مواد أخرى » بين الشلل والتعب: مفاوضات جنيف 2 بشأن الحرب الأهلية السورية



بنيديتا برتي  ـ INSS Insight رقم 509 ـ 23 كانون الثاني، 2014


في 22 كانون الثاني/ يناير 2014 اجتمع ممثلون عن المجتمع الدولي لعقد مؤتمر في سويسرا مجدداً في محاولة للتوصل الى اتفاق عن طريق التفاوض لإنهاء الحرب الأهلية السورية الدامية. فمنذ الجولة الأخيرة من المحادثات الدولية في حزيران/ يونيو 2012 ("جنيف 1")، والوضع في سوريا يتدهور بشكل كبير. وفي حين أن الوضع الإنساني قد ازداد سوءا، فإن أيا من الأطراف المتحاربة لا يعتبر أقرب اليوم، وبشكل كبير، الى تحقيق انتصار عسكري منذ محادثات جنيف 1. على العكس من ذلك، فرغم تحقيق النظام لعدد من الانتصارات التكتيكية، يستمر المأزق المؤلم وأصبح الصراع أكثر انقساماً، مع الصراعات الجارية بين النظام والمعارضة، وكذلك داخل قطاعات مختلفة من المعسكر المناهض للأسد. في مقابل هذه النظرة غير المشجعة، تدرس هذه المادة ما يمكن أن يكون النتائج الفضلى التي قد تسفر عنها محادثات جنيف 2.

في 22 كانون الثاني/ يناير 2014 اجتمع ممثلون عن المجتمع الدولي لعقد مؤتمر في سويسرا مجدداً في محاولة للتوصل الى اتفاق عن طريق التفاوض لإنهاء الحرب الأهلية السورية الدامية. فمنذ الجولة الأخيرة من المحادثات الدولية في حزيران 2012 ("جنيف 1")، والوضع في سوريا يتدهور بشكل كبير. وتشير الإحصاءات الحالية إلى أن الحرب التي بدأت قبل نحو ثلاث سنوات، هي المسؤولة عن حوالي 130000 حالة وفاة واصابة أكثر من نصف مليون شخص بجروح. وقد تسبب الصراع بحالة طوارئ إنسانية كبرى، مع وجود أكثر من 6.5 مليون من المشردين والمهجرين ومليوني لاجئ، ومع حاجة نصف الشعب السوري الماسة إلى المساعدات الإنسانية.

وفي حين أن الوضع الإنساني قد ازداد سوءاً، فإن أيا من الأطراف المتحاربة لا يعتبر أقرب اليوم، وبشكل كبير، إلى تحقيق انتصار عسكري منذ محادثات جنيف 1: على العكس من ذلك، ورغم وجود عدد من الانتصارات التكتيكية من قبل النظام، يستمر الجمود المؤلم وأصبح الصراع أكثر  انقساماً، مع ما يصاحبه من نزاعات تحدث بين النظام والمعارضة، وكذلك داخل قطاعات مختلفة من المعسكر المناهض للأسد.

وفي مواجهة الكلفة الإنسانية المذهلة، فضلاً عن الآثار الخطيرة المترتبة على الحرب الأهلية من حيث الاستقرار والتطرف الإقليمي، التأم المجتمع الدولي أخيراً لمناقشة تفعيل خطة جنيف1 حزيران/ يونيو 2012 الرامية إلى تنفيذ وقف إطلاق النار والتحرك نحو إنشاء "هيئة الحكم الانتقالي" ذات "سلطات تنفيذية كاملة" يتم اختيارها على أساس " التراضي المتبادل" بين النظام والمعارضة.
 
مع ذلك، إن فرص تحقق هذه الأهداف الطموحة في الأيام القادمة هي فرص قاتمة للغاية، وذلك، أولاً وقبل كل شيء، لأن الأطراف تفتقر إلى أي نوع من الثقة المتبادلة، وثانياً، لأن مطالب كل طرف منها تعكس المواقف المضادة تماماً.

يأتي نظام بشار الأسد إلى جنيف (أو بالأحرى إلى مونترو القريبة، حيث تجري القمة فعلاً) مستشعراً أنه في موقع القوة النسبية: إن النظام مقتنع، بعد صفقة الأسلحة الكيميائية قبل بضعة أشهر، بأنه قد اكتسب قدراً من القبول الدولي، إن لم يكن الاعتراف الصريح به. وقد تعزز هذا التصور الذاتي من جراء القلق الدولي المتزايد فيما يتعلق بصعود الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا، وبما تم الكشف عنه مؤخراً بشأن لقاءات سرية تمت بين أعضاء النظام السوري ووكالات الاستخبارات الغربية لمناقشة دور المقاتلين الأجانب الجهاديين في سوريا. في الواقع، إن الموقف الدولي من النظام السوري، المحمي بصفقة الأسلحة الكيميائية والمعزز بالمحللين وصناع القرار بحجة أن المجتمع الدولي قد يحتاج إلى الاختيار بين الأسد والقاعدة، قد تحسن على مدى الأشهر الستة الماضية. بالإضافة إلى ذلك، بامكان الأسد مواصلة الاعتماد على حليفه الروسي، الذي استمر في الشهرين الماضيين بالاعتراض على أي قرار لمجلس الأمن يدين الرئيس السوري أو نظامه، في حين الاعلان عن زيادة المساعدات العسكرية وعقد صفقة مربحة للتنقيب البحري عن النفط والغاز مع سوريا مدتها 25 عاماً.

