مواد أخرى » دروس من الماضي في النزاع النووي الايراني

تايتي ايراستو ـ Middle East Research and Information Project ـ 16 نيسان، 2014

إن الجدل الدائر حول البرنامج النووي الإيراني هو، ومن نواح عديدة، نتاج الصراع الأميركي - الإيراني. فالولايات المتحدة وإيران عالقتان في قبضة التصورات السلبية المتبادلة التي تعززت، بدورها، بالديناميات التصعيدية للنزاع النووي. وبعد سنوات من الجمود الديبلوماسي الواضح، تغيرت هذه الديناميكيات فجأة الى الأفضل وذلك في خريف عام 2013. وتُوجت التوجهات الإيجابية في نوفمبر/ تشرين الثاني عندما وافقت إيران مع أعضاء مجلس الامن الدولي الخمس الدائمين وألمانيا، أو ما يسمى بمجموعة الدول 5+1، على اتفاق لبناء الثقة والمعروف باسم خطة العمل المشتركة (JPA). ونظراً لسجل عدم  الانجاز الديبلوماسي، تعتبر الصفقة تطوراً تاريخياً. وبدأت الأطراف بتنفيذ 'خطة العمل المشتركة' ( JPA) في يناير/ كانون الثاني 2014؛ ومن المفترض أن تمهد الطريق لخطوات تالية أكثر طموحاً بكثير.
على الرغم من أن عدم التصعيد وخطة العمل المشتركة ( JPA) مرتبطان عموماً بانتخاب حسن روحاني رئيساً للجمهورية الإسلامية وبالتغيير اللاحق الحاصل في توجهات السياسة الخارجية الإيرانية، فإنه لا يمكن فهم هذه التطورات بشكل كامل دون الأخذ بعين الاعتبار التغيرات الحاصلة على الجانب الغربي في نفس الوقت. في الواقع، لقد كان صيف عام 2013 فترة تأمل حاسمة لدى الجانبين عندما بدأت الأفكار الثابتة والروايات تفسح المجال لمواقف أكثر مرونة. إن المناقشة التالية، استناداً إلى مقابلات مع مفاوضين ودبلوماسيين من الجانبين، تبين أن كل جانب من الجانبين كان قد وصل إلى نقطة حاسمة في عملية التعلم في فترة انتصار روحاني.

الخلفية
بدأت الشكوك لدى الولايات المتحدة حول مدى البرنامج النووي الايراني والقصد منه في التسعينات. في تلك السنوات، فرضت إدارة كلينتون ضغوطاً على الشركات الأجنبية لقطع الطريق امام وصول إيران إلى التكنولوجيا النووية المدنية. ويثير المسؤولون الايرانيون في كثير من الأحيان هذا التاريخ عندما يدافعون عن حاجة للجمهورية الاسلامية الى برنامج التخصيب المحلي. لكن فقط في عام 2002 ،  ورداً على الكشف في العام نفسه عن مرافق نووية غير معلنة في إيران، أصبحت المخاوف من الانتشار النووي أمراً دولياً مشتركاً. وكان رد إيران الأولي على المخاوف الدولية عرضاً شاملاً لمفاوضات ثنائية مع الولايات المتحدة في عام 2003. رفضت ادارة بوش العرض، في انعكاس للمزاج الإمبراطوري بعد غزو العراق، وكذلك لحرمان الجمهورية الإسلامية من الشرعية، كما هو واضح في خطاب ' محور الشر '. بدلاً من ذلك، بدأت دول  الاتحاد الأوروبي 3 - بريطانيا، فرنسا و ألمانيا - المفاوضات مع إيران، مما أسفر عن اتفاق علقت بموجبه إيران أنشطة تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجته، واعترف الاتحاد الأوروبي3 بحقوق إيران النووية، وعرض التعاون النووي وقدم ' التزامات صارمة بشأن القضايا الأمنية '.
بعد خلاف حول تفاصيل انهت مبادرة الاتحاد الأوروبي -3 في عام 2005، استأنفت إيران أنشطتها المعلقة وانضم الأوروبيون الى الولايات المتحدة في الدعوة لاتخاذ اجراء في مجلس الامن الدولي. في الوقت نفسه، تولت مجموعة الـ 5+1 العملية الدبلوماسية النووية مع إيران. ولم تجر محادثات متعددة الأطراف حتى منتصف عام 2008 . وكانت مقاربة مجموعة الـ 5+1 الأولى تتألف من مطالبة ايران بتعليق تخصيب اليورانيوم ، وذلك تماشياً مع سياسة الولايات المتحدة وقرارات مجلس الأمن منذ عام 2006. أما من وجهة نظر إيرانية، فقد أظهرت التجربة السابقة مع الاوروبيين أن الغرب ينظر إلى التعليق باعتباره غاية في حد ذاتها وليس وسيلة للتوصل إلى حل عن طريق التفاوض. وفيما أصبح نمطاً متكرراً، ردت ايران بتصعيد أنشطتها النووية .
