاء الأحداث بدلاً من قيادتها. فانتخاب روحاني لم يكن الأمر المفضل لدى خامنئي. وكونه استثمر رأسماله السياسي في إعادة أحمدي نجاد لولاية ثانية في عام 2009 على الرغم الاحتجاج الشعبي، ومواجهة السكان الهائجين المطالبين بتحسين  ظروف حياتهم، فقد كان على خامنئي الرضوخ للإرادة الشعبية. وربما يكون روحاني أفضل أمل بالنسبة لخامنئي لاستعادة شرعيته المتضائلة في الجمهورية الإسلامية. إن روحاني لا يملك الصلاحية الشعبية فحسب ليصبح وكيلاً للتغيير الذي كان قد وعد به خلال حملته الانتخابية، بل انه يتمتع بمباركة مشروطة من قبل سماسرة السلطة على أعلى المستويات لاستعادة مصداقية النظام.
لم يكن هناك أبداً   في السنوات الـ 34 الماضية مرشح  لديه مثل هذه الصلاحية والتفويض لا من فوق ولا من تحت. لم يحتل أي مرشح من قبل ابداً المركز السياسي بشكل فعال بما فيه الكفاية للتحكم  باحترام كل من اليسار واليمين . ولم يكن هناك أبداً من مرشح يمتلك الشعور الدقيق والحاد بالازمة الاجتماعية التي كانت واضحة جدا للنخبة والجماهير على حد سواء.
لجميع هذه الأسباب، تمثل رئاسة روحاني فرصة في هذه اللحظة. مع ذلك، هذا لا يعني أن روحاني سوف يكون قادراً على تحويل النظام السياسي الإيراني تماماً. فالمسؤولون غير المنتخبين والمؤسسات الغامضة غير الشفافة لا تزال مهيمنة، حيث أن مواضع القوى المتعددة تجعل من عملية صنع القرار وتنفيذه أمرا بالغ الصعوبة. كما أن ليس بامكانه ( الرئيس روحاني)، خلال فترة ولايته القصيرة في منصبه، معالجة كل الآثار السلبية أو قلب الحال المتعلق بالفساد وعدم الكفاءة المستوطن الذي يعاني منه الاقتصاد الريعي. مع ذلك، وبصفته مطلعاً سياسياً من الداخل، فإنه يعلم أفخاخ بنية السلطة، الشخصيات، الاطار المؤسسي، وطبيعة اللعبة السياسية وكيف تلعب بشكل فعال. هذه هي الأصول التي يحملها معه إلى الطاولة والتي توفر الأمل بالنسبة للإحتمالات الجديدة .
إن الاستياء العام الذي بلغ ذروته بانتصار روحاني متجذر بشكل رئيس في الاقتصاد الإيراني المريض وعدم قدرة الحكومة على التعامل معه على نحو فعال. لقد كان هناك ارتفاع مذهل في تكلفة المواد الغذائية والسلع الأساسية، مع معدل تضخم يحوم حول 42 في المئة ومعدل بطالة 18 في المئة. وانخفضت قيمة الريال الإيراني 80 في المئة في العامين الماضيين، كما انخفضت صادرات النفط في البلاد إلى 1.5 مليون برميل يومياً في ابريل/ نيسان ومايو/ أيار عام 2013، وذلك من 2.5 مليون في نهاية 2011. ووفقاً لبعض المصادر، فقد انخفضت شحنات الخام الايراني الى 700000 برميل يومياً في يونيو/ حزيران عام 2013، ثلث صادراتها النفطية قبل الجولة الحالية من العقوبات.
يبين الرسم البياني أدناه أنه في عام 2012 انخفضت صادرات النفط إلى أدنى مستوى لها منذ عام 1986، ويرجع ذلك إلى المجموعة الرابعة من العقوبات الغربية التي طالت قطاع الطاقة الايراني والنظام المصرفي. ونشرت إيران دخلها من النفط الذي بلغ 95 مليار دولار في عام 2011. أما في عام 2012، وعلى النقيض من ذلك، فقد كان دخل النفط فقط 69 مليار دولار. وبما أن البترول هو المسؤول عن 80 في المئة من إجمالي صادرات ايران و50-60 في المئة من عائدات الحكومة، فقد فرض الانخفاض الحاد قيوداً شديدة وجدية على قدرة الحكومة على توفير السلع والخدمات، كما أعاق النمو الاقتصادي.
يبقى من غير الواضح أين سيتم توجيه الاستياء الشعبي. لا يوجد اجماع بين الخبراء على الفعالية السياسية للعقوبات، التي تؤذي الناس العاديين والفقراء، على وجه الخصوص، أكثر مما تؤذي القيادة السياسية بكثير. ولجعل الأمور أسوأ، وفي  ظل خطة الإصلاح – خطة الدعم للرئيس أحمدي نجاد التي دخلت حيز التنفيذ في ديسمبر/ كانون الاول عام 2010، أزالت الحكومة الدعم عن السلع الغذائية الاساسية، الكهرباء، المياه والغاز، ما أدى إلى رفع الأسعار والى تحدي الميزانيات المنزلية أكثر.

الشكل 1. صادرات ايران من النفط الخام والمكثفات (1986-2012) /(ألف برميل يوميا)

v:* {behavior:ascii117rl(#defaascii117lt#VML);} o:* {behavior:ascii117rl(#defaascii117lt#VML);} w:* {behavior:ascii117rl(#defaascii117lt#VML);} .shape {behavior:ascii117rl(#defaascii117lt#VML);}

800x600 Normal 0 false false false EN-ascii85S X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif";}

 table1_400


قدرت وكالة الطاقة الذرية الدولية (IAEA) أن إيران قد خسرت أكثر من 40 مليار دولار في مجال عائدات التصدير في عام 2012، حوالي 2.4 مليار دولار شهرياً. فضلاً عن ذلك، ومع اعاقة مدفوعات صادرات النفط، بدأت طهران باللجوء إلى المقايضة مع المستوردين الرئيسيين، مقايضة النفط مقابل السلع. وتدفع الصين والهند، وهما أكبر مستوردين للنفط، ثمن النفط  بعملتيْ اليوان والروبية، وتودع الأموال في بنوكهما ما يمكِّن إيران من إعادة شراء السلع الاستهلاكية. وكانت الجمهورية الإسلامية، التي كانت يوماً في المرتبة الثانية كمنتج للنفط بعد المملكة العربية السعودية في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، مضطرة، بحسب ما ورد، إلى  تخزين ملايين البراميل من النفط في الناقلات العملاقة الراسية في الخليج الفارسي، بسبب العوائق المالية الناجمة عن العقوبات.
