مواد أخرى » السياسة الخارجية الإيرانية بعد الاتفاق النووي


بول روجرز ( مستشار الأمن العالمي لمجموعة أكسفورد للبحوث (ORG) وأستاذ دراسات السلام في جامعة برادفورد)
Oxford Research Groascii117p ـ 22 كانون الثاني، 2014


ملخص
اذا ما نجحت ايران والسداسية في التفاوض على اتفاق قوي بشأن القضية النووية، عندها ستكون إيران أقل انشغالاً بإعادة التوازن لعلاقتها مع القوى الغربية المعادية وسيكون هناك مجال لدورها في الشرق الأوسط والمنطقة على نطاق أوسع للتطور في العديد من الاتجاهات الجديدة. وهذا يمكن أن يكون له تأثير كبير على نهجها إزاء الصراع في سوريا. هذا الموجز يتطلع إلى بيئة ما بعد الاتفاق ويقيِّم المكان الذي يمكن أن تختاره إيران لتركيز مواردها. أما السؤال الأساس فهو ما إذا كانت ستعمل على بناء أفضل العلاقات مع الولايات المتحدة ودول أوروبية مختارة أم أنها ستكون أكثر اهتماماً بدول البريك وغيرها، ليس أقلها تركيا. إن خيارها سوف يتأثر، وبقوة، بالسياسة الداخلية والحاجة الملحة لمنطقة أكثر استقراراً.

مقدمة
بعد نجاح الرئيس روحاني في انتخابات أغسطس/ آب الماضي، تحسنت العلاقات بين الولايات المتحدة وطهران بشكل كبير. ويعود ذلك، جزئياً، إلى نتيجة الانتخابات ولكن أيضاً لأن لدى إدارة أوباما وجهة نظر أكثر إيجابية عن إيران. ليس هناك ما يضمن أن الانتخابات الأميركية في عام 2016 سوف تؤدي إلى إدارة متعاطفة مع المزيد من التقدم. وسيتم أخذ عنصر الغموض هذا في عملية صنع السياسة لدى إدارة روحاني. مع ذلك حتى، فإن احتمالات التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض للقضية النووية هي أفضل ما يكون لمدة عشر سنوات، وأنه يترتب على ذلك إذا ما تم إبرام اتفاق أن يكون له تأثير واضح مرجح على السياسة الخارجية الإيرانية. يستكشف الموجز هذا الجانب من السياسة في الشرق الأوسط ويحلل تأثير إيران  التي تجد نفسها في بيئة دولية أكثر إيجابية.

إرث أحمدي نجاد
كان الخطاب المتوهج والتصريحات الملتهبة في بعض الأحيان لإدارة أحمدي نجاد ( 2005-2013 ) القناع لسياسة خارجية براغماتية تجمع ما بين درجة من المواجهة بخصوص القضية النووية وتعزيز الاتصالات مع العديد من البلدان عبر الجنوب العالمي، بما في ذلك تلك التي تميل الى اليسار في دول أميركا اللاتينية والعديد من الدول في جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية. وسعت ادارة نجاد أيضاً إلى الحفاظ على روابط معقولة مع روسيا والصين في الوقت الذي حدت فيه من روابطها مع الغرب. وبينما كانت الإدارة مقبولة لدى قسم كبير من ' الشارع الإيراني '، فإنها كانت على خلاف مع عناصر تروق لهم  الثقافة الغربية وهم الشباب الإيراني وكانت القضية النووية محل إشكالية للغاية من حيث تأثير العقوبات.