يمكن القول إن الخطر المتزايد بالتصعيد إلى مواجهة عسكرية ساهم في تغيير نهج مجموعة الـ 5+1 في عام 2009. فبناءً على حملة الرئيس باراك أوباما الذي تعهد فيها بالتفاوض مع ايران ' من دون شروط مسبقة '، أطلقت مجموعة الـ 5+1 على نهجها الجديد اسم 'بناء الثقة '،  وهذا يعني انسحاباً ضمنياً من مطالب مجلس الأمن وتحولاً بالتركيز نحو الحد من الإنتاج والمخزونات الإيرانية من اليورانيوم المخصب. في كل الأحوال، وبعد نجاح دبلوماسي قريب في أواخر عام 2009، بدأت ايران بتخصيب اليورانيوم حتى نسبة 20 بالمئة، العتبة التي يعتبر فيها هذا العنصر ' عالي التخصيب '، وإن لم يكن على مقربة من صنع السلاح النووي، أي التخصيب بنسبة 90 في المئة. في هذه الأثناء، فرض الغرب أقسى العقوبات حتى الآن في النزاع في مجال صناعة النفط الايراني وعلى البنك المركزي. ففي محادثات عام 2012 وربيع 2013، طُلب من ايران تعليق التخصيب بنسبة 20 في المئة، التخلي عن مخزونها من اليورانيوم المخصب بالفعل إلى مثل هذه المستويات، ووقف جميع الأنشطة في محطة فوردو للتخصيب الموجودة تحت الارض. في المقابل، عرضت مجموعة الـ 5+1 مساعدة إيران في بناء مفاعل جديد للماء الخفيف، تسليم قطع الغيار لطائراتها المدنية، وفي ربيع عام 2013 في ألماتي، في كازاخستان، تقديم  تخفيف متواضع للعقوبات على التجارة في الذهب والمعادن والبتروكيماويات. وردت إيران، بحسب التقارير، بعرض تعليق التخصيب بنسبة 20 في المئة وتحويل مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى أكسيد (الذي من الأصعب تخصيبه أكثر)، ولكن فقط ' في مقابل الاعتراف بحقها في التخصيب ورفع بعض العقوبات المصرفية '. ورفض كل جانب مقترحات الطرف الآخر.
عقدت المحادثات خلال صيف عام 2013. لكن فوز روحاني جلب معه تغييراً غير مسبوق وبروز ايماءات تصالحية بين طهران وواشنطن. وعندما اجتمعت فرق جديدة من المفاوضين في أكتوبر/ تشرين أول، عرضت إيران، بحسب ما قيل، معالجة المخاوف العالقة حول تخصيب اليورانيوم، وطلبت من مجموعة الـ 5+1 تحديد هدفها النهائي -  هل أن المجموعة لا تزال مصرة على مطالب مجلس الأمن الدولي أم أنها على استعداد لقبول حق ايران في تخصيب اليورانيوم بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية 1975 ( NPT) مع القيود المتفق عليها؟ في الماضي، توصل الطرفان إلى اختراق، في شكل خطة العمل المشتركة ( JPA). هذه العملية الممتدة لستة أشهر تنطوي على تقييد الانشطة النووية الايرانية وتعزيز رصدها وتخفيف العقوبات على نطاق أوسع مما حصل في العروض السابقة. وبتحديد الخطوط العريضة لاتفاق شامل، المقرر في شهر يوليو/ تموز، ذكرت مجموعة الـ 5+1، وبشكل صريح، استعدادها لتقبل إيران مع قدرة تخصيب اليورانيوم.

تقييم النوايا
إن المسؤولين الغربيين الثلاثة الذين اجريت معهم مقابلات لهذا المقال اعتبروا طموحات إيران النووية أمراً مفروغا منه، على الرغم من أنهم أكدوا على أن هدف إيران، على الارجح، هو الحصول على قدرات الأسلحة النووية ، وليس السلاح الفعلي. وكان غاري سايمور هو منسق البيت الابيض للحد من التسلح وأسلحة الدمار الشامل حتى فبراير / شباط 2013. وأشار إلى أنه حتى لو أرادت إيران الحصول على قدرة الاختراق فقط، فإن مجموعة الـ 5+1 وايران لديها ' مصالح مختلفة جذريا '. وكان روبرت اينهورن المستشار الخاص لوزارة الخارجية لمنع الانتشار والحد من التسلح حتى مايو/ أيار 2013. وقد عزا برنامج إيران النووي الى رغبتها في أن تكون ' لاعباً مهيمناً ، ما يعني لاعباً مهيمناً في الشرق الأوسط '، مضيفاً أن ' التصور بأنهم ( أي الإيرانيين) قريبون من امتلاك أسلحة نووية يمكن أن يكون ذا قيمة لمتابعة ومواصلة تلك الأهداف '. من ناحية أخرى، توافق مسؤولون غربيون على أن سياسة إيران النووية هي أيضاً بدافع مخاوف وجودية. وبحسب ما أشار اينهورن، فإن الإيرانيين يخشون من 'ألا يكون أي اتفاق كافياً' لأننا ' كنا نطلب دائماً أكثر حتى ذهب النظام '.  واضاف ' انهم يعتقدون على نحو ما أن وجود هذه القدرة ( النووية ) هي تحصين لهم من ضغوط الغرب '. وعند سؤاله عما اذا كان يمكن للتهديدات العسكرية الغربية أن تساهم في هذه المشكلة، اعترف اينهورن قائلاً بأن ذلك ممكن.
