مواد أخرى » التصعيد في غزة


شلومو بروم(*)
INSS Insight  رقم 508  ـ 24 كانون الثاني، 2014


شهد الأسبوع الماضي تصعيداً ملحوظاً من منطقة غزة، مع إطلاق الصواريخ من قطاع غزة والرد الإسرائيلي على عمليات الإطلاق هذه. هناك قلق من أن دينامية التصعيد هذه ستؤدي حتماً إلى قرار من قبل إسرائيل ببدء عملية أخرى واسعة النطاق في قطاع غزة على غرار عملية عمود الدفاع وربما حتى عملية الرصاص المصبوب. وبما أنه من المرجح ألا يكون التصعيد الحالي نتيجة لسياسة متعمدة من قبل حماس، بل نتيجة لفقدانها السيطرة على الوضع بحيث أن حادثاً حدودياً يمكن أن يحفز على حدوث رد من قبل مجموعة فلسطينية ما، ما يؤدي إلى رد إسرائيلي، وهكذا دواليك، فإن الهدف الرئيس لـ'إسرائيل' هو منع التصعيد والدخول في صراع واسع النطاق لا يريده أي من الطرفين، دون الإضرار بالقدرة على ردع حماس وغيرها من اللاعبين في قطاع غزة.

شهد الأسبوع الماضي تصعيداً ملحوظاً من منطقة غزة، مع إطلاق الصواريخ من قطاع غزة والرد الإسرائيلي على عمليات الإطلاق هذه. هناك قلق من أن دينامية التصعيد هذه ستؤدي حتماً إلى قرار من قبل إسرائيل ببدء عملية أخرى واسعة النطاق في قطاع غزة على غرار عملية عمود الدفاع وربما حتى عملية الرصاص المصبوب. إن الغرض من هذه المقالة هو تحليل أسباب التصعيد واحتمالات استمراره، والسياسة الأفضل بالنسبة لـ'إسرائيل'.

الأسئلة الرئيسة هي ما إذا كان التصعيد غير مقصود، وما إذا كان لا يزال لدى كلا الجانبين مصلحة مشتركة في الحفاظ على الهدوء لكنهما عرضة لفقدان السيطرة على دينامية التصعيد. إن الصورة على الجانب الإسرائيلي واضحة: اسرائيل ليس لديها مصلحة في الاطاحة بالهدوء. فبالنسبة لرئيس الوزراء نتنياهو، إن الوقف المثير والكامل تقريباً لاطلاق الصواريخ من قطاع غزة منذ عملية عمود الدفاع هو إنجاز كبير، وليس هناك من سبب يدفعه للمخاطرة به. بامكان العالم العربي أن يسلي نفسه بنظريات المؤامرة بأن 'إسرائيل' تريد نسف المفاوضات مع الفلسطينيين من خلال التصعيد في قطاع غزة، ولكن لا توجد أسباب لهذا الزعم، لأن استمرار المفاوضات بعد أبريل/ نيسان 2014 يصب في مصلحة 'إسرائيل'. إن وجود أزمة في المفاوضات، وخصوصا عندما يكون هناك احتمالات بأن تنحى باللائمة على 'إسرائيل' في ذلك نظراً لـ 'الرد غير المتناسب'، لا يصب في مصلحة 'إسرائيل'.

أما في أوساط  الفلسطينيين في قطاع غزة، فإن الصورة أقل وضوحاً. ليس هناك شك في أن بعض المنظمات المسلحة في قطاع غزة، سواء كانوا عناصر الجهاد الإسلامي أم الفصائل السلفية الجهادية وجماعات أخرى صغيرة، تريد الاخلال بالمفاوضات ورفع حدة الصراع العنيف مع 'إسرائيل'. وكما هو معروف، تم إطلاق الصواريخ من قبل هذه المجموعات دون الحصول على إذن من حماس، السلطة الحاكمة في قطاع غزة، وربما أيضا من دون إذن قادة الجهاد الإسلامي، ثاني أكبر منظمة في قطاع غزة بعد حماس. فحتى وقت قريب، كانت حماس قادرة على اتخاذ إجراءات حاسمة ضد هذه الجماعات وكبح جماحها. وبالتالي فإن السؤال هو ما اذا كانت حماس قد غيرت سياستها أو ما إذا كانت غير ناجحة في كبح هذه الجماعات، ما يمكن أن يشير إلى أن سيطرتها في قطاع غزة قد أصبحت أقل فعالية.

