مواد أخرى » سوريا وانتشار الحرب: التهديد المتزايد للإرهاب والمذهبية في الشرق الأوسط

دايفيد غارتنشتاين روس ـ مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات
6 آذار، 2014- لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ

هذا النص هو شهادة او قراءة من الكاتب والذي يعمل في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات أمام لجنة العلاقت الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي لمناقشة الوضع السوري وتأثير الصراع في هذا البلد على الشلرق الأوسط، نورد ترجمتها الكاملة:

الرئيس منديز، عالي المقام عضو اللجنة كروكر، والأعضاء البارزون، نيابة عن مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إنه لشرف لي المثول أمامكم لمناقشة تأثير امتداد الصراع السوري.
أنتجت الحرب في سوريا بالفعل آثار تموجات هائلة دولياً، وهذه الآثار سوف تتسع فحسب بمرور الوقت. إن تأثير الحرب السورية على هذا الجيل من الجهاديين سيكون مساوياً في كل شيء لما كانت تعنيه الحرب الأفغانية السوفييتية بالنسبة للمتشددين الذين بلغوا سن النضج في الثمانينات. إذ ينبغي اعتبار الصراعين بمثابة كوارث إنسانية من الدرجة الأولى، ما يؤدي إلى التأجيج المبرر للمشاعر في جميع أنحاء العالم الإسلامي وما يتعداه. وبسبب الدمار الذي أحدثته كلا الحربين، فقد اكتسبت مختلف الجهات الفاعلة العنيفة غير الحكومية التي برزت للدفاع عن المسلمين ضد خصومهم شرعيتها من طبقة رجال الدين ومن الشعبية على مستوى الشارع. ومما لا يثير الاستغراب هو أن كلا الصراعين قد جذبا عدداً كبيراً من المقاتلين المسلمين السنة الأجانب من الخارج، معظمهم ممن تم سحبهم إلى ساحة المعركة عن طريق تقديم ما كان يحدث بصورة الأعمال المروعة والرغبة في محاربة قوات القمع التي تسفك دماء الأبرياء بكل طيبة خاطر. وعلى الرغم من النوايا النبيلة في كثير من الأحيان للانجرار إلى ساحة المعركة، فقد انضم العديد من المقاتلين الأجانب إلى الفصائل الجهادية .
في الحرب الأفغانية ـ السوفياتية، تشكلت العلاقات بين الجهاديين في ساحة المعركة والتي استمرت لعقود وغيرت، وبشكل عميق، البيئة الأمنية في العديد من البلدان: كانت القاعدة نفسها، في الواقع، احد امتدادات هذه العلاقات. لكن في حين كان الشيوعيون هم العدو في الحرب الأفغانية ـ السوفيتية، فقد اتخذت الحرب السورية مسحة مذهبية أكثر. وقد دعمت إيران بثبات نظام الرئيس السوري بشار الأسد المحاصر، إذ انتشرت قوات القدس، وهي وحدة النخبة في الحرس الثوري الإيراني دعماً لحكومة الأسد. كما دخل مسلحو حزب الله والمقاتلون الشيعة غير النظاميين من دول متعددة الى سوريا لدعم الأسد. وقد أنتجت هذه الدينامية بالفعل تموجات مذهبية لم تكن موجودة في الحرب الأفغانية ـالسوفيتية .
بالإضافة إلى المقاتلين الأجانب الذين تم سحبهم إلى الميدان - ما يقدر بـ 11000 مقاتل في تقرير صادر عن المركز الدولي لدراسة التطرف ( ICSR ) – هناك بلدان مجاوران لسوريا قد ضُربا بشكل قاس، تحديداً لبنان والعراق. فقد عزز النزاع السوري الجهاديين السنة في لبنان وتجددت التوترات الطائفية، الأمر الذي تجلى في إطلاق النار في الشوارع، التفجيرات، والاغتيالات. وقد شهد العراق حتى اضطرابات عنف مذهبي أكثر من لبنان، وبالإضافة إلى ذلك شهدت مجموعة جهادية كبرى، هي الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، نهضة مذهلة ويرجع ذلك جزئياً إلى الأحداث الهامة في سورية. وتنعكس مكاسب داعش في موت أكثر من 7800 من المدنيين في هجمات عنف في العراق في عام 2013 (ما يجعلها السنة الأكثر دموية التي تشهدها البلاد منذ الحرب الأهلية التي بلغت ذروتها في 2006- 2007)، كما تنعكس في الهجوم الدراماتيكي للمجموعة الجهادية الذي شنته في الأول من يناير/ كانون الثاني من هذا العام ، حيث استولت على أجزاء كبيرة من الفلوجة والرمادي.
لقد بدا قبل عام أو عامين أن نظام الأسد قد ينهار بسرعة، لكن يمكن وصف الوضع في سوريا الآن بأنه في طريق مسدود، وتعتقد اجهزة الاستخبارات الاميركية أن الحرب قد تستمر بتدمير البلاد لمدة عشر سنوات أخرى أو أكثر. وعلى الرغم من أنه لا ينبغي استبعاد إمكانية أي انهيار سريع وغير متوقع للنظام تماماً، فإن من الانصاف ان نقول ان جزءاً كبيراً من طول عمر نظام الأسد غير المتوقع يمكن أن يعزى إلى عاملين: الدعم الخارجي من إيران وروسيا، واستراتيجية الأسد المكيافيلية للغاية. فقد ركز الاسد، وبشكل ساحق، معظم جهوده وموارده العسكرية على الفصائل المتمردة المعتدلة نسبيا، الأمر الذي ضمن لعب الجهاديين دوراً متزايد الأهمية إلى جانب المتمردين. وبغض النظر عن استراتيجية النظام الذميمة، فقد خدمت الغرض منها: إن الدور الرئيس الذي يلعبه الجهاديون الآن في المعارضة قد ردع الدول الغربية وغيرها عن الالقاء بثقلهم الكبير دعماً للمتمردين. ومع استمرار احتدام الصراع في سوريا ، فإن المشاكل المرتبطة به سوف تتعاظم.
لا زال على الولايات المتحدة أن تطابق النتيجة المرجوة في سوريا مع الوسائل المستعدة لتوظيفها في معالجة الصراع. وسوف تختتم هذه الشهادة بوضع فشلنا الثابت في سياقه الصحيح لمطابقة الغايات مع الوسائل التي نحن على استعداد لتوظيفها في سوريا، وسوف نقترح مساراً نموذجياً إضافة إلى وصفات سياسة محددة. خلاصة القول هو أن ليس هناك الكثير مما يمكننا القيام به لوضع حد أو ' حل ' للنزاع في سوريا. أما أفضل ما يمكن القيام به، على الأرجح، فهو أن نفهم التموجات الهائلة الناتجة عن هذه الحرب ، ومحاولة احتواء انتشارها.

