مواد أخرى » دور الإرهاب والإرهاب في الحرب الأهلية السورية

برابان مايكل جينكينز ـ RAND ، مكتب الشؤون الخارجية ـ تشرين الثاني 2013


هذه المقالة نص شهادة قدمت أمام لجنة مجلس النواب للشؤون الخارجية، اللجنة الفرعية حول الإرهاب، منع الانتشار النووي، والتجارة في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013.
وهنا الشهادة كاملة:


'الرئيس بو، أصحاب المعالي شيرمان وأعضاء اللجنة الفرعية المحترمين، شكراً لكم لدعوتي للادلاء بشهادتي في هذه الجلسة، 'المجموعات الإرهابية في سورية'.
 بخلاف قصاصة ملونة موجودة على الخريطة، لم تعد سورية موجودة –  ليس هناك من حكومة سوف تكون قادرة على حكم كل سورية الحديثة في المستقبل المنظور.
&bascii117ll;    إن الحرب الأهلية في سوريا على وشك الوقوع سواء استمر بشار الاسد بقيادة الحكومة السورية أم لا، بل إن الحرب تعكس أيضاً التجاذبات الطائفية الأوسع التي تقسم البلاد والمنطقة.

&bascii117ll;    بعد 35 شهرا من القتال، ومن أصل عدد السكان البالغ حوالي 22 مليون نسمة، هناك أكثر من 100000 شخص قتلوا في الصراع؛ وما يقدر بنحو 2.2 مليون فروا إلى الخارج، في حين  أن 4.5 مليون آخرين تهجروا من مناطقهم. وتتوقع الأمم المتحدة، مع استمرار القتال، وبحلول نهاية عام 2014، أن يكون أكثر من نصف سكان سوريا يعيشون كلاجئين. هذه هي الظروف المؤدية إلى الإرهاب في المستقبل.


&bascii117ll;    وبدعم من روسيا، إيران، وحزب الله، يبدو أن قوات الحكومة السورية قد شلت حركة التمرد المنقسمة. لكن من غير المرجح أن يكون الأسد قادراً على استعادة سلطته في جميع أنحاء البلاد.

&bascii117ll;    تسيطر قوات المتمردين اسمياً على مناطق واسعة من البلاد حيث انسحبت قوات الحكومة، لكن حتى في حال سقوط الأسد، لن تكون هذه القوات قادرة أيضاً على فرض سلطتها في جميع أنحاء سوريا.

&bascii117ll;    وفي حين نما التمرد وأصبح قوة قوامها أكثر من 100000 رجل، فإن هذا الأمر يعكس العديد من الانقسامات في العالم الإسلامي الأوسع.

&bascii117ll;    فضلاً عن  ذلك، إن الدور المتنامي للعناصر الجهادية، مع أعدادهم المتزايدة خلال تجنيد المقاتلين الاجانب والانشقاقات من جانب الجماعات المتمردة الأخرى، قد أدى إلى تقسيم حركة التمرد وتثبيط الحكومات المناهضة للأسد في الغرب عن تقديم دعم عسكري كبير.
إزاء هذه الخلفية طلبت مني اللجنة تناول دور الارهاب السني والشيعي في سوريا. سوف نلقي نظرة أولاً على المنتمين لتنظيم القاعدة في سوريا، ثم سننظر الى الدور الذي يلعبه حزب الله. هذا وسيعقب ذلك مناقشة أوسع عن الكيفية التي أصبح فيها الإرهاب السمة الغالبة على الحرب الأهلية في سوريا، والذي سوف يعمق التوترات الطائفية على امتداد المنطقة.

