مواد أخرى » الوجه الخفي للأمن الروسي

آمي نايت (*) ـ NYRblog

في أوائل كانون الثاني/ يناير، قال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي إن الولايات المتحدة قد استفادت من تحسين العلاقات مع الأجهزة الأمنية في روسيا في الوقت الذي تستعد فيه روسيا لاستضافة دورة الالعاب الاولمبية الشتوية الشهر المقبل. ووفقاً لكومي، هناك الآن اتصالات منتظمة بين مكتب التحقيقات الفدرالي وجهاز الامن الفيدرالى، ووكالة مكافحة التجسس في روسيا. وقد تم التنسيق المتزايد منذ تفجير ماراثون بوسطن العام الماضي. مع ذلك، ومع وشك ارسال الولايات المتحدة لأكثر من مئتيْ رياضي إلى سوتشي، لا تزال المخاوف بشأن الإرهاب تتصاعد. إن ظهور شريط فيديو في نهاية الأسبوع الماضي على موقع جماعة اسلامية متشددة تدعى أنصار السنة قد أثار ذعراً معيناً. ففي شريط فيديو مدته خمسون دقيقة، ادعى رجلان ناطقان باللغة الروسية المسؤولية عن تفجيرين من التفجيرات الانتحارية في كانون الاول/ ديسمبر في مدينة فولغوغراد الروسية، وحذرا من كون سوتشي هي هدفهم المقبل.

لم تعلق وزارة الخارجية الأميركية، التي أصدرت تحذيراً من السفر بالنسبة للأميركيين الذين يخططون لحضور المباريات، على شريط الفيديو الجديد، ولكن رد فعل المشرعين في واشنطن كان قوياً. وقال عضو مجلس الشيوخ انجوس كينغ، وهو عضو في لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، على شبكة سي أن أن يوم الاحد انه لن يذهب الى سوتشي ولن يرسل عائلته إلى هناك. الأهم من ذلك، هو أن مايكل ماكول، رئيس لجنة الأمن الداخلي في مجلس النواب ومايك روجرز رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب يقولان الآن إن جهاز الامن الفيدرالى ( FSB )، وهي وكالة الأمن الرئيسة في روسيا، لم تتعاون مع الولايات المتحدة. وقال روجرز ' انهم لا يعطونا القصة كاملة ... ما هي تيارات التهديد، من الذي ينبغي أن نقلق بشأنه، وهل هذه الجماعات .... لا تزال تتآمر ؟ '، قال روجرز على شبكة سي أن أن.

في الواقع، إن فحصاً دقيقاً لكل من الهجمات الأخيرة على فولغوغراد الأخيرة وتفجيرات بوسطن يقدم دليلاً آخر على أمر لطالما لاحظه بعض خبراء الأمن: أن سجل الحكومة الروسية القاتم في مكافحة الإرهاب يجعلها بعيدة عن كونها شريكاً موثوقاً به.

كانت روسيا قد خاضت لسنوات حرباً عنيفة لمكافحة التمرد في جمهوريات منطقة شمال القوقاز، والتي تعج بالصراع العرقي، وتعاملت مع التهديدات الإرهابية من الجماعات الإسلامية الموجودة هناك. لكن انظروا ما هو معروف عن فولغوغراد الآن. ففي أعقاب التفجير الانتحاري في محطة السكك الحديدية الرئيسة هناك في 29 ديسمبر/ كانون الأول، جعلتنا مصادر أمنية روسية نعلم أنها قد حددت المهاجم: امرأة من داغستان اسمها أوكسانا أسلانوفا. لكن بعد أن هرعت شرطة الأمن إلى قرية أسلانوفا في داغستان لأخذ عينات من الحمض النووي من أقاربها هناك، قالت لجنة التحقيق الروسية فجأة لوكالات الأنباء الروسية إن الإرهابي المشتبه هو رجل، وليس إمرأة، ويدعى بافيل بشنكين، وهو روسي كان قد ترك عائلته في عام 2012 وكان يعيش في داغستان مع متمردين اسلاميين.

