مواد أخرى » الإسلام السياسي في موقف دفاعي

عوديد إيران ـ يوئيل غوزينسكي/ INSS Insight No. 530 ـ 20 آذار، 2014

على الرغم من النجاحات الأولية التي سجلها الإسلام السياسي مع الانتفاضة في الشرق الأوسط، فقد كانت الحركات السنية ذات الطابع السياسي في العالم العربي في موقف دفاعي، سواء كانت جماعة الإخوان المسلمين المخضرمة أو الجماعات الأحدث. فمن تونس وصولاً إلى الخليج الفارسي، تُظهر الأنظمة والمجتمعات العربية المرونة والعزم وهي تواجه محاولة لفرض تفسير إسلامي راديكالي على طريقتها في الحياة. وإذا كان هناك من قاسم مشترك من أي نوع كان بين الاحتجاجات المناهضة لرجال الدين فإنه متمثل بالمملكة العربية السعودية، العازمة على منع الاضطرابات، تحييد التهديدات، تحقيق استقرار الأنظمة، وإلى أقصى حد ممكن، محاولة التأثير على الإسلاميين في الخليج وأماكن أخرى.

إن دور ومكانة الإسلام السياسي، خاصة جماعة الإخوان المسلمين والحركات التابعة لها، هما نقطة خلاف بين دول الخليج. وقد أثبتت بعض الملكيات قلقها المتزايد بشأن بقاء أنظمتها في مواجهة تهديد الإسلام السياسي. إذ تحاول دولة الإمارات العربية المتحدة حالياً، على سبيل المثال، مواجهة نحو مائة فرد من تنظيم 'الإصلاح '، وهي حركة مرتبطة بالإخوان المسلمين. وفي 5 مارس/ آذار عام 2014، استدعت المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، والبحرين سفراءها من قطر بسبب دعم قطر للإخوان المسلمين، الأمر الذي تعتبره هذه الدول هداماً وتهديداً لاستقرارها. وبعد بضعة أيام، أضافت كل من المملكة العربية السعودية ومصر الحركة إلى قوائمها حول المنظمات الارهابية والقت القبض على بعض أنصارها.

 
وزراء الخارجية العرب تحضيراً لقمة رؤساء الدول، وسط توتر بعد قرار المملكة العربية السعودية، والبحرين، والإمارات العربية المتحدة  استدعاء سفرائها من قطر؛ اف ب / جيتي

في المقابل، لم تقدم قطر فقط اللجوء ليوسف القرضاوي، المرجع الديني لجماعة الإخوان المسلمين، وانما سمحت له أيضاً بأن ينزل ضيفاً على برنامج أسبوعي على قناة الجزيرة حيث يكون حراً في القاء مواعظه وخطبه حول مجموعة من المواضيع، بما في ذلك موقف الإخوان المسلمين في بعض دول الخليج. وأصبحت العلاقات بين دولة قطر والمملكة العربية السعودية متوترة لا سيما في عام 1995 عندما سيطر حمد بن خليفة على زمام الأمور في الحكومة القطرية، وهي الخطوة التي أثرت سلباً على مجلس التعاون الخليجي ( ما بين عاميْ 2002-2007 لم يكن لدى المملكة العربية السعودية سفير في الدوحة) . الآن أيضا، أدت السياسة تجاه العناصر الإسلامية إلى إثارة التوتر بين دول الخليج واحداث ثقب في قشرة الوحدة الخادعة التي تم إنشاؤها خلال الربيع العربي ( بدا ذلك، على سبيل المثال ، في المعارضة المشتركة للقذافي والأسد ).

