مواد أخرى » توحيد متمردي سوريا: المملكة العربية السعودية تنضم إلى المعركة

يزيد صايغ ـ (لصالح مركز كارنيغي للشرق الأوسط)

من الذي يقف وراء الموجة الأخيرة من الاندماجات والتحالفات بين الجماعات المتمردة المسلحة في سوريا؟ يشير يزيد صايغ إلى المملكة العربية السعودية. فالامر لا يقتصر على أن المملكة تريد إنشاء جيش وطني جديد مدرب خارج سوريا، إنما تريد أيضاً مواجهة التهديد الذي تمثله الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة.

أعلنت الجماعات المتمردة المختلفة السورية عن سلسلة من الاندماجات والتحالفات خلال الشهر الماضي . من الناحية النظرية، يعتبر الاتجاه بادرة طيبة تشير إلى أن تفتت المعارضة الشديد بدأ ينعكس بعد طول انتظار. إن مثل هذا التطور سيكمل بروز قلة من " الجبهات" ومجموعات الألوية المتعددة المهيمنة في التمرد المسلح خلال العام الماضي.
لكن الواقع هو عكس ذلك تماماً. فالإعلانات الأخيرة تعكس إعادة الترتيب بدلاً من التوحيد، وتكشف عن وجود منطق تنافسي يقوده التوقع بأن يكون التمويل الخارجي نذيراً لاستقطاب سياسي أكبر ولتعميق الانقسام أكثر.
هذه الدينامية المختلة لطالما أفسدت التمرد المسلح، لكن قيادة التوجه الأخير هو خطة سعودية لبناء جيش وطني جديد للمعارضة السورية. انها تهدف الى خلق قوة مدربة خارج سوريا قادرة على هزيمة نظام الرئيس بشار الأسد والتصدي لنمو الجماعات المتمردة الجهادية التابعة لتنظيم القاعدة. فالجماعات المتمردة التي تعيد تنظيم نفسها لتلقي الدعم السعودي من المفترض أن تفصح عن "وسطية" اسلامية إنما أيديولوجية سنية معلنة.
هذا الجهد السعودي لن يؤدي إلا إلى المزيد من استقطاب المتمردين. ومن المرجح أن يكون أول الخاسرين القادة المعترف بهم حالياً ـ ائتلاف المعارضة الوطنية الثورية السورية، قوات المعارضة، والمجلس العسكري العالي الحليف للجيش السوري الحر. ففي أحدث اجتماع لها في 22 تشرين أول/أكتوبر، دعت المجموعة الأساسية لـ " أصدقاء سوريا "، ومنها المملكة العربية السعودية التي هي عضو فيها، الائتلاف الوطني للالتزام بتمثيل المعارضة السورية في مؤتمر جنيف 2 للسلام المقرر عقده أواخر تشرين الثاني/نوفمبر. لكن العديد من التحالفات الجديدة للمتمردين، بما في ذلك أولئك الذين يتلقون الدعم السعودي  المتصاعد، قد سحبوا بالفعل اعترافهم بالائتلاف الوطني والمجلس العسكري الأعلى، أو هددوا بذلك، رداً على الاستعداد المفترض لحضور المؤتمر.
وفيما عدا التزام المتمردين المدعومين من قبل السعودية باستراتيجية سياسية متفق عليها وشراء حصة تمثلهم في الائتلاف الوطني، فإن من المرجح أن يعاني هؤلاء من نفس النقص في التماسك والقدرة كأولئك الساعين لأن يحلوا محلهم. وبتمويلها مجموعتها الخاصة المختارة من المتمردين، تخاطر المملكة العربية السعودية باغلاق نوافذ الفرص بعنف وتقويض أهدافها في سوريا.