على الرغم من اظهارالحساسية ازاء المخاوف الأمنية الإيرانية، لم يكن لدى المسؤولين الغربيين وقت كبير للالتفات إلى حجة إيران بأن سياسة الغرب في الماضي بحرمانها من التكنولوجيا هو الذي دفع الجمهورية الإسلامية الى تطوير برنامج تخصيب وطني في المقام الأول. ' قصة الغلاف '، قال سايمور. ومع الإقرار بمحاولات الولايات المتحدة ' لمنع الدول من التعاون مع إيران في المجال النووي'، يعتقد اينهورن بانه ' لو قال ايران نحن على استعداد للاعتماد على مصادر أجنبية من اليورانيوم المخصب، فإنها كانت ستحصل على التزامات مضمونة من إمدادات اليورانيوم المخصب كوقود لمفاعلات الماء الخفيف '.
من غير المستغرب أن يرفض المسؤولون الإيرانيون الذين اجريت معهم مقابلات لأجل هذا التقرير المزاعم الغربية بصفتها مزاعم سياسية. فقد أشار أحدهم (  نشير اليه من الآن فصاعدا بالمسؤول الايراني 'أ') إلى فتوى صادرة عن مرشد الجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي، ضد الأسلحة النووية، وتابع يقول إن وجود مثل هذه الأسلحة سيكون ضد مصلحة إيران. وأكد هذا المسؤول أن البرنامج النووي هو بدافع الحاجة إلى تنويع مصادر الطاقة في إيران من أجل توفير مطالب السكان الذين يتزايد عددهم. ومعيداً الى الأذهان اعتراف الولايات المتحدة ذات مرة بحاجات إيران للطاقة المدنية، في السبعينات، أشار المسؤول الى أن عدد سكان إيران قد تضاعف منذ ذلك الحين. وقال إن التغيير في موقف الولايات المتحدة بعد عام 1979 يوضح الطبيعة السياسية للنزاع. وأشار المسؤول الثاني ( المسؤول الايراني 'ب') إلى وجود مشكلة أكثر عمومية. ففي مقارنة له للنزاع النووي مع المحاولات الغربية لتصنيف تأميم صناعة النفط الإيرانية ووصفها بأنها تشكل تهديداً للأمن الدولي، قال: 'لسوء الحظ ، هناك نوع من التفكير الاستعماري وإن بلداً من العالم الثالث لا يمكنه امتلاك ... هذه التكنولوجيا الحساسة. من الناحية النظرية، سيقولون إن جميع الدول على قدم المساواة، لكن في الممارسة العملية ...هم لا يتقبلون هذا الأمر'.
              
لعبة اللوم
اعتبر المسؤولون الغربيون الذين اجريت معهم المقابلات أن فشل المحادثات النووية حتى الآن ناتج أساساً من موقف إيران غير البناء... ' عدم إعطاء شيء أساساً والمطالبة بكل شيء '، كما قال المسؤول الغربي الثالث، الذي طلب عدم ذكر اسمه. وقال سايمور ان الإيرانيين قد ' أثبتوا بوضوح أنهم على استعداد للخداع أو التراجع عن الاتفاقات عندما يعتقدون ان ذلك في مصلحتهم'. وكان رجل البيت الأبيض السابق يعتقد أيضاً أن ' الإيرانيين، لم يكونوا على استعداد، حتى الآن فحسب، لإعطاء مفاوضيهم التفويض للجلوس على طاولة المفاوضات في محاولة للتوصل فعلا إلى أساس لاتفاق '. إذ أرجع هذه المشكلة الى 'شك ' و'عناد' القائد. فقد  قال سايمور ان آية الله خامنئي رفض إجراء محادثات ثنائية مع الولايات المتحدة لأنه ' في نهاية المطاف، يفضل أن تكون الولايات المتحدة عدواً بدلا من صديق '. وقد وافقه على ذلك مسؤول غربي رفض ذكر اسمه، والذي امتنع عن الحديث عن نوايا خامنئي،  قائلاً ان الفترة الممتدة من عام 2007 وصولاً إلى انتخاب روحاني كانت 'صعبة، لأن الإيرانيين لم يشاركوا فعلا في الجوهر '. بدلاً من ذلك، كان للمفاوضين الايرانيين ' الكثير من البيانات والتصريحات العلنية حول حقوقهم '، ما أعطى انطباعاً بأنهم لم  يكونوا' يريدون حقا تقديم تنازلات '.
نظراً لهذه الآراء السلبية عن إيران، كان لافتاً إلى حد ما أن اثنين من أصل المسؤولين الثلاثة الغربيين الذين اجريت معهم المقابلات اعتبروا أنه ربما كان من الممكن تفادي المواجهة النووية بالكامل لو كانت إدارة بوش على استعداد لاجراء محادثات مع ايران '. لدي بعض الميل للاعتقاد بأنه كان من الممكن تجنب تلك الأزمة لو كانت الولايات المتحدة أكثر دعماً للاتحاد الأوروبي 3 خلال محادثات 2003-2005'، قال المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه. أما سايمور فكان أكثر تشككاً، لكنه اعترف بأن هذا السؤال كان 'احدى الأسئلة الكبيرة التي ظلت بلا جواب '، وقال متمنياً ' ليتنا قمنا بتلك التجربة '.