الحرب الأهلية الجارية في سوريا
كما أشار الباحث المحترم في شؤون الشرق الأوسط إميل حكيِّم، ' إن سوريا كما عرفها العالم على مدى العقود الأربعة الأخيرة لم تعد موجودة '. لكن على الرغم من أن بلاده ممزقة، فقد يكون الأسد قادراً على تجنب انهيار نظامه إلى أجل غير مسمى.
كما ذكرت سابقا، لا ينبغي لنا أن نستبعد إمكانية سقوط نظام الأسد بسرعة غير متوقعة. فالنظام يعاني من تركيبة تجمع بين الاقتصاد المحتضر والجيش الأجوف الذي يعتمد بشكل متزايد على المجندين، ويمكن للنظام أن يكون مهدداً بشكل خطير إذا ما فقد الاقتتال بين المتمردين أهميته واجتمع ذلك مع  اتجاهات رئيسة أخرى، مثل الانتكاسات الميدانية أو انشقاقات متزايدة من جانب الحكومة. مع ذلك ، فمن الواضح الآن أن سقوط الأسد ليس حتمياً كما كان قد اعتقد العديد من المحللين قبل عام، والسيناريو الأرجح هو الذي تتصوره الآن اجهزة الاستخبارات الاميركية: ما يعني، استمرار الحرب لمدة عشر سنوات أخرى أو أكثر من ذلك. وبدلاً من انتهاء الصراع برابح واضح يسيطر على دولة موحدة، فمن الممكن تماما أن ينتهي الصراع بـ 'سيادة مجزأة '، حيث تكون مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية هي المهيمنة في مناطق مختلفة. مثل هذا الاحتمال ينسجم مع تصريح مدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر في فبراير/ شباط 2014 في شهادته أمام مجلس النواب الأمريكي التي قال فيها بأن سوريا تبدو متجهة نحو ' حالة من الجمود الدائم ' والتي ' لا يمكن فيها للنظام ولا للمعارضة أن يسودا '.
أما بالنسبة للسياق بخصوص الشكل الحالي للحرب في سوريا، فقد كان لردود الفعل المفرطة للأسد علاقة كبيرة بشأن التصعيد المبكر للنضال ضده. ففي حين اشتعلت الحماسة الثورية في العالم العربي، شهدت سورية مجموعة محدودة على ما يبدو من المظاهرات والتي بدأت في 15 مارس/ آذار 2011 . وكانت مظاهرات درعا الأكثر تدميراً. فبعد حرق الحشود لمقر حزب البعث في المدينة، ' رد النظام بشكل حاسم، متوجهاً بشكل مباشر إلى قلب حركة الاحتجاج، أي المسجد العمري '. وهناك، أطلقت الفرقة الرابعة المدرعة النار على المتظاهرين العزل، ما أسفر عن مقتل خمسة عشر شخصاً. وقد عُممت، وبسرعة، صور وأفلام الفيديو حول جرائم الذبح عبر وسائل الإعلام المعارضة. هذا الحادث المبكر هو توضيح يمثل  بداية الصراع ، حيث دفعت ردود الفعل المفرطة للنظام إلى التصعيد من الجانب الآخر.
واجه النظام مشاكل داخلية وخارجية. فقد بدأ الجنود بالانشقاق بدلاً من اتباع الأوامر باطلاق النار على المتظاهرين. ففي 29 يوليو/ تموز 2011، بُث شريط فيديو على موقع يوتيوب عن تشكيل الجيش السوري الحر من قبل ضباط سابقين منشقين عن الجيش السوري. وقد تسببت تجاوزات الحكومة السورية وموقفها الجيوسياسي ( كانت سوريا متحالفة مع إيران، التي هي على خلاف مع الدول السنية في المنطقة ) بأن تصبح معزولة على نحو متزايد، وساعدت المعارضة على إيجاد راعين لها. بعد سلسلة من الاجتماعات خلال فصل الصيف في تركيا وقطر وبموافقة تلك البلدان، قدمت قوى المعارضة لعبة أخرى لأجل  الحصول على الشرعية والاعتراف بها وذلك عن طريق إنشاء المجلس الوطني السوري ( SNC ) في أكتوبر/ تشرين أول 2011. وقد ضمن المجلس الوطني السوري، وبسرعة، الدعم السياسي والمادي التركي، القطري ، وإلى حد ما أقل السعودي '.
 انعكس العزل المتزايد لنظام الأسد في قرار الجامعة العربية بتعليق عضوية سوريا وذلك في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011. ودعا قادة إقليميون آخرون، بما في ذلك العاهل الاردني الملك عبد الله ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الأسد إلى الاستقالة.
لم تكن المعارضة في أي من الأحوال منظمة كما كانت تبدو المظاهر السطحية. في الواقع، لقد كانت تعصف بها المواجهات الشخصية، وفشلت في أن تعكس التنوع السوري. مع ذلك، فقد تسببت تركيبة الانشقاقات، عزلة الأسد، والمعارضة القوية المتزايدة بمرور النظام بنكسات ميدانية. ومع تصاعد الضغوط خسر الجيش السوري الأراضي وقام أيضاً بتراجعات تكتيكية. وبدأ المحللون بالنظر إليه على أنه محكوم عليه بالفشل لا محالة.
أما الآن، مع ذلك، فإن نظام الأسد محاصر وضعيف، إلا أن قدرته على البقاء على قيد الحياة  قد زادت ـ حتى برغم تجاوزه ' الخط الأحمر ' الأميركي باستخدامه الأسلحة الكيميائية ضد المعارضة في اغسطس/ آب 2013. وتجدر الإشارة إلى وجود ثلاثة تحديات رئيسة تواجه النظام الآن. الأول، هو حول عزل سوريا  دوليا كما يمكن أن يكون ( مع استثناء يُذكر للدعم الذي يتلقاه من إيران وروسيا، والذي سيتم مناقشته مؤقتاً). الثاني، تعرض الاقتصاد السوري لضرر شديد بسبب الحرب الأهلية، وقد صورت تقارير متعددة النظام على أنه يترنح على حافة الإفلاس. الثالث، تدني فعالية الجيش بشدة بسبب الاستنزاف الذي أنتجه الصراع إضافة إلى أعداد الانشقاقات الكبيرة. نتيجة لذلك، واجه النظام المتاعب في الاستفادة من الاقتتال الأخير بين المتمردين كفرصة لاستعادة الأراضي. عندما أعادت القوات انتشارها في حلب في يناير/ كانون الثاني، على سبيل المثال، اضطر النظام، بسبب القيود الصعبة على قواه البشرية الموثوق بها، إلى 'التخلي عن السيطرة على مدينة جاسم الجنوبية وحي الغوطة المتنازع عليه شرق العاصمة دمشق '.