تحول المملكة العربية السعودية إلى حالة تأهب قصوى
إن التحول إلى موقف أكثر حزماً بشأن الأزمة السورية يعكس استياء وفزع القيادة السعودية من الاتفاق الأميركي ـ الروسي حول تفكيك قدرات سورية من الأسلحة الكيماوية. فالجهد يزيل، وبشكل فعال، شبح العمل العسكري بقيادة الولايات المتحدة ضد النظام ويحتمل تأهيل الأسد كشريك للمجتمع الدولي. فلطالما كانت الرياض تدفع باتجاه خط أكثر تشدداً. أما الاحتمال الإضافي لتفاهم أميركي ـ إيراني حول الملف النووي فقد جعل القيادة السعودية أكثر شراسة وعزماً فحسب على إسقاط الأسد.
كان أول مؤشر علني على نوايا المملكة العربية السعودية هو بيان 8 آب/أغسطس الذي أدلى به رئيس التحالف الوطني، أحمد الجربا ـ باعتباره مرشحاً سعودياً ـ بأنه يعمل مع الجيش السوري الحر لتشكيل قوة موحدة مؤلفة من 6000 رجل لمواجهة أمراء الحرب العاملين في المناطق المحررة. وكشف أعضاء التحالف الوطني الآخرون أن القصد من هذه القوة هو أن تكون نواة لجيش الوطني تبلغ قوته ما بين 7000 ـ 10000 رجل، بما في ذلك، 6300 من المنشقين عن الجيش كانوا قد لجأوا إلى الأردن وتركيا.
وبحسب المطلعين السعوديين، فقد كان التدريب المشتمل على 5000 من المتمردين جارياً بالفعل في الأردن لعدة أشهر بمساعدة مدربين باكستانيين، فرنسيين، وأميركيين، على الرغم من أن مصادر أردنية على صلة جيدة بالموضوع أشارت إلى أن العدد أقل من ذلك بكثير. في أي حال، لا يمكن توقع الكثير من المنشقين، الذين اختاروا مغادرة سوريا وبقوا منذ ذلك الحين في مخيمات للضباط معزولة في المنفى. قد يكون هذا الأمر أثر في تفكير وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بن عبد العزيز، والمدير العام لأجهزة الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز، ونائب وزير الدفاع الأمير سلمان بن سلطان بن عبد العزيز، الذين تم نقل الملف السوري إليهم. إن خطتهم، وهم  الصقور المتشددون حول سوريا، هي بناء جيش من المتمردين قوامه ما بين 40000 ـ 50000 رجل بتكلفة تصل إلى "عدة مليارات من الدولارات "، وفقا للمطلعين.
يبدو أن الخطة قد نوقشت، على الأقل في المخطط العام، من قبل وزراء خارجية المملكة العربية السعودية، الأردن، والإمارات العربية المتحدة، الذين التقوا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في 13 أيلول/سبتمبر. وأدى ذلك إلى اتفاق " لتكثيف الدعم الدولي للمعارضة الديمقراطية لتمكينها من التعامل مع هجمات النظام". وقد زار وفد سعودي رفيع المستوى باريس في وقت لاحق للتفاوض على عقود لتسليح وتجهيز كل من الجيش السوري الحر والجيش الوطني الجديد .
وفي أعقاب ما تعتبره " انشقاقاً" من جانب الإدارة الأمريكية عن ائتلاف الدول المستعدة لدعم المعارضة السورية عسكرياً، تحولت المملكة العربية السعودية إلى باكستان لتوفير التدريب للجيش الجديد. لكن هذا الأمر قد يكون صعباً، نظرا للتحديات الأمنية الوطنية الكبرى التي تواجه القوات المسلحة الباكستانية قبل انسحاب الناتو من أفغانستان وغموض العلاقة المدنية ـ العسكرية في البلاد خلال اختيار رئيس جديد للأركان العامة. وتؤكد مصادر ذات قدرة جيدة على الوصول إلى وزارة الدفاع الباكستانية وأجهزة الاستخبارات العسكرية على أن القوات المسلحة كانت مترددة بالفعل أو غير قادرة على تلبية طلب سعودي سابق بتوفير تدريب القوات الخاصة للمتمردين السوريين. فهم يعتبرون مستوى الاقتراح السعودي الجديد أهوجاً.
سوف يكون من الصعب، وبشكل حاسم، العثور على مكان ثابت يشكل قاعدة لقوات جديدة وتدريبها. إذ تشتد في الأردن المقاومة إزاء التصرف والعمل كقاعدة خلفية للمتمردين أو دعم التدخل العسكري الخارجي في سوريا، البلد الذي كان ممراً للتدريب والأسلحة بتمويل سعودي منذ أواخر عام 2012. ومنذ ذلك الحين، أصبحت المملكة الأردنية جزءاً من محور واضح مع المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة بشأن سوريا. لكن الخطة السعودية الجديدة تتطلب التزاما أردنياً على مستوى يجد معارضة له داخل أروقة المؤسسة الأمنية والعسكرية ومن غير المرجح تنفيذها.