وفي حين أنه قد حصل الكثير من خلال دور هؤلاء في جلب روحاني إلى السلطة ومن ثم الذهاب إلى طاولة المفاوضات، فإن الواقع مختلف نوعاً ما. لقد كانت العقوبات فعالة، وذلك، جزئياً، بسبب وجود تأثير مواز لسوء الإدارة الاقتصادية الداخلية من جانب حكومة أحمدي نجاد. وبالتالي، فإنه إذا ما حسنت حكومة روحاني إدارتها للاقتصاد فعندها سوف تنضم حتى العقوبات المخففة المتواضعة الموعودة بالفعل لتمكين الحكومة من الاستفادة من فترة راحة مبكرة من المشاكل والمتاعب الاقتصادية الأخيرة.
أحد العوامل الرئيسة الأخرى هو أن مكانة إيران في المنطقة، بما في ذلك العالم العربي، قد تضررت بفعل دعمها لنظام الأسد في سوريا. ففي ظل حكم أحمدي نجاد، رأت إيران في نظام الأسد حليفاً قوياً وضرورياً، بالاشتراك، خصوصاً، مع حكومة المالكي في العراق. لكن مع تفاقم الحرب في سوريا، وبما أن العنف في العراق ينزلق نحو حرب أهلية، فإن العديد من الدول تلقي باللوم بذلك على إيران. فالقوى الإقليمية مثل السعودية ومصر تحمل إيران المسؤولية، جزئياً، عن حال القمع العنيف للأغلبية السنية في سوريا، كما تعتقد الدول خارج المنطقة بأن ايران تتحمل مسؤولية ما ليس فقط عن ذلك وإنما أيضاً عن احتمال انتشار الحرب إلى لبنان .

الاستراتيجية المحافظة
كان انتصار روحاني مثيراً للإعجاب وفريداً لجهة اكتسابه الأغلبية المطلقة في الاقتراع الأول ضد أربعة من خصومه المحافظين نسبيا وذلك بنسبة 72 ٪ من المشاركين بالانتخابات. وفي حين أعطاه هذا الأمر سلطة كبيرة، فإن معظم السلطة لا يزال بيد المرشد الأعلى. في كل الأحوال، لا بد أن آية الله خامنئي على بينة من شعبية روحاني، مسألة تجعل من مسألة تجنب عبادة الشخصية أمراً أكثر صعوبة بالنسبة له بحسب الأفضلية لروحاني. وفي حين أعطت الانتخابات روحاني ولاية واضحة للتفاوض مع الولايات المتحدة، فإن العناصر المحافظة تعيد تجميع نفسها.
إن مصدر القلق الخاص بالنسبة لهؤلاء العناصر هو انتخاب مجلس الخبراء - مجلس الشيوخ في البرلمان، الذي يختار المرشد الأعلى - الذي من المقرر أن يجرى في سبتمبر/ أيلول من هذا العام. إن تخوفهم هو من حكومة مزدهرة لروحاني من شأنها أن تلحق الضرر بفرص المحافظين أكثر حتى بعد انتكاسات العام الماضي. ويبدو أن هذا هو السبب وراء سعي هؤلاء إلى إقناع المرشد الأعلى لتوسيع فريق التفاوض في محادثات السلام السورية في جنيف ليشمل المزيد من العناصر المتشددة وأن يكون المجلس ( البرلمان ) الهيئة المشرفة على العملية برمتها. وسوف يكون المحافظون مسيطرين على هذا المجلس. وقد صرح نائب وزير خارجية روحاني، سيد عباس أراقتشي، رسمياً، أن فريق التفاوض يظل عرضة للمساءلة أمام المجلس الأعلى للأمن القومي، وليس هيئة المجلس، ولكن هناك تقارير عن تعيين المزيد من الأعضاء في المجموعة مؤخراً.

ما يعنيه هذا هو أن حكومة روحاني سيكون لها مصلحة قوية في تطوير السياسات الجذابة للجمهور الناخب المحلي في أقرب وقت ممكن. وسيكون التركيز بلا شك على القضية النووية والحصول على مزيد من التخفيف للعقوبات التي، الى جانب إدارة اقتصادية أفضل، يمكن أن تضمن تحسينات ملموسة في الاقتصاد وشعبية سياسية مترتبة على ذلك. مع ذلك، هذا لا يكفي. كما أن تحرير الإصلاحات الاقتصادية مثل رفع الدعم قد يفاقم حتى الصعوبات الاقتصادية على المدى القصير. ويترتب على ذلك أن حكومة روحاني سوف تبحث عن قرب في سبل زيادة مكانة إيران في المنطقة وخارجها.

