مواد أخرى » إيران ما بعد القنبلة: كيف ستتصرف طهران النووية

علي الرضا نادر(*) ـ مؤسسة RAND  ـ 2013

تمهيد
إن القلق السائد بشأن امتلاك إيران للأسلحة النووية المحتملة هو أنها ستتيح لها أن تصبح أكثر عدوانية فيتحديها لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها. إن سياسة الولايات المتحدة بفرض عقوبات على ايران في الوقت الذي تواصل به الانخراط الدبلوماسي قد أدى إلى ثني الجمهورية الإسلامية عن تطوير قدرات اسلحة نووية، لكن هذا لا يضمن الحل للأزمة النووية الإيرانية. إن هجوماً عسكرياً حتى ضد المنشآت النووية الإيرانية لا يمكن أن يمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، بل يمكن أن يؤخر فحسب هكذا تطوير. في ضوء هذا الاحتمال، يسعى هذا التقرير لاستكشاف كيف يمكن لإيران المسلحة نووياً أن تتصرف، وعما إذا كانت ستتصرف بقوة، وما يمكن أن يترتب على ذلك بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الرئيسيين الإقليميين، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي (GCC) وإسرائيل.
أُجري هذا البحث في مركز الأمن الدولي وسياسات الدفاعشعبة بحوث الأمن القومي ( NSRD).وتجري NSRD أبحاثاً وتحليلاً حول مواضيع الدفاع والأمن القومي بالنسبة للدفاع الأميركي والحلفاء، السياسة الخارجية، الأمن الداخلي، مجتمعات ومؤسسات الاستخبارات ومنظمات أخرى غير حكومية تدعم التحليل الدفاعي والأمن الوطني. لمزيد من المعلومات حول مركز الأمن الدولي وسياسات الدفاع، انظر http://www.rand.org/nsrd/ndri/centers/isdp.html أو الاتصال بالمدير (معلومات الاتصال متوفرة على صفحة الويب).
*يود الكاتب أن يشكر جيمس دوبينز، جون ليمبرت، وديفيد ثالر لاستعراضهم الدقيق والمفيد جداً لهذه الدراسة.

موجز
إن امتلاك إيران للأسلحة النووية ليس استنتاجاً حتمياً. فسياسة الولايات المتحدة بفرض عقوبات على إيران في الوقت الذي تواصل فيه الانخراط الدبلوماسي قد تكون لا تزال تعمل على ثني الجمهورية الإسلامية عن تطوير قدرات اسلحة نووية. مع ذلك، لا تضمن تلك السياسة حل الأزمة النووية الإيرانية. إن هجوم الجيش الإسرائيلي و / أو الأميركي ضد المنشآت النووية الإيرانية لا يمكن أن يمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، بل قد يؤخر فقط هكذا تطوير. وبالتالي، فإن من الحكمة أن تدرس السياسة الخارجية المحتملة لإيران، عقيدتها العسكرية، وتقديمها الدعم للإرهاب بعد حصولها على أسلحة نووية. يسعى هذا التقرير لاستكشاف الكيفية التي يمكن لإيران المسلحة نوويا أن تتصرف بها، وإذا ما كانت ستتحرك بقوة، وما سيترتب على الولايات المتحدة وحلفائها الرئيسيين في المنطقة من جراء ذلك، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي المجلس وإسرائيل.
أما النتائج الرئيسة للدراسة فهي التالية:
• إن الجمهورية الإسلامية دولة استرجاعية ( تعديلية) تسعى إلى تقويض ما تتصوره هيمنة النظام الأميركي في الشرق الأوسط. مع ذلك، لا يوجد لديها طموحات إقليمية ولا تسعى لغزو، وقهر، أو احتلال الدول الأخرى. إن هدفها العسكري الرئيس هو ردع الولايات المتحدة و / أو هجوم عسكري اسرائيلي في الوقت الذي تزعزع فيه حلفاء أميركا في الشرق الأوسط.
• من غير المرجح أن تغير الأسلحة النووية المصالح والاستراتيجيات الأساسية في إيران. بدلاً من ذلك، ربما تعزز الأسلحة النووية أهداف الأمن القومي الايراني التقليدية ، بما في ذلك ردع الولايات المتحدة و / أو الهجوم العسكري الإسرائيلي.
• قد تشعر إيران بثقة أكبر وتكتسب شعوراً بالهيبة من القدرة النووية، ولكن عوامل أخرى، مثل البيئة الجيوسياسية الإقليمية والقدرات السياسية، العسكرية والاقتصادية في إيران، سوف يكون لها تأثير أكبر على الحسابات الإيرانية.
• إن امتلاك إيران للأسلحة النووية سيؤدي إلى مزيد من التوتر بين الثيوقراطية الشيعية والملكيات السنية المحافظة. مع ذلك، من غير المرجح أن تستخدم إيران الأسلحة النووية ضد الدول الإسلامية الأخرى. فضلاً عن ذلك، إن قدرة إيران على تقويض دول مجلس التعاون الخليجي محدودة للغاية، لا سيما في ضوء تناقص نفوذ طهران الناتج عن الربيع العربي والدعم الإيراني للحكومة السورية.
• قد توفر الأسلحة النووية لإيران قوة الردع النهائي، لكن من غير المرجح أن تكون مفيدة في ممارسة القسر والإكراه على دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما في ضوء تدهور الاقتصاد الإيراني.
• إن الجمهورية الإسلامية تنظر إلى اسرائيل بمصطلحات ايديولوجية. مع ذلك، فمن غير المحتمل جداً أنأن تستخدم إيران السلاح النووي ضد إسرائيل، نظرا للتفوق العسكري التقليدي والنووي للأخيرة.
• لا تستخدم الحكومة الإيرانية الإرهاب لأسباب أيديولوجية. بل إن دعم إيران للارهاب هو بدافع حسابات الكلفة والمنفعة، بهدف المحافظة على الردع والاحتفاظ بنفوذها في الشرق الأوسط أو توسيعه.
• من غير المحتمل أن تمتد قوة ردع إيران النووية لجماعات مثل حزب الله وحماس. فلدى ما يسمى بجماعات" الوكلاء " الإيرانية مصالح متباينة عن تلك التي لطهران، لا سيما الجماعات العربية السنية مثل حركة حماس. ومن غير المرجح أن تقوم طهران أيضاً بتوفير الأسلحة النووية أو التكنولوجيا النووية إلى جماعات غير إيرانية.
• إن امتلاك إيران لأسلحة نووية سوف يخلق المزيد من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. أما التبادل النووي غير المقصود أو العرضي بين إسرائيل وإيران فهو احتمال خطير. مع ذلك، ليس هناك من دليل كبير يشير إلى أن عناصر مارقة يمكن أن يكون لديها إمكانية الحصول السهل على الأسلحة النووية الإيرانية، حتى ولو انهارت الجمهورية الإسلامية. إن عناصر النخبة السياسية، بما في ذلك محمود أحمدي نجاد ، قد يكونون مهدويين متحمسين أو مؤمنين بالعصر الألفي السعيد، لكن معتقداتهم لا ترتبط مباشرة بالأسلحة النووية ولن تشكل عملية صنع القرار النووي الايراني.