أما الأثر الأكثر أهمية للعقوبات فهو على الرعاية الصحية وتوافر الأدوية. إذ تصنع ايران 97 في المئة من الأدوية التي تحتاجها محلياً، وتلك الأدوية مدعومة بشكل كبير. إن ضعف العملة الإيرانية، الناتج عن العقوبات إلى حد كبير، يعني أن المواد الخام المستوردة لإنتاج الأدوية مكلفة للغاية الآن. وربما الأمر الأهم هو أن مثل هذه المواد الخام لا يمكن دفع ثمنها بسبب العقوبات المصرفية. فقد أوقفت الجمعية العالمية للاتصالات المالية ما بين البنوك ( SWIFT )، الممتثلة لعقوبات الاتحاد الأوروبي، خدمات اتصالاتها الإلكترونية بالمؤسسات المالية الإيرانية وغيرها من المعاملات. هذا الأمر منع، وبفعالية، توافر حتى الأدوية المنتجة محلياً. وواجه المصنعون والصيدليات الإغلاق والإفلاس على نطاق واسع. إذ لم يعد بالامكان انتاج الأدوية الأكثر تقدماً والمنقذة للحياة بشكل عام في إيران – أدوية مرض القلب، مشاكل الرئة، أمراض الكلى وغسيل الكلى، التصلب المتعدد، وأشكال كثيرة وعديدة من مرض السرطان. بالتالي، فإن القيادة في حاجة ماسة للهروب من الحظر المفروض على نظام SWIFT . فالجمهورية الإسلامية يمكن أن تحيا من دون مبيعات النفط، بحسب ما أشار محللون، ولكن ليس من دون القدرة على نقل المال.
إن العقوبات الاميركية الجديدة التي وضعت منذ فوز روحاني بالانتخابات الرئاسية قد دخلت حيز التنفيذ في 1 يوليو/ تموز 2013، ما وسع عدد الصناعات المحظور عليها التعامل مع ايران بشكل فعال، وكذلك فرض قواعد يمكن أن تمنع في نهاية المطاف جميع معاملاتها التجارية بالذهب والعملات. هذه العقوبات تعاقب أيضاً صناعة السيارات في إيران – ما زاد وبشكل كبير اسعار السيارات – كما تعاقب أي بنك أجنبي يجري ' تعاملات هامة' بالعملة الإيرانية.
مع ذلك، وكما حدث في الماضي، وعلى رغم اعترافه بالتكاليف الاجتماعية والاقتصادية لهذه العقوبات، يصر النظام على روايته 'المقاومة' وعدم التفاوض تحت التهديد. وبالمثل، فإن مجتمع رجال الأعمال الإيرانيين، في القطاعين الخاص وشبه الحكومي، هو المعني وحده بتحسين جوه التشغيلي ومناخه الاستثماري الخاص بدلاً من الضغط لأجل التغيير في استراتيجية ايران النووية. نتيجة لذلك، ظلت رواية المقاومة لخامنئي حتى الآن من دون منازع، على الأقل من قبل المقربين من قلب السلطة والجهات الفاعلة.
كي يكون لدى روحاني أي فرصة للنجاح السياسي، فإن عليه الوفاء بوعده بالتخفيف من العقوبات عن الشعب الإيراني. وبالتالي، فإن حل المواجهة النووية مع الولايات المتحدة وحلفائها أمر له حيز كبير في أجندة السياسة الخارجية. فالسياسات المعتدلة للرئيس السابق خاتمي، والتي تضمنت التعاون مع الولايات المتحدة في أفغانستان ضد تنظيم القاعدة، لم تكسب ايران سوى تسميتها من قبل إدارة جورج دبليو بوش في عام 2002 بوصفها عضواً في 'محور الشر'،  وبعد دعوة خاتمي لحوار الأديان في نيويورك قبل عام، قررت ادارة بوش أن هذا الوقت خطأ وبأن إيران هي البلد الخطأ في سعيها للتقارب. لذلك لم يكن لدى خاتمي شيء لاظهاره بسبب اعتداله. وبالتالي، فقد انتقل البندول السياسي إلى اليمين وفاز أحمدي نجاد في الانتخابات. فهل سيؤدي الاعتدال السياسي من جانب روحاني إلى نتيجة مثمرة أكثر؟

الازمة النووية
بصفته مستشار الأمن القومي السابق وكبير المفاوضين النوويين في ظل خاتمي، أثبت روحاني انه حريص على تغيير الموقف الإيراني النووي. وعلى الرغم من انه كان من المؤيدين للبرنامج النووي، المرادف لحق إيران بالسيادة والكرامة الوطنية، فإن على رأس أولوياته بقاء الإسلامية الجمهورية. وتحقيقاً لهذه الغاية، فانه على استعداد للقيام بتنازلات ووضع مسار جديد في سياسة إيران الخارجية تجاه الغرب. فإذا ما قدمت مجموعة الـ 5+1 (الأعضاء الدائمون في مفاوضات مجلس الأمن الدولي بالإضافة إلى ألمانيا) بعض الإغراءات الإيجابية - على سبيل المثال، إزالة بعض العقوبات في مقابل بعض التنازلات الإيرانية – فإن نفوذ روحاني في مقابل المتشددين سوف ينمو وسيكون في وضع أفضل حتى للوفاء بوعوده على الصعيد السياسي.
في كل الأحوال، يتطلب الحل السلمي للأزمة من الرئيس أوباما كسب الكونغرس الى صفه وتهميش المحافظين الجدد وأجندتهم السياسية المجابهة، وذلك لإقناع القيادة الإيرانية بأن التنازلات تكون بالمثل. إن فرض عقوبات أكثر صرامة أمر من المحتمل أن يقلل من احتمالات الحصول على نتائج إيجابية. فالقيادة الإيرانية تريد تجنب الظهور بمظهر تقديم تنازلات تحت ضغط الترهيب.