تطوير السياسة الخارجية
أحد الجوانب الرئيسة للاستشراف الإيراني هو الايمان بتاريخ بلاد فارس الأبي جداً، إيمان يمتد إلى آلاف السنين، وليس المئات، والاعتقاد الناشئ عنه بأن  إيران لم  تكن مدركة لإمكاناتها كإحدى القوى العظمى المحتملة في العالم. إن وجهة النظر هذه عن العظمة التاريخية تتخطى الدين، حتى ولو كانت إيران تعتبر نفسها أيضاً مركز العالم الإسلامي الشيعي. ويبلغ عدد سكان إيران  80 مليون نسمة، أقل قليلا من الـ 85 مليونا في مصر والـ 81 مليونا في تركيا. ولدى مصر مشاكل داخلية هائلة واقتصاد ضعيف قائم على غير النفط. تركيا أقوى بكثير من حيث الاقتصاد، حتى لو كانت تفتقر، أيضاً، إلى احتياطيات كبيرة في الوقود الأحفوري. ومنذ ثورة 2013 المضادة، كانت مصر تعتمد بشكل متزايد على المملكة العربية السعودية، أكبر منافس لإيران على النفوذ في منطقة الخليج والشرق الأوسط.
لدى إيران جميع مشاكل الاقتصاد شبه المحتضر ولكن لديها أيضاً امكانات ملحوظة للتنمية نظراً لأنها تمتلك ما يقرب من 10 ٪ من احتياطي النفط في العالم و 15 ٪ من احتياطي الغاز. وهذا الأخير ( احتياطي الغاز) هو، وإلى حد كبير، مشترك مع قطر بسبب الاحتياطيات الضخمة الموجودة في باطن الخليج. لقد كانت هناك بعض المشاكل حتى الآن في ترسيم الحدود - في الواقع إن العلاقات مع قطر لا تزال جيدة جداً على الرغم من وجود خلافات كبيرة حول قضايا أخرى مثل سوريا، حيث تدعم قطر، مع تركيا، وبقوة، التمرد المناهض للأسد.

