مواد أخرى » الولايات المتحدة: روسيا قد عادت قوة عالمية

ادوارد لوزانسكي ـ رئيس الجامعة الأميركية في موسكو The Moscow times
ترجمة: فيصل الأشمر


كان للولايات المتحدة خياران بعد انهيار الاتحاد السوفياتي: دمج روسيا ضمن الهيكلية الأمنية والاقتصادية الغربية أو المزيد من عزلها وإضعافها من خلال توسيع حلف شمال الاطلسي حتى حدودها ودمج جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق مكانها.

وقد مال الرئيس الأميركي جورج بوش إلى دمج روسيا بالغرب، لكنه خسر فرصة إعادة انتخابه في عام 1992. لكن خليفتيه - بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وإلى حد ما أقل درجة باراك أوباما – اختاروا عزل وإضعاف روسيا بالتحرك أقرب من دول كجورجيا وأوكرانيا.

ما نشهده الآن في شبه جزيرة القرم هو رد الفعل المنطقي على استرجاع روسيا التي استعادت نشاطها والمصممة على مواجهة سياسة الولايات المتحدة الواضح فشلها. بناء عليه، فإن أي شخص يستاء من ضم شبه جزيرة القرم – أو بالأحرى إعادتها إلى – روسيا، رجاءً أوقف تذمرك الغاضب. لقد تم العمل بالفعل، والاحتمال الوحيد لإبطاله هو إعلان الحرب ضد روسيا. الحرب، مع ذلك، ستعني انتحاراً نووياً، ما يؤدي إلى موت الحضارة الإنسانية. لحسن الحظ، لا أحد أظهر استعداداً للذهاب إلى هذا الحد، ولا حتى الساسة الأكثر جرأة في الولايات المتحدة كالسناتور جون ماكين وأتباعه، ومرشح الرئاسة لمرة واحدة باتريك بوكانان الموصوف بالماكينية بجدارة. أعتقد أننا يجب أن تشعر بالامتنان لهذه الإشارة من الرصانة. لكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فرضا عقوبات على روسيا وقد يُكشف النقاب عن عقوبات اقتصادية أكثر صرامة حتى في الأيام أو الأسابيع المقبلة. لا أحد يشك في أن الغرب يمكنه أن يلحق ضرراً كبيراً بروسيا. لكن العقوبات لا يمكن لها أن تكون من طرف واحد كما كان الحال مع إيران مثلاً، فالاقتصادات مترابطة.

يعدّ اقتصاد روسيا من بين أفضل 10 في العالم، وعشرات الشركات الغربية، بما في ذلك شركات الولايات المتحدة العملاقة، تقوم بأعمال تجارية جيدة في روسيا. إن فرض عقوبات واسعة أيضاً لا يمكن من دون جبهة موحدة من واشنطن وبروكسل، ومن غير المرجح أن العاصمتين السياسيتين سوف تكونان قادرتين على إيجاد أرضية مشتركة بشأن جميع القضايا. يجب على واشنطن وقف اتهام موسكو بانتهاك القانون الدولي في شبه جزيرة القرم لأنها مذنبة بارتكاب الجريمة نفسها دوماً. والغريب، أنه قد أيد الحرب على العراق بكل إخلاص نفس الأشخاص الذين ينتقدون الآن بالنسبة لشبه جزيرة القرم، الماكينيون، وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس، والغريب في الأمر أن وزير الخارجية جون كيري منهم. في شبابه، تحدث كيري ضد الحرب الفييتنامية واستخدم معارضته للحرب نقطة انطلاق للحصول على مهنة سياسية ناجحة.

من الذي استفاد من الحرب العراقية؟ يسأل ألوف العراقيين والأميركيين من الذين فقدوا أحباءهم في القتال. أو اسأل دافعي الضرائب الأميركيين الذين دفعوا تريليوني دولار على الجهد، ومع الدين الوطني البالغ نحو 18 تريليون دولار، أو 130 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وبالمناسبة، إن أياً من الدول التي عارضت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق، بما في ذلك روسيا وفرنسا وألمانيا، دعا لفرض عقوبات ضد الولايات المتحدة أو حلفائها. لكن النواب الأميركيين ووسائل الإعلام، غاضبين من معارضة فرنسا للحرب، حاولوا قلب الطاولة وإقامة العقوبات الخاصة بهم، مثل مقاطعة الجبن والنبيذ الفرنسيين داعين إلى إعادة تسمية البطاطا المقلية بـ'بطاطا الحرية'.

ما الذي يجب عمله الآن مع شبه جزيرة القرم؟ تماما كما حدث بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لم يبق أمام واشنطن سوى خيارين بشأن كيفية التعامل مع روسيا.
إن السياسة قصيرة الأجل سترينا الضغوط الأميركية على الحكومة الأوكرانية المؤقتة لوقف إطلاق التهديد العسكري حول زيادة الميزانية العسكرية للبلاد في الوقت الذي كانت فيه على وشك الإفلاس. بدلاً من ذلك يجب على كييف البدء بإنقاذ سلامة واقتصاد الوطن عن طريق التوجه نحو نموذج الكونفدرالية التي في جنوبي شرقي أوكرانيا وتتمتع المناطق الشرقية بحكم ذاتي موسع. في هذه العملية، الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي وروسيا ستحتاج إلى التفاوض بشكل عاجل لأجل حزمة الإنقاذ المالية التي تتناول الإصلاحات الاجتماعية الأقل إيلاماً ممكناً لشعب أوكرانيا. إن السياسة طويلة الأجل، القائمة على القول المأثور 'أن نصل متأخرين أفضل من ألا نصل'، سوف تعيدنا إلى الوراء، إلى خيار عصر السيد بوش في بناء هيكل أمني عالمي جديد من فانكوفر إلى فلاديفوستوك. ينبغي توسيع البنية أكثر لتشمل طوكيو، بيكين، شنغهاي وسيول على ضوء الاصطفاف الحالي للقوى التي تختلف عن هيئة العام 1991 . إن القادة الروس، وانطلاقاً من تصريحات عديدة، سيكونون جاهزين لمثل هذه المحادثات.

وليس من المرجح أن يتبنى صناع السياسة الخارجية الحاليين في واشنطن أياً من الخيارين. ولكن المسؤولين المنتخبين يجب أن يأخذوا في الاعتبار استطلاعات الرأي العام الأخيرة. وقد انخفضت نسبة التأييد في الكونغرس الأمريكي إلى 8 في المئة، بينما تحظى سياسة أوباما الخارجية بتأييد 33 في المئة فقط. إن الأغلبية الساحقة من الرأي العام الأمريكي غير راضين عن قيادتهم السياسية. علاوة على ذلك فإن نصف المواطنين الأميركيين فقط أيد عقوبات على روسيا على الرغم من الضغوط الهائلة من وسائل الإعلام والكونغرس وأوباما نفسه. وتقدم استطلاعات الرأي سبباً للتفاؤل لأن الولايات المتحدة لديها مستويات عالية من الديمقراطية. وعاجلاً أم آجلاً يجب على السلطات الاستماع إلى الجمهور. تنتظر أوكرانيا أوقاتُ صعبة.

سيضطر شعبها إلى شد الأحزمة، وخفض الانفاق على الاحتياجات والرغبات الأساسية. لكن الأوقات السياسية العسيرة تنتظر الجميع. إن قادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا يواجهون التحدي المتمثل في منع الأزمة الحالية من التصاعد إلى حيث إن الخطاب العنيف لبعض الساسة قصيري النظر يؤدي إلى عواقب مأساوية وغير متوقعة.

موقع الخدمات البحثية