الجماعات المنتمية للقاعدة
في المعسكر السني هناك جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة- تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش) وجبهة النصرة، وكلاهما تعتبرهما الولايات المتحدة وغيرها من الدول منظمات إرهابية أجنبية (FTOs).
خاضت جبهة النصرة المعركة في يناير/ كانون الثاني 2012، بعد عام من بدء الاحتجاجات الأولى ضد النظام. ومن خلال شراستها في الميدان وفي التفجيرات الانتحارية الدرامية، اجتذبت المجموعة الدعم والمجندين لتصبح القوة المتمردة الأكثر فعالية، بحسب ما يعتبرها كثيرون.
أما داعش فهي أحدث تجسيد لتنظيم القاعدة في العراق أو دولة العراق الإسلامية، والتي ظهرت بعد الغزو الأميركي للعراق. فمنذ الانسحاب الأميركي، واصلت الدولة الإسلامية في العراق حملتها ضد الحكومة العراقية مع توسيع منطقة عملياتها لتشمل سوريا. وأدى هذا إلى اعتماد اسمها الحالي. إن استخدام داعش لمصطلح  'بلاد الشام'، في اللغة العربية، لا يشمل فقط الدولة الحديثة في سورية وإنما أيضاً لبنان، الأردن فلسطين، وبالطبع إسرائيل.
في نيسان عام 2013، أكد أبو بكر البغدادي، زعيم الدولة الإسلامية في العراق، على أن تبني مجموعته للاسم الجديد يعكس اندماج  الدولة الإسلامية في العراق وجبهة النصرة، التي ادعى أنها أنشئت ومولت من جانب الدولة الإسلامية في العراق. في حين يؤكد أبو محمد الجولاني، زعيم جبهة النصرة، ولاءه للقاعدة معترفاً بمساعدة الدولة الإسلامية في العراق في الماضي، وبأنه لا يوجد مثل هذا الاندماج. وأيد أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، استقلالية جبهة النصرة-  لكن البغدادي رفض قرار الظواهري. ويعكس الخلاف التوجه الانقسامي الموجود في تنظيم القاعدة ، خاصة وهي تقوم بانشاء مجموعات أخرى منتمية لها.
يشكل المنتمون لتنظيم القاعدة والسلفيون المتشددون غير المرتبطين بتنظيم القاعدة من 25 إلى ما يقرب من 50 في المئة من قوات المتمردين- هناك خلاف حول الأرقام. يجب على المرء أن يكون حذراً هنا. إذ يضم ' جيش' المتمردين أكثر من ألف وحدة مستقلة. وهذه الوحدات مجموعة في كيانات أكبر على أساس المعتقدات والولاء الاسمي إلى إحدى فصائل التمرد الرئيسة أو غيرها، إلا أن أعدادهم وولاءاتهم مائعة. فالمجموعات تتجمع وتنقسم . إذ ينقسم القادة الأفراد لتشكيل مجموعات جديدة. وينقل المقاتلون المتمردون ولائهم من مجموعة إلى أخرى. ونظراً للحالة الديناميكية، فإن التقييمات حياتها قصيرة. فنظام المعركة بالنسبة للمتمردين يمكن أن يستمر يوماً.
وبالمثل، فإن تحليل الهجمات الإرهابية من باب حجم العنف العالي الناتج عن الحرب الأهلية في سوريا يكاد يكون أمراً مستحيلاً. إذ يمكن تمييز تفجيرات السيارات النفخخة وعمليات الاغتيال لمسؤولين مهمين، إلا أن هناك الكثير من العنف الذي يمكن للمرء أن يصنفه، وبشكل موضوعي، كإرهاب ضائع وسط ضجيج الحرب.  وتحصي قاعدة بيانات ' ستارت' ( START) لجامعة ميريلاند 175 هجوما إرهابيا في سورية عام 2012 مع 889 حالة وفاة، وهو عدد متحفظ باعتراف الجميع. لا يمكننا أن نحدد النسبة المئوية للـ 100000 شخص الذين لقوا حتفهم في الحرب ونقول من منهم قتل في هجمات إرهابية، أو مِن قبل مَن.
في الوقت الراهن ، يبدو أن الجهاديين قد أصبحوا في طليعة التمرد. ويعزو البعض ذلك إلى الدعم الخارجي الكبير الذي يتلقونه، على النقيض من الدعم الحذر الذي يتلقاه المتمردون الأكثر علمانية من الغرب. ويعزو آخرون ' شراسة' الجهاديين للحماسة المذهبية، في حين أن هناك أولئك الذين يؤكدون أن وسائل الإعلام الغربية، الحريصة على نقل روايات مروعة عن الفظائع الجهادية  لكنها عاجزة عن التحقق من الوقائع، تبالغ بأهمية الجهاديين. من الصعب صنع حكم شامل .
أما الآن، فتمثل سوريا أفضل فرصة لتنظيم القاعدة لإثبات وجودها المستمر لإنشاء قاعدة جديدة في الشرق الأوسط. وكلما طال أمد القتال، كلما زاد الخوف في الدول المحيطة والغرب من أن يكون العناصر الذين يستلهمون نهج القاعدة قادرين على توحيد موقفهم، ما يمنحهم معقلاً جديداً يمكنهم من خلاله مواصلة عمليات إرهابية ضد الغرب.
