مواد أخرى » استراتيجية شاملة لأجل سورية: الخطوات القادمة للغرب

لينا خطيب ـ CARNEGIE  MIDDLE  EAST CENTER ـ Policy Look ـ آذار، 2014

الموجز
إن الصراع السوري المستمر بين نظام الرئيس بشار الاسد وجماعات المعارضة المختلفة بعيد عن الحل. ويتعين على صناع القرار الأميركيين والأوروبيين النظر إلى ما هو أبعد من أهداف مؤتمر جنيف الثاني حول سوريا، الذي عقد في أوائل عام 2014، وتنفيذ استراتيجية شاملة لدفع الصراع نحو التسوية.

توصيات
&bascii117ll; تشجيع توسيع قاعدة تمثيل المعارضة السورية. يجب على الجهات المعنية الغربية المساعدة على بناء الثقة بين جماعات المعارضة السورية لإنشاء جبهة موحدة يمكنها أن توجه دولة ما بعد الأسد .
&bascii117ll; تعزيز قدرة المعارضة السورية على الحكم. تعزيز شبكة المجالس المحلية السورية أمر ضروري لتشكيل حكومة انتقالية .
&bascii117ll; بدء الحوار مع عناصر من الجيش الوطني. لدى شخصيات في الجيش العربي السوري القدرة على ترجيح كفة ميزان القوى ضد الأسد و يمكن لهؤلاء المساعدة على التقليل من احتمال تشكل فراغ في السلطة بعد رحيل الأسد.
&bascii117ll; إشراك روسيا في الحوار حول الانتقال من حكم الأسد. يجب أن يضمن الغرب مصالح موسكو الاستراتيجية في سوريا بعد الأسد وتقديم بديل مجدٍ لموسكو عن الرئيس السوري الحالي.
&bascii117ll; تقديم أسلحة إلى جماعات المعارضة تمكنها من تحويل ميزان القوى لصالحها. إن الأسلحة سوف تحميهم إزاء هجمات النظام، وتسمح بالامساك بالمناطق التي يسيطر عليها المتمردون، وتساعدهم في محاربة الجهاديين.
&bascii117ll; التعاون مع دول الخليج لوضع حد للدعم الخارجي للمجموعات الجهادية العاملة في سورية. ينبغي تشجيع قطر والسعودية على وجه الخصوص لوقف الاعتماد على الجماعات الجهادية لإسقاط الأسد .
&bascii117ll; انهاء التواصل مع نظام الأسد باسم التعاون لمكافحة الإرهاب. إن مثل هذا التواصل يعزز مزاعم الأسد بالشرعية فحسب مع بقاء الجهاديين .
&bascii117ll; استخدام المحادثات النووية الجارية مع إيران كمنصة للتوصل الى اتفاق أكبر حول سوريا. يمكن حث طهران على التنازل عن سوريا لتأمين اتفاق نووي .

دروس مؤتمر جنيف الثاني
تدخل الأزمة السورية عامها الرابع دون وجود حل واضح في الأفق. وتستمر حكومة الرئيس بشار الأسد بالهجوم العسكري تحت حجة أنها تقاتل الإرهابيين، في حين تحاول المعارضة إزالة الأسد من السلطة دون وجود سياسي قابل للاستمرار أو استراتيجية عسكرية لتحقيق هذا الهدف.
في أوائل عام 2014، وفي مؤتمر جنيف الثاني حول سوريا، عُقدت جولتان من المفاوضات بين الحكومة السورية وأعضاء من المعارضة. وقدمت ' مجموعة أصدقاء سوريا' المكونة من مختلف الجهات الفاعلة الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة، المؤتمر على أنه المنصة الوحيدة التي يمكن من خلالها وضع نهاية للأزمة. إلا أن المفاوضات طويت دون تحقيق هدفهم: انشاء حكومة انتقالية في سوريا.
 وقد انبثقت أربعة دروس رئيسة من مؤتمر جنيف الثاني.