إن تدابير بناء الثقة، كالمكالمة الهاتفية التاريخية التي جرت بين أوباما وروحاني في 27 سبتمبر/ أيلول عام 2013، فضلاً عن اجتماع مباشر بين وزير الخارجية الاميركية جون كيري ونظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، في 26 سبتمبر/ أيلول عام 2013، هي خطوات بناءة يجب أن يتبعها حوارات موضوعية إضافية. فمثل هذه الاجراءات من المرجح أن تطمئن إيران لجهة أن الولايات المتحدة ملتزمة بتخفيف للعقوبات أو استبعاد القوة العسكرية. أما في التفاوض مع مجموعة الـ 5+1، فيجب على فريق روحاني اعتماد نهج مختلف، نهج يستند الى خطوات ومعاملة بالمثل. على سبيل المثال، يمكن لإيران أن توافق على الحد من برنامجها لتخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة أو الوعد بعدم الإضافة، بشكل كبير، الى مخزونها الحالي المؤلف من 180 كيلوغرام من الوقود النووي. ان تعليقاً مؤقتاً كهذا لبرنامج تخصيب اليورانيوم في مقابل رفع جزئي للعقوبات يمكن أن يتبعه خطوات متبادلة اضافية.
يعود فشل المفاوضات السابقة في جزء كبير منه إلى عدم الثقة المتبادلة بين مجموعة الـ 5+1 وايران. ولارساء باقي الشكوك بأن إيران تعتزم تطوير قنبلة، توجت طهران تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة. ولتطوير سلاح، يجب تخصيب اليورانيوم ليصل الى نسبة 90 في المئة. أما مخزون إيران الحالي البالغ 180 كجم فلا يرقى الى الـ 240 كجم الضرورية من اليورانيوم المخصب بنسبة 90 . هذه الأفعال، وبشكل واضح، ضبط للنفس. حتى الآن، لم تعثر وكالة الطاقة الذرية الدولية ( IAEA)، في عمليات التفتيش على الأرض للمنشآت النووية الإيرانية، على أي دليل على وجود برنامج للأسلحة.
لقد فاقم نهج الولايات المتحدة السابق تجاه إيران، المبني على العصا أكثر من الجزرة، من التوتر وأثبت هزيمة ذاتية. وقال بعض الباحثين، مثل سوزان مالوني، بأن ادارة أوباما، مع فرض العقوبات عام 2012، قد تخلت عن المبدأين الأساسيين وهما 'الضغط والإقناع' وبدأت بالانزلاق نحو سياسة تغيير النظام. فعندما يكون كل ما تبقى هو تصعيد العقوبات الى ما لا نهاية، فإن سياسة القسر والإكراه لن تسفر الا عن مردود متضائل. إذ لم يعد لدى الجانب الذي هو الطرف المتلقي أي حافز لتقديم تنازلات، مدركاً أن  عدوه ليس مهتماً حقا بحل سلمي للنزاع وانما بتصعيد الضغوط فحسب، على أمل انهيار النظام. ويكشف التاريخ عن أن الدبلوماسية القسرية هي الأكثر فعالية عندما تقترن مع حوافز إيجابية ومنح تنازلات، بحيث يمكن للخصم رؤية فوائد التسوية.
فشلت جولتان من مفاوضات مجموعة الـ 5+1 في عام 2013 في ألماتي، كازاخستان، في حل القضايا الرئيسة. ويبدو أن روحاني واع ومدرك تماماً بأن تقديم تنازلات لا بد وأن يكسر الجمود. وهذا يعني أنه ينبغي لإيران أن تعطي كل الضمانات اللازمة لوكالة الطاقة الذرية، بما في ذلك منحها عمليات تفتيش تدخلية تضمن أنه لن يتم تحويل برنامج إيران النووي نحو التسلح. في المقابل، يتعين على مجموعة الـ 5+1 الموافقة على عتبة تخصيب اليورانيوم المقبولة لجميع الأطراف والشروع في خطة مقابلة لتخفيف العقوبات، مع الهدف النهائي المتمثل بإزالتها تماما في مقابل شفافية ايران وتعاونها الكاملين. يقول العديد من الدبلوماسيين الغربيين ممن يعتقدون أنه لا يوجد حل عسكري للمواجهة النووية، بأن الطريقة الأكثر فعالية لضمان عدم مضي طهران بالمسار النووي هو من خلال حصر أنشطتها بتخصيب اليورانيوم، وزيادة عمليات التفتيش والشفافية الى أقصى حد لتنفيذها.
هذا النهج، وفقا لتريتا بارسي، من المرجح أن يوفر المسار الدبلوماسي الذي لطالما سعى اليه المعتدلون في طهران. وتحقيقا لهذه الغاية، انجذب البيت الابيض على نحو متزايد نحو فكرة  تقول بأن 'سياسة صفر تخصيب' هي سياسة لا يمكن دعمها. وفي اجتماع عقد مؤخرا لمجموعة5+1 في جنيف (15-16 أكتوبر 2013)، أشارت إيران ومجموعة القوى العالمية الست إلى أنهم انخرطوا في مناقشات 'موضوعية' و'تطلعية' وبأن المسؤولين الغربيين قد وجدوا المفاوضين الايرانيين صريحين، مستعدين، ومسهبين في مقاربتهم.
