مواد أخرى » الوضع في سوريا عن كثب: تأقلم السياسة الأميركية مع الواقع المحلي

Atlantic Coascii117ncil ـ RAFIK HARIRI CENTER FOR THE MIDDLE EAST ـ  آذار، 2014
فيصل عيتاني (زميل مقيم في مركز رفيق الحريري لمنطقة الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي).
نثانيل روزنبلات (أحد كبار المحللين في Caerascii117s، حيث يقود مبادرات البحث والتحليل التي تركز على منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا).


بينما يدخل الصراع في سوريا سنته الرابعة، تكون السياسة الأميركية قد أخفقت باستمرار بتحقيق هدفها المعلن: انتقال سياسي تفاوضي يقوم على توافق متبادل بين النظام والمعارضة. فقد ركزت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون على عقد القمم وعلى الدبلوماسية الرفيعة باعتبارها الوسيلة الأكثر فعالية للوصول الى تلك الغاية الحميدة. هذا النهج يتجاهل عنصرا أساسيا وحيويا مفقودا: معارضة قادرة على التنسيق مع مختلف القوى المناهضة للنظام، ممارسة الوكالة نيابة عنهم، وتوفير حكم محلي لائق، بدونه سوف يظل السوريون يعانون ويتقاتلون بصرف النظر عما إذا تمت الاطاحة بالنظام أم لا.
عندما انعقد مؤتمر جنيف الأول في عام 2012، اتفق المشاركون على البيان ، كان من المفترض أن يكون هناك امكانية لوجود جبهة معارضة موحدة مخولة السلطة، وأن يكون بامكان الجهات الفاعلة الخارجية أن تلعب دوراً حاسماً في الضغط على عملائها في سوريا لتحقيق السلام. وبحلول الموعد تم عقد المؤتمر الثاني في يناير/ كانون الثاني 2014 لتنفيذ البيان، لم تظهر هذه المعارضة. بدلاً من ذلك، انتشر الصراع؛ ويشير استعصاؤه العميق، تعقيده، وعسكرته إلى أن آفاق التسوية التفاوضية هي أبعد الآن من أي وقت مضى. فالتحالفات الجيوسياسية والضغوط من جانب الراعين الأجانب قد تقلل مؤقتاً من عنف النظام والمتمردين، لكن ما لم يتم معالجة عيوب المعارضة المركزية – تشرذم المتمردين وتطرفهم وفشل الحكم في مناطق التمرد، فإن التسوية ستظل بعيدة المنال. ان التحولات الجيوسياسية والمحلية الحتمية المقبلة سوف تؤدي الى تصعيد النزاع مجدداً، وستبقى سوريا حبيسة دائرة مفرغة من العنف.
إن التركيز الأميركي الأحادي التفكير والعازم على الديبلوماسية الدولية قد جاءعلى حساب فهم دقيق ومحبب للمعارضة. وقد شجع هذا الأمر على نهج تفاعلي فشل في مواكبة تطور الانتفاضة ما أن تحولت من احتجاج سلمي الى تمرد مسلح، وأخيراً إلى حرب أهلية شاملة. وما لم تتبنّ الولايات المتحدة نهجاً أكثر مرونة، ابداعيا وملتزما، فإن سوريا سوف تستمر في الانحدار والانزلاق الى حالة الفوضى والإرهاب، ما يتسبب في معاناة لا توصف للسوريين، وتهديد الدول المجاورة، وتأجيج الكراهية الطائفية والمذهبية الإقليمية والعنف.