محلياً، كشفت إجراءات الأسد في الفترة المؤدية إلى جنيف 2 عن استراتيجية مماثلة تقوم على مفهوم القوة والإفلات من العقاب: الشهادات على هذا، وعلى حد سواء، هي في الهجوم العسكري الهائل ـ الذي غالباً ما يرتكب بواسطة رمي براميل من القنابل العشوائية والوحشية - ضد المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في حلب، فضلا عن سياسة التجويع والحرمان من المساعدات الإنسانية ومنعها من الوصول إلى معاقل محددة  للمتمردين، مثل مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق (حيث سمح أخيراً بدخول المساعدات قبل أيام من حلول جنيف 2).
ببساطة: إن بشار الأسد غير مستعد للتفاوض على الانتقال السياسي القائم على رحيله من السلطة، كما يبدو  ما يوحي به ضمناً إطار جنيف 1 حول "القبول المتبادل "(على الرغم من أن النظام السوري عل خلاف مع هذا التفسير بالتأكيد). إذ يرى النظام السوري نفسه في الجانب المنتصر من الحرب، وتؤكد تصريحات بشار الأسد الأخيرة بشأن الحاجة إلى التركيز على محادثات جنيف 2 على "الإرهاب "، إلى جانب بيان وفده بأن مناقشة إقالة الرئيس " خط أحمر "، هذا الانطباع.

أما على الجانب الآخر من طاولة المفاوضات، فالمعارضة ليست في وضع أفضل لمناقشة نهاية متفق عليها بصورة متبادلة للأعمال العدائية. أولاً، إن المعسكر المناهض للأسد مشكك، بشكل مبرر، بنوايا النظام ، خاصة أنه يبدو واضحا أن طلب الحد الأدنى لهذا المعسكر (رحيل الأسد ) لن يكون مقبولاً على الأرجح، نظراً لتاريخ الأسد في الماضي بالاعتماد على وقف إطلاق النار لإعادة تنظيم صفوفه واتخاذ اجراءات صارمة ضد خصومه.

ثانياً، وفي الأشهر القليلة الماضية، استمر "الائتلاف الوطني للثورة  السورية" و"قوى المعارضة السورية"، المعترف بها دوليا  بصفتها "الممثلة للشعب السوري "، بخسارة النفوذ داخل سوريا. ومع افتقار الجيش السوري الحر إلى القدرة على ادارة الجزء الأكبر من القتال ضد الأسد، ومع صعود الجماعات الجهادية مثل الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش) وكذلك " الجبهة الإسلامية"، التحالف السلفي القوي والمنظم على نحو متزايد، لا يزال المعسكر المناهض للأسد منقسماً بشكل أساسي. والنتيجة هي تحدي القيادة السياسية للتحالف الوطني والطعن بها على جبهات متعددة. وهذا بدوره يؤثر سلباً على قدرة وفد المعارضة إلى مونترو للتفاوض مع النظام، وكذلك على قدرته على ضمان تنفيذ اتفاق في نهاية المطاف وإنفاذه على الأرض. إن المفاوضات السياسية مع النظام هي أيضا محفوفة بالمخاطر جداً بالنسبة للائتلاف الوطني الضعيف، من حيث تقديمه "صفقة سيئة " ستزيد من تشويه مصداقيته أكثر لدى جمهور مناصريه، كما يحتمل أن يهدد التماسك الداخلي للمجموعة.

 في هذا السياق من عدم الثقة، الانقسامات، والتردد  من الصعب تصور حصول أي اختراق مهم قد ينشأ عن جنيف 2. هذا هو الحال أيضاً بما أن المجتمع الدولي هو في حد ذاته منقسم بشدة و يفتقر إلى استراتيجية واضحة ومنسقة للضغط على الأطراف في أي اتفاق. فعلى أقل تقدير، يتطلب هذا الأمر اتباع نهج أمريكي، فرنسي، روسي، تركي، سعودي، وإيراني منسق بشأن كيفية حل الأزمة - وهو الخيار الذي يبدو غير واقعي تماماً، مهما كان مطلوباً وضرورياً في سياق أزمة إقليمية حقاً كالأزمة السورية. هذا هو الحال نظراً إلى ان إيران، خصوصاً - الرافضة للاعتراف بالشروط المنصوص عليها في جنيف 1 والتي تواجه رفض المعسكر المناهض للأسد القوي للمشاركة في جنيف 2 – لم تكن مدعوة وأزيحت جانباً باستهانة وذلك في تسلسل أخرق للأحداث التي سبقت الافتتاح الرسمي للمحادثات.

نظراً لهذه التوقعات غير المشجعة، ما الذي يمكن أن يشكل النتائج الفضلى عن محادثات جنيف 2؟

 ينبغي أن يركز المؤتمر على توفير قدر من الإغاثة للسكان السوريين، الضحايا الرئيسيين للصراع الحالي، من خلال التركيز على ضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل. ينبغي مناقشة التفاوض على وقف لإطلاق النار بدءاً من حلب المدينة المحاصرة، إلى جانب عملية لتبادل للأسرى، كما اقترح النظام مؤخراً، مع فكرة أنه لا ينبغي أن تترجم هذه التدابير، وعن غير قصد، إلى مكاسب للنظام، ولا ينبغي استخدامها من قبل النظام لزرع مزيد من الانقسام داخل صفوف المعارضة. فعلى سبيل المثال، وكشرط مسبق لوقف إطلاق النار في نيسان/ أبريل 2012، طالب الأسد بانسحاب المتمردين ونزع سلاحهم أولاً؛ وطالب نص آخر في وقت لاحق بانسحاب المتمردين كشرط للسماح بدخول المساعدات الإنسانية – طلبات تبطل، وبوضوح، حياد هذه التدابير. فمن الأهمية بمكان أن لا تصبح جنيف 2 منصة للموافقة على طلبات مماثلة.

(*) ترجمة إيمان سويد ـ خاص موقع مجموعة الخدمات البحثية

موقع الخدمات البحثية