على الرغم من نقاط الضعف هذه، فقد تعزز موقف الأسد، وقدرته على البقاء بسبب عاملين أساسيين. الأول، كان نظامه مدعوماً بشدة من قبل كل من إيران وروسيا، إذ يعتبر كلا البلدين هذا المسار على انه يدفع بمصالحهما الاستراتيجية قدماً. ولا تريد إيران أن تفقد حليفتها الوثيقة، في حين تريد روسيا الحفاظ على قدرتها على الوصول إلى قاعدتها البحرية في طرطوس، وهو ما تعتبره مهماً لقدرتها على استعراض قوتها في البحر المتوسط. إن الدور الذي تلعبه كل من روسيا وإيران يغذي الرواية الجهادية العالمية بطرق ملحوظة: يستعرض الدعم الروسي للأسد صورة القوى الخارجية وهي تفرض الطغيان على العالم الإسلامي، في حين يضخم دور إيران العداوات المذهبية. وقد تزايدت أيضا هذه الحالة المذهبية أكثر بسبب واقع نشر حزب الله لمقاتلين دعماً لنظام الأسد ، في حين ساعدت إيران على تسهيل دخول المقاتلين الشيعة غير النظاميين من دول مثل أفغانستان، البحرين واليمن.
هناك عامل ثان يعزز فرص الأسد في البقاء وهو استعداده للسماح للجهاديين، وفصائل أخرى ينظر إليها من قبل الدول الأجنبية على أنها خبيثة، لتزدهر نسبة لفصائل متمردة أخرى. وكما ألمح في وقت سابق، فإن النظام قد ركز موارده العسكرية على محاربة المعارضة الأكثر اعتدالا، في حين سمح للجماعات المتطرفة وغيرها من الفصائل التي تعتبر، وعلى نطاق واسع، غير مرغوب بها أن تصبح قوية نسبياً. وفي حين أن الجيش السوري قد حارب بشراسة لاستعادة الأراضي التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر، فإنه لم يقم بجهود مماثلة لمنع الجماعات الجهادية كجبهة النصرة أو داعش من الإمساك بالأرض. فضلاً عن ذلك، إن نمط النظام المتبع بإطلاق سراح السجناء الجهاديين ـ إنما ليس أولئك الذين قد ينضمون إلى فصائل تمرد أكثر اعتدالا ـ في مسار الصراع يشير إلى أنه يرى في جعل الجهاديين جزءاً من التمرد في هذه المرحلة أكثر أهمية من إلحاق الهزيمة بهم أو اضعاف صفوفهم .
يبدو أن الأسد قد اتبع نمطاً مماثلاً فيما يتعلق بالجماعات الكردية، بالشروع بتراجع تكتيكي من المناطق الكردية الشمالية بالقرب من الحدود التركية. ونظراً للدعم التركي للمتمردين السوريين، فقد خدم هذا التراجع غرضاً استراتيجياً: كان لدى تركيا مشاكل كبيرة مع النزعة الانفصالية الكردية، وتثير سيطرة الأكراد على الأراضي في شمال سوريا احتمال امكانية تهديد انتصار المتمردين للاراضي التركية. وقد نظرت تركيا إلى تراجع الأسد من المناطق الكردية من خلال هذا المنظور، حيث قالت مصادر حكومية لوسائل الاعلام ان سوريا ' تركت عمداً المناطق الثلاث على الحدود التركية في شمال سوريا لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، المعروف بانتمائه لحزب العمال الكردستاني المحظور' وأعربت عن القلق بشأن افتتاح جبهة جديدة لحزب العمال الكردستاني داخل سوريا.
هذه الاستراتيجية المكيافيلية غير العادية قد خدمت الغرض منها. فالدور الرئيس الذي يلعبه الجهاديون الآن في المعارضة السورية قد يردع الدول الغربية وغيرها عن الرمي بثقلها الكبير دعماً للمعارضة. ووصف الناشط الديمقراطي السوري هيثم المالح داعش، مع بعض التبرير، بأنه ' لغم زرعه نظام الأسد في جسم الثورة لتحذير المجتمع الدولي من الاقتراب أو التدخل في القضايا السورية '.

شبكات المقاتلين الأجانب في سوريا
أحد الجوانب الهامة للغاية للصراع في سوريا هو حقيقة امتلاك جانب التمرد لشعبية كبيرة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، كما يتمتع الجهاد بدعم عميق من جانب رجال الدين السائدين. ويعتقد 'العلماء' الإقليميون، وعلى نطاق واسع، أن سوريا تمثل الجهاد المشروع دعماً لإخوانهم المسلمين، وقد أيدت الحرب شخصيات مثل يوسف القرضاوي والشيخ حسن الشافعي شيخ الأزهر، ومنظمات مثل الإخوان المسلمين في مصر. وفي خطبة صلاة الجمعة في المسجد الحرام في مكة، شجع كبير رجال الدين الشيخ سعود الشريم  المصلين على دعم المتمردين المناهضين للأسد ' بكل الوسائل '. فبقدر ما يهيمن الجهاديون السلفيون على الجهاد، بما في ذلك تنظيم القاعدة والمسافرون المنتمون إليها، فإن ذلك سيساعد الصراع على شرعنتهم، تعزيز القوى البشرية، وفي جذب الدعم المالي لقضيتهم.
يمكن النظر إلى الصدى العاطفي للصراع ونجاح الدعوة للجهاد في العدد الهائل من المقاتلين الأجانب الذين لبوا الدعوة. وكما أشرت في وقت سابق، يقدر عدد المقاتلين الذين أتوا إلى سوريا من الخارج لمحاربة نظام الأسد بحوالي 11000 مقاتل، بل وربما يكون هذا العدد متحفظاً عليه. لقد جاؤوا من عدد كبير من البلدان- حوالي 50 بلداً، وفقا لتقديرات الاستخبارات الأميركية.
في وقت سابق، قمت برسم مقارنة بين الصراع السوري والحرب الأفغانية - السوفياتية. وبشكل مماثل للصراع السوري، كان لجانب التمرد في ذلك الصراع شعبية بالغة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وكانت الحرب ضد السوفييت تجد تأييداً واسعاً من قبل رجال الدين بصفته جهادا دفاعيا مشروعا. فقد توافد نحو عشرة آلاف عربي إلى جنوب آسيا للمساعدة في القضية الأفغانية. كانت آثار تموجات ذلك الصراع هائلة، ولامست العديد من البلدان. وكان تنظيم القاعدة في حد ذاته نتاج الحرب الأفغانية - السوفياتية، والذي تأسس في شهر أغسطس/ آب عام 1988، في الأيام الأخيرة من النزاع. في ذلك الوقت، توافق أسامة بن لادن ومعلمه عبد الله عزام على أن المنظمة التي كانت قد بنيت خلال الحرب الأفغانية - السوفيتية لدعم الكفاح ضد المحتلين الروس لا ينبغي أن تذوب، وببساطة، عند انتهاء الحرب، وإنما ينبغي الاحتفاظ ببنيتها لتكون بمثابة ' قاعدة ' ( تنظيم القاعدة ) لجهود المجاهدين في المستقبل. ومضى المحاربون المتمرسون في الجهاد ضد السوفييت في لعبهم دوراً حاسماً في الحرب الأهلية الجزائرية التي أودت بحياة أكثر من 150000، وخلفت الحرب الأفغانية – السوفيتية وراءها بلداً محطماً  بحيث كان بمثابة ملاذ آمن لتجمع كبير من الجماعات الجهادية. وبالتالي، فإن تموجات الحرب الأفغانية - السوفيتية يمكن أن ترى في عدد كبير من الأماكن البعيدة: وفي حين أن الواقع يقول انه لا بد وأن يكون للصراع عواقب من الدرجة الثانية والتي كان من الممكن توقعها في ذلك الوقت، فإن الامتداد الدقيق لتموجات الحرب الأفغانية- السوفياتية لم يكن من الممكن التنبؤ به.