كي تلعب الولايات المتحدة أي دور ذي صلة بتسهيل عملية انتقال سياسي تفاوضي في سوريا، فإنها بحاجة إلى تغيير جذري لإطار فهمها وتعاملها مع الانتفاضة، واكتساب فهم أعمق بكثير للمعارضة المحلية ولمكانتها بين السكان المحليين، قدرتها على الحكم، إضافة الى قدرتها على التنسيق وتمثيل السوريين في المحافل الدولية. إن صناع القرار بحاجة إلى تقييم سبب تطور المعارضة بهذا الشكل خلال مراحل حركة الاحتجاج ومن ثم التمرد المسلح وصولاً الى الحرب الأهلية على المدى الطويل. هذا الموجز يتناول وجهة نظر دقيقة عن لحظات مهمة في تطور النزاع ويبين كيف خسرت الاتجاهات المعتدلة داخل المعارضة اليد العليا. ويرى المؤلفان أن الجهات الفاعلة الخارجية لعبت دوراً في تفاقم الانقسامات الداخلية بين اللاعبين في المعارضة، تمكين الميليشيات الطائفية المتطرفة، وإحباط الجهود للإطاحة بالنظام . يقدم هذا التحليل دروساً هامة حول الكيفية التي  يمكن فيها للولايات المتحدة القيام بمتابعة أكثر فعالية لعملية انتقال سياسي في سوريا.

من الاحتجاج السلمي إلى الحرب الأهلية
بدأت انتفاضة سوريا باعتبارها حركة احتجاج بدائية، غير عنيفة في مارس/ آذار 2011، وأصبحت عسكرية بالكامل بحلول فبراير/ شباط 2012. وقد قتل فيها  أكثر من 140000 انسان وشُرد نحو 8 ملايين نسمة، منهم 3 ملايين يعيشون كلاجئين في الدول المجاورة. كما أن ما يقرب من نصف السكان البالغ عددهم 20 مليونا هم في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية. وبعد مرور ثلاث سنوات على الحرب، يتم تعريف الصراع على أنه عجز الجانبين، عسكرياً، على تحقيق نهاية حاسمة للقتال؛ اجماع قوي بين الداعمين للمعارضة على مواصلة القتال الى حين الاطاحة بالنظام؛ غياب المؤسسات على المستوى الوطني التي يمكنها فرض قرارات باسم المعارضة؛ تهميش نشطاء المجتمع المدني العلمانيين، وكثير منهم شكلوا طليعة حركة الاحتجاج اللا عنفية؛ وترسيخ عدد من المنظمات المدنية والعسكرية المهيمنة، ومنع الداخلين الجدد إلى الصراع على الرغم من أنهم ليسوا بالضرورة ائتلافات جديدة.
اتخذت الانتفاضة في البداية شكل المقاومة والاحتجاجات اللاعنفية المستوحاة من الصحوة العربية. في كل الأحوال، لقد كانت انتفاضة سوريا لغرض ما بالذات؛ فخلافاً لما حدث في مصر، حيث كان النشطاء قد خططوا طويلاً لثورتهم، لم يقد المجتمع الناشط السري الموجود سابقاً في سوريا ثورته في بلاده. في الواقع، لقد كان العديد من أعضائها مشككين بكون السوريين سوف ينهضون لأجل الثورة. مع ذلك، فقد انتشرت الاحتجاجات في وسط دمشق في فبراير/ شباط 2011 ، الموجهة ضد الرئيس بشار الأسد وحلفائه المقربين، وامتدت الى مدن المقاطعات مثل درعا وبانياس، حيث لم تؤد المعاملة الغليظة الخرقاء لقوات الأمن للسكان المحليين سوى الى استفزاز المزيد من القلاقل والاضطرابات فحسب. وبحلول شهر مارس/ آذار، كان من الواضح أن لدى السوريين انتفاضتهم الخاصة بهم، انتفاضة ظلت سلمية لأشهر في وجه تزايد حملة القمع العنيفة من قبل قوات النظام والميليشيات الموالية له.
من البارز أن تكون الانتفاضة قد فاجأت نشطاء المجتمع اللاعنفيين، في المناطق الحضرية - والسوريين بشكل عام- على حين غرة. هذا الارتباك وعدم الاستعداد جعل من الصعب على العناصر المعارضة التخطيط للمناطق في مرحلة ما بعد التحرير، مما أدى إلى سوء إدارة اجمالي. كما أن ذلك أدى أيضاً الى تعقيد الجهود الخارجية للمساعدة في تعزيز الإنجازات السلمية للمرحلة الأولى من الانتفاضة، بما في ذلك الجهود المبذولة للحفاظ على طابعها اللاعنفي وكسب ثقة ودعم الأقليات القلقة والسوريين المستفيدين من الوضع الراهن الذي يهيمن عليه النظام أو اعتزاله على الأقل.