الفصل الأول
مقدمة

إن امتلاك إيران للأسلحة النووية ليس استنتاجا حتمياً. فسياسة الولايات المتحدة بفرض عقوبات على إيران في الوقت الذي تواصل فيه الانخراط الدبلوماسي ربما تكون لا تزال تعمل على ثني الجمهورية الإسلامية عن تطوير قدرات اسلحة نووية. مع ذلك، لا تضمن تلك السياسة حل الأزمة النووية. إن هجوم الجيش الإسرائيلي و / أو الأميركي ضد مرافق إيران النووية لا يمكن أن يمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، بل قد يؤخر فقط مثل هذا التطوير (براون 2013 ). وبالتالي، فإن من الحكمة دراسة سياسات إيران المحتملة بعد حصولها على الأسلحة النووية. إن إجراء مثل هذا الفحص ليس اعترافاً بأن جهود الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني سوف تفشل أو أنه ينبغي للولايات المتحدة إعطاء الأولوية لسياسة "الاحتواء" على حساب المنع. بدلا من ذلك، تحلل هذه الدراسة ما إذا كانت إيران المسلحة نوويا ستتصرف على نحو أكثر قوة وما سيترتب على ذلك بالنسبة للولايات المتحدة و حلفائها الإقليميين الرئيسيين، بما في ذلك دول مجلس التعاون وإسرائيل. ويستكشف هذا التحليل دوافع الجمهورية الإسلامية، مصالحها، ونهجها التاريخي تجاه قضايا السياسة الخارجية الهامة، بما في ذلك العلاقات مع الولايات المتحدة، دول مجلس التعاون الخليجي، وإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، يستكشف التحليل استخدام إيران للإرهاب لتحقيق أهدافها. ثم تتناول الدراسة ما إذا كان تحقيق القدرة على إنتاج الأسلحة النووية سيغير أهداف إيران التقليدية، قدراتها، وسياساتها. إن السؤال الرئيس هو ما إذا كانت إيران المسلحة نووياً ستعيد النظر في أهدافها وتعيد تقويم سياساتها. فهل ستجعل الأسلحة النووية الجمهورية الاسلامية الاسترجاعية ( التعديلية) حالياً قوة أكثرجرأة وعدوانية ؟
تفترض هذه الدراسة، ولأغراض تحليلية، أنه في غضون السنوات القليلة المقبلة، سوف تنجح إيران في تجميع وإنزال ترسانة صغيرة نسبياً-من خمسة إلى عشرة من الأسلحة النووية. وتفترض أيضاً ألا تكون الولايات المتحدة أو إسرائيل قد هاجمتا إيران قبل حصولها على قدرة إنتاج الأسلحة النووية.
يجري الفصل الثاني تحليلاً لأيديولوجية، دوافع، وعقيدة الأمن القومي للجمهورية الإسلامية. ويبحث الفصل الثالث سياسات إيران المسلحة نووياً المحتملة تجاه السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي. أما الفصل الرابع فيناقش سلوك إيران المسلحة نوويا المحتملةتجاه إسرائيل. ويستكشف الفصل الخامس علاقات إيران مع الجماعات الإرهابية بعد حصولها على الأسلحة النووية. بينما يسلط الفصل السادس الضوء على النتائج الرئيسة.

الفصل الثاني
الجمهورية الإسلامية: قوة استرجاعية ( تعديلية) ولكن مقيدة

إن القلق السائد بشأن امتلاك إيران للأسلحة النووية هو أنها تسمح لها بأن تصبح أكثر عدوانية في تحدي مصالح الولايات المتحدة وحلفائها (دونلي، بليتكا، وظريف، 2011). فضلاً عن ذلك، تكهن بعض المحللين بأن دولاً جديدة مسلحة نووياً من شأنها أن تواجه حافزاً لاستخدام الأسلحة النووية في غضون السنوات القليلة الأولى من تطوير قدراتها النووية (Ochmanek وShwartz، 2008). ويقول كثير من المحللين بأن الأسلحة النووية سوف تؤدي إلى تحول في المصالح والسياسات في إيران (Kroenig، 2012)، في حين حاجج آخرون بقولهم ان الولايات المتحدة لن تكون قادرة على ردع واحتواء إيران المسلحة نووياً (روبن، 2008). لكن الحجج والأدلة المقدمة لهذه الافتراضات غير مقنعة. فالجمهورية الإسلامية سوف تظل دولة استرجاعية ( تعديلية) في المستقبل المنظور، ولكن نيتها وقدرتها على تحدي القوة الأميركية في الشرق الأوسط سوف تكون محدودة حتى ولو حصلت على الأسلحة النووية.
إن سنوات من عدم الثقة المتبادلة بين إيران والولايات المتحدة قد تجعل من الصعب التصديق أن الاثنتين كانتا حليفتين مقربتين يوما ما في الشرق الأوسط. فقد كان شاه إيران الماضي، محمد رضا بهلوي، ينظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها شريكاً أساسياً في الحفاظ ليس فقط على حكمه لإيران ولكن أيضاً في حماية الشرق الأوسط من الشيوعية وخط العروبة الراديكالي. إن إزالة الشاه عام 1979 من قبل الثوار المناهضين للولايات المتحدة أعاد تشكيل سياسة إيران الخارجية تجاه أميركا وحلفائها في المنطقة بشكل عميق. ولكن على الرغم من أن أيديولوجية ثورية كانت هي الدافع لسياسات إيران الخارجية لأكثر من ثلاثة عقود، فلا تزال إيران على التزامها ببعض المصالح الوطنية نفسها التي اتبعها الشاه. وعلى الرغم من أن الجمهورية الإسلامية تسعى إلى قلب النظام الإقليمي الذي تقوده الولايات المتحدة، فإنها في الوقت نفسه تهتم في المقام الأول بالدفاع عن إيران من أي عدوان الخارجي بينما تستعرض قوتها خارج حدودها. قد تكون الجمهورية الإسلامية دولة استرجاعية ( تعديلية)، ولكنها تواصل العمل أيضاً على مصالح وطنية مشتركة مع دول أخرى.
إن الدافع الأساس للجمهورية الاسلامية هو البقاء على قيد الحياة. الرغبة في البقاء مسألة غير أيديولوجية بطبيعتها؛ فأي نظام سياسي أو سلطة، سواء ديمقراطية أو ثيوقراطية، يكون دافعه الغريزي هو البقاء والازدهار. إن الساسة الإيرانيين قلقون ومهتمون بالحفاظ على قوتهم الشخصية وتوسيعها بقدر اهتمامهم بتحقيق المبادئ الثورية الايرانية. إذ أن الهدف من بقاء النظام يحد من التأثيرات الأيديولوجية على السياسات الإيرانية. ولكن هذا لا يقلل من حقيقة أن الجمهورية الإسلامية معادية بطبيعتها للولايات المتحدة ، وتسعى جاهدة لتغيير النظام الجيوسياسي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. وتعود استرجاعية الجمهورية الاسلامية إلى بعض المعتقدات التي لا تتزعزع على ما يبدو والتي يتمسك بها كبار الشخصيات في الحكومة ( ثالر، نادر، وآخرون، 2010). فالمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وكبار قادة الحرس الثوري، والكثير من رجال الدين يعتقدون بأن الولايات المتحدة تعارض جذرياً ثورة 1979 في إيران، التي يرون أنها حررت إيران من هيمنة القوى الغربية التي دامت طويلاً. وتعتقد الجمهورية الاسلامية أن العداء الأميركي تجاه إيران مؤسسي، ممنهج، ونتيجة لأيديولوجيات لا يمكن التوفيق بينها ( ثالر، نادر، وآخرون، 2010).
بالإضافة إلى حماية ثورتها، تعتبر الجمهورية الاسلامية " تحرير" الدول الإسلامية المضطهدة من "الهيمنة" الأميركية إحدى مهماتها الأساسية. فوفق الدستور الإيراني، ينبغي للجمهورية الإسلامية "القضاء على الإمبريالية والنفوذ الأجنبي " في الشرق الأوسط وخارجه. وطالما أن الجمهورية الإسلامية الحالية صامدة، فسوف لن تتخلى عن المعارضة الأيديولوجية للولايات المتحدة وحلفائها، وخاصة إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي. إن العداء لأميركا عنصر أساسي من أسباب وجود النظام السياسي.
مع ذلك، تعلم الجمهورية الإسلامية بأن عليها مواصلة التنافس الاستراتيجي مع الولايات المتحدة بحذر. فطهران تعتبر أميركا القوة العظمى الوحيدة في العالم. وبغض النظر عن اثباتهم المستمر للبطولات العسكرية المزعومة، يدرك القادة الإيرانيون والمخططون العسكريون أن القوة الاقتصادية والعسكرية الأميركية تقزِّم القدرات الإيرانية. ولذا، كانت طهران حذرة لجهة مواجهة الولايات المتحدة بشكل غير مباشر من خلال أطراف ثالثة.
مع ذلك، فإن مسألة ما إذا كانت الأسلحة النووية ستغير، جذرياً، مصالح الجمهورية الاسلامية وسلوكها لا تزال قائمة. وعلى الرغم من القلق المستمر بشأن جرأة إيران المسلحة نووياً، فإن الأدلة تشير إلى أن السياسة الإيرانية في الخليج الفارسي وخارجها يمكن أن تكون أكثر تحفظاً مما هو مفترض عادة.