الأول، لقد جعل أداء النظام السوري في المؤتمر من الواضح عدم امكانية التوصل إلى أي حل بينما الأسد لا يزال في السلطة لأن النظام ليس مستعداً لتسوية على الصعيد السياسي فطوال فترة انعقاد المؤتمر، أصرت الحكومة على روايتها حول مكافحة الارهاب. لكن لم تتصدّ لهذه الرواية وسائل الإعلام أو الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة الثورية السورية، وهو تحالف لجماعات المعارضة في المنفى تفاوضت مع النظام وجهاً لوجه في جنيف.
الثاني، لقد أدى أداء الإئتلاف الوطني خلال المؤتمر إلى زيادة شرعية الائتلاف على الصعيدين الخارجي والمحلي. فعشية مؤتمر جنيف الثاني، كان الائتلاف الوطني منتَقداً بشدة لعدم تمثيله المجموعة الكاملة من جماعات المعارضة السورية ولضعف صلاته مع المتمردين داخل سوريا. مع ذلك، فقد كانت أعمال الائتلاف خلال الجولة الأولى من محادثات جنيف الثانية محل تقدير وثناء. وأصبح لدى الائتلاف الآن القدرة على أن يكون النواة السياسية للمجموعة التي يمكن أن تصبح أكثر تمثيلاً على طول الخط.
على الرغم من أن الائتلاف الوطني لم يتوصل إلى اتفاق مع نظام الأسد حول أي من القضايا التي نوقشت خلال المؤتمر، فإنه ربح في لعبة العلاقات العامة. فعلى الصعيد العلني، قدم زعيم الائتلاف الوطني أحمد الجربا مطالب المعارضة بشكل معقول، متمسكاً بهدف إنشاء حكومة انتقالية في سوريا المبين في مؤتمر جنيف الأول الذي عقد في صيف عام 2012. أما وراء الكواليس، فقد أشار إلى مجموعات وشخصيات معارضة أخرى عن استعداده للاستماع إلى أفكارهم وإشراكهم في العملية الانتقالية.
كانت  نتيجة هذا النجاح تأثيراً متماوجاً إيجابياً، على الرغم من محدوديته، بين أعضاء آخرين في المعارضة السورية الذين كانوا، إلى حين انعقاد مؤتمر جنيف الثاني، إما قد نأوا بأنفسهم عن الائتلاف الوطني أو شعروا باستبعادهم من قبله. وعلى الرغم من فشل المحادثات، فقد أعاد أداء الائتلاف درجة حذرة من الثقة بين السوريين في قدراته السياسية. لكن هذه الثقة ليست مطلقة. على الرغم من أن تلك المجموعات التي تم استبعادها من الائتلاف الوطني (أو هي نأت بنفسها) ، مثل هيئة التنسيق الوطنية من أجل التغيير الديمقراطي وأفراد من الجيش السوري الحر، هي الآن أكثر استعداداً للانخراط معه، فلا يزال هناك درجة كبيرة من عدم الثقة بين فصائل المعارضة السورية المتنافسة.
الثالث، إن روسيا تعارض منذ فترة طويلة أي مبادرة من أصدقاء سوريا لحل النزاع، بما في ذلك عن طريق منع صدور قرارات عن مجلس الأمن الدولي ضد نظام الأسد. وعلى الرغم من موقفها المتشدد خلال المؤتمر، فإن موافقة روسيا على عقد مؤتمر جنيف الثاني يعني ضمناً أن موسكو تعترف بأن الطريق نحو الانتقال السياسي في سوريا موجود.
الرابع، لقد أتاح المؤتمر للجهات المعنية المختلفة إجراء محادثات عبر قنوات خلفية، وهي نتائج من المحتمل أن تكون ذات صلة أكثر من النتائج الرسمية للمؤتمر، التي اقتصرت على هدنة لم تدم طويلاً في مدينة حمص وتسليم بعض المساعدات الإنسانية.
المشاكل العالقة
كان جزء من الدافع لعقد مؤتمر جنيف الثاني هو قلق الجهات المعنية الغربية من الفوضى التي قد تترتب على ذلك إذا ما تمت إزالة الأسد دون وجود حكومة انتقالية. مع ذلك، فقد فشل مؤتمر جنيف الثاني في معالجة عدد من القضايا التي سوف سوف تكون أي حكومة انتقالية بحاجة لها لتحقيق النجاح.