في انعكاس للخطاب الغربي، القى مسؤولون ايرانيون باللوم على مجموعة الـ 5+1 بخصوص استمرار النزاع. فمن ناحية، انتقد الإيرانيون الجانب الآخر لافتقارهم للحساسية والاحترام. وكما أوضح المسؤول الرسمي ' أ'، كانت مجموعة الـ 5+1 تريد صنع صفقة لكنها لا تعرف كيف: إنهم يركزون فقط على الالتزامات، ويتناسون الحقوق واظهار أي احترام بما يتعلق بالمخاوف الإيرانية. وأكد المسؤول 'ب'، أيضاً، على  وجوب ' اصغاء المرء إلى مطالب الجانب الآخر' عند التفاوض. ومن ناحية أخرى، كان للإيرانيين رأي بأن الغرب ليس مهتماً حقاً في التوصل إلى حل عن طريق التفاوض. 'لسوء الحظ، إنهم لا يريدون ايجاد حل لهذه المشكلة '، قال المسؤول 'ب'.  وأشار المسؤول الرسمي ' أ' إلى العداء والتصلب في بعض الأوساط الأميركية إزاء الجمهورية الاسلامية. التفاعل مع إيران أم تغيير النظام ... ما الذي تريده الولايات المتحدة؟ وأشار كذلك إلى أنه، بالإضافة إلى الاستعداد، فإن المرء بحاجة إلى الجهوزية والقدرة على العمل من أجل حل دبلوماسي. وأشار إلى أن إدارة أوباما كانت تفتقر إلى هذه الصفات الثلاث الأخيرة.

تأثير الإكراه
يبدو أن المسؤولين الغربيين متحدون في الاقتناع بأن الدبلوماسية مع إيران بحاجة إلى الدعم بالعقوبات. وقال سايمور ان الغرض من العقوبات هو 'إنتاج المرونة على طاولة المفاوضات ' و' الحصول على تنازلات نووية '. اليست صعوبة رفع العقوبات ، وذلك بسبب معارضة في الكونغرس، تقوض مساهمتهم في الدبلوماسية ؟ لم يبدُ أن سايمور يرى مشكلة كبيرة هنا: إن مجموعة الـ 5+1 ستكون سعيدة برفع العقوبات اذا ما كانت ايران ستقبل قيوداً يمكن التحقق منها على برنامجها النووي ... فإذا كان هناك اتفاق يرضي المخاوف الأميركية  فعلاً ... فإن الإدارة ستكون قادرة على إقناع الكونغرس بوجوب رفع العقوبات'. واعترف اينهورن بأنه ' من الأسهل فرض عقوبات بدلاً من إزالتها ' ولكنه يعتقد أيضاً أن رفع العقوبات أمر ممكن اعتمادا على البيئة السياسية السائدة. مع ذلك، فقد كان المسؤول الثالث أقل تفاؤلاً بكثير، وتابع مشيراً إلى أن المقاومة المحلية لرفع العقوبات بينت، جزئياً، الجمود الدبلوماسي. فالمشكلة،، بحسب ما أوضح، هي ' أن إدارة أوباما لا تتحكم بما تقوم به الولايات المتحدة'.  ونظراً إلى أنه كان من الصعب حتى بالنسبة للاتحاد الأوروبي 'الحصول على الضمانات اللازمة من الإدارة الأميركية بأن الكونغرس لن يفعل شيئاً ... يؤثر سلباً علينا '، فقد تساءل هذا المسؤول– على افتراض أن هناك اتفاق سوف يتم التفاوض حوله- كيف يمكن أن يكون ' لدى إيران أي ثقة بأن الرئيس الأميركي... سوف يكون قادراً على تنفيذ مثل هذا الاتفاق' أو أن ' الاتفاق لن ينهار بمجرد اطلاق عملية التنفيذ ' .
مستنكراً نهج الإكراه لدى الغرب، أكد المسؤول الايراني 'ب' على أن الدبلوماسية ' وسيلة لإيجاد حل، وليس لاستخدام البندقية مع الراية البيضاء ' وبأنه سيكون 'من المستحيل فرض شيء على الايرانيين لتغيير سلوكهم '. وتساءل على أي أساس مطلوب من إيران دائماً 'اظهار كل ما في يدها ' في حين يحتفظ الجانب الآخر لنفسه بحق مطلق بالتهديد وفرض عقوبات جديدة. وأشار قائلاً، أنه بالإضافة إلى حقها الواضح بقنبلة نووية، تعطى إسرائيل الحرية ' بتهديد إيران كل يوم'، ورسم الخطوط الحمراء في الأمم المتحدة. وأجرى المسؤول نفسه مقارنة بين الحرب السيبرانية ضد المنشآت النووية الإيرانية وبين الهجمات الصاروخية. وأوضح كذلك عدم استعداد ايران للدخول في محادثات ثنائية مع إدارة أوباما مع الإشارة إلى نهج المواجهة الذي ينتهجه الغرب. فبحسب ما أوضح، ' من ناحية ، يقولون أننا نريد أن نتحدث معكم ومن ناحية أخرى، يهددون ويضيفون كل يوم عقوبة جديدة'. ثم أضاف: ' نحن نرى العصا منهم فحسب، ولا نرى الجزرة أبداً. هذه مشكلة '.

