مواد أخرى » استراتيجية الصد: مواجهة شبكة العمل الإيرانية

Center for a New American Security ـ أيلول 2013
ـ سكوت مودل (مشارك أول غير مقيم في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية)  
ـ ديفيد آشر (زميل مساعد في مركز الأمن الأميركي الجديد)


موجز تنفيذي
ركزت سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران، أساساً، على التصدي للتحدي النووي، لكنها تغاضت عن التهديد الذي تشكله الشبكة الثورية العالمية الإيرانية. فقد سعت إيران، لأكثر من ثلاثة عقود، إلى الحفاظ على الثورة الإسلامية في الداخل والترويج لها في الخارج، من خلال شبكة منظمات حكومية وغير حكومية والتي نسميها شبكة العمل الإيرانية (أيان). أما أعضاء تلك الشبكة فمنخرطون في صياغة وتنفيذ العناصر السرية لجدول أعمال السياسة الخارجية لإيران، بدءاً من الإرهاب، والتخريب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وصولاً إلى عمليات التمويل غير المشروع، والأسلحة وتهريب المخدرات، وعمليات شراء ونشر الأسلحة النووية. وتعتمد ايران على ثلاث منظمات رئيسة للتنسيق والإشراف على الترويج للثورة دولياً.

فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني
إن قوات القدس، وهي فرع النخبة من فيلق الحرس الثوري، مسؤولة عن الحرب غير النظامية والعمليات غير المتماثلة. فهي تؤدي أنشطة تخريبية في الخارج تتراوح بين الجبهات الثقافية والتجارية اللا عنفية وصولاً إلى الاغتيالات، ومساندة منظمات المقاومة السياسية، وتقديم الدعم لجماعات العنف المعارضة.

وزارة الاستخبارات والأمن
 تشارك هذه الوزارة، وبشكل كبير، في جمع المعلومات الاستخبارية الخارجية وبرامج العمل السري، وخاصة في الشرق الأوسط. بل وتعتبر لاعباَ رئيساً في جهود إيران العالمية لتصدير ثورتها، وتأتي في المرتبة الثانية فحسب بعد فيلق القدس.

حزب الله اللبناني
كان حزب الله أقوى حليف غير حكومي لإيران منذ إنشائه بعد بضع سنوات من الثورة الإيرانية في عام 1979. إن دور حزب الله في عرض القوة الإيرانية مرتبط ، تقليديا، بأهداف محاربة إسرائيل وحماية لبنان. إن حزب الله اليوم عنصر رئيس في القتال على خطوط الجبهة في سوريا، إلى جانب مستشاري فيلق القدس ومدربي وحدات الجيش السوري. في كل الأحوال، وفي العقدين الأخيرين، وسَّع حزب الله أيضاً امتداده التنظيمي والعملياتي في جميع أنحاء العالم، وعمل على تطوير روابطه بالجريمة المنظمة العابرة للحدود كجزء من استراتيجيته وتمويله.
على الرغم من أن فيلق القدس، ووزارة المخابرات وحزب الله يعملون في جميع أنحاء العالم، فإن أنشطتهم في الشرق الأوسط، وأفغانستان، وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، تثير مخاوف خاصة بالنسبة لصناع السياسة في الولايات المتحدة.

الشرق الأوسط وأفغانستان
لدى فيلق القدس وجود كبير في جميع أنحاء المنطقة. إن أكبر قيادة لفيلق القدس في الخارج موجودة في العراق. ففي حين قادت هذه القوات عمليات ضد الأميركيين في الماضي، فإنها تركز اليوم على إعادة انشاء مجموعات عراقية خاصة في سوريا وتجنيد الشيعة العراقيين للانضمام إلى الميليشيات الشيعية السورية بإمرة من خارج إيران. أما في سوريا نفسها، فإن قوات القدس هي المسؤولة عن دعم إيران للقوات السورية  والموالين للنظام السوري، ولعبت دوراً حاسماً في منع انهيار حكومة الأسد. وفي دول الخليج، سرَّعت إيران العمل السري في محاولة منها لتشجيع حركات المعارضة الشيعية في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية. وفي أفغانستان، تركز قوات القدس على الحفاظ على النشاط غير المشروع عبر الحدود مع طالبان، واكتساب النفوذ السياسي والاقتصادي من خلال القوة الناعمة.