إن التكتيكات الإرهابية، وبشكل واضح، جزء من ذخيرة المتمردين في سوريا، لكن تتصرف كل من القاعدة في العراق وجبهة النصرة أيضاً كمقاتلي حرب العصابات الكلاسيكيين إلى حد كبير. وقد ورد أنهما يديران مدارس ويقدمان المساعدات الاجتماعية للناس في المناطق الخاضعة لهما- هذه السيطرة هي بمثابة أجنة الحكم. إن التلقين جزء من البرنامج، ولكن العمل المدني يمكن أن يكون أيضاً استجابة لتكتيكات الحكومة السورية بتدمير متعمد للإمدادات الغذائية، الخدمات الطبية، وكل النشاط الاقتصادي في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون.
على الرغم من أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية  قد اعتمد دوراً مماثلاً في اليمن، وهذه أرض جديدة لتنظيم القاعدة، والتي استطاع تعصبها أن يؤدي، عادة، إلى تنفير السكان الموجودين بظل حكمها. وقد تتقاسم قيادة القاعدة المركزية وفروعها في سوريا الهدف الطويل الأمد المتعلق بتنفيذ الشريعة في جميع أنحاء العالم، لكن هناك توتر متأصل بين طليعة ثورية مستوحاة دينياً لمشروع إرهابي عالمي وبين تمرد محلي يجب عليه أن يحاول الاحتفاظ بولاء السكان المحليين.
من المحتمل أن يتبع مستقبل جبهات تنظيم القاعدة مسار حماس وحزب الله، لتصبح مؤسسات سياسية معقدة بدلاً من منظمات إرهابية بحتة. في بعض النواحي، ذلك يمكن أن يجعلها أكثر صعوبة لناحية مكافحتها؛ مع ذلك، فإنه يفتح آفاقا جديدة أيضاً. فهل يمكن أن يُفطم الجهاديون المحليون عن حملة إرهابية عالمية لتنظيم القاعدة؟ يشير التاريخ إلى خلاف ذلك.
لم يتبق، تقريباً، أي من المنتمين للقاعدة محليين. فالقيادة المركزية للمنظمة تتطلب التمسك والانتماء لخطها الاستراتيجي. فالمنتمون المحليون للقاعدة يجتذبون المقاتلين الأجانب الذين لا اهتمام كبيرا لديهم  بأمور تتعدى القتال، ويأتي المتشددون للسيطرة على القيادة. إن الهجمات على القيادة والانتكاسات في الميدان بسبب التدخل العسكري الأجنبي تحرض على الانتقام.
إن الجهاديين الأجانب يتسببون بالقلق. فقد جذبت قوات المتمردين ما بين 6000 و8000 من المقاتلين الأجانب، معظمهم من الدول العربية. ويقال إن هناك عدداً كبيراً من الشيشان، كما يقال إن هناك متطوعين من باكستان يظهرون. ويأتي ما يقدر بـ 500 من المقاتلين من الدول الغربية، وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا. ومما لا شك فيه أن هذه الأرقام ستزداد مع استمرار القتال.
إن بعض الجهاديين مصممون على القتال، ولكن البعض الآخر لا يبدون أكثر من سياح جهاديين يبقون أنفسهم بعيداً عن طريق الأذى بينما يلتقطون الصور لأنفسهم والتفاخر بها أمام  أصدقائهم عند العودة إلى الوطن على وسائل التواصل الاجتماعي. وينضم العديد من المقاتلين الأجانب إلى جبهة النصرة، ولكن مع صعود الدولة الإسلامية في العراق عالمياً بنظر الجهاديين ، فإنهم الآن قد يتوجهون نحو تلك المنظمة.
إن أوروبا قلقة حول ما قد يحدث عندما يعود هؤلاء المقاتلون إلى ديارهم، ولدى بعضهم مهارات عسكرية وخبرة قتالية، والذين قد ينخرطون ربما في أنشطة إرهابية. ولما لها من القرب والحجم، تنظر أوروبا إلى المقاتلين الأجانب في سوريا باعتبارهم يشكلون مشكلة  أكبر بكثير من تلك التي شكلها الجيل السابق من الجنود العائدين من أفغانستان.
أما الآن، فقد لا يعتبر البعض في أوروبا إغراء الحرب الأهلية السورية للجهاديين أمراً سيئاً، حيث إنها قد تسحب  بعض المتهورين الذين من شأنهم، خلاف ذلك، أن يسببوا المشاكل في الداخل ( داخل أوروبا). فضلاً عن ذلك، قد لا تكون الجماعات الجهادية في سوريا تبحث عن قتال مع الدول الغربية، التي هي معارضة أيضاً للأسد. هذا الموقف قد يتغير اذا ما تحرك الغرب أو المتمردون المدعومون من الغرب ضد الجهاديين خلال الحرب الأهلية ما بعد الأسد.
هذه ليست مشكلة فورية، حيث إن تدفق المجندين هو نحو سوريا، وليس في الاتجاه الآخر. مع ذلك، قد يجند عملاء القاعدة أفراداً من مجموعة المتطوعين الذين يصلون لتنفيذ عمليات إرهابية في الغرب. أذكر أن محمد عطا جاء أصلاً للقتال في أفغانستان لكن تم تجنيده من قبل تنظيم القاعدة لقيادة عملية 11/9.
وبحسب ما نعلم حتى الآن، لقد أتى عدد قليل نسبياً من هؤلاء المقاتلين الأجانب من الولايات المتحدة، لكن الثرثرة على وسائل التواصل الاجتماعي تشير إلى تطلعاتهم.