الدوافع المحتملة للأسلحة النووية
إن العقيدة العسكرية للجمهورية الاسلامية ذات طبيعة دفاعية. فإيران في منطقة متقلبة وغير مستقرة، بغض النظر عن التنافس مع الولايات المتحدة وإسرائيل. إن مكانتها كأمة فارسية ذات أكثرية شيعية في منطقة ذات أغلبية سنية وعربية جعلها في وضع دولة قومية قلقة معدومة الأمن. إن أي نظام سياسي إيراني، سواء إمبراطوري، ديني، أو ديمقراطي، سينظر إلى مجموعة من التهديدات الإقليمية بنفس المعايير.
لقد تضررت إيران بشدة، بشكل خاص، من حربها التي استمرت ثماني سنوات مع العراق. فالحرب التي أعادت لعب المذبحة الجماعية في حرب الخنادق أثناء الحرب العالمية الأولى، أثرت على الأمة الإيرانية بأكملها، بما في ذلك المؤيدين والمعارضين المتحمسين للجمهورية الإسلامية. وأدى الصراع إلى سقوط مئات الآلاف من الضحايا الإيرانيين، بما في ذلك العديد من الذين لا زالوا يعانون من استخدام صدام حسين للأسلحة الكيميائية. فقد كانت إيران معزولة إلى حد كبير خلال الحرب، وذلك عائد جزئياً إلى موقف الجمهورية الاسلامية المعادي للغرب، واحتجازها لموظفي السفارة الامريكية كرهائن، ومحاولاتها تصدير الثورة الإيرانية إلى البلدان المحيطة بها. وقد دعمت معظم الدول الغربية والقوى العالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، والاتحاد السوفياتي، الجيش العراقي ( هيرو ، 1991 ).
قد يكون أحد أهم الدروس التي تعلمتها إيران من الحرب ضرورة الاكتفاء الذاتي العسكري. فقبل الثورة، كانت إيران قد اعتمدت على الولايات المتحدة لتجهيز وتدريب جيشها، وخاصة القوات الجوية والبحرية. وأدت نهاية التحالف الأميركي - الإيراني وعزل الغرب لإيران إلى تطوير صناعة الدفاع المحلية التي سرعان ما انتجت الصواريخ الباليستية، الدبابات، المقاتلات النفاثة، والغواصات الصغيرة.
في كل الأحوال، قد تكون الهجمات الكيميائية والصاروخية المستمرة من جانب العراق ضد القوات والمدن الإيرانية قد أدت بالقادة الإيرانيين إلى النظر في تطوير أسلحة الدمار الشامل (WMD) وربما الأسلحة النووية. ففي رسالة إلى المرشد الأعلى آية الله روح الله الخميني في عام 1988، ذكر محسن رضائي، قائد الحرس الثوري للقوات المسلحة في ذلك الوقت، أنه لا يمكن الفوز بالحرب مع العراق إلا من خلال تطوير الأسلحة المتقدمة. وبحسب تعبير رضائي، " إذا ما أصبحنا قادرين على تنظيم 350 لواء من المشاة، وتمكنا من شراء 2500 دبابة، 3000 مدفع، و 300 طائرة حربية، فسوف نكون قادرين على تصنيع أسلحة ليزر وأسلحة نووية هي في الوقت الحاضر من بين ضرورات الحرب الحديثة، بعدها يمكننا التفكير، إن شاء الله، بالأنشطة الحربية الهجومية " ( النفيسي ، 2006). أما برنامج الطاقة النووية الايراني الذي كان قد بدأ بمساعدة الولايات المتحدة وأوروبا في عهد الشاه، فقد توقف خلال الحرب مع العراق. إذ لم يكن لدى إيران الموارد اللازمة لمواصلة البرنامج، ومن الجائز أن آية الله الخميني كان معارضاً حقاً لتطوير و/ أو استخدام الأسلحة النووية ( إرليخ ، 2007 ).
مع ذلك، فقد استأنفت إيران برنامجها النووي في أعقاب وقف إطلاق النار مع العراق. وأدت وفاة الخميني في عام 1989 بالجمهورية الإسلامية إلى إعادة النظر في معارضتها " الدينية " لتطوير أسلحة نووية. وبحسب ما ورد، فقد أصدر القائد الايراني الحالي، آية الله علي خامنئي، فتوى تحرم استخدام الأسلحة النووية. في كل الأحوال، إن ذلك الحكم ( الفتوى) قد لا يحول دون تطوير أو تجميع هذه الأسلحة. فضلاً عن ذلك، قد يكون لدى خامنئي السلطة لمراجعة أو إعادة تفسير حكمه بالنظر إلى مصلحة النظام (أيزنشتات وخلجي، 2011 ).
ربما يكون الدافع وراء سعي إيران لتخصيب اليورانيوم قد تم بسبب المخاوف الاقتصادية. وكانت كل من الملكية والجمهورية الاسلامية على بينة من اعتماد إيران المفرط على النفط. ففي عام 1974 أعلن الشاه، الذي كان قد خطط لبناء ما يصل الى 23 محطة نووية بمساعدة الولايات المتحدة، أن "البترول مادة نبيلة، مادة قيمة جداً لتحرق... نحن نضع في تصورنا إنتاج، وفي أقرب وقت ممكن، 230000 ميجاوات من الكهرباء باستخدام المحطات النووية "(" الفوضى الحرجة "، 2008).
يمكن للطاقة النووية أن تقلل، من الناحية النظرية، بعضاً من التبعية الإيرانية وتعمل على تحرير المزيد من النفط والغاز الطبيعي المعد للتصدير. لكن القيمة العسكرية لحيازة الأسلحة النووية، أو على الأقلامتلاك القدرة على إنتاج أسلحة نووية إذا دعت ومتى ما دعت الحاجة، لم تكن لتغيب عن ذهن القيادة الايرانية خلال الحرب مع صدام حسين. فمن وجهة نظر طهران، يمكن للأسلحة النووية أن تكون بمثابة الشكل النهائي للردع ضد كل الخصوم المحتملين. وإلا، كيف يمكن لايران المعزولة أن تردع هجوماً آخر من قبل عراق - صدام أو خصم مماثل آخر؟ وقد استهدف المفاعل النووي العراقي أوزيراك من دون جدوى من قبل إيران خلال الحرب، وذلك في سبتمبر/ أيلول عام 1980، قبل تدميره بنجاح من قبل إسرائيل في العام التالي (بيريس وتسيدون -تشاتو، 1995؛ كوريل، 2012). وعلى الرغم من وقف إطلاق النار عام 1988، ظل صدام ونظامه يكرسون أنفسهم لتطوير واستخدام أسلحة الدمار الشامل، بما فيها الأسلحة النووية ( براندز وبالكي، 2001).