شراء جيش ثائر جاهز
إن احتمال بناء جيش من المتمردين خارج سورية هو احتمال متواضع. أما السبيل العملي الوحيد لبناء جيش كهذا فهو دمج ورعاية الجماعات المسلحة الموجودة داخل سورية ـ لكن ذلك أيضاً بدأ يصبح أكثر صعوبة مع تحول تحالفات المتمردين وتكاثرهم.
ويهيئ العديد من الجماعات المتمردة في سوريا نفسه للحصول على التمويل والأسلحة من قبل السعودية عن طريق الإعلان عن اندماجات وتحالفات. في الواقع، لطالما كان التنافس على التمويل الخارجي هو دافع الديناميات التنظيمية داخل التمرد المسلح في سوريا. ولا يأتي كل هذا الدعم من مصادر حكومية. فهو يأتي عرفاً بالفعل من مانحين من القطاع الخاص في المملكة العربية السعودية، الكويت، والإمارات العربية المتحدة وذلك لرعاية الجماعات المتمردة التي يختارونها، في معظم الأحيان السلفيين الجهاديين، كما تشهد، وباعتزاز، صفحات الفيسبوك لهذه القوات .
إن أبرز مجموعة من بين المجموعات الجديدة التي تتلقى التمويل من الحكومة السعودية هي جيش الإسلام ، الذي تشكل في 29 ايلول/سبتمبر. وقد تأسس من قبل 43 لواء وكتيبة في منطقة دمشق تحت قيادة زهران علوش، قائد " لواء الإسلام" المحلي ( العمود الفقري لجيش الإسلام ) والامين العام لجبهة التحرير الإسلامية السورية. وعلى الرغم من أن جيش الإسلام قد نفى تقارير حول الكفالة السعودية، فإن الهدف المعلن المتمثل في " توحيد جهود جميع الفصائل... وتشكيل جيش رسمي " قد تزامن مع هدف السعودية.
جاء تشكيل جيش الإسلام، والى حد بعيد، عقب منشور جمعية العلماء المسلمين في سوريا الذي يتعلق بمقترح توحيد الجماعات المتمردة الاسلامية تحت جيش واحد هو جيش محمد، مع هدف معلن وهو بناء قوة قوامها 100000 رجل بحلول آذار/مارس 2015 و 250000 بحلول آذار/مارس عام 2016.
على الرغم من أن مثل هذا الجيش سوف يتبنى أيديولوجية وسطية وغير طائفية، وفقا لكتاب الاقتراح، فإنه سيتبع مع ذلك " مسار السنة والجماعة "، باعلانه، وبشكل لا لبس فيه، انتماءه السني. منذ ذلك الحين، ناقش جيش الإسلام تشكيل جيش محمد الشامل مع لوائي " التوحيد" و"صقور الشام" الإسلاميين المعتدلين.
لقد مضى الانقسام والتشرذم إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. فعندما أعلن علوش عن جيش الاسلام، اشتكى عدد من شركائه الرئيسيين في جبهة التحرير الإسلامية السورية من أنه لم تتم استشارتهم حول الموضوع وانسحبوا من العمليات المشتركة لمنطقة دمشق احتجاجاً على ذلك. وشكل خمسة منهم " مجموعة أمجاد  الإسلام " في 4 تشرين أول/أكتوبر. وفي مكان آخر، أعلنت، بالفعل، أربع مجموعات سلفية معتدلة في منطقة البو كمال شمال شرق سوريا عن تشكيل " جيش أهل السنة والجماعة" في 2 تشرين أول/أكتوبر.
بعد يوم واحد من تشكل جيش الإسلام، أعلنت كتيبة الحبيب المصطفى وكتيبة الصحابة عن انسحابهما، إلى جانب حركة أحرار الشام الإسلامية، أقوى فصائل التمرد في سوريا ربما، من قاعة مجلس الداعمين الكويتيين للثورة السورية في دمشق وريفها. واستشهدوا بما وصفوه هيمنة مجموعات معينة، وإقصاء أخرى، وعدم وجود رؤية متفق عليها كأسباب للانسحاب.
يبدو أن الديناميكية التنافسية قد دفعت أيضاً 106 مجموعات من الجماعات المتمردة غير الإسلامية عبر سوريا لتشكيل " اتحاد السوريين الأحرار" في 13 تشرين الأول/اكتوبر، ومرة أخرى باسم " نواة جيش المستقبل السوري ". إن غياب الخطاب الاسلامي من بيانها التأسيسي قد لا يحول دون الدعم السعودي، لكن الداعية الإسلامي البارز الشيخ عدنان العرعور هو المتلقي المفضل لهذا الدعم. وتتسم شبكة الجماعات المتمردة التي جرى سحبها معاً في الخطة السعودية الجديدة بخصائص العرعور، ما يسلط الضوء على التركيز على بناء جيش من المتمردين السنة .