وبالمثل،  يمكن القول، وبيقين، ان المقاتلين الأجانب الذين تم سحبهم إلى سوريا سيثبتون أهميتهم البالغة، وبأن تأثيرهم على الجهادية سوف يمتد على الأرجح إلى أماكن لا يتوقعها المحللون في الوقت الحاضر. هناك قضية واحدة تستحق التركيز عليها وهي المسلمون الأوروبيون الذين سافروا إلى سوريا لمحاربة نظام الأسد: ترى أكثر التقديرات شمولاً والمفتوحة المصدر أن ما يصل إلى 1900 من المقاتلين الأجانب في سوريا قد تدفقوا من أوروبا الغربية. إن إمكانية عودة هؤلاء الأفراد وقيامهم إما بتنفيذ هجمات أو تعزيز بيئة متشددة قد جعل من هذه المسألة مصدر قلق للأمن القومي الأعلى في العديد من بلدان أوروبا الغربية.
إن نسبة المقاتلين الأجانب الغربيين الذين قد يكون من المتوقع قيامهم بتنفيذ هجمات ضد الغرب منخفضة نسبياً. ففي دراسة شاملة جرت مؤخراً حول المقاتلين الأجانب في العديد من الصراعات، وجد الباحث النرويجي توماس هيجهامر أن هناك ' ما لا يزيد عن واحد من تسعة من المقاتلين الأجانب قد عادوا لارتكاب هجمات في الغرب '. وبحسب ما يفصِّل هيجهامر، هناك وجهان لهذه النتيجة. الوجه الأول، وهو بعيد عن الصحة، هو أن ' كل المقاتلين الأجانب هم مقاتلون من صنع محلي '. لكن العكس بالعكس، ورغم أن هذه نسبة منخفضة من المجموع ككل، إلا أنها مرتفعة بما يكفي لـ ' جعل تجربة مقاتل أجنبي إحدى أقوى التكهنات بالمشاركة الفردية في العمليات الخاصة التي نعرفها'. ونظراً للأعداد الكبيرة من المقاتلين الذين ذهبوا للمشاركة في الحرب السورية، فإن هناك سببا واضحا لاعتبار هذا الأمر مصدر قلق.
لكن التأثير الأكبر للمقاتلين الأجانب العائدين إلى بلدانهم الأصلية من المرجح أن يحصل خارج الغرب. وتسمي دراسة ICSR الأردن كأكبر مساهم بالمقاتلين الأجانب إلى سوريا، مع التحاق حوالي 2100 مقاتل بالجهاد. فالعديد من الأردنيين يعملون في أدوار قيادية بارزة داخل النصرة وداعش. كما أن مسؤول 'الشريعة' في جبهة النصرة هو أردني يحمل شهادة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية من الجامعة الأردنية، كما يعمل شباب أردنيون كمسؤولين في الجناح العسكري للنصرة. وإلى جانب الوجود الكبير للاجئين السوريين في الأردن والضغط المترتب من جراء ذلك على اقتصاد البلاد، فإن عودة المقاتلين الأجانب قد يكون له تأثير كبير على الأردن.
تسمي دراسة ICSR المملكة العربية السعودية كثاني أكبر مساهم بالمقاتلين الأجانب في سوريا، مع وجود أكثر من ألف مقاتل سعودي هناك. وهناك تقديرات أخرى أعلى من ذلك، تصل الى حوالي ثلاثة آلاف مقاتل. وقد نفذت المملكة العربية السعودية مجموعة من السياسات تجاه سوريا في الحرب الأهلية التي لا يمكن وصفها إلا بأنها سياسات قصيرة النظر، وربما بالانتحار المبكر: عرضت تخفيف الأحكام الصادرة على السجناء شريطة الذهاب إلى سوريا لقتال نظام الأسد. وفي الآونة الأخيرة، أشارت المملكة العربية السعودية إلى أنه سيتم تضييق الخناق على مواطنيها المسافرين إلى سوريا للانضمام إلى الجهاد. مع ذلك، فإن النظام الملكي لديه نمط يتبعه وهو اتخاذ خطوة واحدة إلى الأمام و خطوتين إلى الوراء في محاربة التشدد الجهادي، كما أنه استثمر بشدة في مسألة هزيمة نظام الأسد. وبالتالي، هناك ما يستحق المشاهدة حول ما إذا كانت في السعودية سينتهي بها الأمر وقد انحرفت عن سياساتها المعلنة المصممة لوقف تدفق المواطنين في سوريا. للأسف، وبالنسبة للمملكة العربية السعودية ، سوف يعود مقاتلوها الأجانب في وقت تشهد البلاد تحديات متزايدة بناء على اتجاهات ديموغرافية طبيعية: ببساطة، وبينما يتزايد عدد سكانها، لم تعد  الثروة النفطية للبلاد توفر مكاسب للسكان إلا أقل فأقل. كما تواجه المملكة العربية السعودية مشاكل مالية متزايدة، إضافة إلى أن قدرتها على مجرد رمي المال عند حصول المشاكل تتآكل، وبالتالي يصبح استيعاب تحديات مثل الحجم الكبيرة من العائدين من المقاتلين الاجانب أمراً أكثر صعوبة.
وتسمي دراسة ICSR تونس كأكبر ثالث مساهم بالمقاتلين الأجانب، مع سفر حوالي 970 تونسيا إلى سوريا، وهناك أيضاً تقديرات أعلى حول الأعداد. وقد نشرت المجموعة الجهادية أنصار الشريعة في تونس في كثير من الأحيان إشعارات حول استشهاد التونسيين الذين قتلوا في سوريا، كما أن أشرطة الفيديو المنشورة على موقع يوتيوب دليل على الوجود التونسي في ذلك الصراع. تونس بلد صغير، وعلى الرغم من أن التحدي الحالي الذي تواجهه من الجماعات الجهادية كان منخفضاً في حدته، فإنها قد تكون عرضة للخطر إذا ثبت أنها غير قادرة على استيعاب العائدين .