إن الهزيمة الأميركية المدمرة للقوات العراقية في عام 1991 قد تكون عززت فحسب إيمان الجمهورية الإسلامية بالردع النووي. فالجيش العراقي، الذي لم تكن ايران قادرة على هزيمته لمدة ثماني سنوات طويلة، دُمر من قبل سلاح الجو الاميركي في غضون أيام. وعلى الرغم من أن النزاع لم يسفر عن الاطاحة بصدام حسين، فقد كان بإمكان واشنطن أن تسير نحو بغداد بسهولة نسبياً لو اتخذ القرار للقيام بذلك. فماذا ستكون فرصة إيران في مواجهة قوة الولايات المتحدة عندما بالكاد تمكن العراق من إحداث تأثير في القوة الماحقة الأميركية؟ وربما تكون العمليات الجوية الأميركية اللاحقة، مثل الضربات الجوية ضد القوات الصربية في عاميْ 1995 و 1999، قد عززت أيضاً الشعور الإيراني بانعدام الأمن العسكري لديها.
لكن الغزو الاميركي لأفغانستان عام 2001 والإطاحة بصدام حسين عام 2003 كانا، ربما، ما زاد حقاً من القيمة المتصورة للرادع النووي بالنسبة للجمهورية الإسلامية. ففي تلك الصراعات، لم تستخدم الولايات المتحدة قواتها العسكرية المتفوقة لهزيمة خصومها في ساحة المعركة، بل حققت، وبشكل فعال، تغيير النظام في كلا البلدين.
حاصرت القوات الأميركية إيران من جميع الجوانب. فضلاً عن ذلك ، لقد بدت إدارة جورج دبليو بوش وكأنها تتبنى سياسة تغيير النظام في إيران؛ فتصنيف بوش لإيران عام 2002 كعضو في " محور الشر " جعل طهران أكثر توجساً من أي وقت مضى ( Heradstveit و Bonham، 2007 ).
اتخذت الجمهورية الاسلامية بالفعل عدداً من الخطوات لتخفيف حدة التوتر مع الولايات المتحدة بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر/ أيلول 2001. كانت حكومة الرئيس محمد خاتمي متعاونة بشكل خاص في مساعدة الولايات المتحدة على تشكيل الحكومة الأفغانية الجديدة بقيادة الرئيس حامد كرزاي، كما عرضت التعاون في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق ( دوبينز، 2007). فضلاً عن ذلك، أشارت تقديرات الاستخبارات الوطنية الأميركية لعام 2007الوطنية حول إيران إلى أن طهران أوقفت برنامجها للأسلحة النووية في عام 2003، ربما بسبب الخوف من الغزو الاميركي ( أولبرايت وبرانان، 2012 ) .
في كل الأحوال، يبدو أن الموقف العدائي لإدارة بوش تجاه إيران، بما في ذلك رفضها " التحدث مع الشيطان" ( " رفض واشنطن التنازلات الإيرانية "، 2007)، قد أدى إلى أن تسوء رؤية خامنئي حول الحوار مع الولايات المتحدة أكثر. فقد أثبتت التجربة لخامنئي أن " المقاومة " أفضل وسيلة للتعامل مع"الشيطان الأكبر" ( حافظي وكلانتري، 2012 ؛ سجادبور، 2008 ). وأدى فيما بعد انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيساً للبلاد في عام 2005 إلى سياسات أكثر تشدداً وأقل مرونة، وخاصة فيما يتعلق بالبرنامج النووي.
من غير الواضح تماماً كيف ساهمت تجربة إيران في ذلك الوقت في صنع القرار النووي. وتحكم اجهزة الاستخبارات الاميركية بأن الحكومة الايرانية لم تتخذ القرار ببناء أسلحة نووية ( كلابر، 2012 ). مع ذلك، يبدو أنها عازمة على تطوير المعرفة والبنية التحتية لقدرات الاسلحة النووية. قد يكون قرار طهران بالقيام بذلك قد تشكل بسبب إيمان خامنئي بمقاومة الولايات المتحدة في مواجهة الضغوط المستمرة.
فضلاً عن ذلك ، قد تكون التهديدات الأميركية والإسرائيلية بالحفاظ على " جميع الخيارات مطروحة على الطاولة "، بما في ذلك الضربات العسكرية ضد إيران ( " يقول أوباما درس جميع الخيارات "، 2011)، قد زادت حتى من دوافع الحكومة الإيرانية سعياً وراء الحصول على قدرات اسلحة نووية محتملة. ويبدو أن آية الله علي خامنئي مؤمن بأن معارضة الولايات المتحدة للجمهورية الإسلامية دائمة وذات دوافع أيديولوجية. وحتى لو رغبت إيران باتفاق دبلوماسي مع الولايات المتحدة، فإنها قد تكون مترددة في التخلي تماماً عن خيار وجود نوع من الأسلحة النووية الرادعة، خاصة بالنظر إلى نجاح الولايات المتحدة في إسقاط أنظمة إسلامية (أفغانستان، العراق وليبيا ) من خلال القوة العسكرية.
إن الإطاحة بالرجل القوي الليبي معمر القذافي والمعارضة الغربية للنظام السوري، أقرب حليف لإيران في المنطقة، قد يُضافان إلى إحجام إيران عن التوصل إلى حل وسط حول البرنامج النووي. وفي ملاحظاته بشأن عمليات الولايات المتحدة وحلف شمال الاطلسي ضد القذافي وقرار الدكتاتور الليبي بالتخلي عن برنامجه النووي الناشئ قبيل الإطاحة به، قال آية الله خامنئي إن "هذا الرجل طوى كل مرافقه النووية، ووضبها على متن سفينة وسلمها للغرب، وقال لهم" خذوا! أنظروا أين نحن الآن، وفي أي موقع هم عليه الآن "(القائم، 2012).
من وجهة نظر خامنئي، لم تتخل الولايات المتحدة عن هدفها المتمثل في الإطاحة بالأنظمة التي تختلف مع مصالحها؛ فالإنسحاب الأميركي من العراق، والتراجعمن أفغانستان، في حين أنهما يخفضان مخاطر تغيير النظام في إيران المدفوع أميركياً من خلالالقوة العسكرية، فإنهما لم يغيرا من المصالح والحسابات الأميركية الأساسية.
وكما يشير بروس ريدل (2013):
إن أي مستشار حول شؤون الأمن القومي الإيراني قد يقول ان قدرة الأسلحة النووية هي الضامن الوحيد للاستقلال والردع. فإيران، وهذا واضح، تعيش في منطقة خطيرة، ويحيط بها العديد من الأعداء المستعدين للعمل ضدها. فكيف يمكن لإيران منعهم من القيام بعمل عسكري؟ إن السجل الحافل للعقد الماضي واضح. إذا كان لديك أسلحة نووية، لديك الردع. باكستان لديها هذه الأسلحة، وهي تردع الهند. أفغانستان والعراق لم تكونا كذلك، فغزتهما أميركا. تخلت ليبيا عن قدراتها النووية وتم غزوها.
إن البرنامج النووي، بالنسبة للجمهورية الإسلامية، ليس مجرد مسألة تتعلق بالكرامة الوطنية والتقدم العلمي أو وسيلة لعرض القوة. بل هو منغرس في النضال التاريخي للجمهورية الإسلامية مع الولايات المتحدة وعنصر هام من سعي الثيوقراطية الإيرانية للبقاء على قيد الحياة في مواجهة التحديات الخارجية والداخلية على حد سواء.