أدى عدم وجود التخطيط المسبق الى احباط الجهود لبناء هيئة مدنية -عسكرية تعاونية مشتركة يمكن أن تحكم على نحو فعال وتساعد على تنسيق العمل العسكري. بدون مثل هذا الفاعل، لا يوجد لدى أحد ما يكفي من الوجود والمصداقية للتفاوض حول الانتقال السياسي في مؤتمرات القمم الدولية. فالمناطق السورية التي تسيطر  عليها المعارضة لا تزال عبارة عن فسيفساء من المجالس المحلية الجامحة التي لا يمكن أن تتعاون لأجل معالجة الهواجس على المستوى الكلي حول الحكم الوطني، المصالحة، العنف والتطرف السني، وأمراء الحرب. لقد أصبحت اللهجة الوطنية لحركة الاحتجاج طائفية على نحو متزايد، وذلك باستهداف الأقلية العلوية التي تشكل القاعدة الاجتماعية للنظام. ويمكن تمييز جذور هذا الفشل ومساهمة الجهات الفاعلة الخارجية بهذا الفشل في تجربة بلدة بنش، التي لا تزال وسواساً يلازم المعارضة اليوم.

فشل الحكم المحلي: قضية بنش
في وقت مبكر من الثورة، أرسل النظام السوري 400 بلطجي مسلح ( الشبيحة ) ضد المتظاهرين في بنش، مركز الاحتجاج الأول في شمال غرب سوريا. رداً على ذلك، نشر السكان حراساً مسلحين في مدخل البلدة لحمايتها. وبينما كبرت هذه الألوية لتصبح أكثر تنظيماً، فقد قامت بتطوير لجان بدأت بتقديم الخدمات الأساسية. كانت هذه بعض أقرب  النسخات لـ' المجالس الإدارية المحلية '- تركيبات محلية حاكمة معينة في المناطق السورية التي تسيطر عليها المعارضة. وفي احدى المراحل، وصف نشطاء المجلس بلدة بنش باعتبارها نموذجاً للحكم المدني.
 لم يدم الوضع. وتعهد المجلس الوطني السوري، مجموعة المظلة الأولى التي أنشئت لتمثل المعارضة السورية، بتقديم الدعم لمجالس بنش، لكنه اختار  صب الأموال حصراً من خلال عائلة محلية واحدة كانت تتمتع بأفضال الممولين الخارجيين. ورفضت الفئة المفضلة تقاسم الموارد مع لاعبين محليين آخرين، ما أدى إلى صراع مسلح بين العائلات ذات النفوذ في المدينة. ونشأت النزاعات حتماً ما أن حاولت وحدات الحماية المسلحة اعتماد أدوار القيادة المدنية، وكانت هناك انتهاكات وجرائم ضد المدنيين. هذه الصعوبات الأولى أدت الى حرف الجهود الرامية إلى بناء مؤسسات مدنية في بنش عن مسارها.
إن فشل أنصار المعارضة الخارجية بتتبع آثار المساعدات إلى المعارضة، وتقييم تأثيرها وتفاعلها مع الواقع المحلي المعقد، وربط تقديماتهم باستراتيجية تمرد وطنية أوسع، وتحميل المتلقين المحاسبة على اعمالهم ساعد على تدمير المرحلة الأولى للثورة من الاحتجاج السلمي والنشاط المدني. كان لا بد أن يكون لهذا آثار وخيمة على أمن ورفاهية السوريين وعلى الكفاح الأوسع نطاقاً ضد النظام، خصوصاً وأن طبيعة اللا قيادة للمعارضة السورية قد ساهمت بشكل مباشر في صعود الميليشيات الطائفية. بعض هذه الميليشيات من شأنها أن ترفض لاحقاً، وبشكل قاطع، فكرة التفاوض حول تسوية سياسية.