أفريقيا
لدى حزب الله وإيران شبكة متنامية لتسهيل وتمويل التهديدات في أفريقيا. فقد طورت مجتمعات المغتربين اللبنانيين في جميع أنحاء أفريقيا مجموعة واسعة من التجارة الدولية القائمة على تبييض الأموال والمخططات الإجرامية، والتي تنطوي على تبادل العملات، وتهريب النقد، والاتجار بالمخدرات، ومراكز الاتصال والرحلات المباشرة إلى بيروت.

أميركا اللاتينية
بنت إيران وحزب الله بنية تحتية متعددة الطبقات في جميع أنحاء أميركا اللاتينية والتي تضم أفراداً إيرانيين حكوميين  رسميين وغير رسميين، وأعضاء من حزب الله، وشبكة واسعة من المتعاونين، وصلات بمجموعات الجريمة المنظمة وعلاقات اتصال رسمية مع عدد محدود من شرطة واجهزة استخبارات وجيوش أميركا اللاتينية. ولن توقف العقوبات والدبلوماسية وحدها الأنشطة المذكورة أعلاه. إن الولايات المتحدة بحاجة أيضاً إلى تنظيم حملة صد نشطة لمكافحة نفوذ إيران الإقليمي والعالمي لا ترقى إلى مستوى العمل العسكري ولكنها مع ذلك حملة هجومية وقوية من الناحية العملياتية. وينبغي أن تشمل هذه الحملة:

تحسين التنسيق الحكومة الأميركي
 ينبغي لحكومة الولايات المتحدة إنشاء فرقة عمل مكلفة بتعطيل وتفكيك "شبكة العمل الإيرانية"(أيان)، بما في ذلك، وبشكل حاسم، هزيمة  استراتيجية لـ " أيان" في سوريا. وينبغي أيضا إنشاء مبادرة النفوذ السري لمواجهة أيان والإسراع في عملية تقاسم المعلومات. أخيراً، ينبغي للحكومة الأميركية زيادة عمليات المعلومات ضد "أيان".

دمج أنشطة إنفاذ القانون
ينبغي للحكومة الأميركية أن تعطي آليات تطبيق القانون الموارد التي تحتاجها والقدرة على الوصول إليها للنجاح باعتبار هذه الآليات عنصرا استراتيجيا للسلطة الوطنية. ينبغي أن تعامل حزب الله كمنظمة إجرامية عابرة للحدود كما يجب أن تستهدف أنشطة الحكومة الإيرانية غير المشروعة أيضاً.

استهداف الشبكة المالية
ينبغي للحكومة الأميركية تعيين مسؤول عن التمويل غير المشروع لتمكين الخزانة الأميركية في البيت الأبيض من القيام بعملياتها والارتقاء بها. ينبغي للحكومة تكثيف استخدام المادة 311 من " القانون الوطني الأميركي"  (USA Patriot Act) ضد " شبكة العمل الإيرانية" (أيان). كما ينبغي أن تستهدف لبنان مالياً وكذلك اعتماد "أيان" على المصارف اللبنانية إضافة إلى عمليات تبييض الأموال العالمية القائمة على النشاطات التجارية عبر النظام المصرفي اللبناني.
إن القيام بحملة صد شاملة سيجعل من الأصعب بكثير على إيران متابعة أنواع العمل السري الموضحة أعلاه. ومن شأن المبادرات أيضاً أن تقطع شوطاً طويلاً نحو فضح وإتلاف الأسس الجنائية لأيان(IAN). فضلاً عن ذلك، إن هذه المبادرات سوف تقوض أكثر الفكرة بأن الثورة الإسلامية في إيران هي مصدر الإلهام الحقيقي في العالم الإسلامي اليوم.