الأسلحة النووية وعدم الاستقرار الداخلي

 ربما تعتقد الجمهورية الاسلامية أنه بالإضافة إلى ردع الهجمات الخارجية، فإن بإمكان الرادع النووي أن يساعد في الحفاظ على الاستقرار والأمن الداخلي. وقد واجهت الجمهورية الإسلامية تحديات داخلية مستمرة من بداية وجودها. وشملت هذه الثورات الأقليات العرقية المكبوتة مثل الأكراد والبلوش؛ الهجمات المضادة للنظام المعلن عنها من قبل منظمة مجاهدي خلق، وربما الأهم من ذلك، الانتفاضة الخضراء في أعقاب الانتخابات الرئاسية عام 2009، ما أدى إلى استمرار أزمة الشرعية للجمهورية الاسلامية.
يعتقد آية الله خامنئي وأنصاره بأن الولايات المتحدة قد دعمت، ولعقود طويلة، جهوداً لتخريب الجمهورية الاسلامية. واتهم خامنئي باستمرار الولايات المتحدة بتقديم دعم مادي لجماعات مثل جند الله البلوشية ومنظمة مجاهدي خلق ( " انفجار مسجد إيران "، 2009 ). بالإضافة إلى ذلك، يعتقد خامنئي أن الولايات المتحدة تسعى لقلب نظام الجمهورية الاسلامية من خلال ثورة " مخملية" أو ثورة " ناعمة ". وكدليل على ذلك، غالباً ما تستشهد الحكومة الإيرانية بالثورات " الملونة" في صربيا، أوكرانيا، وجورجيا، والتي سبقتها دعم الولايات المتحدة للمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في تلك البلدان ( ميرفي، 2009) .
يعتقد المحافظون الإيرانيون، مثل خامنئي، أن التهديد الأميركي لإيران ليس فقط تهديداً عسكرياً بطبيعته، وإنما هو تهديد ثقافي أيضاً، وهذا يعني أن الولايات المتحدة تسعى لفرض قيمها " المتساهلة"، مثل حقوق المرأة، على الجمهورية الإسلامية وتقويضها من الداخل. فمن وجهة نظر خامنئي، إن الانتفاضة الخضراء عام 2009 والتيار الإصلاحي الإيراني مثلان عن مكائد الولايات المتحدة، حتى ولو لم يكن للولايات المتحدة دور حقيقي في النزاعات الداخلية حول الانتخابات الرئاسية لعام 2009.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبرالجمهورية الإسلامية البرنامج النووي بمثابة معيار لشرعيتها. وسواء كان خامنئي يدرك ذلك أم لا ، فإن النظام السياسي الإيراني قد فقد الكثير مصداقيته في أوساط الشعب الإيراني وحتى لدى النخبة السياسية والاقتصادية ( Akhlahgi ، 2012؛ نادر، ثالر، وBohandy ، 2011 ). ويعود هذا في جزء كبير منه إلى أسلوب خامنئي الاستبدادي؛ لقد حرص على تهميش شخصيات وفئات يعتبرهاً تهديداً لسلطته الشخصية؛ سواء كانوا من الإصلاحيين، المحافظين المعتدلين، أو من أنصار أحمدي نجاد. لقد حاول آية الله الخميني، سلف خامنئي، على الأقل، الحفاظ على مظهر من مظاهر الحكم بواسطة الإجماع وتوافق الآراء، في حين يبدو خامنئي غير مهتم بالنقاش أو التوافق، بل يريد أن تكون له الكلمة الأخيرة في كل قرار كبير.
فقدت الجمهورية الإسلامية الشرعية أيضاً بسبب عدم قدرتها على النهوض بأعباء الفرد الإيراني العادي. وهذا نتيجة اختلال التخطيط الاقتصادي في إيران، خصوصا في ظل إدارة أحمدي نجاد. في كل الأحوال، إن لانعدام الشفافية والفساد أثرهما على الاقتصاد أيضاً. وقد فاقمت العقوبات الدولية والأميركية من الضائقة الاقتصادية في إيران، والتي آذت الأجير العادي والعامل في المصنع أكثر بكثير مما آذت كبار رجال الدين وأفراد الحرس الثوري الأكثر ثراء بكثير. أما على المدى الطويل، فإن عجز الجمهورية الإسلامية عن القيام بأعباء السكان سيؤدي إلى تآكل شرعيتها أكثر وربما إلى اضعاف قبضتها على السلطة.
نظراً لهذه التحديات، بدأ خامنئي وأنصاره يرون ويصورون، على نحو متزايد، البرنامج النووي كمعيار لمصداقية الجمهورية الإسلامية وشرعيتها. ويرى خامنئي المنجزات العلمية في إيران، بما في ذلك التقدم النووي، بمثابة علامة على النصر في مواجهة الضغوط الأميركية. ونظراً لعزلتها التاريخية، تثمن الجمهورية الإسلامية للغاية مسألة الاكتفاء الذاتي. وأصبحت القضية النووية مسألة مبدأ ثوري في نضال الجمهورية الاسلامية القديم مع الولايات المتحدة ( تشوبين، 2010 ). إن سلطة خامنئي في أوساط الإيرانيين على المحك في نهاية المطاف.
يتخوف آية الله خامنئي، الذي يُحذر باستمرار من تكرار "فتنة" عام 2009، من أن يمثل تكرار الانتفاضة الخضراء 2009أزمة خطيرة بالنسبة لحكومته، وبالتالي، يمكن القول ان الجمهورية الإسلامية تعتبر ربما أن الأسلحة النووية توفر الأمن الداخلي من خلال ثني الولايات المتحدة عن دعم معارضيها.