في أحدث مفاوضات عقدتها مجموعة الـ 5+1 في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، في جنيف، طالبت القوى العالمية الست إيران، بحسب ما ذكر، بتعليق التخصيب بنسبة 20 في المئة وتخفيف مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب لمدة ستة أشهر، مع الامتناع عن تثبيت أي من أجهزة الطرد المركزي الجديدة أو بناء مركبات الوقود في مفاعل اراك. فضلاً عن ذلك، فقد طلبت هذه القوى من إيران إخضاع منشآتها لعمليات تفتيش أكثر صرامة من قبل الوكالة. في المقابل، تنال ايران بعض التخفيف للعقوبات في مجالات قطاع السيارات، الذهب وصناعة البتروكيماويات. وسيكون هذا التخفيف تدريجياً، ويكون مقداره خاضعاً لمزيد من المفاوضات (6 مليار دولار في هذه المرحلة). وستحصل ايران أيضاً على امكانية الوصول إلى ما يقرب من 3 مليارات دولار من الأصول المجمدة بالعملة الصعبة في المصارف في الخارج. وفي حين أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق، فقد تعهد الدبلوماسيون الإيرانيون بالعودة إلى طاولة المفاوضات قبل 20 نوفمبر/ الثاني 2013، بعدما شاركوا تفاصيل هذا العرض مع مجلس النواب الايراني والقائد الأعلى.
في غضون ذلك، وكدليل أوسع على الضغط من أجل التوصل إلى تسوية دبلوماسية للأزمة النووية، وافقت إيران في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، على إعطاء مسؤولين في الامم المتحدة امكانية اكبر للوصول إلى بعض منشآتها النووية. كما وقعت ايران على 'إطار للتعاون' مع الوكالة الذي وفر 'قدرة وصول ناجحة ' الى منجم اليورانيوم ومصنع انتاج الماء الثقيل في اراك. بالإضافة إلى ذلك، وعد المسؤولون الإيرانيون بإخطار الوكالة الدولية في الوقت المناسب عن أي خطط لبناء مفاعلات نووية جديدة. وتشير  تقارير الوكالة أيضا إلى أنه كبادرة حسن نية، لم تضف إيران منذ أغسطس/ آب 2013  سوى أربعة اجهزة طرد مركزي لمصنعها الرئيس لتخصيب اليورانيوم في نطنز. هذا الأمر يتناقض بشكل حاد مع تقارير في الفترة السابقة (مايو/ أيار- أغسطس/ آب) والتي وفقاً لها قامت إيران بتركيب 1800 جهاز طرد مركزي جديد.  
إن كل هذه الجهود هي شهادة على حقيقة تقول بأن الإيرانيين يبطئون برنامجهم النووي بشكل هام وكبير حتى لا يثيروا الكونغرس الأميركي فيقوم بفرض المزيد من العقوبات وبأنهم جادون في السعى لانجاز اتفاق في الجولة القادمة من المفاوضات. أما بالنسبة لكثير من المراقبين السياسيين في الغرب، فإن هذه الأفعال تدل فعلاً على الانفتاح والمرونة الجديدين من جانب الدبلوماسيين الإيرانيين، الذين كانت أفعالهم منذ أغسطس/ آب 2013 معبرة أكثر من كلماتهم، مما يدل على الالتزام بالحل السلمي للمواجهة النووية مع الغرب.
من المكر حرمان إيران من أي من التكنولوجيا النووية المدنية مهما تكن استخداماتها المدني أو منعها من وجود أي قدرة نووية سلمية لديها، كما أيد البعض داخل إدارة بوش - وفق فرضية أنه بمجرد حصول إيران على التكنولوجيا الأساسية، فسيكون من السهل عليها استخدامها للحصول على القدرة العسكرية. وقد طرح روحاني القضية علنا عندما قال أن لإيران المبرر السلمي والمشروع لبرنامجها النووي. أما مهمته فهي الخروج باختراق استراتيجي في وجه الضغوط المتنافسة. هنا تكمن مقايضة هامة، إذا ما تم رد الجميل على اشارته برفع بعض العقوبات. فبعد أكثر من 30 عاما من المأزق الدبلوماسي الذي تكثر فيه الأخطاء والفرص الضائعة، لا تتطلب الدبلوماسية الرصينة ' ضربة زهر واحدة' فحسب، وانما جهداً مستداماً وصبوراً مبني على أساس فهم جديد اضافةً الى المرونة. إن أي عرض من قبل مجموعة الدول 5+1 يتجاهل حق ايران في تخصيب اليورانيوم من أجل الحفاظ على برنامج الطاقة النووية بصفتها عضو في معاهدة عدم الانتشار النووي (NNPT)، أو يدعو إلى أي الى فرض قيود إضافية على ايران التي تعتبر دولاً أخرى ذات البرامج النووية المماثلة معفاة منها، ستنظر اليه طهران باعتباره طلباً للاستسلام السياسي.
في القرن العشرين وحده، كانت حصة إيران أربع ثورات وانتفاضات (1905 - 1911، 1951-1953، 1963، 1978-1979)والتي  كانت في جوهرها عبارة عن مطالب بتقرير المصير والاستقلال الوطني. ولا يهم ماهية الحكومة الموجودة في طهران، إذ لا يمكنها تحمل ما يبدو خيانة ' السيادة الوطنية'. لدى واشنطن وحلفائها الآن فرصة لتصحيح أسوأ مخاوف القادة الإيرانيين: أي أنه بما أن ايران لا تمتلك قنابل نووية، فإن هذه المسألة هي ستار لأهداف الولايات المتحدة الحقيقية وهي الخنق الاقتصادي وتغيير النظام. كما أن الحكومة الإيرانية، بدورها، بحاجة لأن تضع حدا للأسطورة، التي غالبا ما كانت تكرس بقوة خلال حكم نظام أحمدي نجاد، وهي أنها عازمة حقا على بناء أسلحة نووية بهدف إسقاطها على إسرائيل والولايات المتحدة - على الرغم من أن ذلك يعني يقيناً انتحاراً وطنياً. إن مزيداً من الشفافية والسلوك التعاوني تجاه الوكالة من شأنه أن يساعد على دحض هذه الأسطورة ويشوه أكثر سمعة الداعين لها.