بحلول شهر يوليو/ تموز 2012، استغلت جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة وأحرار الشام، المجموعة السلفية المتشددة المحاربة الفوضى في بنش وبدأت تشق طريقها هناك. وقدمت المجموعتان التدريب والمعدات والرواتب للمقاتلين المحليين، وكانتا تمتلكان خبرة كافية لجلب الوحدات العسكرية المتفاوتة تحت قيادة واحدة موحدة. وقد فرضت المجموعتان احترامهما بين السكان الذين قدروا انضباطهما وعدم تساهلهما إزاء الفساد. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2012، كانت بنش عبارة عن مقر الحركة السلفية المحاربة الأول  التي أصبحت قوية في شمال سوريا. وقادت الميليشيات الطائفية السكان في تظاهرات تختلف جذرياً عن تلك الأولى الداعية إلى الوحدة الوطنية. وهدد المتظاهرون بذبح العلويين، الذين كانوا يشكلون القاعدة الاجتماعية للنظام.
لم يكن صعود الجماعات المسلحة الطائفية أمراً لا مفر منه. لقد كان نتيجة مباشرة لفشل الحكم المحلي في الأيام الأولى للانتفاضة، وذلك يعود، جزئياً على الأقل، إلى الدعم الخارجي المضلل. وربما كان ليكون لذلك عواقب وخيمة أقل على المعارضة بسبب تأثيرها على السياسة الأميركية – التي كانت منذ البداية نوعا ما متناقضة تجاه الانتفاضة-  وعواقب أكثر بسبب تأثيرها العميق على الكثير من السوريين الذين يخشون استبدال النظام بآخر أكثر قمعية حتى.

الدروس المستفادة من الرقة: الأهمية الواسعة للائتلافات المحلية
في غضون عام، كانت الانتفاضة السلمية قد تحولت إلى تمرد مسلح. وقد ساهم عنف  وقسوة النظام، وآمال المعارضة بتشجيع التدخل الدولي على غرار ليبيا، اضافة إلى الرغبة في حماية المدنيين من عنف الدولة في عسكرة الصراع. ومثلما لم تستطع الانتفاضة أن تبني على مكاسبها، فإن مكاسب التمرد المسلح بالسيطرة على الأراضي قد مهدت الطريق، في نهاية المطاف، للمزيد من اخفاقات وخيبات أمل المعارضة. وبغض النظر عما إذا كان يمكن تجنب ذلك نظراً لحجم القمع من جانب النظام، فإن تحول التمرد الى العنف أطلق العنان في نهاية المطاف للديناميات التي أضرت بالمعارضة.
إن تجربة الرقة تسلط الضوء على نقاط ضعف المعارضة وفشل حلفائها الخارجيين بفهم السياق الذي تعمل فيه. خاصة، إنها توضح، بشكل خاص، الجهود الضعيفة لإشراك طيف واسع من السكان المحليين في الحكم، إضافة إلى هشاشة الحكم المدني في أعقاب التحرير، وضرورة حماية القيادة المحلية للمدنيين من النظام وعنف المتطرفين، على حد سواء
في شهر مارس/ آذار 2013، استولى المتمردون على أول عاصمة محافظة، مدينة الرقة شمال سوريا. آنذاك، برز ' ائتلاف المعارضة السورية'، وهي مجموعة مظلة للمعارضة، الشريك السوري الرئيس وقناة المساعدات بالنسبة للغرب. وبسبب معاناتها من الطائفية ووجود مقر أكثرية أعضائها في تركيا المجاورة، لم يكن الائتلاف ولا شركاؤه الدوليون- الولايات المتحدة الأميركية، أوروبا والعديد من دول الخليج- في وضع مثالي لصياغة الأحداث وإنشاء الحكم في الرقة. كانوا بالتأكيد سيفشلون من دون تعاون وثيق من جانب اللاعبين المحليين داخل المجتمع ومن دون فهم التحديات التي يواجهونها. للأسف، لم يكن يبدو أي من هذه الأمور وشيكاً. واستولت على الرقة، في نهاية المطاف، المجموعة الجهادية العابرة للحدود 'دولة العراق والشام الإسلامية (داعش)، وهي ميليشيا طائفية ومذهبية بعمق ولا اعتبار كبير لديها لرفاهية سكان الرقة أو للأهداف الوطنية للثورة.