تبني الجهاديين الإسلاميين أم إضعاف الإسلاميين الوسطيين؟
قد يُغفر للقيادة السعودية الاعتقاد، وعلى النقيض من الدور المتواضع الذي لعبته بين أولئك الذين يدعمون التمرد المسلح في سورية قبل عام، بأن تدخلها سيكون حاسماً الآن من حيث أنها موجودة، وبقوة، في مقعد القيادة وعلى استعداد للالتزام بما يصفه المطلعون بالتمويل الذي "لا حدود له". ولكن هذا النهج قد يثبت نتائج عكسية. فقبل عام كانت خطوط المعركة أبسط: الجيش الحر السوري في مقابل نظام الأسد. أما اليوم، فتسعى القيادة السعودية، بحسب ما أوضح رئيس المخابرات السابق الامير تركي الفيصل، إلى شن معركتين ضد الأسد وأسرته، وأخرى ضد المنتمين إلى القاعدة في سوريا. لكن الرياض لا تربح المعركة ضد الجهاديين، وقد تؤدي جهودها إلى انشقاق المعارضة أكثر.
يبدو أن عددا من الجماعات قد تحركت واحتشدت في وجه الجهود السعودية. فقد كانت " الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام ( داعش)"، وهي مظلة لجماعة من المتمردين الجهاديين تشكلت في العراق في عام 2006، تتحرك بقوة ضد الجماعات المتمردة الأخرى في شمال سوريا منذ أواخر شهر أغسطس/ آب، لتنتزع السيطرة على المعابر الحدودية مع تركيا ما اضطر المنتمين إلى الجيش السوري الحر في الرقة وحلب إلى مغادرتهما أو اعلان الولاء لداعش. وتعتقد داعش، إلى جانب جماعات جهادية أخرى، أنها مستهدفة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها مثل المملكة العربية السعودية. وقد توصلت المجموعة أيضاً إلى تفاهم مع جبهة النصرة، المجموعة الشقيقة التابعة لتنظيم القاعدة، وحركة أحرار الشام الإسلامية القوية لوضع خلافاتهم جانباً، تشكيل مجلس قضاء مشترك، وزيادة العمليات المشتركة ضد قوات نظام الأسد. هذا المحور، إلى جانب العديد من الجماعات الجهادية الصغيرة التي لا تزال تظهر، يحمل العبء الأكبر من القتال ضد قوات النظام إلى الجنوب الشرقي من حلب. وتعمل جبهة النصرة الآن أيضاً على طول الحدود مع الأردن.
لا زال على شبكة التحالفات التي تحاك من قبل المملكة العربية السعودية أن تثبت همتها في هذه المواجهة التي تلوح في الأفق. على العكس من ذلك، أعلن لواء التوحيد مراراً وتكراراً، على الرغم من توجيه الدعوة له للانضمام إلى جيش الإسلام في تشكيل جيش محمد الأكبر، عن حياده في الحملات التي تشنها الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام  ( داعش) منذ منتصف أيلول/سبتمبر في شمال سوريا.
وبنفس القدر من الأهمية، قد تزيد حملة السعودية لبناء جيش سني لا لبس فيه من إمكانية تجزئة المتمردين، حتى بين الجماعات الإسلامية والسلفية الوسطية التي تستهدفها والتي تحمل نفس الذهنية. فالمجموعات التي رفضت الانضمام إلى جيش الإسلام، على سبيل المثال، تشمل العديد من الفصائل المسلحة الرئيسة في منطقة الغوطة الشرقية لدمشق وأعضاء جبهة التحرير الإسلامية السورية، وبذلك تكون وحدة الجيش وتماسكه موضع تساؤل.