إن القلق السعودي المحدد يتعلق بكون الإسلام السياسي يقدم نموذجاً بديلاً لبنى وتركيبات الحكم القائمة ويوفر إطاراً سياسياً بديلاً يرتكز على الشرعية الدينية. إذ لا يقدم الإسلام السياسي الإمكانية لنظام آخر فحسب - الديمقراطية الغربية تفعل الشيء نفسه ـ ولا هو ينافس أيضاً فقط الأنظمة القائمة على الجمع بين الدين والدولة، مثل الصلة الموجودة بين عائلة آل سعود والمؤسسة الدينية الوهابية، وإنما يمثل تهديداً للنظام القائم. وبعبارة أخرى، وبسبب العنصر الديني  فيه، ولأن العديد من الحركات تروج للانتخابات الديمقراطية وتشارك فيها، فإن الاسلام السياسي يوفر بديلاً ملموساً وجذاباً للنظام القديم وقد أثبت قدرته على إسقاط الحكومات، في مصر وتونس على حد سواء. فضلاً عن ذلك، وفي مجتمع قبلي، كما هو الحال في منطقة الخليج، يُنظر إلى الإسلام السياسي باعتباره تحدياً للمعايير والقواعد الاجتماعية، البنية الطبقية، وقيادة النخبة في القبيلة .

أما بما يتعدى الخليج، فإن المجموعات المحددة بأنها مع الإخوان المسلمين أو مع فلسفتها هي أيضاً في موقف دفاعي. ففي فبراير/ شباط عام 2014، اضطرت حركة النهضة، وهي الحزب السياسي التونسي الذي يمثل الحركات الاسلامية المعتدلة والذي فاز في الانتخابات مباشرة بعد الاطاحة بزين العابدين بن علي، الى التنازل عن السيطرة على البلاد لحكومة مؤلفة من تكنوقراط الى حين اجراء انتخابات في وقت لاحق من هذا العام. فقد فشلت الحكومة التي يقودها حزب النهضة في المجالين الاجتماعي والاقتصادي وفشلت كذلك في تحسين الأمن القومي. واتهمت أيضاً بالتساهل تجاه الحركات الاسلامية المتطرفة التي حاول متشددوها فرض طريقة حياة إسلامية على تونس. لقد دفع الضغط الممارس من قبل أوروبا والولايات المتحدة الى جانب القيود الداخلية حزب النهضة الى التخلي عن هدفها المتمثل في إقامة دولة إسلامية تحكمها الشريعة، أي الشريعة الإسلامية. وفي يناير/ كانون الثاني عام 2014، تبنت البلاد دستورا ليبرالياً عموما، على الرغم من أنه يعزز بالفعل الطابع الإسلامي والعربي للدولة.

لم تدم سيطرة الإخوان المسلمين على مصر طويلاً، من أواخر يونيو/ حزيران  2012 وحتى أوائل شهر يوليو/ تموز عام 2013. ففيما بدا وكأنه الرسملة على الاحتجاجات الشعبية ضد اختطاف ثورة يناير / كانون الثاني2011 من قبل الحركات الإسلامية المصرية، استعاد الجيش المصري السيطرة على البلاد. إن إن هذه الانتخابات في تموز المقبل سوف تحدد ما إذا كان الرئيس المقبل سوف يخرج مرة أخرى من الجيش، كما كان الحال منذ عام 1952، باستثناء سنة واحدة قضاها مرسي في منصبه. ان استعداد المملكة العربية السعودية، وفي تحد لواشنطن، للوقوف وراء الجيش المصري وتحويل الاموال الى الحكومة المصرية هو عنصر هام في النضال من أجل السيطرة على البلاد التي تضرر اقتصادها بشدة في السنوات الثلاث الماضية.

أما في الأردن ، فإن مزيجاً من الأخطاء التكتيكية والاستراتيجية من قبل الفرع الأردني لجماعة الإخوان المسلمين، بدءاً من مقاطعة الانتخابات البرلمانية في يناير/ كانون الثاني عام 2013؛ والمعالجة الذكية للحكومة في الحملة لنزع فتيل الاحتجاجات، وصولاً إلى ما يعتبر، على الأقل مؤقتاً، سقوط الإخوان المسلمين في مصر، قد جعلت حالة الحركة تتآكل إلى حد كبير. لقد جعل المال المقدم من جانب دول الخليج، وخصوصاً المال السعودي، توفر الشعور النسبي بالاستقرار للعائلة المالكة الأردنية  أمرا ممكناً. فآل سعود، وعلى الرغم من موقفهم المتناقض تاريخياً من آل هاشم، لا يمكنهم تجاهل العبء الهائل المترتب على الاردن بسبب الحرب الأهلية السورية، حيث قدمت المساعدات السعودية الكبيرة المساعدة لبعض القوى المعارضة.