كما توضح الحرب الأفغانية - السوفياتية، يمكن لتموجات الجهاديين الذين يتم جرهم إلى صراعات كبيرة أن تحدث أيضا في أماكن غير متوقعة. إذ يشير تقرير صدر مؤخراً عن معهد التحليل السياسي للصراع  IPAC) ) إلى أنه في سوريا، ' يذهب الاندونيسيون للمرة الأولى للقتال في الخارج، وليس فقط للتدريب، كما كان الحال في أفغانستان في أواخر الثمانينات والتسعينات، أو لإعطاء الدعم المعنوي والمالي، كما في حالة فلسطين. 'إن عدد الأندونيسيين في سوريا، في الوقت الراهن، صغير نسبياً، إذ يقدر من قبل وزارة الخارجية الاندونيسية بنحو 50  مقاتلا. مع ذلك، فقد أثار وجود الاندونيسيين في سوريا مخاوف من أن يكون النزاع قد بث حياة جديدة في 'الجماعة الإسلامية'، التي اعتبرها المحللون في السابق بأنها تحتضر بسبب حملة قوات الأمن الإندونيسية ضدها. ويشير تقرير IPAC إلى أن الحرب السورية قد عززت بالفعل هيبة ومكانة الجماعة الإسلامية: عندما تكون جماعات الجهاديين في طليعة صراع شعبي، فإنها سوف تجني مكسباً. فضلاً عن ذلك، يشير تقرير IPAC إلى أن الصراع في سوريا يمكن أن يؤدي إلى تضخيم التوترات المذهبية في إندونيسيا من خلال زيادة المشاعر المعادية للشيعة، كما أن المجاهدين العائدين قد ' يبعثون الحياة ويحدثون قيادة وأفكاراً جديدة في جسم الحركة الراديكالية في الوطن.

تنامي الصراع الطائفي في لبنان
أتاح الصراع في سوريا للجهاديين السنة تجربة الحصول على مكاسب كبيرة في لبنان، وأنتج تجدداً هائلاً للصراع المذهبي. أما المجموعة الجهادية الرئيسة التي كسبت منذ بدء الصراع فهي كتائب عبد الله عزام ، التي سميت بذلك تيمناً باسم معلم بن لادن.
وكما أوضحت وزارة الخارجية الأمريكية، أعلن عن تشكيل كتائب عبد الله عزام في شريط فيديو في يوليو/ تموز 2009 والذي ادعت فيه المجموعة المسؤولية عن هجوم صاروخي ضد إسرائيل. هناك فرعان مختلفان من كتائب عبد الله عزام. إذ يُدعى الفرع اللبناني باسم كتائب زياد الجراح، التي سميت بذلك تيمناً باسم مواطن لبناني كان أحد الخاطفين في هجمات 11/9 ، وقد عُرفت في المقام الأول بتوجيهها ضربات صاروخية متباعدة على إسرائيل. وكداعش، تركز كتائب عبد الله عزام على الاستفادة من الصراع في سورية، وقد  أصدر أمير الكتائب الراحل الأمير ماجد بن محمد الماجد التوجيه بشأن نوع الهجمات التي ينبغي تجنبها في سوريا من أجل الفوز بالسكان .
كان لدى كتائب عبد الله عزام قوى بشرية منخفضة قبل بداية النزاع السوري، ربما 150 رجلاً في صفوف المجموعة. ويمكن رؤية قدراتها المتنامية في الهجمات الأخيرة التي نفذتها داخل لبنان. وكان الهجوم الأبرز التي قامت به كتائب عبد الله عزام هو تفجير السفارة الإيرانية في بيروت في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013. هذا الهجوم يدل على تنامي قدرات كتائب عبد الله عزام- سفارة إيران السفارة ليست هدفاً سهلاً- كما يدل أيضاً على الحالة المذهبية المتزايدة في لبنان. وشنت الكتائب هجوماً انتحارياً مزدوجاً أيضاً في بيروت الشهر الماضي والذي ضرب المركز الثقافي الإيراني.
تأتي هجمات كتائب عبد الله عزام في سياق تصاعد العنف بشكل عام، والعنف المذهبي على وجه الخصوص، داخل لبنان. وقد ضربت بعض الهجمات الأولى عقب بداية الاحتجاجات المناهضة للأسد في سوريا قوات الأمم المتحدة، بما في ذلك  انفجار قنبلة في مايو/ أيار عام 2011 زرعت على جانب الطريق أصابت قافلة للامم المتحدة قرب صيدا، وقنبلة هجومية في يوليو/ تموز عام  2011 أدت إلى إصابة خمسة من قوات حفظ السلام الفرنسية قرب صيدا أيضاً. وتم ضرب قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة بواسطة انفجار قنبلة كانت قد زرعت على جانب الطريق وذلك للمرة الثالثة في ديسمبر/ كانون أول 2011، ما دفع رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إلى وصف هذه الهجمات على قوات حفظ السلام بأنها تستهدف 'الاستقرار والأمن في لبنان.'
بالإضافة إلى هذه الهجمات ضد قوات الأمم المتحدة، اندلعت أعمال عنف في بعض الأحيان بين المحتجين المناهضين للأسد والمجتمعات العلوية في طرابلس، لكن الاشتباكات أصبحت أكثر تواتراً ومذهبية بمرور الوقت. وهناك مجموعة متنوعة من الحوادث تدل على النمو التدريجي للفتنة الطائفية:
&bascii117ll; أسفر اعتقال وقتل شخصيات سنية لبنانية بارزة في مايو/ أيار 2012 عن حالة من عدم الاستقرار: بعد أن اعتقلت السلطات الشخصية الاسلامية شادي المولوي، أدى ذلك إلى انحدار احتجاجات الشوارع إلى مستوى العنف ما أسفر عن مقتل 10 أشخاص، وإطلاق النار على الشيخ أحمد عبد الواحد في وقت لاحق من ذلك الشهر والذي نتج عنه، وبالمثل، جالة من الغضب والاضطرابات.
&bascii117ll; في يونيو/ حزيران 2012، وبعد أن تم القبض على شيعي لبناني بتهمة تفجير قنابل واطلاق النار على مكاتب تلفزيون الجديد، الذي كان ينتقد نظام الأسد، أقام مسلحون شيعة حواجز على الطرق في بيروت، وحرقوا الإطارات وأطلقوا النار من الأسلحة الرشاشة في الهواء.
&bascii117ll; في يوليو/ تموز 2012، بعد تفجير دمشق الذي قتل عدد من شخصيات النظام المقربة من الأسد ، تطورت الاحتفالات في حي باب التبانة السني في طرابلس إلى اشتباكات مع العلويين سكان حي جبل محسن، ما اسفر عن مصرع شخص واحد. وقد أثبتت الاشتباكات بين سكان هذين الحيين أنها سمة دائمة للكيفية التي ينعكس فيها الشعور في طرابلس إزاء الصراع السوري.
&bascii117ll; في أكتوبر/ تشرين أول 2012، أدى انفجار قنبلة في بيروت إلى مقتل رئيس المخابرات اللبنانية واغتيل وسام الحسن، مع الاشتباه بقوة بكون سوريا وراء ذلك. وأثار هذا مخاوف فورية من تأجيج التوترات المذهبية، حيث ' اختنقت شوارع بعض الاحياء في المدينة بالدخان الأسود الناتج عن حرق الإطارات التي أشعلها الرجال الغاضبين' قبل هبوط الليل. لقد كان لاغتيال الحسن وردة الفعل العنيفة اللاحقة تداعيات ضخمة في لبنان، ما أدى إلى زعزعة استقرار الحياة السياسية إلى حد كبير وإلى تصعيد ملحوظ في العنف في عام 2013.