اختار سكان الرقة مجلس قادة المجتمع الذي عمل وفق أهداف متناقضة وتصادم مع المجلس الذي ثبته الائتلاف. وبعد أشهر من المشاحنات مع الائتلاف، ومواجهة نقص التمويل، استسلم المجلس المحلي. واختار الائتلاف دعم وتمويل محام محلي اسمه عبد الله خليل لقيادة المجلس. وقد عمل خليل  بشكل مكثف مع أهالي الرقة ورجال الدين لمنع الانهيار التام للحكم في المدينة. مع ذلك، وفي 19 مايو/ أيار عام 2013، خطفه رجال ملثمون مجهولون. ولم تدَّع أي مجموعة مسؤوليتها عن الاختطاف، ولم يسمع أي شيء عن خليل منذ ذلك الحين. وملأ مسلحو داعش فراغ الحكم وهم يسيطرون الآن على الرقة إلى جانب جبهة النصرة وأحرار الشام، وهي جماعة طائفية محاربة اتهمت من قبل هيومن ووتش لحقوق الانسان بارتكاب الفظائع ضد المدنيين. ومن المحتمل أن تكون احدى هذه المجموعات قد خطفت خليل، الذي انهى اختفاؤه تجربة الرقة في الحكم المعتدل المحلي.
توضح الرقة أن تركيبات الحكم المدني هشة للغاية في المراحل الأولى وعرضة لعنف النظام والتطرف على حد سواء، كما هو مبين في قضية اختطاف خليل. إذا أريد لها البقاء والعمل على نحو فعال، يجب أن تتمتع بحماية الجماعات المتمردة المتحالفة. فالاستثمار في الإدارة المدنية من جانب الخارج من دون تأمين السكان المدنيين أمرغير مجدي. بعبارة أخرى، إن النجاح على المستوى المدني يعتمد على القدرة العسكرية، حيث تتمتع الجماعات الجهادية بميزة كبيرة بهذا الصدد بسبب التمويل الخارجي الثابت والمساعدات العسكرية.
توضح الرقة أيضاً كيف أن فشل الائتلاف والداعمين له في بناء ائتلاف واسع من اللاعبين المحليين المؤثرين قد أعاق جهود الحكم، وسهل صعود المتطرفين، وأدى إلى الاعتماد الكبير على عدد قليل من الأفراد (أو حتى شخص واحد) الذين هم عرضة للعنف على الدوام. ولوحظ وجود دينامية مماثلة في بنش، حيث الاعتماد الكبير على أسرة واحدة حكم على جهود الحكم بالفشل وأدى إلى استيلاء المتطرفين عليها.

واقع سوريا الحالي: الحرب الأهلية المستعصية
إن التفكير بما حدث في سورية على مدى الثلاث سنوات الماضية يكشف عن الفرص الضائعة الرئيسة،  ويبرز أيضاً كيف يمكن للجهات الخارجية أن تشارك بفعالية أكبر مع قوى المعارضة المحلية سعياً لتحقيق الانتقال السياسي.
 إن الصراع في سوريا الآن عبارة عن حرب أهلية. فالمتحاربون غير قادرين على تحقيق انتصار عسكري حاسم، نظراً للتوازن الحالي للقوات. فحتى الآن، ليس هناك لدى النظام أي حافز للتخلي عن السلطة، أو دافع حتى للمشاركة فيها، ومن جهة أخرى ليس لدى المتمردين القدرة لاجبار النظام على القيام بذلك. ومع منع  حصول تدخل دولي أكبر، فإن من غير المرجح كسر الجمود الحاصل.