حزب الله
يمثل حزب الله، المعيّن أيضاً والمصنف كمنظمة إرهابية أجنبية، الجانب الشيعي. إن حزب الله عبارة عن منظمة هجينة. إنه يشغل مؤسسات ومشاريع إجرامية مربحة، في حين أنه يدير أيضاً مدارس ويوفر للطائفة الشيعية في لبنان مختلف أشكال المساعدات الاجتماعية. ويشارك المسؤولون المنتخبون من ذراعه السياسي في الحكومة اللبنانية. ويلعب حزب الله في ميدان قوته شبه العسكرية الكبيرة، التي تعتبر أقوى من القوات المسلحة اللبنانية، وقد انخرط في معركة مفتوحة ضد القوات الإسرائيلية. بل هو دولة ضمن الدولة.
يستمر حزب الله أيضا بالقيام بعمليات إرهابية. ففي عام 2012، كان نشطاؤه مسؤولين عن مؤامرات إرهابية وهجمات على أهداف إسرائيلية في أوروبا. وتزامنت هذه الهجمات مع حملة هجمات إرهابية مدبرة ومنظمة من جانب إيران على أهداف إسرائيلية في جميع أنحاء العالم. وكان حزب الله المخلوق الذي خلقه الحرس الثوري الإيراني، ولا تزال إيران مصدراً رئيساً للأموال وموارد السلاح.
إن دعم تحالفه مع ايران وسوريا وحماية طرق الإمداد عن طريق سوريا هو ما قاد حزب الله للتدخل علناً في الحرب الأهلية في سوريا. فقد جاء مقاتلو حزب الله إلى سوريا لا لتنفيذ عمليات إرهابية وإنما للقتال كقوات تقليدية.
يقاتل عدة آلاف من قوات حزب الله إلى جانب القوات الحكومية السورية. إذ توفر المنظمة المحاربين المتمرسين من ذوي الخبرة للنظام الذي يشعر بالقلق بشأن ولاء قواته السنة. وقد لعب المحاربون المتمرسون في حزب الله، وذلك بالاستفادة من خبرتهم في حرب المدن، دوراً حاسماً في انتزاع بلدة القصير الهامة من أيدي المتمردين. ويبدو أن حزب الله يلعب دوراً هاماً، إلى جانب إيران، في تدريب الميليشيات التي سوف يقع على كاهلها حصة متزايدة من عبء القتال.
لقد جاء تورط حزب الله في القتال بكلفة عالية. إن تدخل حزب الله في سوريا، والذي كان قد حاز مرة على اعجاب السنة والشيعة على حد سواء، وعلى نطاق واسع، لمقاومته لإسرائيل، يجعل منه قوة شيعية صارمة. لقد أثارت مشاركته في سوريا عنتريات متزايدة من جانب تنظيم القاعدة، الذي يعتبر جميع الشيعة زنادقة. وقد زادت التفجيرات الاخيرة لأهداف شيعية في لبنان، والتي هي من عمل المتطرفين السنة على الأرجح، من حدة التوتر.
ووفقا لبعض التقارير العلنية، يقوم حزب الله حالياً  بسحب بعض قواته من سوريا، ولكن عما إذا كان هذا الأمر صحيحا، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا، فإن الأمر غير واضح.