آسيا أو أوروبا؟
إن القضية بالنسبة لإيران تتعلق إلى حد كبير بالمكان الذي ستصل إليه في سعيها لتطوير التحالفات الاقتصادية والسياسية. فإلى الشرق مباشرة تعتبر الحدود مع أفغانستان وباكستان بالغة الأهمية، وخاصة في حالة أفغانستان، حيث كلف تهريب الأفيون والهيرويين المكرر عبر الحدود حياة المئات من أفراد حرس الحدود الإيرانيين. ولدى إيران علاقات وثيقة مع الأجزاء الشمالية الغربية من أفغانستان وليس لديها ميل لطالبان. كما أنها تشكك في باكستان بسبب وجود عناصر إسلامية سنية راديكالية داخل الدولة، إضافة إلى دعمها الطويل والقديم لطالبان، علاقاتها الأمنية الوثيقة مع المملكة العربية السعودية والحالة الصعبة والأمنية الهشة للطائفة الشيعية الباكستانية، لكنها لا تزال تسعى إلى تحسين العلاقات، ليس أقله من خلال تصدير الغاز. فخط الأنابيب بين إيران، باكستان والهند المقرر في الأصل يمضي قدماً وبعيداً وصولاً إلى باكستان. وسوف تعمل إيران على زيادة صلاتها مع أفغانستان، حيث ازدادت الى حد كبير المساعدات في السنوات الأخيرة، وخاصة لمشاريع في الشمال الغربي من البلاد.
إن الهند والصين، على حد سواء، مستوردان كبيران للنفط والغاز الايرانيين. وكانت الصين مفيدة بشكل خاص لإيران من ناحيتين. الأولى الاستثمارات الطويلة الأجل في تطوير حقول النفط والغاز الجديدة، ولأنها لا تزال محل تقدير كبير لكون الصين ثابرت على ذلك عندما كانت العلاقات مع الولايات المتحدة في أدنى مستوياتها. أما الأمر الآخر فهو امدادات الصين من الأسلحة المختارة بعناية، خاصة صواريخ كروز المضادة للسفن التي تطلق من الشاطئ. وسوف تحافظ إيران على علاقات وثيقة مع الصين، إلا أنها لن تتجنب تحسين العلاقات مع الهند، حيث انها تعتبر ذلك مفيداً في التوازن المضاد إزاء باكستان.
إن الروابط مع جنوب وشرق آسيا لا تزال هامة للغاية بما يتعلق بالسياسة الخارجية الإيرانية لكن بات من الواضح أن الأولوية ستكون لتحسين العلاقات مع الجارة تركيا، الأمر الذي ظهر بالفعل من الاجتماع بين وزيريْ الخارجية محمد جواد ظريف واحمد داود اوغلو في طهران في تشرين الثاني الماضي. وعلى الرغم من وجود خلافات كبيرة حول سوريا، فإن لدى الدولتين علاقات جيدة في نواح أخرى، ويبقى دور تركيا في الماضي بخصوص محاولة نزع فتيل أزمة القضية النووية محل تقدير لدى إيران. وقد توسعت العلاقات التجارية بين إيران وتركيا بشكل كبير خلال العقد الماضي.
من المحتمل جداً أن تسعى إيران لعلاقة أوثق بكثير مع تركيا، ورؤية البلدين وهما يؤلفان معاً محور نفوذ يربط بين أوروبا وآسيا. ومن المرجح أن يكون الموقف التركي إيجابياً للغاية، واعتباره بمثابة عامل مفيد في زيادة أهمية تركيا لدى الاتحاد الأوروبي. وهذا يعني أن حكومة روحاني لها مصلحة في رؤية تحجيم للحرب السورية. ومن المحتمل أن يكون اتصال تركيا / ايران أكثر أهمية بالنسبة لطهران من التبجح  جداً بـ'الهلال الشيعي '  لبنان / سوريا / العراق / إيران ' .
إن التنافس مع المملكة العربية السعودية لا زال منتشراً، ويشكل عنصراً وكيلاً حاسماً في الصراع السوري، إلا أن روابط روحاني الشخصية مع دبلوماسيين سعوديين في الماضي، إلى جانب حاجة إيران لرؤية الحرب وقد تحجمت وتقلصت، يعني أنه حتى هنا قد يكون هناك إمكانية للتقدم. إن تحسين العلاقات أكثر مع الولايات المتحدة سوف يكون أولوية، لكن حكومة روحاني تدرك مخاطر التغيرات المفاجئة في القيادة الأميركية في غضون فترة هي أقل من ثلاث سنوات. وهذا يعني أن الروابط الأوروبية تظل مفيدة لكن إيران لا تنظر إلى الغرب لضمان مكانتها في العالم. فتركيا والصين والهند بلدان أكثر أهمية بالنسبة لها، وهذا سوف يبقى طالما أن روحاني موجود في السلطة. ومن بين هذه البلدان، ربما تكون تركيا الأكثر أهمية.

الاستنتاجات والآثار السياسية المترتبة

بالكاد يملك روحاني فترة عام لأجل البناء على الدعم الكبير الذي جمعه العام الماضي، هذا في مقابل خلفية العناصر المحافظة و الدينية الراسخة التي ستعمل جاهدة للحد من قدرته. وفي حين انه سيتراجع ويتنازل حول القضايا النووية وربما يعمل من أجل التوصل إلى تسوية سورية، إذا ما سُمح لإيران بالمشاركة في جنيف 2، فإن هناك خطرا يتمثل في أن خصومه قد يعمدون إلى تقديم ذلك باعتباره علامة على الضعف. إن التقدم الاقتصادي قد يخفف من حدة هذا الأمر ولكن الوسيلة الإضافية للمضي قدماً هي بالانخراط في السياسة الخارجية بشكل أكثر نشاطاً بكثير. إن إحدى نتائج مثل هذا التحول إلى الشمال والشرق هو أن إيران قد لا تعتبر أوروبا مهمة لمصالحها إلى الحد الذي تراها فيها أوروبا كذلك. وهذا انعكاس لتغيرات عالمية عامة أكبر، تغيرات تجلب معها تحدياتها الخاصة.

(*) ترجمة إيمان سويد ـ خاص مجموعة الخدمات البحثية

موقع الخدمات البحثية