مواد أخرى » لماذا لا تغطي وسائل الإعلام الهجمات الجهادية على مسيحيي الشرق الأوسط؟


رايموند ابراهيم(*) ـ تورش 'Torch'  (مجلة اتحاد المسيحيين من أجل إسرائيل)، عدد شتاء 2014

'وَسَقَطُوا، لاَ يُمْكِنُ تَجْدِيدُهُمْ أَيْضًا لِلتَّوْبَةِ، إِذْ هُمْ يَصْلِبُونَ لأَنْفُسِهِمِ ابْنَ اللهِ ثَانِيَةً وَيُشَهِّرُونَهُ' ـ رسالة بولس إلى العبرانيين 6:6
تصرّ الأمم المتحدة، الحكومات الغربية، وسائل الإعلام، الجامعات، ورؤساء الكلام في كل مكان أن الفلسطينيين يعانون من انتهاكات هائلة من دولة 'إسرائيل'. بالمقابل، فإن أكبر مأساة حقوق إنسان في عصرنا ـ اضطهاد المسلمين الأصوليين للمسيحيين، بما في ذلك في المناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية ـ يتم تجاهلها عمداً.
الحقائق تتحدث عن نفسها. وتشير تقديرات مصادر موثوقة إلى أن بين 100 الى 200 مليون مسيحي في العالم يتعرضون للاضطهاد سنوياً، يستشهد مسيحي واحد كل خمس دقائق. نحو 85 % من هذا الاضطهاد يحدث في الدول ذات الاغلبية المسلمة. في العام 1900 كان 20 % من الشرق الأوسط من المسيحيين. اليوم، أصبحوا أقل من 2 %.
فقط في مصر في أسبوع واحد، حيث هاجرت عائلتي المسيحية، فإن جماعة الإخوان المسلمين أطلقت عملية هجوم مدمرة ومحرقة نحو 82 كنيسة مسيحية ( بعضها مبني في القرن الخامس، عندما كانت مصر ما تزال أمة ذات أغلبية مسيحية قبل الفتوحات الإسلامية ). وقد تم رفع علم تنظيم القاعدة الأسود فوق الكنائس. تعرض المسيحيون ـ من ضمنهم الكهنة والنساء والأطفال ـ للهجوم، قطعت رؤوسهم، وقُتلوا.
اضطهاد المسيحيين ليس مقتصراً على مصر. إن ملايين المسيحيين، من المغرب في الغرب إلى اندونيسيا في الشرق ومن آسيا الوسطى في الشمال إلى جنوب الصحراء الكبرى الافريقية في الجنوب، مروراً بآلاف الأميال من الأراضي المأهولة بالناس الذين لا يشتركون في السلالات واللغات والثقافات و/أو و الظروف الاجتماعية والاقتصادية نفسها، يتعرضون للاضطهاد وبنفس الأساليب.
تمت مهاجمة المسلمون المتحولون إلى المسيحية والبروتستانت وسُجنوا، وأحياناً قُطعت رؤوسهم، وتم حظر وتفجير عدد لا يحصى من الكنائس في أرجاء العالم الإسلامي، واختُطف نساء وأطفال مسيحيون، واستُعبدوا واغتُصبوا وأو تم إجبارهم على التخلي عن دينهم.
بعيداً عن مساعدة هؤلاء الضحايا المسيحيين، فإن سياسات الولايات المتحدة تفاقم في الواقع معاناتهم. سواء في تونس أو ليبيا أو مصر أو سوريا وتحت غطاء من الولايات المتحدة الأميركية ـ الداعمة 'للربيع العربي'  فقد ازدادت الأمور سوءاً بشكل مأساوي بالنسبة للمسيحيين. في الواقع فإنه خلال جلسة استماع الكونغرس الأمريكي الأخيرة، تم الكشف عن آلاف المسيحيين السوريين المصابين بالصدمات ـ والذين هم كمن سبقهم من المسيحيين العراقيين، يشهدون تهجيرا قسرياً جماعياً من وطنهم ـ يتساءلون 'لماذا تقف الولايات المتحدة في الحرب ضدنا؟'
الجواب هو أن عدداً قليلاً جداً من الأميركيين لديهم الفكرة عما يحدث لإخوانهم في الدين.
إن قليلاً من وسائل الإعلام الرئيسية يتحدث عن الاضطهاد المروع لملايين الناس الذين يعانون ببساطة بسبب رغبتهم في عبادة المسيح بسلام.