دور الإرهاب في الصراع السوري
لا يجب ان يكون نقاش الإرهاب في سوريا محصوراً بنظام معركة مرتبة إداريا. فقد أدى ظهور الإرهاب الدولي المعاصر في أواخر الستينات الى الجهود الدولية الرامية إلى منع التكتيكات الإرهابية من أن تصبح اسلوب التعبير السياسي أو مكوِّن مشروع للنزاع المسلح. وحقق هذا الجهد قدراً من النجاح في الحد من بعض التكتيكات الإرهابية، ولكن الحقيقة هي أن الإرهاب قد أصبح عنصراً من عناصر الحرب المعاصرة، وأظن أن الإرهاب سيكون سمة متزايدة للصراع السوري.
لا يمكن أن يبدو المتمردون وكأنهم يصنعون انتقالاً من حركة مقاومة الى قوة ميدانية قادرة على تحدي قوات الحكومة في ساحة المعركة.  ففي الوقت الحاضر، يعتبر المتمردون قادرين على الاستيلاء على مدن صغيرة والإمساك بها. يمكنهم التسلل إلى محيط المدن الكبرى، ما يضطر الحكومة لاستخدام القوة الجوية والأسلحة الثقيلة لطردهم، ما يتسبب بوقوع إصابات بالغة بين المدنيين وحصول أضرار مصاحبة. بإمكان المتمردين شن هجمات إرهابية مذهلة، تفجيرات على نطاق واسع في المقام الأول، وذلك لكسب الاهتمام وإظهار أن الحكومة لا يمكن أن تضمن الأمن، على أمل أن تخلق هذه الإجراءات وضعاً لا يمكن السكوت عنه في نهاية المطاف بحيث تقرِّب مسألة تغيير النظام من الداخل أو إثارة التدخل من الخارج. ومع عدم وجود قلق كبير حول التكتيكات التي تسيء إلى المسائل الحساسة الغربية، ينجح الجهاديون في هذا النوع من الحرب.
على الجانب الآخر، إن الحكومة السورية على اطلاع فيما يتعلق بنهجها في مكافحة التمرد بسبب تجربتها التاريخية الخاصة في قمع الثورات الإسلامية وبسبب العقيدة السوفياتية / الروسية كما استُعرضت في الحروب في أفغانستان والشيشان. إنها استراتيجية إرهاب تتميز بالدفاع الثابت عن المراكز السكانية الرئيسة و خطوط الاتصال الاستراتيجية في سورية؛ وهذا سوف يترجم إلى الدفاع عن دمشق وحلب، وغيرهما من المدن الكبيرة، الجيوب الصديقة عرقياً، والطرق السريعة الرئيسة التي تربط بينها.
 وتتميز العمليات الهجومية بالقصف الجوي والمدفعي المكثف، هدم كامل للأحياء والبلدات، الاستهداف المتعمد للمخابز ( عنصر هام من الانتاج الغذائي) والمستشفيات، وتدمير التجارة في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون. هذه التكتيكات الوحشية تخدم الغرض المزدوج المتمثل في ترويع أنصار المتمردين وتربط قوات الأسد بالنظام عن طريق جعلهم شركاء في أعمال تمنع عنهم أي مستقبل آخر بالنسبة لهم. إن الميليشيات المحلية المدعومة من قبل وحدات القوات الجوية والمدرعة،  تقوم باقتلاع مقاتلي التمرد وتنفذ تطهيراً عرقياً. إنهم الآن ' أسلحة الدمار الشامل ' في سوريا. هذه التكتيكات تسفر عن سقوط ضحايا من المدنيين وأعداد كبيرة من اللاجئين. وبمرور الوقت ، لن يبقى الجيش السوري مؤسسة وطنية، في حين ستصبح الميليشيات حماة النظام الرئيسيين والمنفذين له.
هذا الأمر له آثار على أي تدخل عسكري أجنبي في المستقبل. فتحييد القوات المسلحة السورية لن ينهي القتال. ولن يكون هناك أي جيش وطني للحفاظ على النظام لاحقاً- جرائم الحرب ستجعل من البقايا الناجين حلفاء غير مرغوب بهم. بدلا من ذلك، سوف يكون على قوات الاحتلال مواجهة مجموعة من التشكيلات العسكرية المستقلة والجماعات الإجرامية، الحاق الهزيمة بهم ونزع سلاحهم تدريجياً مع توفير الحماية للمجتمعات المحلية إلى حين إنشاء مؤسسات أمنية جديدة.