في كل الأحوال، من الصعب أن نرى كيف يمكن للأسلحة النووية أن تحقق هذا الهدف. وقد أدى موقف إيران الصلب حول البرنامج النووي إلى مواجهة طهران لعقوبات هي الأقسى من أي وقت مضى والتي أدت إلى انخفاض حاد في الاقتصاد. ويبدو أن سياسة " المقاومة" لخامنئي المتعلقة بالبرنامج النووي تهدد حكومته بدلاً من حمايتها من التهديدات الخارجية. فضلاً عن ذلك، بإمكان التطوير المحتمل للأسلحة النووية أن يقود الولايات المتحدة إلى أن تصبح أكثر انخراطاً، وليس أقل، في الشؤون الإيرانية.
من غير الواضح تماماً كيف يرى الشعب الإيراني البرنامج النووي. إن مسوحات الرأي العام الإيراني، بما في ذلك مسح أجرته مؤسسة RAND في عام 2009، تبرهن الدعم الشعبي للجوانب المدنية للبرنامج النووي. في كل الأحوال، يبدو أن المعارضة لتطوير الأسلحة النووية واسعة النطاق. وقد سجل هذا المسح نفسه لـ RAND بأن 41 في المئة من المستطلعين يعارضون بشدة تطوير الأسلحة النووية و 5 في المئةيعارضون نوعاً ما ذلك (إلسون ونادر، 2011). فضلاً عن ذلك، من الصعب أن نصدق أن الإيرانيين العاديين يواصلون دعم تطوير الأسلحة النووية، أو حتى تخصيب إيران لليورانيوم لأسباب سلمية ظاهرياً، نظراً للتكاليف السياسية والاقتصادية العالية على بلدهم.
قد يكون الربط الأيديولوجي للجمهورية الإسلامية بالبرنامج النووي في غير محله. إذ يمكن للقدرة العسكرية النووية أن تردع هجوماً كبيراً من قبل قوة خارجية، لكن لن يكون للأسلحة سوى قيمة محدودة في زيادة هيبة الجمهورية الاسلامية وتعزيز سلطتها في أوساط الشعب الإيراني، ومعظمهم يشعر بالقلق إزاء قضايا الخبز والغذاء اليوم، بالإضافة إلى قضايا الحريات السياسية والاجتماعية. إن أزمة الشرعية لدى الجمهورية الاسلامية لا تعود إلى موقفها من البرنامج النووي أو علاقتها مع الولايات المتحدة الأميركية، وإنما يرجع ذلك إلى عدم ثقة شعبها المتعلم والمتطور بها. إن حيازة الأسلحة النووية لن تمحو مشاكل ومحن الحكومة الإيرانية المحلية، ولن تضع حداً للدعم الأميركي والدولي للديمقراطية وحقوق الإنسان في إيران. مع ذلك، إن التفاني الايديولوجي لخامنئي إزاء البرنامج النووي قد يزيد قيمته المتصورة بينما تتعمق الأزمة الداخلية في إيران أكثر.

الفصل الثالث
إيران النووية والخليج الفارسي

يمكن القول ان إيران المسلحة نووياً، الآمنة في قدرتها الرادعة، يمكنها مواصلة هدفها بطرد الولايات المتحدة من الخليج الفارسي عن طريق إضعاف أنظمة المنطقة الموالية لأميركا. فلطالما كان العداء الإيديولوجي والجيوسياسي للجمهورية الإسلامية تجاه دول الخليج العربية واضحاً. فقد تسارع التنافس الإيراني- السعودي، أحد الخصائص السياسية المحددة في الشرق الأوسط، بسبب التوسع المتصور لقوة إيران من العام2003 وحتى 2009 وبسبب الطبيعة الطائفية المتزايدة للربيع العربي. لقد أدى سعي طهران النووي إلى اتساع الهوة بين إيران وجيرانها العرب، كما أدى إلى وجود قلق حاد في الرياض وأبو ظبي، وذلك من بين عواصم أخرى.
مع ذلك، إن مخاوف دول الخليج العربية من إيران، حتى لو تسلحت بالسلاح النووي، قد تكون مبالغاً فيها. فعداء الجمهورية الاسلامية تجاه الحكومات الملكية العربية متجذر في التنافس العربي- الفارسي التاريخي وفي ايديولوجية طهران الاسترجاعية. لكن الجمهورية الاسلامية تحتويها بعض الحقائق التي لا يمكن تجنبها: انها ليست مؤثرة جداً في أوساط سكان الخليج العربي، حتى بين الأقليات الشيعية. إن قدرة طهران على تخريب وتقويض دول مجلس التعاون الخليجي محدودة وقد ضعفت من جراء الربيع العربي (كاي ووهري، 2011 ).
ترتبط إيران أيضاً بجيرانها العرب في الخليج اقتصادياً، ولهذا السبب سوف تتردد بالقيام بعمل عسكري عدواني مثل " إغلاق " مضيق هرمز. قد ترغب إيران في أن تكون القوة المهيمنة في الخليج الفارسي، ولكن قدرتها على تحقيق طموحاتها مقيدة بنقاط ضعفها الاقتصادية والعسكرية التقليدية. فالأسلحة النووية حتى لن توفر لها القدرة على تغيير ميزان القوى في الخليج الفارسي، والذي شكله، في المقام الأول، التحالف الأميركي - دول مجلس التعاون الخليجي وتفوقه العسكري والاقتصادي الساحق على الجمهورية الاسلامية.