هناك بالتأكيد سبب مهم جداً لتجاهل وسائل الإعلام الاضطهاد الإسلامي الرجعي للمسيحيين: إذا كانت كامل الصورة غير معروفة، فإن العديد من حجارة الأساس لهذه الوسائل الاعلامية ـ والتي تظهر أغلب الوقت أن اسرائيل تظلم الفلسطينيين ـ سوف تنهار فوراً.
لماذا؟ لأن اضطهاد الإسلام الرجعي للمسيحيين قذف بالعذاب على الإعلام، وإلا، فإن القصة المشبعة بالنفط أن 'عنف الإسلام الرجعي هو صنيعة مظلومية الإسلام' واسرائيل هي أكبر الظالمين.
لنعتبر المسألة بهذا الشكل: لأن الدولة اليهودية أقوى من جيرانها المسلمين، فإن وسائل الإعلام يمكن لها بسهولة تصوير الإرهابيين الإسلاميين كـ'مستضعفين' محبطين يفعلون أي شيء يقدرون عليه لتحقيق 'العدالة'. بغض النظر عن عدد الصواريخ التي تطلق على تل أبيب من قبل حماس أو حزب الله، وبغض النظر عن كيفية ظهور تعطش المعاديين لإسرائيل للدماء في مصطلحات الإسلام الرجعي، فإن وسائل الإعلام  ستقدم هكذا عداء كدليل صارم أن الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي مقموعون بشدة لدرجة أن ليس لديهم خيار آخر سوى اللجوء إلى الإرهاب.
من ناحية أخرى، إذا أعطي المسلمون الأصوليون الحق باستعمال العنف لمن هو أقوى منهم، فكيف يمكن تبرير عنفهم ضد من هم أضعف ـ وفي هذه الحالة هم الملايين من أصحاب الأرض المسيحين؟
إن وسائل الإعلام لا يمكنها ببساطة أن تصور اضطهاد المسلمين الأصوليين للمسيحيين ـ والذي هو في جوهره وشكله يعد من المجازر غير المبررة ـ وكأنه 'نزاع على أرض' أو 'نتيجة لظلم' (إذا كان ولا بد، فإن الأقلية المسيحية المضطهدة والمنبوذة هي من يجب أن ترفع الشكوى والمظلومية). ولأن وسائل الإعلام لا يمكن لها توضيح هجمات الإسلام المتطرف ضد المسيحيين من خلال نموذج التظلم الذي يفيد بشكل جيد جداً في توضيح الصراع العربي الإسرائيلي فإن ملاذهم الرئيسي هو عدم الإبلاغ عنها على الإطلاق.
باختصار، إن اضطهاد المسيحيين هو أوضح انعكاس للفوقية العنصرية للإسلاميين الأصوليين. إن المسيحيين المتفوقين عدداً والمهمشين سياسياً إلى حد بعيد، يريدون ببساطة أن يتعبدوا بسلام، وأن لا يبقوا مطارَدين مهاجمين، محروقة كنائسهم ومدمرة، ونساؤهم وأطفالهم مستعبَدين ومغتصبين. إن هؤلاء المسيحيين هم في كثير من الأحيان مماثلون لشركائهم في الوطن من المسلمين في العِرق والإثنية والهوية الوطنية والثقافة واللغة، فلا يوجد أي خلاف سياسي، أو نزاع على أرض.
إن المشكلة الوحيدة هي أن الإسلاميون يعتقدون وفقاً لتفسيرهم الديني، أنه لا بد من إخضاع المسيحيين وغيرهم.
إذا كانت وسائل الإعلام الرئيسية تعد تقارير صادقة عن اضطهاد المسيحيين على يد الإسلاميين الأصوليين فإن الكثير من حجارة الأساس في السرد اليساري التي تسيطر حالياً على الخطاب السياسي ستنهار، أولاً وقبل كل شيء، فكرة أن التعصب الإسلامي المتطرف هو نتاج 'المظالم' وأن إسرائيل هي المسؤولة عن كل الإرهاب الجهادي ضدها.
(*) رئيس مركز ديفيد هورويتز للحرية وعضو مشارك في منتدى الشرق الأوسط.
ترجمة فيصل الأشمر ـ خاص موقع مجموعة الخدمات البحثية

موقع الخدمات البحثية