وكان بشنكين، وهو مسعف طوارئ مدرب، معروفاً جداً لدى السلطات الأمنية. وكان والديه قد اتصلوا بالسلطات الأمنية بعد أن اختفى ومن ثم أرسلوا نداءات يائسة له عبر الإنترنت لحثه على العودة الى الوطن. ونشرت قناة REN TV أيضا شريط فيديو يبدو فيه بشنكين وهو يرتدي زياً اسلامياً ويظهر أنه مع شخص في الخلفية وهو يعظه، وبدا يائساً بشدة  حيث انه أوضح أنه لن يعود إلى أسرته.

بعد تفجير السكك الحديدية، أخذ المحققون الروس عينات من الحمض النووي من والديْ بشنكين، ولكنهم قرروا، حتى قبل حصولهم على النتائج، ومن دون تفسير، أنه، هو أيضا، لم يكن الانتحاري. ومنذ ذلك الحين ورجال الأمن يقومون باعتقالات واسعة في حملة طالت جميع أنحاء فولغوغراد، إلا أن الحكومة لم تعلن عن اتهامات رسمية ضد أي من المشتبه بهم في أي من التفجيرين.

أما الأمر الأكثر إثارة للقلق، فهو أن تفجيرات ديسمبر في فولغوغراد كان يمكن توقعها أو حتى احباطها لو أن جهاز الامن الفيدرالى (FSB) لم يفشل التحقيق في تفجير انتحاري منفصل على عربة ترام في نفس المدينة في وقت سابق وذلك قبل شهرين فقط. ففي ذلك الهجوم الذي وقع في 21 تشرين الاول/ اكتوبر، قتلت انتحارية ستة أشخاص وأصيب عدد كبير آخر بجروح. وفي غضون دقائق من الانفجار، حدد المحققون الانتحاري وأعلنوا أن زوجها العرفي، ديمتري سوكولوف، ربما كان هو من أعد القنبلة. وكان سوكولوف مراقباً منذ فترة طويلة من جانب جهاز الأمن الفيدرالي (FSB )- فقبل عام، كان قد نشر شريط فيديو على شبكة الإنترنت معلنا التزامه بالإسلام المتشدد. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر عندما حاصر  جهز الأمن الفيدرالي ( FSB ) منزله في داغستان حيث كان يتحصن مع خمسة مسلحين آخرين، جعل جهاز FSB والدة سوكولوف تتحدث معه على الهاتف وتتوسله كي يستسلم.

من غير الواضح ما الذي تبين من بعد المكالمة. مع ذلك فقد قتلت قوات FSB سوكولوف وغيره من سكان المنزل، وهذا ما منع بالتالي وجود أي احتمال لاستجوابهم. وبشكل لا يصدق، وكما ذكر العديد من الصحفيين الروس المحترمين في وقت لاحق، كان سوكولوف قد اعتقل وأطلق سراحه مرتين من قبل السلطات المحلية - قبل وبعد هجوم  تشرين الاول/ اكتوبر. على حد تعبير المراقب السياسي المخضرم اندريه  بايونتكوفسكي:

إن ظروف حياة وموت ديمتري سوكولوف وحشية للغاية بحيث إما أن تصبح مناقشة ذلك  الأمر حدثاً محورياً في الحياة السياسية للبلد، أو أن هذا البلد لم يعد موجودا.

وقد اشار محللون روس آخرون إلى أن جهاز الأمن الفيدرالي ( FSB ) كان له مصلحة في السماح بمثل هذه الهجمات، أو حتى تسهيلها. وفي الآونة الأخيرة، أشار نيكولاي بيتروف، وهو خبير في سياسة روسيا الإقليمية وأستاذ في مدرسة موسكو العليا للاقتصاد، إلى أنه:
عندما ندرس هجمات فولغوغراد الأخيرة هذه، من الصعب ألا نلاحظ كيف كانت مخططة ومنظمة تنظيما جيداً. يبدو أنها قد تمتعت بالكثير من المساعدة اللوجستية ... بعض المسؤولين في قوات الأمن لديهم مصالح في شركات خاصة توفر الأمن للمطارات والبنية التحتية الأخرى للنقل، وهناك أرباح ضخمة تصنع في هذا المجال. لقد أصبح الإرهاب عبارة عن مشاريع وأعمال تجارية كبيرة، وهناك أناس لديهم مصلحة حقيقية ومادية في الحفاظ على استمرار الارهاب.