ثمة مشكلة رئيسة هي أن سوريا تفتقر الى معارضة نشطة يمكن أن تشكل جوهر الحكومة الانتقالية. فقد تم تفتيت المعارضة منذ بداية الأزمة السورية، وهي تفتقر إلى استراتيجية سياسية وعسكرية.
وبينما يتحمل السوريون قدراً من المسؤولية عن هذا التشرذم، فإن الانقسامات بين المعارضة هي أيضاً بسبب أعمال وتصرفات داعميها الدوليين. لقد كان الدعم الأجنبي للمعارضة متفاوتاً، حيث إن المجتمع الدولي قد اختار التعامل مع بعض جماعات المعارضة فقط دون غيرها، مع التركيز على تلك التي في الشتات بينما تجاهل، وإلى حد كبير، الجهات الفاعلة على الأرض في سوريا. فعلى وجه الخصوص، كانت المساعدات الأميركية والأوروبية للمعارضة داخل سوريا ضئيلة. إذ إن المساعدات العسكرية غير القاتلة والمنخفضة التي يقدمها هؤلاء ليست كافية لتحويل ميزان القوى في البلاد.
إن المعارضة على الأرض بحاجة إلى دعم أقوى على جميع المستويات، العسكرية وغير ذلك، من أجل زيادة الضغط على نظام الاسد وتكون قادرة على الحفاظ على النظام بعد رحيل الأسد.
لم يتم وضع أي مقاربة في المؤتمر لتوحيد الجيش السوري في مرحلة ما بعد الأسد، ولا تم احداث استراتيجية واقعية للتعامل مع الجهاديين المتطرفين الذين يشاركون في الحرب الأهلية، السوريين والأجانب على حد سواء.
بعد الأسد، لا يمكن لعملية الانتقال السياسي في سوريا أن تكون قابلة للحياة إذا ما بقي الجيش مقسماً. فمنذ الانقلاب الذي جلب الرئيس السوري السابق حافظ الأسد إلى السلطة في عام 1970، تم بناء النظام السياسي البعثي السوري على أعمدة عسكرية لن يتم التراجع عنها بمجرد إزالة بشار الأسد من السلطة. أما حالياً، فإن الجيش السوري الحر يشتبك مباشرة مع الجيش العربي السوري الرسمي التابع للنظام. وفي الوقت نفسه، أصبح الجيش العربي السوري طائفياً على نحو متزايد، ما أعطى كبار الضباط العلويين مزيداً من السلطة على حساب الضباط السنة من جراء تزايد حالة انعدام الثقة بسبب صعود الجهاديين السنة الذين يواجهون الجيش السوري مباشرة. فالنظام لم يعد له ثقة بامكانية الاعتماد على الضباط السنة في مواجهة غيرهم من السنة.
وحتى لو تم التوصل، في نهاية المطاف، في مؤتمر جنيف الثاني إلى اتفاق حول الانتقال السياسي، فإن هذا التحول لن يكون مجدياً اذا لم يتم أخذ هذه القضايا بعين الاعتبار. لذا هناك حاجة الى نظر الأطراف المعنية إلى ما هو أبعد من عملية جنيف الثانية لدفع الصراع نحو الحل.
توسيع إطار العمل
تبدأ عملية الحل بدراسة أدوار مجموعة واسعة من الجهات المعنية في سوريا بعناية. فقد تصاعدت حدة الصراع على مر السنين ليشمل جهات فاعلة سياسية وعسكرية متعددة، ومع هذا التصعيد، أغلقت نافذة حل الصراع من خلال قناة واحدة فقط-  سواء قناة دبلوماسية أو عسكرية.
يتطلب حل ذي معنى للصراع استراتيجية شاملة تربط معا العوامل الخارجية والداخلية والانكباب على معالجة العقبات الرئيسة لا تزال في الطريق. وفي حين أنه من المعلوم بأن نظام الأسد هو المذنب الرئيس ومصدر الصراع ، فإن جميع العقبات التي تحول دون التوصل إلى حل تدور حول الأدوار التي كانت تلعبها الجهات المعنية الأخرى، روسيا، إيران دول الخليج، والولايات المتحدة بشكل رئيس.