إن من شأن التفجيرات تصعيد التوترات المذهبية. ففي 9 يوليو / تموز 2013، انفجرت سيارة مفخخة في منطقة يهيمن عليها حزب الله في جنوب بيروت، وأدت إلى جرح أكثر من 50 شخصاً. هذا الهجوم ' زاد المخاوف من أن انتشار الحرب من سوريا المجاورة بدأ يدخل مرحلة جديدة خطيرة '. وبعد حوالي اسبوع، اغتال مسلحون محمد ضرار جمو، أحد المعلقين الاعلاميين الموالي للأسد، وذلك في منزله في بلدة الصرفند. وفي 15 أغسطس/ آب عام 2013، انفجرت مجدداً سيارة ملغومة في معقل حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، ما أسفر عن مقتل 20 وإصابة أكثر من 100 شخص بجروح. وأعلنت جماعة اسلامية سنية مسؤوليتها عن التفجير، ووعدت بمواصلة ضرب حزب الله. وفي 19 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2013، نفذت كتائب عبد الله عزام تفجيرها الانتحاري للسفارة الايرانية في بيروت والذي سبق أن وصفناه. وأسفر الهجوم عن مقتل 22 شخصاً على الأقل، بما في ذلك الملحق الثقافي الإيراني، وأصيب أكثر من 100 بجروح. أما في 4 ديسمبر/ كانون أول 2013، فقد اغتيل حسان اللقيس، وهو قائد رفيع في حزب الله، وذلك باطلاق النار عليه من مسافة قريبة بينما كانت سيارته متوقفة بالقرب من شقة كان يستخدمها في جنوب بيروت. وفي 2 يناير/ كانون الثاني، عام 2014، انفجرت قنبلة أخرى في منطقة يهيمن عليها حزب الله في جنوب بيروت، ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل وإصابة أكثر من 50 بجروح.
تم استهداف السنة أيضاً بالتفجيرات. ففي 23 أغسطس/ آب عام 2013، ضربت تفجيرات قوية مسجدين سنيين في طرابلس كان إماماهما على صلة بالمتمردين السوريين ( مسجدا التقوى والسلام )، ما أسفر عن مقتل 42 على الاقل واصابة نحو 600 بجروح. ولم يشهد لبنان هذا المستوى من المذابح في الهجمات منذ الثمانينات. وفي 27 ديسمبر/ كانون أول عام 2013، قتل وزير المالية اللبناني السابق وسفير لبنان في الولايات المتحدة محمد شطح ( وهو من المذهب السني ) في انفجار سيارة ملغومة. وقد جعلت المعارضة شطح الصريحة لحزب الله ونظام الأسد لائحة الجناة المحتملين واضحة إلى حد ما.
كان العلويون المتمركزون في لبنان ضحايا العنف المذهبي أيضاً. ففي 20 فبراير/ شباط 2014، قتل عبد الرحمن دياب، وهو مسؤول في الحزب العربي الديمقراطي الموالي للأسد، وذلك على أيدي مسلحين ملثمين يستقلان دراجة نارية بينما كان يقود سيارته على طريق الميناء السريع الساحلي. وما أن انتشر خبر مقتله حتى  بدأ مقاتلو الحزب العربي الديمقراطي في بؤرة حي جبل محسن بالقنص على حييْ الملولة والمنكوبين المنافسيْن.
إن الصراع المذهبي في لبنان حاد بشكل خاص، لكن الحرب المذهبية السورية قد ضخمت أيضاً هذه الحالة المذهبية على امتداد المنطقة، وخارجها. وبحسب ما يبرهن الباحثان آرون زيلين وفيليب سميث، فإن الطريقة التي انتظم بها هذا الصراع ـ وذلك مع السلفيين السنة الذين يقاتلون العلويين والشيعة المدعومين من إيران- قد جعلت اللغة الطائفية والمذهبية المهينة للكرامة البشرية تصبح، وبشكل أكثر شيوعاً، جزءاً من الخطاب. ويشير كل من زيلين وسميث إلى أن ' العديد من اللاعبين يواصلون استراتيجية التجريد من الإنسانية على المدى الطويل لأنهم يعتبرون ذلك معركة دينية كونية وجودية بين السلفية السنية والشيعية الخمينية'. وفي المقابل، كانت هناك حوادث طائفية ومذهبية ليس فقط في المنطقة، وانما في بلدان أخرى بعيدة عن ساحة المعركة الرئيسة، مثل أستراليا، أذربيجان، بريطانيا ومصر.
أما في لبنان، فيمكن النظر إلى امتداد الصراع السوري وانتشاره على ثلاثة مستويات. الأول تزايد الحالة المذهبية التي ازدهرت وتطورت إلى عنف داخل لبنان، كما كنت قد شرحت سابقاً بشيء من التفصيل. الثاني، هناك زيادة في النزاع بين لبنان وسوريا: قامت سورية بهجمات عبر الحدود ضد أهداف للمتمردين في لبنان. الثالث، إن الوجود المتزايد للاجئين من سوريا يضع عبئاً متزايداً على الاقتصاد والمجتمع اللبناني.

انبعاث الجهادية في العراق
عند انسحاب القوات الامريكية من العراق في ديسمبر/ كانون الاول 2011، كانت داعش، وريثة تنظيم القاعدة في العراق، 'لا تزال قادرة على شن هجمات، لكن المنظمة كانت معزولة، معطلة، ولم تكن تشكل تهديداً وجوديا للدولة '، كما يتضح من حقيقة أنه ' في الفترة من سبتمبر/ أيلول 2010 إلى ديسمبر/ كانون أول 2011، استقرت حالة الوفيات الشهرية في العراق في نطاق 300-400 حالة وفاة '. وشهدت المجموعة تجديداً درامياً منذ ذلك الحين: في عام 2013 ، خسر أكثر من 7800 من المدنيين حياتهم في هجمات عنيفة، في حين كانت داعش قادرة على شن هجوم صاعق استولت فيه على أجزاء كبيرة من الفلوجة والرمادي في يناير/ كانون الثاني عام 2014.
لعبت عوامل أخرى عدا سوريا دوراً في انتعاش داعش أيضاً، إلا أن الحرب في سوريا ساعدت كذلك على بعث حياة جديدة في المجموعة الجهادية نظراً للشعبية والشرعية اللتين يتمتع بهما الجهاد في سوريا الأمر الذي سبق أن أوضحناه بالفعل. عندما تصاعد النزاع في سوريا، كان لدى داعش بالفعل بنية تحتية قائمة اعطتها، من بين الفصائل المتمردة، إحدى افضل الخلفيات للعب، والتي ساعدت المجموعة على الحصول على أراض واكتساب هيبتها. في المقابل، لقد جذبت أيضاً موارد إضافية والمزيد من المجندين. وتتضح العلاقة التكافلية بين سوريا وانبعاث داعش في العراق أكثر باعتقاد مسؤولي الحكومة العراقية بأن ' معظم' الانتحاريين الذين يضربون الداخل العراقي خلال الموجة الأخيرة بواسطة الاستخدام التكتيكي  ' يأتون من سوريا'.