هي حرب طائفية على نحو متزايد

ما بدأ على شكل تمرد ضد نظام بشار الأسد أصبح حرباً أهلية طائفية. وكانت نفس التوترات الكامنة بادية للعيان أثناء الحرب في العراق، لكن سورية تمثل فسيفساء أكثر تعقيدا بكثير يتألف من السنة والشيعة والعلويين (الطائفة الشيعية) والمسيحيين والدروز والأكراد وغيرهم. وبينما يتم تمزيق المؤسسات الوطنية، يصبح الدفاع عن النفس والبقاء على قيد الحياة، وعلى نحو متزايد، على أساس الهويات العرقية والطائفية.
إن خطوط هذه التصدعات تتقاطع مع خطوط في الرمال رسمتها القوى الاستعمارية منذ قرن تقريباً. فالحرب الأهلية في سوريا فاقمت بالفعل التوترات الطائفية في العراق ولبنان، وهي تزيد احتمال وجود صراع إقليمي أوسع، مع تنامي الطائفية التي تؤثر على مجتمعات الشتات كذلك. فكما هو الحال في سوريا، سيكون لصراع إقليمي أوسع العديد من الطبقات - السنة مقابل الشيعة؛ الجهاديين مقابل الأنظمة القائمة، سواء العلمانية، الشيعية، أو الملكيات المحافظة؛ إيران مقابل الاردن وتركيا وممالك الخليج، وحتى تجدد المنافسة في الحرب الباردة. بطريقة أو بأخرى، سوف يكون علينا التعامل مع مخلفات الصراع في سوريا لسنوات قادمة.
(*) ترجمة إيمان سويد ـ خاص مجموعة الخدمات البحثية

موقع الخدمات البحثية