في الوقت نفسه، ما زالت تفجيرات بوسطن العام الماضي تثير تساؤلات خاصة بها عن أجهزة الأمن الروسية. فقد كانت السلطات الروسية قد حددت تيمورلان تسارنييف، أحد الأخوين اللذين نفذا التفجيرات، كإسلامي متطرف محتمل منذ زمن يعود إلى عام 2010. ففي شهر آذار 2011 أرسل جهاز الأمن الفيدرالي (FSB ) رسالة إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي ذكر فيها اسم تيمورلان الموجود في الولايات المتحدة طالباً المزيد من المعلومات عنه. لكن في العام التالي، عندما قضى تيمورلان ستة أشهر في روسيا، وخاصة في داغستان، الأرض الخصبة للمتطرفين الإسلاميين، لم يخبر جهاز الأمن الفيدرالي نظيره الأميركي بالأمر. فلو أن مسؤولي الـ FBI علموا عام 2012 برحلة تيمورلنك إلى روسيا، فإنهم كانوا سيراقبونه عن كثب بعد عودته إلى الولايات المتحدة، وربما كان من الممكن منعه وشقيقه من تنفيذ الهجمات.

قال لي بيل كيتنغ، عضو الكونغرس عن ولاية ماساتشوستس، الذي كان جزءاً من وفد من الكونغرس الذي ذهب إلى موسكو في مايو/ ايار لبحث سياسة الإرهاب مع المسؤولين الروس بعد تفجيرات بوسطن، بأن مسؤولي وكالة الأمن الفيدرالي ( FSB ) أصروا على أنهم لا يعرفون شيئا عن رحلة تيمورلان عام 2012. ولكن السيناتور كيتنغ قال ايضاً بأنه سمع من مصادر أخرى في روسيا أن الحال لم يكن كذلك. ( في الواقع، نشرت الصحيفة المستقلة الرائدة نوفايا غازيتا قصة التحقيق المطولة في 29 أبريل/ نيسان 2013، لتوثق بذلك الكيفية التي كان يتبع فيها ضباط الأمن المحليين حركات تيمورلان في داغستان ). وعلى الرغم من تصريحات الـ FBI بأن الوكالة كانت قد طلبت مزيداً من المعلومات من روسيا حول تسارنييف، فقد نفى المسؤولون الروس بقوة أن يكون كيتنغ وزملاؤه قد تقدموا بهذه الطلبات.

هناك الكثير من الأسئلة التي يتعين حلها بشأن بوسطن، وهذا واضح؛ فوفقاً لعضو الكونغرس كيتنغ، من المتوقع أن  تفرج لجنة مجلس النواب للأمن الداخلي عن نتائج تحقيقاتها الخاصة حول التفجيرات في غضون أسابيع. إلا أن عمليات أجهزة الأمن الروسية تكتنفها السرية، وبحسب ما يشكو المشرعون الاميركيون، فإن مسؤولي أجهزة الأمن الروسية ينفرون من مشاركة اتفه التفاصيل حتى مع نظرائهم الغربيين، ناهيك عن المواطنين الروس. إن الرد الروسي النموذجي على الهجمات الإرهابية هو الافراج عن سلسلة من المعلومات المتناقضة والمربكة، والذي يهدف إلى تقديم الأجهزة الأمنية في أفضل صورة ممكنة وتغطية أخطائها، أو حتى التواطؤ  المحتمل، في الهجمات. وعلى الرغم من الكارثة تلو الكارثة، فإنه لم يتم تحميل المسؤولية لأحد في الأجهزة الأمنية أبداً، على الأقل علناً. ونادراً ما يتم احضار قضايا الإرهاب إلى المحاكم لأنه في معظم الحالات تكون السلطات قد قتلت، بالفعل، الجناة المشتبه بهم، وعندما تحصل محاكمات فإنها تحدث خلف الأبواب المغلقة.