وقد عزز النزاع في سوريا داعش بأربع طرق رئيسة. أولاً، لقد شهدت داعش طفرة في الشعبية بسبب كونها في طليعة الجهاد الشعبي، على الرغم من أن تكتيكاتها الوحشية يمكن أن تقوض هذا المكسب. ثانياً، إن كثرة الناس الذين هم على استعداد لمحاربة نظام الأسد قد وفرت للمجموعة مصدراً سهلاً من المجندين. إذ يقدر اليوم أن لدى داعش 7000 مقاتل في صفوفها. ثالثاً، لقد جعل الصراع مسألة الحصول على التمويل أسهل، سواء من الممولين الخارجيين أو من خلال فرض عائدات 'ضريبية ' على المواطنين والاستيلاء عسكرياً على المصانع في سوريا. (وكما سيناقش لاحقاً، من المرجح أن يؤدي طرد داعش مؤخراً من تنظيم القاعدة الى تضاؤل المصادر الخارجية للتمويل ). وكان العامل الرابع المساهم في تحقيق مكاسب داعش هو قدرتها على السيطرة على الأراضي في سوريا والعمل بصورة مختلفة من على الجانب السوري من الحدود. وأوضح نائب وزير الداخلية العراقي عدنان الاسدي  أن داعش ' منتشرة في المناطق الصحراوية الشاسعة على جانبي الحدود العراقية - السورية التي يصعب على أي جيش السيطرة عليها '، ما يجعل حرب العراق ضد داعش تتطلب الكثير من الوقت والموارد.
كانت احدى إنجازات داعش المذهلة في العام الماضي اختراق سجن أبو غريب السيئ السمعة خارج بغداد والخاضع لاجراءات أمنية مشددة وذلك في يوليو/ تموز 2013. وقد شملت التكتيكات التي استخدمتها داعش التفجيرات الانتحارية والسيارات المفخخة، إضافة إلى هجوم على سجن آخر في التاجي باعتباره تسريباً، ومساعدة داخلية من بعض الأفراد المكلفين بحراسة السجن. وقال مسؤول أمني لرويترز ان الهجوم كان عبارة عن ' هجوم إرهابي واضح ' يهدف الى ' تحرير إرهابيين مدانين بانتمائهم إلى تنظيم القاعدة '. أما الرقم المذكور والأكثر شيوعاً حول عدد السجناء الذين تمكنوا من الهرب فهو 500 سجين، وكان هناك تركيز عال بشكل خاص على قادة داعش المهمين وعناصر آخرين في هذه المجموعة. ونظراً إلى طريقة كسر السجن وإطلاق سراح السجناء التي عززت الحركة الجهادية في الماضي، فإن من المرجح أن تؤدي حادثة أبوغريب إلى تضخيم التحديات التي تواجه العراق.
هناك قضية واحدة ذات صلة مباشرة بشأن مستقبل داعش، تنظيم القاعدة، والجهاد في سوريا وهو طرد داعش من شبكة تنظيم القاعدة في 2 فبراير/ شباط 2014 ، عندما أعلنت القيادة العليا لتنظيم القاعدة بأن داعش لم تعد تنتسب لها. وكان هذا الانفصال قد طال انتظاره. وكانت داعش تقاتل مع غيرها من الفصائل المتمردة السورية، وأمرتها القيادة العليا في تنظيم القاعدة بالخضوع إلى وساطة لحل هذه التوترات. وأجابت داعش بكلام معسول على هذه المطالب لكنها عملياً كانت تنتهك أوامر الوساطة. على الرغم من أن هناك قدراً كبيراً من المناورة بين البلدين وراء الكواليس، فقد أصدر تنظيم القاعدة، في نهاية المطاف، بياناً يعلن فيه أن داعش لم تعد جزءاً من المنظمة.
كان هناك تصعيد فوري في التوتر عقب طرد داعش من تنظيم القاعدة. وبعد استهداف فصائل تمرد أخرى داعش بشكل متزايد، قامت الأخيرة بالتراجع، إلى حد كبير، إلى معقلها في الرقة شمال سوريا، الذي يعتقد بأنه الموقع الأكثر قابلية للدفاع خلال فترة صعبة وغامضة. وسوف يكون هناك أيضا آثار على شكل الجهادية خارج المنطقة. لقد كانت في حالة تحد صريح للقيادة العليا لتنظيم القاعدة إلى أن طردت أخيراً من المنظمة. وإذا كانت داعش تزدهر على الرغم من تحديها قيادة تنظيم القاعدة، فهل هذا يضعف قدرة القيادة العليا لتنظيم القاعدة على التأثير على فروع أخرى؟ هل سيرمي الممولون للقاعدة والمجندون المحتملون بثقلهم وراء مصادر القوة الجهادية المتنافسة؟ هناك بعض الإشارات عن ضغوطات تفرض على شبكة القاعدة بسبب هذا الفصل. فالمنتديات الجهادية تبرز المستخدمين الآن الذين يقفون علناً مع داعش، ويدينون فروع تنظيم القاعدة المعترف بها في سوريا. فضلاً عن ذلك، إن الجماعات الجهادية التابعة لتنظيم القاعدة منقسمة بشدة حول كيفية معالجة الانقسام بين داعش والقاعدة .
أثيرت المخاطر التي ينطوي عليها هذا السؤال بشكل كبير في نهاية فبراير/ شباط عندما قتل أبو خالد السوري، القائد القديم في تنظيم القاعدة وأحد الأعضاء المؤسسين لجماعة التمرد السورية 'أحرار الشام '، في هجوم انتحاري، وتوجيه اللوم من قبل العديد من الجهاديين إلى داعش، بما في ذلك كتائب أحرار الشام .
على الرغم من أن تفتت تنظيم القاعدة هو إحدى النتائج المحتملة لانقسام القاعدة- داعش، فإن تحليلاً ما للنطاق العام قد توصل إلى بعض الحقائق بهذا الخصوص. وتنطوي داعش نفسها على مخاطر الضعف والتشرذم. وقد دعا كبار رجال الدين مثل عبد الله محمد المحيسني مقاتلي داعش الى الانشقاق إلى فصائل جهادية أخرى. إن تراجع داعش إلى الرقة - التخلي عن مصادر دخل مثل مطاحن الحبوب والمصانع في دير الزور في هذه العملية-  يدل على مشاعر الضعف في سوريا. وشهدت داعش منافسين جددا يظهرون حتى داخل العراق. وفي أواخر فبراير/ شباط، أعلنت مجموعة جهادية جديدة تسمى نفسها 'جبهة المرابطين في العراق' عن تشكيلها، وهو الأمر الذي يعتقد الكثير من الجهاديين العاملين على الخط  بأنها فرع جديد للقاعدة مصمم لمواجهة نفوذ داعش. وقد أعلنت ' جبهة المرابطين' بالفعل عن أولى هجماتها في العراق ، ونشرت تصريحات على منتدى حنين الجهادي على شبكة الإنترنت تدعي فيه المسؤولية عن هجمات بالقنابل ضد الآليات العسكرية العراقية.