ونظراً لتصورها وفهمها للتهديد الإيراني، الجرأة القطرية، وانجراف واشنطن، قررت الرياض القتال مرة أخرى. أما السؤال حول ما إذا كان يمكنها، وبنجاح، نقل مشاكلها الداخلية (بما في ذلك التغيير الجيلي للحرس، اللهيب المنخفض، لكن الثابت، للمعارضة الشيعية في المنطقة الشرقية، التغيرات في سوق الطاقة العالمي، ودخول لاعبين جدد مثل روسيا والصين لملأ الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة  خلفها)، وكذلك الاضطلاع بدور قيادي في العالم العربي فلا يزال ( السؤال) مفتوحاً على مصراعيه.

إن إزالة الإخوان المسلمين من الحكومة المصرية له أيضاً آثار مباشرة على قطاع غزة حيث إن حماس في الحكومة. فمنذ صيف عام 2013، أغلق المصريون معظم الأنفاق وخفضوا إيرادات حماس التي تعتمد على الضرائب المفروضة على تجارة الأنفاق والتجارة. إن أزمة الميزانية (الناتجة أيضا عن وقف بعض المساعدات الخليجية ) يعني أن حكومة حماس لا تستطيع دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية وقوات الأمن، وهما آليتان حيويتان للإبقاء على الدعم الشعبي. وبالفعل، ووفقاً لاستطلاعات الرأي المختلفة، انخفض الدعم لحكومة حماس، حتى ولو كان التآكل في التأييد لحماس لا يعني بالضرورة سقوطاً لاحقاً لحكومة قطاع غزة.

إن الصراع الحالي بين دول الخليج، وهو أحد أهم التحديات لدى دول مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه في عام 1981، يشدد على الغضب والإحباط إزاء سياسة دولة قطر في منطقة الخليج وخارجها. وتعتقد المملكة العربية السعودية أن سياسة وأعمال قطر تؤدي إلى إضعاف دول مجلس التعاون الخليجي ودول عربية مهمة، مثل مصر، التي تعتزم اجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية واختتام العملية السياسية التي بدأت مع الاطاحة بالرئيس مرسي في يوليو/ تموز الماضي. فضلاً عن ذلك ، فإن الانقسام بين دول الخليج حول دور ومكانة الإسلام السياسي من شأنه أن يكون عرضة لتداعيات  كثيرة حول دور ومكانة ايران. فالأزمة تسمح لإيران ـ المهتمة بدق إسفين بين الدول الست من أجل منع تشكيل جبهة موحدة ضدها ـ بتعميق الانقسام بين دول الخليج وعزل السعوديين عن جيرانهم الأصغر حجماً. وقد أثر هذا أيضاً على محاولة السعودية توحيد دول الخليج العربية التي أعلن عنها الملك عبد الله ( إعلان الرياض ) في ديسمبر/ كانون أول 2011. فضلاً عن ذلك، فإن الأزمة بالتأكيد لا تجعل الأمور أسهل بالنسبة للولايات المتحدة لتحقيق الأهداف التي تتطلب التعاون الأمني بين دول الخليج العربي الست، على سبيل المثال، نشر أنظمة دفاعية مضادة للصواريخ تهدف إلى توفير رد أفضل على التهديد الإيراني. أما اسرائيل، بطبيعة الحال، فلها مصلحة في رؤية الأنظمة المعتدلة معززة، وخصوصا تلك الموجودة على حدودها ـ مصر، الأردن، والسلطة الفلسطينية. وعلى الرغم من أن حلاً، حتى لو كان جزئياً، للنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني لا يشكل ضمانة لاستقرار هذه الأنظمة، فإن الهدوء على الجبهة الإسرائيلية  ـ الفلسطينية سوف يجعل من الأسهل بالنسبة للإسرائيليين التعامل بنجاح أكبر مع مشاكلهم الداخلية.

(*) ترجمة إيمان سويد ـ خاص موقع مجموعة الخدمات البحثية

موقع الخدمات البحثية