روسيا
كانت روسيا تساعد الأسد على الصعيدين الخارجي والداخلي. فبالإضافة إلى منع صدور قرارات مجلس الأمن الدولي ضد النظام، كانت موسكو تساعد حكومة الأسد في قتالها ضد المعارضة على الأرض. لقد أعطت المساعدات العسكرية والسياسية الأسد النفوذ ومنحته الثقة بأنه قادر على الفوز في الصراع. كما أن وساطة موسكو في الصفقة التي وافق عليها النظام السوري والمتعلقة بتدمير الأسلحة الكيميائية منحت الأسد أيضاً الشعور بالشرعية فيما يخص المجتمع الدولي.
وقد اتخذت موسكو هذه الخطوات لسبيين رئيسيين. فالدافع وراء ذلك يعود في جزء منه إلى المخاوف بشأن ممتلكاتها الاستراتيجية، كسفنها الحربية في ميناء طرطوس شمال سوريا. كما أنها محاولة لتأكيد مكانتها الدولية إزاء الولايات المتحدة. وقد أثبتت الورقة السورية فائدتها بالنسبة لروسيا في هذا الصدد – فعن طريق اتخاذ موقف متشدد تجاه الأزمة السورية، دفعت موسكو واشنطن الى مناشدة روسيا كما لو أنها قوة عظمى وعلى قدم المساواة مع الولايات المتحدة.
لكن الدعم الروسي ليس مطلقاً. فروسيا لا تستثمر في شخصية الأسد نفسه، كما أن ليس لديها تأثيركامل على دمشق. وعلى الرغم من أن موسكو تعتبر موقفها بمثابة مواجهة التدخل الدولي في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى التي تواجه اضطرابات داخلية (كما كان الحال في ليبيا)، فإن نظام الأسد، بالنسبة لروسيا،  هو ورقة مساومة أخرى في المفاوضات مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي حول مكانة موسكو نفسها.
إيران
 مكنت إيران الأسد من اتخاذ موقف متصلب في الصراع. فقد أمرت حزب الله، حليفها اللبناني، بمساعدة النظام السوري بقوة. إن موقف ايران المعلن هو أن حزب الله يعتبر خط الدفاع الأول ضد إسرائيل وأن سوريا هي الطريق الرئيس لنقل الأسلحة إلى حزب الله في لبنان. وبالتالي فإنها تضع دعمها لنظام الأسد في إطار قلقها على أمنها فيما يتصل بإسرائيل.
كانت العقوبات المفروضة على ايران بسبب برنامجها النووي مما زاد من صعوبة طهران في دعم الاسد. لكن تلك العقوبات رُفعت جزئياً خلال المفاوضات الدولية مع ايران حول برنامجها النووي، ما منح طهران بعض المجال للتنفس في الوقت الذي تسعى فيه جاهدة الى مواصلة دعم الأسد مالياً.
على الرغم من هذا الدور الكبير، تم استبعاد إيران من المفاوضات الدولية بشأن سوريا. هذا الأمر سمح لإيران، وعن غير قصد، بمواصلة تجنب التعرض للمساءلة عن أفعالها.
دول الخليج
كانت المملكة العربية السعودية وقطر، سواء في قدراتهما الرسمية كدولتين أو من خلال شبكة من الجهات الفاعلة غير الحكومية التابعة لهم-  مثل بعض المواطنين والجماعات المعينة ذات الطموحات السياسية والاقتصادية - تساعدان مختلف مكونات المعارضة. كان هدفهما في ذلك ليس فقط اسقاط الأسد وانما أيضاً حماية مصالحهما الخاصة وتأمين حصة لهما في الصراع السوري ونتائجه.
كانت المملكة العربية السعودية وقطر تتنافسان على النفوذ الإقليمي منذ أن تسلم أمير قطر الأخير حمد بن خليفة آل ثاني السلطة في عام 1995 الذي رأى في تراجع دور السعودية ومصر في الشرق الأوسط فرصة لقطر كي تحتل موقع الزعامة السياسية القومية العربية. هذا التنافس يجري اللعب به في المعارضة السورية، مع دعم قطر للجيش السوري الحر والإخوان المسلمين ودعم  المملكة العربية السعودية لأعضاء آخرين في المعارضة هم الآن القوى المهيمنة في 'الائتلاف الوطني'. وقد ساهم هذا التنافس بالانقسامات الحاصلة في أوساط المعارضة السورية وجعلها أضعف في مواجهة نظام الأسد.