ينبغي لنا أن نشيد بالرسائل التي أرسلها 29 من صانعي السياسات، المحللين، والخبراء، و 131 من أعضاء مجلس النواب الأميركي، في تموز عام 2013 للرئيس أوباما، مما شجعه على استخدام الفرصة التي وفرها انتخاب روحاني لتنشيط المفاوضات مع إيران. مع ذلك، ينبغي أن نكون واعين بنفس القدر لجمهور الأنصار في الكونغرس الأميركي الذي واصلوا معارضتهم التقارب مع إيران. ففي 31 يوليو/ تموز، عام 2013، صوت الكونغرس بأغلبية ساحقة وباسلوب الحزبين الجمهوري والديمقراطي على فرض عقوبات جديدة على إيران. وادلى النائب إد رويس (الجمهوري عن ولاية كاليفورنيا)، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، بالملاحظات التالية حول تمرير مشروع القانون: ' قد يكون لإيران رئيس جديد، لكن مسيرتها نحو برنامج نووي سوف تستمر. يجب تكثيف الضغوط الاقتصادية والسياسية على طهران. لقد اتخذ مجلس النواب اليوم خطوة حاسمة نحو شل هذا النظام لمنع قيام إيران نووية والعواقب الأمنية الوخيمة المتأتية عن ذلك'.
أعقب هذه المبادرة رسالة إلى الرئيس أوباما في 5 أغسطس/ آب 2013 ، من 76 عضو في مجلس الشيوخ من كلا الحزبين، طالبين منه ' تجديد المطالب الملحة حول البرنامج النووي الايراني'. وطلب أعضاء مجلس الشيوخ من أوباما تأييد سياسة فرض عقوبات أكثر صرامة وترافُق التهديد العسكري الموثوق  مع ' الحوار ' مع ايران. وتعارض كتلة من الديمقراطيين - بما في ذلك كبار أعضاء لجنتيْ الشؤون الخارجية في كل من مجلسي الشيوخ والنواب– وبشدة، رفع العقوبات عن إيران إلا إذا قدمت  طهران تنازلات تتخطى بكثير كل ما كان وزير الخارجية ظريف قد تحدث حوله في جنيف ( 15-16 أكتوبر/ تشرين أول، 2013 ). وبالمثل، فقد وعدت لجنة الشؤون العامة الاميركية - الاسرائيلية ( إيباك)، احدى أقوى جماعات الضغط في واشنطن، بأن تفعل كل ما بوسعها للحفاظ على بقاء العقوبات. وفي حين أن إيران والمجتمع الدولي على استعداد للقيام بمساومة حقيقية في سلسلة الاجتماعات المقبلة لمجموعة الدول 5+1، يبقى السؤال ما إذا كان لدى إدارة أوباما الإرادة السياسية لمقاومة اللوبي المؤيد لإسرائيل لحشد ما يلزم من رأس المال السياسي لرفع العقوبات. فالمواجهة لم يعد من الممكن فهمها من خلال الحسابات المنطقية لمصالح السياسة الخارجية الأميركية، بل يمكن فهمها بشكل أفضل من خلال منظار السياسة الداخلية الأميركية .
إذا ما فازت هذه العقوبات بموافقة مجلس الشيوخ وسن مشروع بذلك، فإنها ستخفض صادرات النفط الإيراني الى الصفر عملياً. هذا الأمر هو بمثابة حرب اقتصادية ومحاولة واضحة لتغيير النظام. ما سيكون أكثر افادة هي السياسة التي ستؤخر المزيد من العقوبات، وذلك لإعطاء المفاوضات فرصة للنجاح. ففي مواجهة تصريحات روحاني التصالحية في الأمم المتحدة، سوف ينظر إلى أي عقوبات إضافية في طهران أيضاً كتحدي على دعوة ايران للانخراط والحوار الدبلوماسي. سوف تقوض مكانة روحاني و تعزز المتشددين. ومن المحتمل أن تنظر طهران إلى الاستراتيجية الأميركية باعتبارها محاولة لضمان فشل الدبلوماسية. إذ سيعتبر من جانب طهران طلباً للاستسلام. وبالتالي ، ونظرا لحملة التضليل المتفشية والضجيج المحيطة بالبرنامج النووي الايراني في العقود الثلاثة الماضية، فإن أي تقارب بين الولايات المتحدة و إيران وحل قضايا الصراع العالقة الأخرى سيكون متوقفاً على حل المأزق النووي.
من أجل ترجمة اشارات حسن النية ( كتلك المتمثلة في اجتماع رجل مقابل رجل، أي  بين كيري وظريف، وكذلك الدعوة التاريخية من جانب أوباما إلى روحاني عندما غادر نيويورك إلى إيران) إلى تغيير سياسي فعلي، هناك حاجة إلى مبادرةأميركية أوسع وأكثر جرأة. فالتحديات الكبرى لا تزال قائمة، مثل ما إذا كان بامكان روحاني إقناع القيادة الإيرانية المنقسمة بتفكيك أقسام البنية التحتية الذرية للبلاد في مقابل تقليص العقوبات. هل سيكون أوباما وفقاً لذلك قادرة على القيام بالمثل ؟ فمن دون انقلابات جذرية في العقوبات، سيكون الايرانيون مترددين بخصوص التخلي عن التقدم النووي، والعكس بالعكس.

تحويل الديناميكيات الاستراتيجية
يواجه الرئيس روحاني وضعاً معقداً ومائعاً أكثر بكثير من ذلك الذي واجهه أسلافه. فقد شهد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انتفاضات لم يسبق لها مثيل، وتخوض سوريا – الحليف العربي الوحيد لإيران- حرباً أهلية دموية. لقد كانت الاضطرابات عبارة عن نعمة ونقمة بالنسبة لإيران. فمن جهة، لقد مثلت نكسة للنموذج الإيراني بالتغيير والحكم. وقد أثبت انتصار اللاعنف - بقيادة الشباب الذين يعتنقون أفكار الحرية العلمانية، العدالة الاجتماعية والأمن الاقتصادي – عن تغلبه على روايات أيديولوجية كبرى مثل الإسلاموية. من ناحية أخرى، كان ينظر الى انتصارات حزب النهضة الإصلاحي الإسلامي في تونس والإخوان المسلمين في مصر على أنها فرصة حقيقية. وتفسر النخب الحاكمة المحافظة الايرانية هذا الانتصار على أنه صحوة إسلامية وليس عربية. ففي 3 يوليو/ تموز 2013، فشل انقلاب الجيش المصري ضد الرئيس محمد مرسي في البداية باستحضار رد فعل حاد من جانب الجمهورية الاسلامية. في كل الأحوال، وبعد الارتفاع الكبير في العنف في الشارع، رفض نائب وزير الخارجية الايراني، أمير عبد الحيان، أي تدخل أجنبي في شؤون مصر الداخلية، مشيراً إلى أن ذلك يتعارض مع أهداف التغيير الديمقراطي السلمي. كما دعا علماء الدين في مصر إضافة إلى المؤسسات السياسية والتابعة للدولة  للمساعدة في انهاء العنف.