الآثار المترتبة على المعتدلين العلمانيين
في زمن الاستقطاب العميق داخل المعارضة السورية، يؤدي تركيز الخطة السعودية على إنشاء جيش سنة إلى تقويض أولئك الذين يتقاسمون المصلحة في منع صعود الجناح الجهادي للتمرد المسلح. وقد سعى بعض أعضاء الائتلاف الوطني للانضمام إلى القافلة، متحدثين بحرارة عن إنشاء " المجلس السياسي العسكري المركزي تحت قيادة إسلامية ". لكن هذا  الأمر يؤكد فحسب تدني حظوظ الائتلاف والمجلس العسكري الأعلى، وكلاهما كانا، اسمياً، تحت رعاية السعودية منذ حزيران/يونيو الماضي، عندما أصبح الجربا رئيس الائتلاف الجديد. إن التركيز الأحادي التفكير على النهج العسكري يقوض الموقف المتبقي كما يقوض سلطة الائتلاف الوطني والمجلس العسكري الأعلى التي لا تزال موجودة لديهما داخل سوريا .
إن خيبة أمل السعودية من كل الهيئات مفهومة. فقد فقدت قيادتهم المصداقية وهي تفتقر لاستراتيجية لهزيمة النظام، سواء عسكريا أو سياسيا، من خلال تطوير ملموس لمقترحات تقاسم السلطة الانتقالية التي قد تقنع المكونات المؤسسية والاجتماعية الرئيسة للنظام بالتخلي عنه. ويبقى الائتلاف الوطني أيضاً غير قادر على حكم المناطق المحررة.
لكن من خلال توجيه التمويل وتدفق الأسلحة مباشرة إلى الجماعات المتمردة على الأرض، بدلاً من أن يكون ذلك من خلال المجلس العسكري الأعلى تماماً ، فإن نهج السعودية يتعارض مع الاحتياجات الضرورية للتوحيد والتدعيم العسكري. وبالعمل حول المعارضة المعترف بها والاعتماد على التمويل الضخم لإنشاء جيش موحد للمتمردين، فإن الرياض لا تضمن بذلك فعاليتها العسكرية ولا تفعل أي شيء لمعالجة القصور السياسي الحرج الموجود لدى المعارضة السورية .
إن التركيز على الاحتكار والادارة المفصلة للديناميات المتمردة يعقد أيضاً العلاقات المدنية- العسكرية على الأرض. فعلى سبيل المثال، عندما أعلنت الهيئات المدنية عن تشكيل مجلس موسع لمدينة دوما في شرق الغوطة في 13 تشرين الاول/ أكتوبر، أدان علوش قائد جيش الإسلام، الخطوة بوصفها "تقسيماً لصوت المسلمين، وهو حرام، وبأن  ذلك يشكل شرذمة للصفوف". وكان اعلانهم عن هيئة قضائية مستقلة أيضاً، بنظر علوش " عدواناً غير مبرر" ضد مجلس الشورى المحلي الذي ساعد على تأسيسه في آذار/مارس ويسيطر عليه.
كل هذا له انعكاسات كبيرة على مؤتمر جنيف 2 المقبل للسلام. إذ يواجه الائتلاف الوطني لحظة مصيرية خاصة مع تراجع شركائه وسقوطهم. وقد انضمت اثنتا عشرة مجموعة من الجماعات المتمردة، ينتمي معظمها اسمياً للجيش السوري الحر، إلى جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في 24 أيلول/سبتمبر وذلك رفضاً للوضع التمثيلي للتحالف. ففي 15 تشرين الأول/أكتوبر أعلنت 50 مجموعة من الجماعات المسلحة عن تشكيلها مجلس قيادة الثورة المستقل في المنطقة الجنوبية وسحبها الاعتراف بالائتلاف الوطني لأنه " قد تخلى عن مبادئ الوطن والثورة ". وبعد ذلك بيومين، حذر علوش بشكل صارخ قائلاً إنه" سيتم التعامل مع التحالف كعدو، تماماً كالتعامل مع نظام بشار الأسد، إذا ما قرر الذهاب إلى مؤتمر جنيف 2 للسلام في الشهر المقبل للتوصل الى حل سياسي للأزمة السورية ". وفي 26 تشرين الأول/أكتوبر، اعتبرت 19 مجموعة من الجماعات المتمردة، بما في ذلك الأعضاء الثلاثة لجيش محمد المفترض، بأن أي شخص يحضر المؤتمر أو يتفاوض مع النظام هو شخص مذنب " بتهمة المتاجرة بدماء الشعب السوري والخيانة... ويجب تقدميهم إلى العدالة ".