في هذه الأثناء، فإن شبح حصول المزيد من الهجمات يوفر ذريعة مريحة للمزيد من القمع للحقوق المدنية. فمنذ هجمات فولغوغراد، صاغ أعضاء مجلس الدوما الروسي مشاريع القوانين الجديدة لمكافحة الارهاب التي توسع بشكل كبير من السلطة الكاسحة بالفعل لوكالة الأمن الفيدرالي ( FSB )، بما في ذلك اعطاؤها سلطات أوسع للقيام بعمليات تفتيش المواطنين والسيطرة على الإنترنت. أما أحد واضعي القوانين فهو اندريه لوغوفوي، وهو ضابط سابق في FSB، والمشتبه به الرئيس في جريمة قتل الكسندر ليتفينينكو عام 2007 في لندن.
لكن التهديدات المتزايدة من جماعات العنف كان دافعها قبل كل شيء فشل الحكومة الروسية في معالجة الفقر والبطالة في شمال القوقاز، ما أدى إلى نمو سريع في حالة الغليان الديني والاثني المناهض لروسيا. فضلاً عن ذلك، أصبح من الصعب اقتفاء أثر العديد من هؤلاء المسلحين، وذلك بسبب تحويل أنشطتهم من جماعات شبه عسكرية أكثر انفتاحاً إلى خلايا صغيرة وانتحاريين منفردين. كما جندوا أيضاً عدداً أكبر من الأشخاص من أصل روسي، ما يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للسلطات لجهة استفراد المهاجمين المحتملين .

في الوقت الراهن، من غير الواضح مدى تعرض سوتشي لخطر هجوم. فالحوادث الكثيرة التي حصلت في روسيا خلال السنوات العديدة الماضية، وبقدر ما كانت مدمرة، فإنها قد حصلت في القوقاز بشكل رئيس، حيث تؤخذ حالات القتل من قبل الكرملين والعديد من الروس بخفة، ولم تهدد الاستقرار السياسي للنظام، أو حتى أضرت بمصداقية بوتين. لكن سوتشي، والعالم كله يراقب، مسألة مختلفة.

هناك الآلاف من رجال الشرطة الخاصة الذين يقومون بدوريات في الشوارع كما يوجد حوالي 30000 جندي يحرسون الحدود القريبة. وسوف تتولى أنظمة الدفاع الصاروخي Six Panzer-S حماية سماء سوتشي، إلى جانب مقاتلات وطائرات بدون طيار تابعة للقوات الجوية. كما أن زوارق الدورية التابعة للبحرية الروسية سوف تقوم بتنظيف الساحل. ويراهن بوتين بشكل كبير على نجاح دورة الالعاب الاولمبية وكذلك أجهزته الأمنية. ( مع ذلك، ومع كل مواردها الموجهة إلى سوتشي، ربما تكون السلطات الروسية قد فتحت آفاقا للإرهابيين لضرب أي مكان آخر في روسيا، والذي من شأنه أن يلقي بظلاله على الالعاب الأولمبية ).

تسعى واشنطن جاهدة، ولأسباب مفهومة، إلى تحقيق تعاون قدر الإمكان مع موسكو في الحرب على الإرهاب. لكن نظراً لتعامل روسيا المشكوك به مع الحوادث الإرهابية والسلطة من دون رقابة التي لا تزال تعطيها لأجهزتها الأمنية، فإن مثل هذا التعاون قد يخدم مصالح موسكو أكثر مما يخدم مصالح الولايات المتحدة بكثير .
(*) ترجمة إيمان سويد ـ خاص مجموعة الخدمات البحثية

موقع الخدمات البحثية