العقبات التي تعترض بناء الثقة
إلا أن المسؤول الغربي الذي فضل عدم ذكر اسمه والذي كان قلقا بشأن قدرة الولايات المتحدة على الوفاء باتفاق لم يفلت إيران من الصنارة. وقال بأن الإيرانيين قد فقدوا الثقة بمحاوريهم تماماً.  ' الأمر لا يتعلق بنا لجهة إعادة بناء هذه الثقة. الامر متروك لايران '.  في كل الأحوال، لقد كان مفهوماً من الجانب الغربي، أن بناء الثقة عملياً يعني المساومة على أساس تنازلات متبادلة. ولم يبد أي من المسؤولين الغربيين الذين أجرينا معهم مقابلات قلقاً من التنازلات ، بما أن كل منهم يعتقد بأن العروض السابقة، وبحسب تعبير اينهورن ، كانت ' متوازنة تماما '. إذ يعتبر اينهورن الحوافز المعروضة على ايران في محادثات ألماتي 2013 بأنها 'مهمة جدا '، في حين وصف سايمور العرض بأنه 'نوع من العرض الصغير للمشاريع الصغيرة '.  واعترف اينهورن أنه بموجب هذا الاقتراح، 'لن تحصل ايران على ما تريده أكثر من أي شيء آخر لكنه اضاف قائلاً 'اننا لن نحصل على ما نريده أكثر ' أيضاً. وعندما سئل عما اذا كان تخفيف العقوبات المعروض هو تخفيض طفيف في الواقع، أوضح الضيف الغربي الثالث قائلاً، ' لا يمكنك أن تعطي الكثير ' في مقابل 'خطوة متواضعة جدا من إيران ' لأنه ' لا يزال هناك مجال ضخم للاهتمامات الأخرى ' و 'عليك أن تبقي ... أصولك لقضايا أخرى. ' أما بالنسبة لاقتراح إيران المضاد إزاء اقتراح مجموعة الـ 5+1، فقد وصفه اينهورن بأنه ' وبصراحة، مزحة تقريباً'. مع ذلك فقد اعترف اينهورن و مسؤول غربي لا يريد ذكر اسمه بالفجوة في التصورات لما يشكل التوازن. وقال 'ربما من وجهة نظر إيرانية، لم يوفر الجانب الآخر بعض الحوافز المغرية حقا التي يمكن تسويقها'.
وفي انعكاس للموقف الايراني العام بأن عروض مجموعة الـ 5+1 لم تكن متوازنة، أشار المسؤول الايراني 'ب' إلى أن مقاربة ' بناء الثقة طريق في الاتجاهين، وليس في اتجاه واحد. عندما نريد التفاوض، فمن الأفضل أن نضع كل شيء على الطاولة - ما لدينا، وما لديهم - ومحاولة العثور على خاتمة وتسوية للمسألة. وأكد قائلاً، ' نحن لا نريد  أن يكون لدينا سياسة هزيمة... نريد أن يكون لدينا سياسة الفوز والفوز بالمقابل. وفي إشارة الى عرض مجموعة الـ 5+1 عام 2012 لقطع الغيار وتصليح للطائرات في مقابل تنازلات نووية إيرانية، قال المسؤول 'أ' ان ذلك ' مجرد جنون '. أما بالنسبة لحوافز مجموعة الـ 5+1 المتصلة بالطاقة النووية، هناك وثيقة في حوزة المسؤول الأخير تبرز أن مجموعة الـ 5+1  التزمت تسليم العناصر التي أصبحت تقدمها الآن كحوافز: ' وضع التعاون التقني ... في ظل التدابير السياسية يتنافى مع مهابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومكانتها المتخصصة'. وأشارت الوثيقة أيضاً، وفي مقابل المطالب الصارمة المفروضة على إيران، إلى أن صياغة الحوافز الغربية غامضة، وتعمل على تعزيز 'تعميق حالة عدم الثقة والغموض من الجانب الايراني '.
اشار مسؤولون ايرانيون إلى أن ايران قد تعلق تخصيب اليورانيوم بنسبة 20٪ كجزء من صفقة أكثر توازناً، في إشارة إلى أن هذه الخطوة هي أساساً ورقة مساومة. في كل الأحوال، بدا أن المطالب الغربية لاغلاق منشأة فوردو للتخصيب (2012 ) أو تعليق الأنشطة هناك (2013 ) لن يكون أمراً مقبولاً طالما استمر التهديد بعمل عسكري ضد إيران '. فوردو تكلفنا الكثير من المصاريف '، قال المسؤول'ب'. واضاف ' لو لم تكن مرافقنا مهددة على الأرض، لماذا نذهب إذن الى تحت الأرض؟ كل يوم تهددنا إسرائيل بتفجير المنشآت الإيرانية، فنذهب تحت الأرض - انها نوع  من سياسة الدفاع '. وتقول الوثيقة المذكورة آنفا الأمر نفسه : ' في مواجهة التهديدات المستمرة، نحن بحاجة الى منشأة احتياطية لحماية أنشطة التخصيب لدينا '.
في ضوء الأهمية الاستراتيجية لمرفق فوردو من وجهة نظر إيرانية، لماذا شدد الغرب كثيراً على تعليق الأنشطة في المنشأة؟ أوضح اينهورن ذلك بقوله ' لم نكن نعتقد بأننا نطلب الكثير' لأن المرفق كان صغيراً جداً بالمقارنة مع محطة تخصيب اليورانيوم الأخرى في ناتانز - ' مثل قطرة في دلو ماء '.  وعندما سئل لماذا لم يكن وجود مفتشي الوكالة في فوردو كافياً للتخفيف من حدة المخاوف الغربية، أشار المسؤول الثالث إلى إحتمال ' ألا تكون ايران تحت أعين وكالة الطاقة الذرية فحسب ... تركيب أجهزة أكثر قدرة، إنتاج المزيد من المواد ثم، وفجأة، ايجاد ذريعة ما للانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي'.  وعلى الرغم من اقراره بأن إيران تنظر إلى منشأة فوردو باعتباره 'مرفقاً عالي القيمة '، فقد أكد المسؤول على أن الأمر سيكون على ما يرام إذا ' ما طلبنا منهم وقف العمليات فحسب. وهذا لن يعني تدمير المنشأة '.