يوجد إجماع قوي في الأوساط الموالية للمعارضة على مواصلة دعم المقاتلين ضد  الحكومة السورية الى حين استبدال بشار الأسد الموجود في الحكم. وفي مناقشات مفصلة لمجموعة التركيز والتي أجريت في ثمان وعشرين بلدة عبر سوريا في صيف 2012، رفض المستطلعون، بالاجماع، فكرة العودة إلى اسلوب الحياة الذي كان سائداً قبل الثورة. في مقابلة مبكرة بعد مفاوضات مؤتمر جنيف الثاني في يناير/ كانون الثاني 2014، علق أحد الناشطين من حمص على المفاوضات الجارية لمساعدة المدينة: 'الناس لا يريدون دخول الغذاء ليعيشوا فقط. نحن نريد الحياة مع حرياتنا '. هذا الدعم القوي المؤيد للمعارضة يلغي أي عملية انتقالية تفاوضية تحافظ على الهيمنة السياسية للعلويين، بما في ذلك الرئيس الأسد وحاشيته.
أما المؤسسات على المستوى الوطني والتي يمكنها فرض قرارات بشأن المعارضة فغائبة. فالسوريون الذين يعانون من الإخفاقات المتتالية وخيبات الأمل والتخلي المتصور عنهم من قبل حلفائهم المزعومين في الغرب، يرفضون بأغلبية ساحقة شرعية الائتلاف، الذي كانوا يأملون منه تأمين الدعم المالي والعسكري الضروري جداً، إن لم يكن الأمل بالتدخل العسكري الأجنبي المباشر. إن الرواية الشعبية هي أن هناك معارضة 'خارجية' ومعارضة 'داخلية'، والشرعية تنبع من البقاء في البلاد؛ فالجهات الفاعلة المحلية أكثر أهمية بكثير.
كانت الجهات الفاعلة ومؤسسات المجتمع المدني التي يمكنها دعم التسوية والتفاوض- وتقديم شيء للسوريين يكون أفضل من عقود من سوء حكم النظام- مهمشة. وقد يكون نشطاء المجتمع المدني المجموعة الأكثر اضطهاداً بين الناس في سوريا اليوم، والمستهدفة من قبل كل من النظام والجماعات المتمردة المتطرفة. إن عدم وجود قيادة مدنية معتدلة في سوريا يخول المتطرفين الدينيين والطائفيين سلطة أكبر، ويعني رغبة أقل بالتسوية من جانب أقوى الجهات الفاعلة في حركة التمرد.
من الصعب تحديد تركيبات مدنية أو عسكرية جديدة في سوريا، وذلك بسبب التكاليف الباهظة للدخول في المعارضة. ففي حين أن المجموعات الحالية قد تشكل تحالفات جديدة مثل جمع من المجموعات القتالية في الجبهة الإسلامية المعارضة، فإن سمعة وتكاليف بدء التشغيل اللازمة للحصول على أتباع  ومريدين في سوريا اليوم عالية جدا. هذا يعني أن الوسائل لخلق وتمكين منظمات ومؤسسات عسكرية او مدنية جديدة، مدعومة من الغرب سوف يكون التزاماً صعباً، مكلفاً وطويل الأجل. ومن المرجح أن تكون الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون والإقليميون، بما في ذلك تركيا، قطر والمملكة العربية السعودية، بحاجة لتدبر ذلك مع قوات المعارضة الحالية.
إن توازن قوى النظام - التمرد، الدعم الشعبي للكفاح المسلح، المكانة الضعيفة للائتلاف المعارض لدى السوريين، واختفاء مركز المعارضة المعتدلة أمور تشير كلها إلى أن الصراع لم ينضج بعد لتسوية سياسية، لا سيما لتسوية قابلة للتفاوض بين نظام مرن لديه دعم أجنبي قوي وائتلاف معارض لا يحظى بشعبية بين السوريين ويواجه العداء الصريح من مجموعات التمرد. لكن على الرغم من العوامل المذكورة أعلاه، فقد أكدت السياسة الأميركية على الدبلوماسية الرفيعة سعياً لتحقيق انتقال تفاوضي للسلطة – استراتيجية متجهة نحو الفشل في الوقت الحاضر.