تشهد حركة حماس فترة صعبة يتم فيها إضعافها سياسياً وعسكرياً. فالحرب الأهلية في سوريا اضطرتها إلى قطع صلاتها مع اثنين من أنصارها المهمين هما سوريا و حزب الله، وتسببت في انقطاع شبه كامل مع إيران، المصدر الرئيس لدعمها بالمال والسلاح. فقد اعتمدت حماس على وجود علاقات أوثق مع أولئك الذين اعتبرتهم النجوم الصاعدة الجديدة في أعقاب الاضطرابات في العالم العربي ـ الحركات الإسلامية. واعتقدت حماس أن علاقاتها الوثيقة مع مصر بظل حكم الإخوان المسلمين، وقطر الغنية والمؤثرة، إضافة إلى تركيا بظل حكم أردوغان ستشكل أكثر من تعويض عن خسارتها لحلفائها التقليديين، لكن الأحداث أثبتت خلاف ذلك. فقد أطيح بالرئيس مرسي، والحكم العسكري في مصر معاد جداً لحماس الذي يعتبرها جزءاً من التهديد العسكري والتخريبي الذي تشكله جماعة الإخوان المسلمين. في واقع الأمر لقد قطعت مصر شريان الحياة عن قطاع غزة ـ أنفاق التهريب على الحدود بين غزة و سيناء، فضلاً عن ذلك، تنسب مصر نشاط جماعات البدو الجهادية في سيناء ضد النظام المصري وقوات الأمن التابعة لها لتوجيه حماس والمساعدات التي تقدمها لهذه الجماعات. أما في قطر، فقد تنازل الأمير المريض المتقدم في السن عن لقبه لابنه؛ وهذا الخليفة الشاب أقل حماسة بكثير للسياسة الخارجية الناشطة لقطر وعلاقاتها مع حماس. وفي غضون ذلك، لدى أردوغان مشاكله الخاصة، وعلى أي حال فإن وصول تركيا وقطر إلى قطاع غزة يعتمد على رضا مصر (وهو غير موجود). والنتيجة هي على نقيض الوضع الذي ساد  بعد عملية الرصاص المصبوب ـ عندما نجحت حماس في استعادة مخزون أسلحتها بسرعة ـ وبصواريخ أثقل. ومنذ عملية عمود الدفاع كان لدى حماس صعوبة في تهريب أسلحتها العادية. وهي تحاول التعويض عن ذلك من خلال تطوير وإنتاج صواريخ بعيدة المدى بنفسها، لكن هناك فرق هائل في الدقة والقوة التدميرية بين هذه الصواريخ وتلك ذات النوعية العسكرية المهربة من إيران. بالتالي إن حماس، وعلى الصعيد العسكري، ليست مستعدة لجولة جديدة من الحرب الشاملة، كما أن الوضع السياسي أسوأ حتى. فالأطراف الأخرى في المنطقة وخارجها لم تعد حريصة على إقامة علاقات معها، واللاعبون الرئيسيون في العالم العربي، برئاسة مصر والمملكة العربية السعودية، معادون لها، وبفاعلية.

تبذل حماس جهوداً لتحسين وضعها غير المؤاتي من خلال قناتين. فمن ناحية تحاول تجديد علاقاتها مع إيران، وذلك بنجاح جزئي فقط حتى الآن. فإيران في عهد الرئيس روحاني تحاول تحقيق التقارب مع الغرب، وليس لديها سبب لتسليط الضوء على العلاقات مع حماس. على سبيل المثال، لقد تم رفض طلب خالد مشعل زيارة طهران. ومن الممكن أيضاً أن سلوك حماس قد جعل إيران تعتبرها مجموعة غير جديرة بالثقة ولا يمكن الركون اليها، وبالتالي فإن إيران قلقة من تجدد العلاقات معها. من ناحية أخرى ، تتصرف حماس بطريقة تصالحية في مقابل مصر وقيادة السلطة الفلسطينية في رام الله. ومع ادراكها واعترافها باعتمادها على مصر، تحاول المنظمة تجنب اثارة غضبها وحساسيتها، كما تحاول أيضاً تحريك محادثات المصالحة مع حركة فتح، بظل افتراض أن هذا سوف يخفف من عزلتها السياسية. لهذا السبب، فإن المنظمة، وفيما عدا بياناتها الروتينية، لا تبذل أي جهد خاص لتقويض المفاوضات الدبلوماسية مع 'إسرائيل' (التي تعتبر بأنها ستفشل على الارجح في أي حال من الأحوال) .

يمكن القول إن المزيد من التدهور في وضع حماس يمكن أن يعيد المنظمة إلى الزاوية، ويؤدي ذلك إلى استنتاج بأن ليس لديها ما تخسره، وأن السبيل الوحيد للخروج من محنتها هو إشعال الوضع. هذا الأمر قد يحدث فعلاً في المستقبل، ولكن حتى الآن لا يبدو أنه قد تم التوصل إلى مثل هذا الاستنتاج، وتحاول المنظمة تخفيف الضغط عليها من خلال تدابير سياسية. لذلك من المرجح ألا يكون التصعيد الحالي نتيجة لسياسة متعمدة من قبل حماس، بل نتيجة لفقدانها السيطرة وذلك في وضع يؤدي فيه حادث حدودي إلى التحفيز على حصول رد ما من جانب مجموعة فلسطينية، ما يؤدي إلى رد إسرائيلي، وهكذا دواليك.

إذا كان الأمر كذلك، فإن الهدف الرئيس لـ'إسرائيل' هو منع التصعيد إلى صراع واسع النطاق لا يريده أي من الطرفين  دون الإضرار بالقدرة على ردع حماس وغيرها من اللاعبين في قطاع غزة. لا يمكن لإسرائيل أن تغير سياساتها الأساسية التي وضعتها وصاغتها بعد عملية عمود الدفاع، حيث يجب عليها الرد على اطلاق الصواريخ من قطاع غزة بشن هجمات مؤلمة على أهداف لحماس والمنظمات الأخرى في غزة، و إلا فإن الردع الذي تحقق في عمليتين واسعتين في قطاع غزة سوف يفقد فعاليته. مع ذلك، ينبغي لهذه الردود أن تكون متناسبة، وفي نفس الوقت فإن من الضروري مراقبة سلوك حماس التي تعتبرها اسرائيل مسؤولة عن الأحداث في غزة، حتى لو همَّت مجموعات أخرى بإطلاق الصواريخ. وإذا ما توصلت 'إسرائيل' إلى استنتاج مفاده أن حماس تبذل جهداً حقيقياً لمنع مجموعات أخرى من العمل ضد 'إسرائيل'، عندها ينبغي وقف دوامة الرد و الرد المضاد من خلال التأخير التكتيكي لردودها. أما إذا أثبت هذا الأمر عدم فاعليته، عندها يمكن لـ'إسرائيل' أن تجدد هجماتها دائماً.
(*) ترجمة إيمان سويد ـ خاص مجموعة الخدمات البحثية

موقع الخدمات البحثية