إن آثار التموجات الإقليمية والتأثير الأكبر والاخصاء السياسي للإخوان المسلمين وادارة مرسي من قبل الجيش المصري القدير ملفت بشكل خاص. فهذا الانقلاب، الذي كان قد نفذ بدعم شعبي، بعث برسالة إلى الإسلاميين الآخرين في المنطقة: قضية الإسلام السياسي يمكن أن تنهار.
بعد الانقلاب، عرضت الحكومات السعودية، والكويتية والإماراتية 12 مليار دولار كحزمة مساعدات للجيش المصري، مما أثار المزيد من التكهنات حول استعداد دول الخليج العربية لمنع صعود الإسلاميين إلى السلطة. وبالمثل، إن تردد وإحجام إدارة أوباما بتسمية هذا التحول الدرامي للأحداث بـ 'الانقلاب' - والذي من شأنه أن يجعل الجيش المصري غير مؤهل لتلقي المساعدات العسكرية الأميركية السنوية بقيمة 1.5 مليار دولار - يوضح تفضيل الولايات المتحدة القوي لحكومة علمانية مدعومة من الجيش وإدماج الإخوان المسلمين كلاعب ثانوي في تركيبة السلطة.
في هذه الأثناء، أدى اغتيال محمد براهمي، أحد قادة تحالف الجبهة الشعبية العلمانية في تونس، الى توريط البلد في حالة من الاضطراب السياسي. ومن المرجح أن يكون لهذا الاغتيال، وهو الثاني من نوعه في استهداف قيادي علماني معارض كبير في غضون الثمانية أشهر الماضية، تأثير تقسيمي على المجتمع والحياة السياسية التونسية.
إن هذه الأحداث، معاً، التي بينت وجود استياء واضح إزاء ضعف أداء الإسلاميين في الحكم، لا بد أن تثير تساؤلات حول قدرتهم على الحكم بفعالية. إن صعود في العالم العربي في مرحلة ما بعد الثورات قد عرضت إلى أن الاستعداد القومي قد أدى بالفعل الى تضاؤل جاذبية موقف طهران السياسي المعادي لإسرائيل في 'الشارع العربي'. وكشفت الانتفاضات أيضاً عن مدى ضعف الأنظمة الاستبدادية إزاء العمل الجماعي وعن مدى هشاشة قبضتهم على السلطة ما أن تتآكل شرعيتهم السياسية. هذه الدروس لم تفت الممسكين بتلابيب السلطة في طهران وهم على يقين من اضطرار الجمهورية الإسلامية الى التحول إلى السياسة البراغماتية على امتداد المنطقة.

الوفاق مع المملكة العربية السعودية
إن تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية يحمل في طياته انعكاسات كبيرة على العراق، البحرين لبنان، اليمن وسوريا. وادراكاً منه لذلك، شدد روحاني على أهمية تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية بصفتها بلد 'جار وشقيق' وذلك في أول مؤتمر صحفي له عقب الانتخابات. وكان له الفخر لكونه الموقّع على أول اتفاقية أمنية للجمهورية الإسلامية مع المملكة العربية السعودية في عام 1998. فتاريخياً، كان هذان البلدان على خلاف بشأن العديد من القضايا الإقليمية، بما في ذلك سياسات الطاقة، الثورة في إيران، الوجود الأميركي في  المنطقة، والتدخل الخارجي في السياسة التقسيمية.
تعود جذور الصراع بين إيران والمملكة العربية السعودية إلى الأيام الأولى من عمر الثورة الإيرانية. فخلال الحرب العراقية- الإيرانية (1980-1988)، تدهورت العلاقات بسبب دعم السعوديين لنظام صدام حسين. وقد تحسنت العلاقات بين البلدين في ظل رئاسة كل من رفسنجاني وخاتمي، عندما اتخذت الحكومة الإيرانية مساراً سياسياً أكثر اعتدالاً وقامت بمبادرات ترمي إلى إصلاح العلاقات مع المملكة. وقد اتبعت زيارة الرئيس رفسنجاني إلى الرياض في عام 1996 زيارة ولي العهد الأمير عبد الله إلى طهران في عام 1997، ثم زيارة الرئيس خاتمي للرياض في عام 1999.
توسعت العلاقات التجارية بين البلدين خلال هذه الفترة. فقد كان لدى ايران الدافع لتظهر لجيرانها بأنها لم تعد تسعى الى تصدير ثورتها، على أمل أن يعزز ذلك إمكانية التقارب مع المنطقة والغرب. أما السعوديون، وبعدما شهدوا غزو صدام للكويت في عام 1991، فقد أدركوا أن التهديد الحقيقي لأمنهم القومي يأتي من بغداد، وليس طهران. وأدركوا أيضاً أن إيران هي مجرد بلد آخر في المنطقة يمكنه احتواء طموحات صدام الإقليمية.
لكن، حتى في هذه المرحلة، فإن عدم الثقة والمنافسة الطائفية والمذهبية كانا بالمرصاد تحت السطح السياسي. فالسبب الدائم لتدهور العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية هو تصورهما المستمر ' للتهديد المتبادل'. إذ يعتبر القادة الإيرانيون الحكومة السعودية مسؤولة عن تسهيل الوجود الأمريكي في المنطقة، وبأنها متواطئة في فرض العقوبات الاقتصادية على إيران.