كانت دول الخليج أيضاً الراعية الرئيسة لعدد من الجماعات الجهادية الاسلامية التي تطورت من مواجهة جيش الأسد فقط إلى القتال ضد الجيش السوري الحر وجماعات المعارضة الأخرى، وكذلك فيما بينها. هذا أيضاً أضعف المعارضة السورية أكثر.
الولايات المتحدة
لقد كان ينظر إلى السياسة الأميركية تجاه الصراع السوري على أنه غير فعال، ليس فقط من قبل نظام الأسد النظام وداعميه ولكن أيضا من قبل حلفاء الولايات المتحدة مثل المملكة العربية السعودية.
ففي الأيام الأولى من الصراع، لم يكن نظام الاسد يعتقد بان الولايات المتحدة تريد فعلاً الرئيس السوري خارج السلطة، وما أن تقدم النزاع، حتى زادت الخطوط الحمراء الكاذبة التي أعلنتها الإدارة الأميركية من ثقة الأسد باعتقاده. وقد عزز صعود الإسلاميين الجهاديين في سوريا موقف الأسد أكثر، مع تقارير الاتصالات السرية بين أجهزة الاستخبارات الغربية ونظام الأسد بدافع الرغبة بمحاربة صعود المتطرفين الجهاديين في سوريا، الذين وسعوا نطاق أنشطتهم لتشمل الدول المجاورة مثل العراق ولبنان. ويبدو أن لدى الولايات المتحدة مصلحة راسخة في الوضع الراهن، حيث أنها صعدت إلى عربة مكافحة الإرهاب، في تأكيد منها على الرواية بأن الجهاديين سوف يستولون على سوريا إذا ما سقط النظام.
وقد حولت أيضاً السياسة الأميركية تجاه الصراع السوري الاستعداد بالتهديد بتدخل عسكري إلى التعبير عن المخاوف من تدخل أميركي مفرط. هذا الأمر أضر بمكانة القيادة الدولية لواشنطن، خاصة بالمقارنة مع روسيا، وفتح المجال للجهات الفاعلة الإقليمية للمطالبة ببروز أكبر في الشرق الأوسط. كل هذا لم يعمل إلا على إطالة أمد الصراع والحفاظ على الأسد في السلطة.
الاستراتيجية الشاملة
بينما يدرس الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، والمعارضة السورية خطواتهم المقبلة، ينبغي أن تنظر كل الجهات المعنية نظرة شاملة إلى الأزمة والى نوافذ الفرص المتاحة التي يمكن أن تؤدي إلى حل. يجب على صانعي السياسة الغربيين التفكير بما يتعدى عملية جنيف الثانية واتخاذ عدد من الإجراءات السياسية.
تشجيع توسيع قاعدة تمثيل المعارضة في سوريا.
يجب على الجهات المعنية الغربية المساعدة على بناء الثقة بين جماعات المعارضة المختلفة في سوريا، داخل البلاد وخارجها على حد سواء، خاصة وأن الفجوة بين شمال وجنوب سوريا تزداد بسبب الخصومات السياسية المدفوعة بالداعمين الخارجيين ( قطر وتركيا في الشمال، والمملكة العربية السعودية في الجنوب). وللقيام بذلك، يتعين على الغرب العمل مع الائتلاف الوطني للوصول إلى شخصيات ومجموعات ظلت حتى الآن خارج عمليات المشاركة الدولية، بدءاً من الجنرالات المنشقين وصولاً إلى اللجان المحلية. يجب على الائتلاف الوطني ومؤيديه الدوليين الاستماع إلى هذه الشخصيات والجماعات وما لديها لتقدمه ودمج مساهماتها المحتملة في استراتيجية انتقالية. ورغم أن جماعات المعارضة كانت تنتقد بعضها البعض علناً، فإن هناك وجود لأساس جيد للقواسم المشتركة ويمكن استخدام ذلك لمواصلة توسيع مشاركة جماعات وشخصيات المعارضة في محادثات جنيف اللاحقة وغيرها من المنابر الدولية .