العداء الثوري وعلاقات حسن الجوار
تحمل الجمهورية الاسلامية ازدراءاً خاصاً للمملكة العربية السعودية والحكومات الملكية لدول الخليج الحليفة.ويرجع ذلك جزئياً إلى التنافس التاريخي بين إيران والعرب عبر الخليج الفارسي. فقد كانت الإمبراطورية الفارسية ذات يوم قوة عظمى قبل أن تغزوها الجيوش العربية الإسلامية وتهزمها في القرن السابع الميلادي. وعلى الرغم من تحولها إلى الإسلام، فقد تكون الروح الجماعية الإيرانية لا تزال تتوق لاشراقة تفوُّق فقدتها قبل نحو 1400 سنة.
كانت إيران والمملكة العربية السعودية متنافستين حتى خلال عهد الشاه، على الرغم من أن البلدين كانا حليفين للولايات المتحدة، وكان كل منهما حذراً من نوايا الآخر. فالسعوديون، على وجه الخصوص، كانوا مستائين من مكانة الشاه الأعلى منهم في ترتيب قائمة التسلسل الموالية للولايات المتحدة. لكن الثورة في ايران عام 1979 أدخلت بعداً جديداً على التنافس الفارسي- العربي التاريخي.
كان الثوار الشيعة في إيران ينظرون إلى المملكة السعودية باعتبارها حجر الزاوية في الباكس-أمريكانا الإقليمية. لقد كانت سيطرة الأسرة السعودية على مكة المكرمة والمدينة المنورة وتبنيها للعقيدة السنية الوهابية المتشددة تحدياً خاصاً بالنسبة للجمهورية الإسلامية، التي كانت تعتبر نفسها قائداً طبيعياً للعالم الإسلامي. وكان آية الله روح الله الخميني، قائد الثورة الإيرانية، عدائياً بشكل خاص تجاه آل سعود .
اتهم الخميني آل سعود بـ " تشويه الروح الإسلامية ... لقد تحول النظام الملكي السعودي ليصبح في مدار الفلك الأميركي تماماً ولتصبح المملكة العربية السعودية متأمركة بسرعة في كل جانب من جوانبها ". وقال أيضا، إن " مكة الآن في أيدي مجموعة من الكفار الذين لا يدركون، وبشكل فادح، ما ينبغي القيام به" ( Fürtig ، 2009) .
مع ذلك، فقد انتهجت إيران والمملكة العربية السعودية سياسة تعايش متوترة. مع ذلك نادراً ما كانت سياسة مواجهة على الصعيد العسكري. وكثيراً ما لعبت المنافسة بين الاثنين بطريقة غير مباشرة من خلال قوى "بالوكالة" في المنطقة، سواء في لبنان، سوريا والعراق، أو حتى في أفغانستان. مع ذلك، لم تكن أي منهما قوية بما يكفي لتهميش الأخرى تماماً. وعلى الرغم من أن سياسة إيران تجاه المملكة العربية السعودية متجذرة في الأيديولوجية الثورية، فقد كان سلوك طهران نحو الرياض ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى يرتكز في بعض الأحيان على الواقعية والسياسات الدقيقة غالباً وكانت أحيانا تنتقلللتهديدات وتتخبط في مواقف انهزامية.
أدت نهاية الحرب بين إيران والعراق في عام 1988، ووفاة الخميني في عام 1989، وصعود آية الله علي أكبر رفسنجاني الأكثر براغماتية إلى الرئاسة في نفس العام إلى ذوبان الجليد والتوتر بين البلدين. وكانت نظرة رفسنجاني للسعودية أقل أيديولوجية من تلك التي لدى معظم النخبة السياسية الإيرانية. فقد كان رجل الدين القوي والعديد من المحافظين المعتدلين الموالين له يرون بإعادة البناء الاقتصادي الايراني بعد الحرب بمثابة أولوية قصوى لديهم ( مسلم ، 2002). وأدركوا أيضاً أن محاولات الجمهورية الإسلامية لتصدير الثورة لم تنجح إلى حد كبير، هذا إن لم تكن قد جاءت بنتائج عكسية ( Moshaver ، 2003) .
 اضطرت إيران، غير القادرة على هزيمة العراق المدعوم من قبل معظم القوى العالمية والاقليمية الرئيسة، إلى القبول بوقف مذل لإطلاق النار. فإيران، وببساطة، لا يمكنها أن تكون عدوة مع الكثير من الدول في نفس الوقت. وقد تواصلت سياسة انفراج العلاقات لرفسنجاني مع المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي مع خلفه الرئيس محمد خاتمي ( 1997-2005 ) .
لقد ساعد التقارب بين الجمهورية الإسلامية وخصومها التقليديين، بما في ذلك المملكة العربية السعودية الأجندة الإصلاحية السياسية والاجتماعية لخاتمي. وكان خاتمي أحد أقل الشخصيات الحكومية راديكالية في السياسة الخارجية. فرؤاه الدينية الليبرالية نسبياً ووجهات نظره السياسية كانت تتناقض مع النظرة الأصولية والعقائدية لمنافسيه المحافظين. فضلاً عن ذلك، إن عدم تكوين خاتمي لارتباطات وصلات مع جماعات إرهابية وانفصالية جعلت منه محاوراً مناسباً نسبياً لدى صناع القرار السعوديين.
مع ذلك ، لم يكن أي من خاتمي أو رفسنجاني قادراً على القيام بإعادة توجيه كامل لسياسة إيران نحو المملكة العربية السعودية. وكان هذا يعود، وإلى حد كبير، إلى النظام السياسي الإيراني العنيد والفئوي. ونادراً ما كان رؤساء الجمهورية الاسلامية في موقع قيادة السياسة الخارجية للبلاد. فالمرشد الأعلى يعين معالم حدود اللهجة ومضمون السياسة ويتخذ القرارات الأكثر أهمية. إن قدرة الرئيس على تشكيل السياسة الخارجية محدودة أيضاً بسبب الفئات المتنافسة، مراكز السلطة، والمؤسسات غير الرسمية ( كامرافا، 2007 ). وكان على كل من رفسنجاني وخاتمي اجتياز المعارضة من جماعات الضغط الأصولية وأحياناً تجنبها. بالإضافة إلى ذلك، لقد أعاق المتشددون داخل المؤسسة العسكرية والأمنية الإيرانية، وخاصة الحرس الثوري، قدرة السلطة التنفيذية على تشكيل وتنفيذ السياسة الخارجية ( كامرافا، 2007 ). بالتالي لم تصل العلاقات الإيرانية السعودية أبداً إلى مستوى التقارب الكامل. وأدى انتخاب أحمدي نجاد رئيساً للبلاد في عام 2005 إلى محو أي جهد نحو تحقيق الاسترخاء في تلك العلاقات، وبشكل فعال.
لقد أصبحت سياسة أحمدي نجاد الشعبوية، وأسلوبه المنمق، والتوقعات الأصولية الدينية الشيعية هي ما يشكل سياسة إيران الخارجية منذ عام 2005 إلى يومنا هذا.
لم يعط أحمدي نجاد رسمياً دوراً أكبر من دور أسلافه في السياسة الخارجية. لقد كان، كرفسنجاني وخاتمي، مقيد السلطة من خلال النظام السياسي الإيراني. مع ذلك، فقد تعاطف خامنئي مع سياسة أحمدي نجاد "المقاومة" ضد الولايات المتحدةونظر إليها بصورة أكثر إيجابية من سياسة خاتمي التي اعتبرها ضعفاً في مواجهة الضغوط الأميركية. لقد كان اعتقاد المرشد الأعلى بأن أحمدي نجاد سوف يتبع أجندته أحد الأسباب التي جعلت خامنئي يحبذ وصوله الى الانتخابات الرئاسية عامي 2005 و 2009 (خلجي، 2012A).
وجد السعوديون و العرب من دول الخليج الأخرى أحمدي نجاد محاوراً صعباً. لقد أقلق أسلوبه الشعبوي، ومعارضته الصاخبة للولايات المتحدة وإسرائيل، ودعمه القوي للقضية الفلسطينية، والموقف العدواني بشأن البرنامج النووي نخبة المحافظين السعوديين بشكل عميق.
 أدت التطورات الإقليمية إلى المزيد من تآكل الثقة المحدودة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية. فتمكين الولايات المتحدة للشيعة العراقيين وهيمنة الأحزاب الشيعية الموالية لإيران، التي كانت ذات يوم في المنفى في طهران، عمق الشكوك السعودية إزاء النوايا الإيرانية. وقد نظر السعوديون وحلفاؤهم إلى القوة المتنامية لحزب الله في لبنان، وبروزه من حرب 2006 مع إسرائيل باعتباره أحد الأطراف العربية الأكثر شعبية، واحتلال حماس لغزة عام 2007 على أنها علامات على صعود إيران السريع ( جونز، 2011). وكان ينظر إلى موقع إيران الإقليمي المتميز، راديكالية أحمدي نجاد، والتقدم النووي لطهران على أنها تشكل تهديداً وجودياً لنظام الحكم في السعودية وشركائها في الخليج ( هري وآخرون، 2009) .