إن النهج الحالي لإنهاء الصراع، الذي تدافع عنه الولايات المتحدة، يستند الى عدة افتراضات خاطئة. إذ تفترض الولايات المتحدة أن التمرد قد ألحق خسائر كافية بالنظام لإجباره على اعادة حساباته باستراتيجية سحق التمرد عسكرياً، وبأن المعارضة ومؤيديها يائسون للغاية من انهاء العنف بحيث انهم سيتقبلون نتيجة أقل من تغيير النظام. وتقوم الاستراتيجية الحالية أيضاً على فرضية أن هناك جهة فاعلة معارضة (أو حتى تحالف فاعلين موحد) مع وكالة وقدرة على اتخاذ القرارات على المستوى الوطني.
قبل كل شيء، إن هذا النهج يفترض خطأً أن النظام والداعمين الأجانب ذوي الصلة بالمعارضة مستعدون وقادرون على فرض نهاية للقتال. إذ من غير المرجح أن يؤدي الضغط على ايران، روسيا، المملكة العربية السعودية، قطر، والراعين الخارجيين الآخرين لقطع المال والسلاح عن النظام أو المتمردين إلى حصول التسوية. إذ أن المنطقة غارقة بالأسلحة الصغيرة والمتفجرات، وبإمكان كل من النظام والمتمردين التحول إلى مصادر أخرى للدعم سواء من دول أو أفراد. على سبيل المثال، إن الكثير من الأموال المقدمة إلى الجماعات الجهادية السنية مثل داعش وجبهة النصرة تأتي من مانحين أثرياء من القطاع الخاص ومن شبكات اجرامية، وليس دول. إن حجم وتواتر العنف قد يهدآن بعض الشيء، لكن كما رأينا، فإن العديد من السوريين لا يرون بالضرورة أن مجرد الحد من العنف الذي يحافظ على النظام (أو يتركهم تحت رحمة المتطرفين المذهبيين) هي نتيجة مقبولة.

نهج دولي بديل
إن مواصلة السعي الضيق لتسوية دولية عن طريق التفاوض هو تشويه لفهم الولايات المتحدة للصراع السوري. كما أنه ينطوي على خطر تعمية مؤيديها عن الأدلة التي تتعارض مع تفضيلات سياسة مسبقة التشكيل. والحقيقة هي أن الوضع الحالي للانتفاضة يشير إلى أن متطلبات الانتقال السلمي غائبة. ومن غير المرجح أن تظهر من خلال الحوار الوطني بين الأطراف المتحاربة التي ليس لديها حوافز كبيرة لذلك، وفي حالة الائتلاف، ليس لديها القدرة على تقديم تنازلات جدية.
أما بالنسبة للسوريين داخل البلد، فإن هذا يعني المزيد من الحرب والمعاناة حتى يخضع الصراع بعد لتحول أساسي آخر. وهذا يمكن أن ينطوي على احدى الإجراءات التالية، أو أكثر: بامكان جيش النظام فرض تسوية على خصمه؛ استراتيجية النظام بالقصف على نطاق واسع، والقيام بالغارات الجوية واستهداف المناطق التي يسيطر عليها المتمردون بالتجويع الذي يمكنه أن يحطم الروح المعنوية لدى القاعدة الداعمة للتمرد؛ أو يمكن لمجموعة تمرد جديدة أو موجودة أن تهزم، أو تستوعب أو تهيمن على منافسيها، توطيد السيطرة على الأراضي والتحكم بالموارد، والظهور كمفاوض ذي مصداقية ومفوض الصلاحيات بالنسبة للمعارضة.