تعزيز قدرة المعارضة السورية على الحكم من خلال مبادرات تمكين المجالس المحلية.
يجب على الدول الغربية زيادة دعمها للمعارضة داخل سوريا. فقد كانت الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الدولية الأخرى ترسل الدعم على مستوى منخفض للمعارضة الموجودة داخل البلد، لكن هذا لم يؤد إلا إلى بقاء وجود المعارضة في موازات وجود النظام. ومع عدم وجود ضغط دولي قوي على الأسد، ومع استمرار الدعم من روسيا وإيران، إضافة إلى صفقة الأسلحة الكيميائية، وتعاون الاستخبارات الغربية مع نظام الأسد لمكافحة المجموعات الجهادية، لا يشعر الرئيس السوري بميل كبير لتقديم تنازلات.
هناك حاجة في المناطق الخاضعة لسيطرة كل من النظام والمتمردين إلى تحديد وانتقاء القادة المحليين الذين يمكنهم تمثيلها وإقامة قنوات اتصال بين مناطق مختلفة داخل سوريا، وخصوصا بين شمال يسيطر عليه الاسلاميون وجنوب يسيطر عليه الجيش السوري الحر، ما يشكل الأساس لحكم محلي لامركزي ضروري لإنشاء حكومة انتقالية. ينبغي للغرب توفير التدريب لهؤلاء القادة، وكذلك الاستماع إلى مطالبهم بدعم لوجستي محدد وتلبيتها.
بدء الحوار مع عناصر من الجيش العربي السوري وشخصيات عسكرية أخرى قادرة على توحيد الجيش في مرحلة ما بعد الاسد .
 شارك الغرب الجيش السوري فقط من خلال الدعم للجيش السوري الحر، وتجاهل احتمال أن الجيش العربي السوري الوطني لديه الامكانية بترجيح كفة ميزان القوى. وقد عكس الائتلاف الوطني موقف المجتمع الدولي وامتنع أيضا عن تناول دور الجيش في الصراع، على الرغم من حقيقة هي أن سورية محكومة على أساس السيطرة العسكرية.
 إن أي تسوية سياسية يجب أن تشتمل على استراتيجية للتوفيق بين تلك الجهات العسكرية الفاعلة المعارضة. لكن بسبب التكوين الطائفي للجيش العربي السوري، فإن قيادة الجيش السوري الحر لن تكون قادرة على وضع ضباط علويين من الجيش الوطني في كنفها. أما حالياً، فإن هناك بعض كبار الضباط المعينين الذين انشقوا عن النظام الذين يمتلكون الرؤية والمصداقية للتواصل مع ضباط علويين داخل الجيش الوطني، إلا أنهم يفتقرون إلى التمويل، وقد تم استبعادهم إلى حد كبير من قبل الغرب.
من خلال إشراك هؤلاء الضباط، يمكن لصناع السياسات الغربيين التنسيق مع شخصيات رئيسة داخل الجيش العربي السوري لبدء عملية فصل النظام عن الأسد نفسه. ينبغي للخطوات الناتجة أن تسلم بوضوح بالمسارات المتكاملة التي يمكن أن تلعبها الشخصيات السياسية والعسكرية في المرحلة الانتقالية. وهذا من شأنه أن يقطع شوطاً طويلاً نحو التقليل من احتمال حدوث فراغ في السلطة سيظهر بعد رحيل الأسد وكذلك نحو تخفيف الانقسامات الطائفية المحتملة داخل الجيش وغيره.
اشراك روسيا في الحوار حول العملية الانتقالية من حكم الأسد، ما يوفر الطمأنينة السياسية والاستراتيجية لموسكو.
بعد أن منعت محاولات التدخل العسكري الغربي من خلال الفيتو في مجلس الأمن الدولي في محاولة منها لحمل المجتمع الدولي على قبول حل سياسي للصراع السوري، أثبتت روسيا نفسها الآن بأنها لاعب سياسي خطير في مواجهة الولايات المتحدة. ينبغي للغرب البناء على هذه الثقة الروسية عن طريق ضمان المصالح الاستراتيجية الروسية في سوريا في مرحلة ما بعد الأسد (على سبيل المثال، وجودها في ميناء طرطوس وصفقات السلاح مع الجيش السوري)، في الوقت الذي يقدم فيه هذا الغرب لروسيا بديلا مجدياً عن الأسد.