لا تزال المملكة العربية تعارض بحزم أي اتفاق بين طهران وواشنطن، وذلك يعود جزئياً الى أن السعوديين يشعرون بالقلق من أن أي تحسن في العلاقات الأميركية- الإيرانية قد يؤدي إلى لعب إيران دوراً أكبر في الشؤون الإقليمية. مع ذلك، والأهم من ذلك، هو موقف السعوديين المتشدد تجاه نظام الأسد ودعمهم لحل عسكري في سوريا - وهو موقف يختلف مع موقف واشنطن – والذي يعتبر في صميم معارضتهم لأي تقارب بين إيران والولايات المتحدة. وقد أشارت بعض التقارير حتى إلى أن العقود العسكرية الفرنسية الجديدة مع المملكة العربية السعودية كانت من بين الدوافع الجيوسياسية من أجل تخريب الاتفاق النووي مع ايران خلال مفاوضات مجموعة الدول 5+1 في 7-9 نوفمبر/ تشرين الثاني، 2013.
كان التعاون الأميركي - السعودي عقبة مستمرة أمام العلاقات بين إيران والسعودية، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر باستبدال صادرات النفط الإيرانية بالصادرات السعودية في السوق الدولية، وإضعاف قوتها الإقليمية. وكما ذكرنا أعلاه، لقد شهدت هذه العلاقة فترات انفراج أملتها المصلحة السياسية. أما أحدث مثال على ذلك فكان عندما دعا الملك عبد الله الرئيس السابق أحمدي نجاد إلى قمة دول مجلس التعاون الخليجي السنوي المنعقدة في الدوحة، قطر، في ديسمبر/ كانون أول 2007 - أول حضور لرئيس ايراني - على الرغم من النصائح المتكررة التي وجهتها ادارة بوش للسعوديين للانضمام إلى الولايات المتحدة في جهودها الرامية إلى عزل إيران. مع ذلك، وعندما تدخل السعوديون عسكرياً لسحق انتفاضة الحوثيين (الشيعة) في اليمن في عام 2009 واتهامهم الحكومة الإيرانية بالتحريض عليها، فترت العلاقات بين البلدين الى حد كبير. واتهمت ايران، بدورها، المملكة العربية السعودية بتمويل تمرد البلوش السنة، سراً، داخل إيران على طول الحدود مع باكستان.
إن سوريا هي أحدث وأخطر ساحة صراع بين البلدين، مع دعم إيران لنظام الأسد وحزب الله الشيعي ضد المتمردين المسلمين السنة المدعومين من السعودية. وتعتبر المملكة العربية السعودية التورط في العراق وسوريا في سياق نوايا إيران للهيمنة في المنطقة. إن التورط السعودي والإيراني في هذه الدول ليس بدافع الطموح فحسب، وانما بسبب تركيبة العلاقات الإقليمية الدولية. فبالنسبة لانسحاب أي من الدولتين فإن هذا يعني المخاطرة بالتخلي عن سوريا والعراق وتسليمهما لمنافستها ووضع نفسها في وضع غير مؤات محفوف بالمخاطر. لكن، وبينما يحصل تحول في الديناميات السياسية وميزان القوى، على الصعيدين المحلي والدولي، فإن من المرجح أن يغير كلا الجانبين مواقفهما. وعلى الرغم من العوائق الهيكلية العالقة، فإن لدى كل من إيران والمملكة العربية السعودية الكثير لتكسباه من التخفيض التدريجي للطبيعة الطائفية الشديدة للمنافسة بينهما، والتي تقوض مصالح كلا البلدين والمنطقة على نطاق أوسع على المدى الطويل.
وتماماً كما أدركت القيادة السوفيتية بأنه للحفاظ على 'الوطن الاشتراكي الأم' فقد كان عليها أن تضحي بتصدير الثورة الاشتراكية والتخلي عن بعض الحلفاء، فإن القيادة الإيرانية قد تستنتج في النهاية أن حماية الأمن القومي ينسخ التزامها بحليفها الشيعي في سوريا. قد تستنتج طهران أن قبضة نظام الأسد على السلطة واهية وأن إيران بحاجة إلى تحويل انتباهها إلى الشؤون الداخلية، اصلاح اقتصادها المريض، وتسوية القضية النووية بغية ضمان بقائها. ومن المرجح أكثر أن تعرض إدارة روحاني المرونة في دعمها لنظام الأسد، إذا ما تجسد التقارب الأميركي - الإيراني بشأن القضية النووية وما عداها.
في الواقع، لقد كان البلدان على تواصل بشأن الأزمة السورية. فقد غذت زيارات السلطان قابوس، سلطان عمان (حلقة الوصل بين واشنطن وطهران) إلى إيران في أواخر أغسطس/ آب 2013، وجيفري فيلتمان، مساعد وزير الخارجية الأميركي سابقاً ووكيل الأمم المتحدة للشؤون السياسية حالياً، التكهنات بأن طهران وواشنطن تتبادلان الرسائل بشأن سوريا. وقال كل من وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ووزير الخارجية البريطانية وليام هيج أنه ينبغي ادراج إيران، بصفتها حليفاً لنظام الأسد، في مفاوضات السلام في جنيف. وتدرك اشنطن، على نحو متزايد، أن التسوية السياسية للأزمة السورية قد لا تكون مستدامة دون وجود إيران على الطاولة. إن دعم روحاني للاتفاق الأميركي – الروسي لتدمير الأسلحة الكيميائية السورية في مقابل وضع حد للتهديدات الأميركية بالقيام بضربات جوية يمكن أن يكون خطوة أخرى نحو التقارب. وقال روحاني أيضاً أن حكومته على استعداد لقبول أي حاكم سوري منتخب، مشيراً إلى أن إيران غير ملتزمة بالكامل باستمرار حكم الأسد، ويمكن أن تصادق على ترتيبات انتقالية متفق عليها في مؤتمر جنيف.
وعلى نفس المنوال، فإن الطريقة الوحيدة لمنع العراق من السقوط في دورة أخرى من الحرب الأهلية هي باستخدام قدرات المملكة العربية السعودية وإيران والقوى الإقليمية الأخرى. ففي أعقاب رحيل القوات الأميركية، يكمن الطريق إلى الاستقرار في العراق في الاعتراف بالدور الإيجابي الذي يمكن لإيران والمملكة العربية السعودية أن تقوما به في استنهاض الاستقرار السياسي، نظرا لحدود القوة العسكرية للجيش الاميركي. ينبغي لواشنطن أن تستوعب قوى التاريخ والتقاليد والجغرافيا التي شكلت النظام الإقليمي في الخليج الفارسي، مثلث تقليدي شكله كل من إيران، العراق والمملكة العربية السعودية.