نحو نهج شامل
أخذ المسؤولون الغربيون الذين اجريت معهم المقابلات موقفاً متشدداً فيما يتعلق بالنفط والعقوبات المالية. وبحسب تعبير سايمور، ' تلك العقوبات هي الأكبر لدينا '، والتي يجب ألا تتم مقايضتها إلا في مقابل 'تنازلات نووية أكبر'. إنه يقصد، من خلال هذه العبارة، الحد من قدرة إيران على إنتاج المواد الانشطارية، ما يعنى ' التخصيب ، وربما إنتاج البلوتونيوم '. وقال المسؤول الثالث أن مثل هذا النقاش لن يصبح ذي أهمية إلا في مرحلة لاحقة .... ' بعد خطوة أولية لبناء الثقة ' و كجزء من ' مفاوضات كاملة '. وكان لدى اينهورن حجة مماثلة، إذ يشير إلى أن' الأمر استغرق منا وقتا طويلا لبناء هذه العقوبات'، وأنه ' ما أن يتم تعليق العقوبات، فسوف يكون من الصعب جداً استعادتها مجدداً'. وتابع يقول: ' علينا أن نكون على يقين جداً،  قبل رفع العقوبات  فعلاً - أو حتى تعليقها -  ان الايرانيين صادقون '.
في كل الأحوال، كانت المشكلة من وجهة النظر الإيرانية  أن النهج التدريجي لمجموعة الـ 5+1 لم يشمل النقاش حول الوضع النهائي، وبالتالي فقد فشل في بناء الثقة بنوايا الغرب. وكما أوضح المسؤول الايراني 'أ'، كانت ايران قد تتطور لديها شعور كبير بعدم الثقة بالنسبة للجانب الآخر أثناء المفاوضات السابقة. وإذ استحضر إلى الأذهان تقديم إيران لأكثر من 1000 صفحة من الإعلانات وسماحها بعمليات تفتيش تدخلية تتجاوز التزاماتها القانونية، تساءل هذا المسؤول عما إذا كان سيكون هناك من ' نهاية لهذه القصة ' في أي وقت من الأوقات. ودعا الى وجود ضمانة ما بوصول العملية إلى نتيجة.

في ضوء المخاوف الإيرانية، ما الذي كان يمنع الغرب من متابعة التوصل الى اتفاق أكثر شمولا أو اجراء مناقشة حول الوضع النهائي حتى الآن؟ أشار المسؤول الغربي المجهول إلى أن مثل هذا الاتفاق 'سوف يستغرق عمراً للتفاوض حوله '، وأن النقاش بشأن الأهداف النهائية في هذه المرحلة لن يكون لها معنى لأن إيران لن تشعر بالثقة بأن هذه الأهداف سوف يتم الحفاظ عليها. ورداً على سؤال لماذا من الصعب جداً الاعتراف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم، سأل: 'لماذا يجب علينا الاعتراف بأي حقوق محددة والتي لا ذكر لها على وجه التحديد  في معاهدة حظر الانتشار النووي ( NPT)- لا سيما في الحالة التي يكون فيها بلد ما في حالة انتهاك لالتزاماته؟' ( لطالما كان موقف الولايات المتحدة أن ضمانة معاهدة حظر الانتشار النووي للحق غير القابل للتصرف لجميع أطراف المعاهدة بتطوير البحوث وإنتاج واستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية ' لا تشمل تخصيب اليورانيوم ). وأشار سايمور أيضاً إلى أن هذه المسألة مسألة مبدأ، جزئياً. ومن ناحية أخرى، أشار إلى القلق من أن إيران سوف تدعي ' الحق المطلق في تخصيب اليورانيوم الأمر الذي لا يمكن الحد منه بأي حال من الأحوال '. ويشارك اينهورن المسؤول هذا الرأي، مشيراً إلى أنه ' وعلى الصعيد السياسي، من غير السهل أبداً بالنسبة للولايات المتحدة، قبول برنامج تخصيب محلي في إيران '، وخصوصا ' قبل اعطاء الإيرانيين أي مؤشر يدل على أنهم على استعداد لقبول قيود حقيقية على برنامجهم '. في كل الأحوال، لقد أشار كل من سايمور واينهورن إلى أن موقف مجموعة الـ 5+1 بشأن هذه المسألة قد يتغير تبعاً للظروف. وكما أشار اينهورن، فإن الاعتراف بحق ايران في التخصيب 'سيكون تنازلاً كبيراً' تتردد مجموعة الـ 5+1 بتقديمه - ' على الصعيدين السياسي والاستراتيجي' -  وذلك ' الى حين وجود أي أساس ملموس للاعتقاد م بأن الإيرانيين مستعدون لتقديم تنازلات '.