هذا يعني البدء بحوار حول ما إذا كان يمكن لتركيبة النظام هذه أن تبقى، وبأية قدرات، في مرحلة ما بعد الأسد. وهذا يعني أيضا التواصل مع عناصر سياسية في النظام من شأنهم أن يكونوا أكثر تسامحاً مع التغيير إذا ما كانت العملية الانتقالية تعني الإبقاء على درجة من النفوذ لهم، حيث ان من المرجح أن يكون هؤلاء العناصر بدائل سياسية مقبولة بالنسبة لروسيا.
وقد اشارت روسيا الى الإرهاب كسبب لدعم النظام، محذرة من أن إزالة الأسد ستسفر عن فراغ في السلطة والذي سوف تشغله مجموعات جهادية معادية لموسكو. وفي حين أن وجود حكومة انتقالية قوية وجيش موحد هما هدفان على المدى الطويل، فإن غرس بذور التحول الآن من شأنه أن يلغي هذه الرواية الروسية. كما أن ذلك سوف يوفر بديلاً واقعياً للشعب السوري للمعضلة الحالية حول الشعور بالحاجة إلى الاختيار بين البعث ( حزب البعث) والتطرف.
 هناك قلق من أنه إذا ما شعر الأسد بأن روسيا على وشك التخلي عنه، فإنه قد يعمد إلى تصعيد الحرب باستخدام أسلحة الدمار الشامل. وهذا يمكن استباقه من خلال العمل على فصل ضباط الجيش في الدولة عن النظام للحد من قدرات الأسد بالتصعيد.
تقديم أسلحة إلى جماعات المعارضة تمكنهم من تحويل ميزان القوى الى صالحهم.
على الرغم من أن من المرجح أن تزيد روسيا وإيران من دعمهما العسكري للأسد إذا ما تحرك الغرب لتجهيز المعارضة السورية عسكرياً بشكل أفضل، فإن توزيع أسلحة للمعارضة في المناطق الاستراتيجية الرئيسة يمكن أن يساعد في تحويل ميزان القوى على الأرض للضغط على النظام. إن توفير الأسلحة للمعارضة سوف يعمل على حمايتها من هجوم النظام، كما أن هذه الاسلحة ستتيح الامساك بالمناطق التي يسيطر عليها المتمردون، وتساعدهم في قتالهم ضد الجهاديين.
التعاون مع دول الخليج لوضع حد للدعم الخارجي للجماعات الجهادية العاملة في سورية.
كان الدافع وراء رغبة دول الخليج في إزالة الأسد من السلطة، وإلى حد كبير، المخاوف بشأن نفوذهم في المنطقة، وخصوصا في مواجهة إيران، ولكن أيضا فيما يتعلق في مواجهة بعضهم البعض. مع ذلك، فإن اعتمادها على الجماعات الجهادية في محاولة اسقاط الأسد قد بدأ يأتي بنتائج عكسية. فكلما طال أمد الصراع، كلما دخل عدد أكبر من الجهاديين من جميع أنحاء العالم  الى سوريا، ما يزيد من احتمالات عدم الاستقرار الداخلي في بلدانهم الأصلية بعد عودتهم اليها. يجب على الغرب العمل على نحو أكثر انتظاماً مع المملكة العربية السعودية وقطر لكبح جماح المواطنين الذين يدعمون الجهاديين.
انهاء التواصل مع نظام الأسد باسم التعاون لمكافحة الإرهاب.
 إن مثل  هذا التواصل يفضي فحسب إلى تعزيز مزاعم الأسد بالشرعية مع الحفاظ على وجود الجهاديين. إن الزعم الوحيد المتبقي للشرعية لدى نظام الأسد هي روايته عن أن الصراع الذي يخوضه هو عبارة عن مكافحة للإرهاب - وليس إخماداً لانتفاضة - وهذه الرواية غير مقنعة.