إن انقسام القاعدة- داعش نقطة انعطاف هامة قد يكون لها تأثير هائل على الجهادية داخل سوريا وخارجها. وتستدعي التداعيات اهتماماً دقيقاً.

استنتاج
إن الحرب السورية هي بالفعل مأساة كبرى. ومن المحتمل أن يكون لها نهاية مأساوية أيضاً، كما أن الولايات المتحدة غير قادرة ربما على تجنب ذلك حتى ولو اختارت أن تصبح منخرطة بعمق أكبر بكثير في الحرب الأهلية في البلاد.
على مستوى السياسات، يمكن أن يكون أفضل توصيف للرد الأميركي إزاء التطورات في سوريا بأنه مربك. فنحن لم نحدد الحالة النهائية المرجوة: يبدو أننا نعرف بشكل غامض ما ' لا نريد' أن يحدث، لكن لدينا فكرة ضئيلة أو معدومة عن كيفية الوصول إلى هناك. كما أننا لم نحدد نوع الوسائل التي نحن على استعداد لتكريسها في سعينا لتحقيق الأهداف التي باعتقادنا تصب في مصالحنا الاستراتيجية. ماذا نريد؟ ما الذي نحن على استعداد لفعله لتحقيق ذلك؟
من المهم أيضاً أن نضع في الاعتبار أننا كلما اخترنا أن نكون أكثر انخراطاً ، كلما زاد الخطر أكثر بجر الولايات المتحدة الى الصراع بطرق نحن لا نقصدها. وأعتقد أن على الولايات المتحدة أن تختار مسار انخراط محدود لعدة أسباب :
&bascii117ll; المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في سوريا التي يمكن تحقيقها واقعاً منخفضة نسبيا .
&bascii117ll; من الواضح أن الولايات المتحدة لا تفهم جيداً اللاعبين الموجودين على الأرض، وهكذا سيكون لديها  صعوبة في اختيار مجموعة كبيرة من اللاعبين المرغوبين لدعمهم.
&bascii117ll; في الواقع، من المحتمل جداً أن تقع المساعدات الأميركية لفصائل المتمردين في أيدي الجهاديين .
&bascii117ll; هناك مخاطر ممكن ادراكها حول جر الولايات المتحدة إلى المستنقع السوري بطريقة تتخطى نيتها.
دعونا لا نلطف ما تعنيه عبارة استراتيجية الانخراط المحدود. لقد سبق وأشرت أنه من الممكن ألا ينهار نظام الأسد بأسرع مما هو متوقع، ولكن إذا اختارت الولايات المتحدة استراتيجية الانخراط المحدود، فإن علينا أن نكون مستعدين لاحتمال العكس، أي أن الأسد قد يسحق المتمردين. ويتعلق الأمر نزولاً بمسألة المفاضلات، وحقيقة أن هناك ثمن لأي خيار قد تختاره الولايات المتحدة.
إن استراتيجية الانخراط المحدود ليست هي نفسها استراتيجية عدم الانخراط. ومن شأن استراتيجية الانخراط المحدود الاعتراف بأن الولايات المتحدة ربما تكون غير قادرة على التصدي حقاً لمشاكل سورية ـ بالتأكيد ليس ذلك بكلفة مقبولة ـ وبذلك تكون أولويتنا الأسمى هي احتواء الانتشار. أما إحدى أولويات هذه الاستراتيجية فينبغي أن تكون تخفيف الأزمة الإنسانية التي أحدثتها الحرب السورية، تركيز الجهود على اللاجئين من سوريا. هناك، وعلى حد سواء، أسباب أخلاقية وإنسانية قوية للقيام بذلك، ولكن أيضاً أسباب استراتيجية: إن احتمال التطرف الكامن في مشكلة اللاجئين هو مصدر قلق حقيقي .
بالنسبة للولايات المتحدة فإنه من المقبول، على أقل تقدير، وربما من المرغوب فيه أيضاً توفير الأسلحة الصغيرة لفصائل المتمردين. أما الضرر المتعلق بالقيام بذلك فضئيل نسبياً إذا ما وقعت هذه الأسلحة في الأيدي الخطأ، نظرا لكمية الأسلحة الخفيفة الكبيرة الموجودة بالفعل في سوريا الآن؛ ويمكن للولايات المتحدة  أن تجني فوائد محددة من توفير الأسلحة الخفيفة للمتمردين. ويجب أن لا تنطوي تلك الفوائد على محاولة إطالة أو انقاص أمد الصراع؛ لكن، إذا ما تم تنفيذ السياسة بشكل صحيح، فإن ذلك يمكن أن يوفر للولايات المتحدة الوجود والمنصة، على حد سواء. قد تستخدم الولايات المتحدة هذا الموقف لجمع المعلومات الاستخبارية ووضع خارطة أفضل للفصائل المتمردة، وقد تكون قادرة على اكتساب قدر من التأثير على المتمردين، على الرغم من أن احتمال اكتساب نفوذ أمر لا ينبغي المبالغة فيه.
كانت هناك اقتراحات بوجوب ارسال الولايات المتحدة أسلحة مضادة للدبابات أو مضادة للطائرات إلى المتمردين السوريين. إن مثل هذا المسار يمثل مخاطر كبيرة لجهة وقوع هذه الأسلحة في نهاية المطاف في أيدي الجهاديين، أو أيدي غيرهم ممن يرغب بالاضرار بالولايات المتحدة أو حلفائها. لهذا السبب، وفي إطار النهج أقترح أن ترفض الولايات المتحدة التصعيد من خلال توفير هذه الأسلحة الأكثر تطوراً إلا إذا، أولاً، كان بالامكان تطوير مصلحة استراتيجية واضحة ومحددة من خلال توفير الصور وثانياً،  كان يمكن للولايات المتحدة ضمان الارتياح بأن هذه الأسلحة لن ينتهي بها المطاف في أيدي الجهاديين. أما في الوقت الحاضر، فإن أياً من هذين الشرطين غير موجود.
إن احدى المعضلات الأساسية التي يتعين على الولايات المتحدة مواجهتها في بيئة القرن الحادي والعشرين الأمنية هو واقع الموارد المقيدة بشدة. فالولايات المتحدة لم تعد تملك ترف العيش في عالم أحادي القطب  والذي كان قائما قبل اثني عشر عاما. إن الولايات المتحدة ليست غير قادرة الآن فحسب على الرد بقوة كاملة على كل ما يعتبر تهديداً ـ فالقيام بذلك من شأنه أن يضمن افتقارنا إلى الموارد الل

موقع الخدمات البحثية