تسجيل أهدافهم الخاصة
لدى المملكة العربية السعودية سبب كاف للشعور بالأسى من جراء استمرار الموت والدمار اللذين لحقا بالشعب السوري وهي غير راضية عن تصرفات اصدقائها وحلفائها في مجموعة بلدان " أصدقاء سوريا". لكن نهجها الحالي ينطوي على مخاطر تقويض أهدافها الخاصة في سوريا .
بالفعل، إن الشعور العميق بالتعاسة من السياسة الأميركية في سوريا ـ كذلك بشأن إيران وفلسطين ـ دفع برئيس المخابرات السعودية الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز الى التحذير من " تحول كبير " في العلاقة الثنائية بين البلدين. إن التحول في السياسة على هذا المستوى أمر لا يمكن تحمله بالتأكيد تقريباً. أما الأمر الأكثر عجالة، فهو أن اتساع هوة الخلاف يضع الأردن والائتلاف الوطني، اللذين يعتبران مهمين لنجاح خطط السعودية في سوريا لكن بشكل لا يقل اعتماداً، وبشدة، على قوة ومتانة علاقاتهما الخاصة مع الولايات المتحدة، في وضع غير مريح وواضح، وربما لا يمكن الدفاع عنه.
إن الاختلاف في النهجين السعودي والأميركي يعقد بشكل إضافي مؤتمر جنيف 2 للسلام. وعلى الرغم من أن البيان الختامي لأصدقاء سوريا في 22 تشرين أول/أكتوبر قد وضع شروطاً صعبة للمشاركة في المؤتمر وحدوداً صارمة لعملية الانتقال التي تلبي توقعات الائتلاف الوطني والسعودية، فإن إصرار الرياض على استبعاد طهران من الاجتماع يفتح باب خلاف آخر ممكن مع حلفائها، وقد أشار العديد منهم صراحة  إلى استعدادهم قبول المشاركة الإيرانية.
قد تجادل القيادة السعودية بالقول بأن خطتها لزيادة الضغط العسكري على نظام الأسد سوف يجبره على قبول الشروط التي حددها أصدقاء سوريا للمشاركة في مؤتمر السلام. وقد بدا تركي الفيصل بأنه يحاجج بذلك عندما أكد على ضرورة مساعدة المعارضة لتحقيق " مستوى اللعب الميداني ". لكن هذا الأمر يكذبه الخلاف العلني غير المتوقع وغير العادي مع الولايات المتحدة، الامر الذي يضر باحتمال أن تتمكن الخطة السعودية من جعل المتمردين ملتحمين في جيش موحد. قد لا ينعقد المؤتمر أو قد لا ينجح على أي حال، لكن الحقيقة أن الجماعات المتمردة التي تتلقى الدعم السعودي ترفض جهاراً هذا الجهد يخفض من فرص المؤتمر أكثر. أما الأضرار المصاحبة للتحالف الوطني فتقوض جزءاً مختلفاً من النهج السعودي، ما يشكل هدفا خاصاً آخر.
هذا يترك القيادة السعودية في وضع تعتمد فيه اعتمادا كبيرا على المتمردين السنة في سوريا. فإذا فشلت خطتها لتوحيدهم، فسوف تتضاءل مصداقية الرياض. الأسوأ من ذلك، هو أن المملكة العربية السعودية يمكن أن تجد نفسها وهي تكرر خبرتها في أفغانستان، حيث بنت وراكمت مجموعات مختلفة من المجاهدين تفتقر إلى إطار سياسي موحد. وتركت القوات غير قادرة على حكم كابول ما أن استولوا عليها، ممهدين بذلك الطريق لطالبان لتولي المسؤولية. وتبع ذلك تنظيم القاعدة، وبعدها وصلت النكسة إلى السعودية.
أما في سوريا ، فإن الاعتماد على التمويل السعودي وتوريد الأسلحة كرافعات رئيسة للحصول على النفوذ، والتركيز على تصعيد الضغط العسكري على النظام دون تطوير لاستراتيجية سياسية واضحة في موازاة ذلك لهزيمة النظام، والتركيز على حشد وتعزيز مجموعات ذات طابع سني صريح أمر ينطوي على خطر المساهمة بالوصول إلى نتيجة مماثلة. ينبغي للقيادة السعودية أن تكون حذرة مما تخلقه في سوريا: جيش محمد قد يأتي في نهاية المطاف إلى مكة المكرمة.

(*) يزيد صايغ  زميل بارز في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيث يركز عمله على الأزمة السورية، الدور السياسي للجيوش، تحول القطاع الأمني في التحولات الانتقالية العربية، تجديد الاستبداد، والصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني وعملية السلام.

(*) ترجمة إيمان سويد ـ خاص مجموعة الخدمات البحثية

موقع الخدمات البحثية