بدلاً من تأطير الجهاديين بوصفهم العدو المشترك بالنسبة للغرب ونظام الأسد، يجب أن يعترف صناع السياسة الغربيون بأن الجهاديين هم نتاج النظام نفسه. إن بعض المجموعات عبارة عن منتجات غير مباشرة، تبرز من الرغبة في محاربة الأسد وحلفائه، في حين أن البعض الآخر هم امتداد مباشر أكثر للنظام، إضافة إلى تمويلهم وتشجيعهم، أو إعطائهم المجال من قبل النظام للقتال لصالحه.
إن إزالة الأسد من السلطة الغاء لمبرر وجود تلك الجماعات. فعدد المجموعات الموجودة سوف يذوب بسرعة مع إزالة الأسد من السلطة، في حين أن تلك الباقية سوف تكشف عن نفسها سعياً للمشروعية من قبل الدولة السورية في مرحلة ما بعد الاسد. كما أن هناك جماعات إسلامية معينة منفتحة أيضاً على المشاركة السياسية والحوار مع الغرب.
استخدام المحادثات النووية الجارية مع إيران كمنصة للتوصل الى اتفاق أكبر حول سوريا.
على الرغم من أن ايران كانت قد استبعدت من مؤتمر جنيف الثاني، فإنها قدمت أداءاً جيداً في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في يناير/ كانون الثاني عام 2014. هناك، أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني حرص بلاده على زيادة حواره مع المجتمع الدولي وانخراطها به.
إن رغبة إيران في تحسين علاقتها مع الغرب يوفر فتحة اساسية للمساومة حول سوريا. فعلى الرغم من أن هناك قلقاً لدى صناع السياسة الغربيين حول إضافة بند جديد إلى جدول الأعمال الحساس أصلاً، فإنه لا ينبغي فصل الملف السوري عن الملف النووي الإيراني. وقد كانت المفاوضات النووية مشجعة عموماً، وأظهرت أن إيران ليست بعيدة عن الموافقة على التضحية ببعض الخطط لتحقيق مكاسب أكبر. هذا الأمر يمثل فرصة لاستخدام سورية كعامل آخر يمكن من خلالها حث إيران على المساومة حوله من أجل التوصل الى الاتفاق النووي الثمين. لكن لا يمكن لهذا أن ينجح إلا عندما ترى إيران أن احتمالات بقاء نظام الأسد في السلطة قد تراجعت، ما يجعل سوريا ورقة مساومة أقل جاذبية بالنسبة لإيران.
دفعت السعودية باتجاه استبعاد ايران من حضور مؤتمر جنيف الثاني. وينبغي للغرب إقناع الرياض بأنه طالما بقيت إيران خارج المفاوضات، فإنه لا يمكن محاسبتها عن أفعالها. إن فتح  حوار مع إيران لا يعني التقليل من مكانة المملكة العربية السعودية في المنطقة، خاصة وأن الرياض حليف مهم للغرب. كما أن إيران المنخرطة في الحوار سوف تكون أقل صدامية، الأمر الذي سيكون له أثر مهدئ على بلدان أخرى في الشرق الأوسط حيث تعد المملكة العربية السعودية جهة معنية رئيسة، مثل لبنان واليمن.
حان وقت التغيير
كانت هناك العديد من الفرص الضائعة لحل النزاع السوري، بدءاً من الفيتو على قرارات مجلس الأمن الدولي وصولاً إلى عدم وضوح الخطوط  السياسية الحمراء والضربات العسكرية الفاشلة. إن مثل هذه الفرص لا ينبغي تفويتها مجدداً.
إن عملية التفاوض الأحادية المسار ليست قابلة للحياة. فما نحن بحاجة إليه هو استراتيجية شاملة من شأنها أن تبني على القواسم المشتركة بين الجهات المعنية. وهذا يتطلب توسيع المنظار الذي كانت الجهات المعنية الغربية تنظر من خلاله إلى الصراع وكذلك توسيع شبكاتهم وأساليب انخراطهم. وسيكون من الصعب تنفيذ هذه الاجراءات السياسية، لكن البديل هو إما بقاء دولة دموية – قمعية بقيادة الأسد إلى أجل غير مسمى أو وجود دولة فاشلة تعاني من الإرهاب.
(*) ترجمة إيمان سويد ـ خاص موقع مجموعة الخمات البحثية

موقع الخدمات البحثية