في كل الأحوال، لقد عززت عدة تطورات دراماتيكية في السنوات الأخيرة ثقة العراق بنفسه في مقابل ايران. وقد أدت انتخابات 2009 الرئاسية المثيرة للجدل في إيران الى اشتداد حدة الانقسام السياسي وجعلت سياسة طهران تجاه العراق في حالة من الفوضى. كانت انتخابات 2010 في العراق نقطة تحول هامة ايضاً. إذ فاز ائتلاف العراقية لعلاوي بـ 91 مقعدا في مقابل 89 لكتلة دولة القانون للمالكي. أما التحالف الوطني العراقي، وهي مجموعة دينية شيعية يسيطر عليها أتباع الصدر، فقد نال ما يقرب من 70 مقعداً، وفازت الأحزاب الكردية بـ 51 مقعدا. وأصبح من الواضح أن السياسة في العراق تدور أكثر الآن حول المنافسات المتبادلة بين الفصائل الشيعية الموالية لعلاوي، القوى الموالية للتيار الصدري والموالية للمالكي وشخصيات أخرى، وأولوية المصالح المحلية بدلاً من الهوية الدينية الواحدة. وقد أضعفت هذه الانتخابات النفوذ السياسي الإيراني أكثر، وذلك من خلال تجديد الحس القومي العراقي. هذا التطور أدى إلى زيادة تفتت الشيعة وتمكين الأحزاب السياسية ذات الأجندات القومية بدلاً من الأجندات الطائفية.
أما الأمر الأهم، فهو أن سياسة إيران نحو سوريا تكشف، وبشكل واضح، هذا الانقسام وقد ساهمت بشكل ملحوظ بحصول انقسامات عميقة بين النخب الحاكمة في إيران (الذين يؤيدون نظام الأسد لدعمه اللوجستي لحزب الله في الصراع مع إسرائيل) وبين حكومة المالكي في العراق، التي تعارض القيادة السورية الحالية بسبب معالجتها القاسية والوحشية للاضطرابات الأهلية. إن ما جعل المالكي ينأى بنفسه عن النخبة الحاكمة في إيران هو التغيرات التاريخية التي اجتاحت جميع أنحاء المنطقة مع 'الربيع العربي'. فبالوقوف الى جانب إيران، أدرك المالكي أن العراق يمكن أن يفوت على نفسه فرصة تاريخية كبرى ليكون محفزاً سياسياً وحتى محفز يؤدي إلى تحرك في العالم العربي نحو إنشاء 'ديمقراطيات جديدة'. إن تصاعد المشاعر المعادية للولايات المتحدة في العراق، وكذلك في النظام السياسي العربي الناشئ حديثاً، يقابله، وعلى نحو متزايد، عداء تجاه إيران، التي يُنظر اليها على نطاق واسع من قبل العرب، بما في ذلك العديد من العراقيين الشيعة، على أنها قوة هيمنة إقليمية. هذه التطورات السياسية الجديدة لا تترك لروحاني خيارات كثيرة فيما يتعلق بسياسته تجاه العراق. فمن المرجح أن يتصالح مع تقلص النفوذ الإيراني هناك، وأن يتكيف مع الحقائق الجديدة.
وبالمثل، أصبحت البحرين حلبة سباق مثيرة للجدل تستعرض فيها كل من ايران والمملكة العربية السعودية عضلاتهما. وفي حين أن من الصحيح  القول بأن كلاً من طهران والرياض مترددتان بمواصلة حرب بالوكالة في البحرين، فإن أصداء الانتفاضتين المصرية والتونسية قد أثارتا الاحتجاجات المؤيدة للإصلاح في ساحة اللؤلؤة. وقوبل هؤلاء المحتجون برد فعل عنيف. ان الكلام حول التورط الايراني في انتفاضات البحرين مبالغ فيه؛ فالبحرينيون لا يأخذون اشارات من طهران. إن الاضطرابات متجذرة في الإحباط المكبوت مع نظام سياسي يقصيهم عن السلطة ويتركهم فقراء. ويتطلع الحزب المعارض السائد ، حزب الوفاق، إلى المرجعيات الدينية العربية (العراقية) الشيعية بدلا من المرجعيات الإيرانية. هذا واضح في شعارات البحرينيين، مثل 'هذه الأمة ليست للبيع '، و' السنة والشيعة  أخوة'.
بعد شهر من بدء الانتفاضات في المنامة، تدخل السعوديون. وقد أدى نشر قوات من المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة للمساعدة في تحقيق الاستقرار في البلاد الى مزيد من التطرف من جانب قطاعات أكثر تديناً داخل الأغلبية الشيعية. ومن المؤكد أنه مع غياب الإصلاحات المحلية فإنه سيكون للتوترات آثار إقليمية أوسع، مما يؤدي الى اشتداد حدة الانقسامات القائمة بين السنة والشيعة. وقد دعمت الولايات المتحدة وبريطانيا العائلة الحاكمة في البحرين، التي سمحت للولايات المتحدة بتشغيل قواعد بحرية هناك. وفي ضوء هدفه المعلن بخصوص تحسين العلاقات مع الغرب والسعودية، فإن من غير المرجح  أن يغير الرئيس روحاني سياسة كف اليد التي تنتهجها الجمهورية الاسلامية تجاه البحرين.
مع ذلك، بامكان روحاني أن يقلل من التوتر بين إيران والمملكة العربية السعودية من خلال التركيز على المصالح المتبادلة، تأكيد التعاون في المسائل الأمنية، التعاون داخل أوبك حول سياسة الطاقة، والعمل معاً لمكافحة الإرهاب والتطرف. إن متابعة المصالح الإقليمية المشتركة قد تكون خطوة أولى فعالة في توسيع التعاون الإقليمي على مثل هذه قضايا من قبيل إيجاد حل مقبول للطرفين ل

موقع الخدمات البحثية