يبدو أن سايمور واينهورن قد توصلا إلى استنتاج مفاده أن النهج التدريجي لبناء الثقة قد أثبت عدم فعاليته. لذلك، فقد توقع سامور أن يكون هناك ' فرصة جيدة ما بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية وسوف تحاول الولايات المتحدة العمل في مجموعة الـ 5+1  للتوصل الى اتفاق شامل'.  لكن سايمور لا يؤمن كثيراً بمصلحة إيران بصفقة شاملة لأن ذلك ' سيكون بمثابة التخلي عن جهودها لانتاج اسلحة نووية '. أما  اينهورن فقد بدا أكثر تفاؤلا، إذ قال:
المسألة قادمة الى نقطة بحيث سيكون من المستحسن الشرح للايرانيين ما الذي سيكون عليه الوضع النهائي .... لقد اعطينا تلميحات ... بأننا يمكن أن نقبل ببرنامج تخصيب لكننا لم نكن صريحين حول ذلك حتى الآن .... وهذا لا يعني أن نذهب تماماً للوضع النهائي. يمكنك البدء بخطوة بناء الثقة، انما مع اعطاء الإيرانيين مؤشر إلى حيث الأمر متجه.
وفي حديث له بعد انتخاب روحاني مباشرة، كان اينهورن يعتقد أن صيف عام 2013 أتاح الفرصة لمجموعة الـ 5+1 لمناقشة تغيير الاستراتيجية.
أما بالنسبة لوجهات النظر الإيرانية حول احتمالات نجاح المحادثات المقبلة، فقد بدا أن المسؤولين الذين اجريت معهم المقابلات يعتقدون بأن الكرة الآن هي في ملعب مجموعة الـ 5+1. وأشار المسؤول ' أ'، ونتيجة للجولات السابقة من المحادثات، إلى أن لدى كل طرف الكثير من المعلومات عن وجهات نظر الطرف الآخر. إن نجاح اتفاق محتمل يعتمد على التفاصيل. وقد أعرب المسؤول ' ب' عن تفاؤل حذر حول المستقبل، متوقعاً أن تكون ' نبرة حديث فريق روحاني أسهل بالنسبة لمجموعة الـ 5+1.... من الممكن أن يكون هناك فهم أفضل بين الجانبين '. وفي الوقت نفسه، أضاف قائلاً :' من المؤكد ان ايران لن تغير استراتيجيتها الرئيسة... ولا هي ستتقبل أي شيء ضد حقوقها الحتمية'.

دروس من الماضي
استمرت التصورات السلبية بشكل واضح في وجهات نظر المستطلعين الغربيين والإيرانيين الخمس في صيف عام 2013. إذ كان كل جانب من الجانبين ينظر إلى غيره على أنه يبيت سوء نية والقى كل جانب باللوم على الجانب الآخر لاتباعه نهجاً غير بناء تجاه المفاوضات النووية. في نفس الوقت، نأى المسؤولون بأنفسهم عن المزاعم الأكثر تطرفا. واعتبر مسؤولون غربيون إيران أمرا قائماً بعد القدرة على إنتاج الأسلحة النووية ولكن ليس بالضرورة القنبلة، لأسباب تتماشى مع ما يمكن أن يسمى افتراضات واقعية عقلانية - أي السلطة والنفوذ ، وانما أيضا لانعدام الأمن بسبب الصراع الأميركي- الإيراني وتصاعد المواجهة النووية. ورغم أن المسؤولين الإيرانيين رفضوا المخاوف الغربية المتعلقة بالانتشار النووي بصفتها ذات دوافع سياسية، فإنهم اعترفوا في نفس الوقت بالفرق بين إدارة أوباما والمتشددين في الكونغرس.
تركت التصريحات، معاً، مجالا للتفسير بأن العقبة الرئيسة أمام حل النزاعات كانت ، حتى الآن، عدم الثقة التي أوجدها الغموض حول نوايا الجانب الآخر- وليس صراع المصالح المستعصية. وبعبارة أخرى، وحتى صيف عام 2013، لم يكن أي من الجانبين على استعداد لتقديم تنازلات ذات معنى نظراً لتوقعاتهم المنخفضة بنجاح الدبلوماسية. وإلى هذا التخمين، ينبغي أن يضاف أمر هو أن الغرب، وعلى امتداد النزاع النووي، قد أعطى الأولوية لسياسة القسر والإكراه وتم استبعاد الدبلوماسية على أساس التسوية. وكان قد حدث تغيير كبير في النهج الغربي بالفعل في عام 2009، حيث كانت إدارة أوباما قد أدركت أن العقوبات وحدها لن تسفر عن نتائج. مع ذلك، كان الإكراه لا يزال جزءا أساسياً من فكرة الدبلوماسية الغربية عند إجراء المقابلات، حيث بدا أن بعض المسؤولين ينتظرون إيران لقبول اقتراح مجموعة الـ 5+1 في وقت سابق نتيجة للضغوط التي أحدثتها العقوبات المصرفية والنفط. أما التفسير الثالث، وربما الأقل وضوحاً، حول فشل المحادثات السابقة فيمكن أن يكون ما يسميه علماء النفس السياسي ' النفور من التنازل': الناس يكرهون الخسارة أكثر مما يحبون الربح، و عند المساومة فإنهم يميلون إلى تثمين تنازلاتهم في حين يقللون من تنازلات الآخرين. وفي هذا الصدد، يمكن القول أن الجانبين قد تمت اعاقتهما لأن أصولهما الرئيسة – ما يعني، نظام العقوبات من الجانب الغربي، والتقدم في مجال البحوث النووية من الجانب الإيراني –أصبحت مسيسة إلى حد كبير على مر السنين.