هذه ليست بالضرورة سيناريوهات واعدة، لكن ينبغي على احدها أن يبرز إذا كان هناك من أي فرصة للتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض. فإذا كان إنهاء الصراع هو في الواقع الحالة النهائية المرغوبة لدى الولايات المتحدة بالنسبة لسوريا، عندها ينبغي أن تهدف سياستها الى تحقيق احدى هذه التحولات، او أكثر، المذكورة أعلاه. ان افتراض وجود تفضيل أميركي جاد لانتقال سياسي في سوريا من شأنه استبعاد التحول الأول أو الثاني. أما العمل على الثالث فيبدأ من خلال الاعتراف بما يلي:
&bascii117ll; لم يحقق التمرد المنقسم التماسك حتى الآن. ينبغي على الولايات المتحدة، وببساطة، السماح بتمظهر ديناميات بين المتمردين كما يريد هؤلاء، أو محاولة تشكيلها بطريقة تمكن الجماعات المتمردة الأقل بغضاً للقيم والمصالح الأميركية. هذا من شأنه أن ينطوي على تحديد  الأفراد والجماعات، تسليحها، تدريبها، تمويلها، وتقديم المشورة لها، وذلك بأسلوب يمثلها والعمل مع الظروف المحلية بدلا من العمل ضدها، بما في ذلك العشائر، الأُسر، والطائفية، والحقائق الاجتماعية الأخرى.
&bascii117ll; إن مواصلة الدول الغربية السعي الاحادي التفكير والحصري لتحقيق تسوية عن طريق التفاوض يحرم جماعات المعارضة من الدعم العسكري والمالي الأساسي، الذي من دونه لن يكون لدى هذه الجماعات الوكالة أوالقدرة أو الحافز للتفاوض على تسوية مع النظام. ويشير لحلفاء النظام أيضاً إلى عدم اهتمام الولايات المتحدة بدعم التمرد، مما يحرمه من التأثير في المفاوضات مع النظام.
&bascii117ll; إذا ما قررت الولايات المتحدة بأنها جادة في مساعدة قوات التمرد على التماسك و والظهور كمفاوض معارض ذي مصداقية، فإن على صناع السياسات التمحيص أكثر في الصراع الدائر في سوريا، واستثمار المزيد من الوقت إضافة إلى تتبع الطاقات وتحليل التطورات المحلية. ينبغي على صناع القرار النظر في أسئلة من قبيل: من هي مجموعات التمرد المتحكمة وفي أي مناطق؟ هل هي قادرة على الامساك بها؟ كيف تختلف علاقات المتمردين بين بعضهم وعلاقات النظام مع المتمردين باختلاف المناطق، أو حتى الأحياء؟ ما هي المعتقدات الفعلية (وليس المعلنة) للمتمردين وما هي أولوياتهم؟ من هم زعماء العشائر والشخصيات المؤثرة، وما هي المجموعات والمؤسسات التي تتمتع بالاحترام والسلطة المحلية، ولماذا؟ وهل هي محمية بشكل كاف من عنف النظام والمتطرفين؟
من خلال فهم أكثر عمقاً فحسب لهذه الديناميات الداخلية سوف تكون الولايات المتحدة قادرة على إحداث هدفها المعلن بشأن عملية الانتقال السياسي.
&bascii117ll; هناك فرص محدودة للهدنة المحلية والتعاون للإغاثة الإنسانية بين النظام والثوار. وهذه قيمة يجب استغلالها من قبل الحلفاء الخارجيين للمعارضة، ولكنها ليست وسيلة للوصول إلى الغاية بانتقال سياسي.

إن أولئك الذين ينادون بفك الارتباط الأميركي بشأن الصراع في سوريا غالباً ما يقولون انه لا يوجد حل سهل أو جيد للأزمة. هذا صحيح في الواقع؛ إنه صراع متعدد الطبقات، وينقص الولايات المتحدة عدداً من الأدوات تحت تصرفها لارشادها نحو الهدف الأميركي الرسمي بالانتقال السياسي. واذا ما كانت الولايات المتحدة ملتزمة بهذه الغاية، فإن عليها العمل مع حلفائها لتطوير هيئة معارضة تمتلك الوكالة، القدرة، والنية لمواصلة العمل على ذلك الهدف. هذا يعني أنه ينبغي على السياسة الأميركية أن تفهم وتحتسب الواقع في سوريا كما هو في الحقيقة- ما يعني كما يعيشه السوريون ويشكلونه - وليس كما يتمنى صناع القرار أن يكون.
(*) ترجمة إيمان سويد ـ خاص موقع مجموعة الخدمات البحثية

موقع الخدمات البحثية