مقدمة
ركزت سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران، أساساً، على التصدي للتحدي النووي، لكنها تغاضت عن التهديد الذي تشكله الشبكة الثورية العالمية الإيرانية. إن الاستراتيجية النووية الأميركية، التي تقوم على ركيزتيْن مزدوجتين من العقوبات والدبلوماسية، تقوم على أسس واقعية، وذات موارد جيدة وتشغيل فعال بقدر ما يمكن أن يكون متوقعاً. في كل الأحوال، إن برنامج إيران النووي مجرد رأس الرمح الثوري الممتد في جميع أنحاء العالم والذي يهدد المصالح الأميركية الرئيسة.
سعت إيران، لأكثر من ثلاثة عقود، إلى الحفاظ على الثورة الإسلامية في الداخل، والترويج لها في الخارج، من خلال شبكة من المنظمات الحكومية وغير الحكومية  نسميها "شبكة العمل الإيرانية (أيان). ويشارك أعضاء تلك الشبكة في صياغة وتنفيذ العناصر السرية لأجندة السياسة الخارجية الإيرانية، بدءاً من الإرهاب والتخريب السياسي والاقتصادي والاجتماعي؛ وصولاً إلى التمويل غير المشروع والأسلحة والاتجار بالمخدرات؛ إضافة إلى المشتريات والانتشار النووي.
تمتلك مبادرات السياسة العامة في ثلاثة مجالات - العمل السري، والحرب المالية وإنفاذ القانون –القدرة على دحر الجهاز الثوري الايراني في جميع أنحاء العالم. ويمكن انجاز هذه المبادرات بإجراءات عسكرية محدودة مع مجموعة واسعة من التدابير غير التقليدية غير العنيفة، بما في ذلك العقوبات والإجراءات المالية لمكافحة التهديدات؛ وحملة تطبيق قانون منسقة ومنظمة بشكل استراتيجي، وعمليات معلومات ونفوذ، وزيادة العمل السري والدبلوماسية القسرية النشطة، وإنشاء ائتلاف من الدول ذات التفكير المماثل بغرض الاحتواء، والمكافحة، والتعطيل والردع.
ويصف هذا التقرير أهم ثلاث جهات فاعلة في " أيان":  فيلق الحرس الثوري الإسلامي- قوات القدس، وزارة الأمن والاستخبارات الإيرانية وحزب الله اللبناني. ثم يصف التقرير كيفية عمل هذه الجهات الفاعلة في العديد من المناطق الحساسة في جميع أنحاء العالم وأنواع التهديدات التي تشكلها. ويختتم التقرير بتوصيات سياسية مفصلة، والتي سوف تساعد، مجتمعة، على التقليل من تلك التهديدات.

كيف تصدِّر إيران الثورة؟
تعتمد ايران على منظمتين من المنظمات المحلية الرئيسة للتنسيق والإشراف على الترويج للثورة دولياً: وزارة المخابرات والحرس الثوري- فيلق القدس. ويعمل كلاهما بشكل وثيق مع حزب الله اللبناني ومع شبكة معقدة من الوكلاء والكيانات المعتمدة، بما في ذلك حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وحماس وحتى تنظيم القاعدة. وقد انتشر الجهاز الثوري الايراني في كل القارة، على الرغم من أنه مركز على الشرق الأوسط ومتداخل بعمق مع كيانات سياسية، وثقافية وتجارية موجودة لتوفير الدعم للثورة ، بما في ذلك التمويل، فضلاً عن تعزيز انتشاره.

فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني
 في حين أن جميع الجهات الحكومية الإيرانية في الخارج مسؤولة عن الترويج للثورة الإسلامية، فإن أنشطة تخريبية في الخارج كالاغتيالات وتقديم الدعم لجماعات المعارضة العنيفة قد تأتي تحت قيادة قوات القدس، وهي فرع النخبة في الحرس الثوري المسؤولة عن الحرب غير النظامية والعمليات غير المتماثلة. ورغم ما تتمتع به من سمعة العمل السري العنيف، فإن المهمة الثورية لقوات القدس واسعة بشكل ملحوظ. وكما وصف مسؤول في وزارة الخارجية مهمة هذه القوات، "انها مثل أخذ وكالة المخابرات المركزية القوات الخاصة ووزارة الخارجية ولفها جميعاً بلفة واحدة".
أما المهمات الرئيسة لفيلق القدس فهي:
• إجراء العمليات السرية وجمع المعلومات الاستخبارية التكتيكية، مع عمليات تهدف إلى تنظيم، وتدريب، وتجهيز وتمويل الحركات الإسلامية والمتشددين الموالين لإيران في جميع أنحاء العالم؛
• توجيه ودعم الاغتيالات، وبشكل أساسي ضد أهداف غربية وإسرائيلية؛
• ادارة الدبلوماسية السرية؛
• الإشراف على تخطيط ونشر قوات الحرس الثوري في المقدمة باعتبارها الجزء المركزي في عقيدة الحرب غير المتماثلة؛
• الانخراط في النفوذ السري ونشر المقاومة الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، عبر المؤسسات والكيانات التجارية؛
• بناء جهاز تجاري عالمي مصمم للحصول على التكنولوجيات الجديدة، ومساعدة الحكومة في برامج العمل السري، وخلق مصادر جديدة من العائدات والعمل على الإضافة إلى شبكات تسهيل التهديدات القائمة .
كانت أهمية العمل السري لاستراتيجية تصدير الثورة الإيرانية واضحة جداً: منذ مايو 2011، كان هناك أكثر من 20 مؤامرة إرهابية تورطت فيها إيران. فبدءاً من محاولة اغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة وصولاً إلى احباط مؤامرة تفجير قنبلة في كينيا، تواصل إيران اعتبار العمل السري بمثابة أداة هامة للسياسة الخارجية.
إن قوات القدس منخرطة في غطاء واق من الأنشطة غير الحركية التي تلعب دورا محوريا في مهمة المقاومة الخارجية. إذ يعمل ضباط قوات القدس ضمن مجموعة لافتة من الشركات الوهمية، والمؤسسات الدينية، والمراكز الثقافية، والجمعيات الخيرية والمنظمات شبه الحكومية. فعلى سبيل المثال، لقد تم تأسيس جمعية أهل البيت العالمية (ABWA) في الظاهر للترويج للأيديولوجية الثورية الإيرانية في الخارج ولتكون بمثابة العلاقة بين المؤسسة الدينية الإيرانية ورجال الدين الشيعة الأجانب. في كل الأحوال، لقد عملت جمعية أهل البيت العالمية (ABWA) أيضاً كغطاء فعال للمساعدة في جمع المعلومات الاستخبارية؛ واكتشاف وتجنيد الطلاب الأجانب، ونقل الأموال والعتاد الموجه لعمليات فيلق القدس (ووزارة المخابرات).
إن رئيس جمعية أهل البيت العالمية ( ABWA)، محمد حسن أختري، هو سفير إيران في سوريا، ولمرتين، مع عقود من الخبرة في المشرق العربي التي يرجع تاريخها إلى فترة تشكيل حزب الله. إنه يفهم أهداف إيران في سوريا والعراق ولبنان كأي شخص و يدمج جمعية ABWA مع قوات القدس على نحو فعال حيثما يكون ذلك ضرورياً لدفع برامج العمل السري في المنطقة. ويعتمد قادة فيلق القدس على كيانات مثل جمعية أهل البيت العالمية ( ABWA ) للمساعدة في عمليات معلومات تهدف إلى صياغة الرأي العام المحلي لصالح إيران، وذلك للحفاظ على خطوط الاتصال والامدادات مع جماعات شيعية بديلة؛ وكوحدات في الخارج لجمع المعلومات.
أما إحدى الجمعيات الخيرية الإيرانية الأكثر فعالية في الداخل وفي الخارج فهي لجنة إمداد الإمام الخميني (IKRC). فكأداة رئيسة للقوة الناعمة المستخدمة لتعزيز أهداف إيران الأيديولوجية والسياسية، تعتبر لجنة إمداد الإمام الخميني منظمة مساعدات إنسانية تنظم أيضاً الاحتجاجات المناهضة للولايات المتحدة، وتروج للإسلام الشيعي وقد عرفت بالعمل عن كثب مع قوات القدس. في الواقع، وبعد سقوط طالبان في أفغانستان في أواخر عام 2001، قامت لجنة إمداد الإمام الخميني بتنسيق أنشطتها بانتظام مع القنصلية الإيرانية في هرات، بإدارة قائد فيلق القدس آنذاك القائد الرفيع حسن كاظمي قمي. وتستخدم لجنة إمداد الخميني وجودها الراسخ، وخاصة في مناطق هزارة ذات المركزية الشيعية في غرب ووسط أفغانستان، للمساعدة في استيراد وتوزيع المال والإمدادات نيابة عن قوات القدس.
من الجدير بالملاحظة أيضاً عن قوات القدس استخدامها لكيانات تبدو مشروعة والتي تتوخى الربح كجزء من اختراقها السري واستراتيجية نفوذها على الصعيد العالمي. وتستخدم إيران عادة شركات حقيقية، بدلاً من الوهمية، للدفع بعملياتها قدماً، كما تستخدمها لتوليد الدخل لعملياتها فضلا عن توفير وسيلة مشروعة لعناصرها للوصول إلى النظام الدولي. أما أحد أشهر الكيانات السيئة الصيت فهي ماهان للطيران، خطوط النقل الجوي الوطنية رقم 2 في إيران. وقد سمت وزارة الخزانة الأمريكية ماهان للطيران كواجهة إرهابية وذلك في 12 تشرين أول/ أكتوبر 2012. وكما هو موضح من قبل وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية ديفيد كوهين:
" إن تنسيق "ماهان" للطيران الوثيق مع فيلق القدس التابع للحرس الثوري ـ نقل العملاء، والأسلحة والأموال سراً على متن رحلاتها ـ يكشف حتى الآن جانباً آخر من التسلل الواسع النطاق للقطاع التجاري الإيراني للحرس الثوري لتسهيل دعمه للإرهاب ... لقد قدمت ماهان للطيران خدمات السفر لأفراد الحرس الثوري ـ قوات القدس  جواً من والى إيران وسوريا لتلقي تدريبات عسكرية.
كما سهلت "ماهان" للطيران السفر السري لضباط مشتبه بهم من الحرس الثوري ـ فيلق القدس إلى داخل العراق وخارجه من خلال تجاوز الإجراءات الأمنية العادية وعدم تضمين معلومات عنهم في قائمة ركاب الرحلة للتخلص من سجلات سفر الحرس الثوري ـ قوات القدس. وقد سهلت الأطقم الجوية في "ماهان" شحنات الأسلحة للحرس الثوري ـ قوات القدس. كما تم نقل الأموال أيضاً عن طريق "ماهان" للطيران لشراء السلع التي يسيطر عليها الحرس الثوري ـ قوات القدس".