كيف، إذن، كانت الأطراف قادرة في خريف عام 2013 على التغلب على انعدام الثقة المتبادل والنفور من التنازل؟ يبدو أن كلا الجانبين قد وصلا إلى نقطة حرجة وحساسة في عملية التعلم. إذ كما أشار سايمور واينهورن، وبحلول صيف عام 2013 ، أصبح واضحاً أن مقاربة بناء الثقة لمجموعة الـ 5+1 لم تكن تعمل. وكان من المنطقي محاولة اتباع نهج مختلف وأكثر شمولاً، على الرغم من أنه في ذلك الوقت كان لا يزال هناك تردد بين التمسك بالمسار الذي اعتادوا عليه وبين المضي قدماً. ورغم أنه ليس هناك من قال ذلك من المسؤولين الايرانيين، فإنه يمكن القول أن نتيجة الانتخابات الرئاسية 2013 تشير إلى تعلم الدروس على الجانب الإيراني: كان هناك توافق واسع على ان اسلوب المواجهة الذي واصله الرئيس محمود أحمدي نجاد قد جعل الأمور أسوأ. إن التغيير الناتج في صورة إيران الدولية، فضلاً عن إيماءات حسن النية من قبل قادة الولايات المتحدة وإيران، ولدت الثقة بحيث أن طرفيْ النزاع الرئيسيين في النزاع أصبحا مصمميْن الآن على التوصل إلى حل دبلوماسي. هذه الثقة، بدورها، سهلت تبرير النهج الشامل الجديد أمام الجمهور الغربي، والسماح بإدماج المزيد من الخطوات الهامة لبناء الثقة في ' خطة العمل المشتركة ' ( JPA). وبينما كان الغرب مستعداً أخيراً لتحديد الهدف النهائي (وبالتالي القبول الضمني بحق إيران في تخصيب اليورانيوم )، تخلت إيران عن إصرارها السابق على وجوب اعتراف مجموعة الـ P5 +1 بمثل هذا الحق صراحة وذلك في مرحلة مبكرة. فضلاً عن ذلك، قدم الغرب تخفيفاً أكبر للعقوبات وقبلت إيران قيوداً على برنامجها النووي أكثر مما كان يبدو ممكناً سابقاً. في نفس الوقت، اعترف الغرب على ما يبدو بحاجة إيران بالتمسك بموقع فوردو تحت الأرض بسبب قيمته الدفاعية، على الأقل في الوقت الراهن، وتقبلت إيران ألا تكون مسألة التخفيف من العقوبات الأكثر تسبباً بالشلل ممكنة في هذه المرحلة.
ربما كان الدرس الرئيس الذي يمكن استخلاصه من هذه التجربة هو أن التصورات ليست مهمة فحسب، وإنما حاسمة في الواقع  لتشكيل نوايا الأطراف المتجادلة، وبالتالي الصراع بأكمله. فكلما بدا لإيران أن الولايات المتحدة تركز على تغيير النظام والاحتواء، كلما كان لدى ايران سبب أكبر للتمسك بجميع جوانب برنامجها لتخصيب اليورانيوم، والذي بدوره مكَّن المتشددين من كلا الجانبين. فبالنسبة للجزء الأكبر منه، يوضح النزاع النووي الايراني انطوائه على مخاطر نبوءة تتحقق ذاتياً. في كل الأحوال، يبين المزيد من الأحداث الأخيرة أن بالامكان قلب مثل هذه الديناميات، إذا ما توفرت الإرادة السياسية الكافية والظروف السياسية الصحيحة لدى الجانبين على حد سواء. وتم خلق مثل هذه الفرصة السانحة في عام 2013 عندما عمل  كلا الجانبين للتقليل من الغموض حول نواياهم. واعتمد الإيرانيون أسلوب الدبلوماسية المنسجمة والاكثر اعتدالاً، في حين اتخذت الأطراف الغربية في النزاع الخطوة الحاسمة لتحديد هدفهم النهائي، وبالتالي التخفيف من حدة الشكوك الإيرانية بأن ليس هناك من نهاية للمطالب الغربية.
إن مهمة إدارة التصورات سيكون أمراً حاسماً بلا شك أيضاً بالنسبة للدبلوماسية في المستقبل. وبهذا المعنى، فإن اتمام ' خطة العمل المشتركة '( JPA) بنجاح بحلول يونيو/ حزيران 2014 من شأنه أن يكون في حد ذاته إنجازاً هاماً، كما أنه سيزيد من تعزيز الثقة الهشة بين الطرفين، وربما زيادة الزخم السياسي لاتخاذ خطوات أكثر جرأة حتى لو لم تتم تلبية الموعد النهائي في يوليو/ تموز لإيجاد حل شامل. في نفس الوقت،  فإن الشعور بخيبة الأمل مع الجهود الدبلوماسية الجارية قد تجلب الطرفين إلى المربع رقم واحد ـ أو ما هو أسوأ، تمكين تلك القوى من الجانبين من الذين مصالحهم لا يمكن التوفيق بينها حقاً. في كل الأحوال، إن مثل هذه الرهانات العالية بالضبط هي التي يمكن أن تساعد في خلق الإرادة السياسية اللازمة من الجانبين للتغلب على العقبات المتبقية.
ملاحظة للكاتب: شكرا لمؤسسة ستانتون لدعم بحثي في الفترة مابين 2012-2013، بما في ذلك جمع المواد لهذه المادة.
(*) ترجمة إيمان سويد ـ خاص موقع مجموعة الخدمات البحثية

موقع الخدمات البحثية