القدرة محدودة لتخريب دول مجلس التعاون الخليجي
جعل الربيع العربي المملكة العربية السعودية وحلفاءها في الخليج أكثر قلقا حول إيران من أي وقت مضى. وقد اهتزت النخبة السعودية، وبشكل خاص، من الانتفاضة التي يقودها الشيعة في البحرين ضد آل خليفة الأسرة الحاكمة. فلطالما كان الشيعة في البحرين، الذين يشكلون الغالبية العظمى من سكان المملكة -الجزيرة المملكة، مستائين من قمع النظام الحاكم السني المنهجي لعلاقاتهم السياسية والاقتصادية. وقد تدفق الشباب في البحرين، بوحي من الانتفاضات في تونس و مصر، إلى الشوارع في تظاهرة احتجاج في يناير/ كانون الثاني 2011 ، لكن تم سحقها من قبل الحكومة البحرينية، في نهاية المطاف، بواسطة التدخل المسلح من جانب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
تدعي الحكومتان السعودية والبحرينية، على حد سواء، أن ايران هي التي وجهت الانتفاضة؛ ووفقاً للحكومتين، إن الاضطرابات في البحرين وفي المنطقة الشرقية ذات الغالبية الشيعية في المملكة العربية السعودية لا تعود إلى التمييز الديني والسياسي والاقتصادي المنهجي ضد الشيعة وإنما هي نتيجة للمكائد الإيرانية ( هري ، 2012 ).
هناك أدلة قليلة جداً تثبت هذه الادعاءات. ولكي نكون منصفين، فقد وفرت الجمهورية الإسلامية الدعم للجماعات الشيعية السعودية والبحرينية في السنوات الماضية. لقد كانت إيران على علاقة بمؤامرة 1981 للإطاحة بالنظام الملكي البحريني من قبل الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين ( Nikou ، 2011 ). كما أن للجمهورية الإسلامية علاقات مع عدد من الجماعات الشيعية الأخرى في المملكة العربية السعودية وعلى امتداد شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك الحوثيين في اليمن ربما ( شميت و ورث، 2012). مع ذلك فإن الادعاء بأن إيران هي سبب الاضطرابات العربية في الخليج الفارسي أمر بعيد الاحتمال .
إن النفوذ الإيراني في أوساط الشيعة العرب في الخليج ليس كبيراً كما يُصور في كثير من الأحيان. فمعظم شيعة الخليج لا يعتبرون آية الله علي خامنئي مرجع تقليد، ويختارون بدلاً عنه آية الله علي السيستاني في العراق، من بين رجال دين آخرين (Ghosh،2011؛ Louer ، 2009). قد يكون السيستاني إيراني المولد، لكنه ليس مؤيداً قوياً لأيديولوجية ولاية الفقيه الإيرانية.
زعمت دولة الإمارات العربية المتحدة أيضاً أن إيران تسعى لتقويض نظامها السياسي. إن علاقات إيران مع الإمارات العربية المتحدة متوترة على نحو متزايد. ولا تخشى الإمارات العربية المتحدة فقط ظهور إيران المسلحة نووياً العازمة على الهيمنة الإقليمية وإنما تشعر بالقلق أيضاً بشأن محاولات إيرانية لتقويض نظامها السياسي. وكانت الحكومة الإماراتية غير مستقرة للغاية بسبب الربيع العربي وما تعتبره بأنه الرد الأميركي غير الصحيح على الانتفاضات المصرية والبحرينية. إنها تميل إلى خلط المشاكل المحلية مع بؤس الأحداث الإقليمية والتهديد المحتمل من إيران.
قد تكون الإمارات العربية المتحدة غنية نسبياً، لكن لديها بعض نقاط الضعف الاجتماع

موقع الخدمات البحثية