وزارة الاستخبارات والأمن
تشارك وزارة الاستخبارات والأمن (وزارة المخابرات) بكثافة في جمع المعلومات الاستخبارية الأجنبية وبرامج العمل السري، وخاصة في الشرق الأوسط. إن وزارة المخابرات لاعب رئيس في جهود إيران العالمية لتصدير ثورتها، وفي المرتبة الثانية فحسب بعد فيلق القدس. في كل الأحوال، إن قسماً كبيراً مما تقوم به وزارة المخابرات، ليس موجهاً نحو بناء قوة خارج إيران. وتكرس وزارة المخابرات موارد هائلة لمراقبة واختراق وتفكيك المعارضة السياسية في الداخل، والتي تتضمن الاستخبارات المضادة ومكافحة التجسس.
يعهد لوزارة المخابرات بعض مهمات العمل الأكثر سرية وحساسية حول العالم، مثل العمل مع الحرس الثوري لتشغيل محطات سلاح الإشارة الاستخبارية في سوريا، بغرض توفير المعلومات الاستخبارية التكتيكية لحزب الله على ما يبدو. وتساعد وزارة المخابرات على تصدير الثورة بواسطة تحويل المساعدات الإيرانية القاتلة إلى وكلائها بدءاً من اليمن وصولاً إلى لبنان؛ وتساهم في شبكة إيران لتسهيل التهديد العالمي باستخدام الضباط العاملين والمتقاعدين في وزارة المخابرات؛ وتساعد إيران في الحصول على التكنولوجيا العسكرية، التقليدية والنووية على حد سواء؛ وتبني  شبكات نفوذ بظل مجموعة متنوعة من الأغطية - جميعها بغرض الترويج للثورة الإسلامية. أما على الصعيد الدفاعي، فتخترق وزارة المخابرات جماعات المعارضة الإيرانية وتتسرب اليها، وتكافح أجهزة الاستخبارات الأجنبية وغيرها من التهديدات الخارجية.
يعمل ضباط وزارة المخابرات انطلاقاً من السفارات الإيرانية ويستفيدون من المراكز الثقافية ولجان البناء والمنظمات غير الحكومية والشركات الحقيقية. مع مرور الوقت، قام ضباط وزارة المخابرات بتوسيع مشاركتهم في العمليات التجارية، والاستفادة من الدفع الإيراني للحصول على مزيد من النفوذ خارج منطقة الشرق الأوسط، كما هو الحال في أميركا اللاتينية وأفريقيا. ويشغّل ضباط المخابرات شركات في جميع أنحاء العالم، والتي تعمل كمصادر غير مشروعة للمال، وهي نقاط التقاء في شبكات تسهيل التهديدات الدولية مثل شركات الشحن وكلاء الشحن والمسؤولين الحكوميين الفاسدين. ولا يقتصر دور وزارة المخابرات في الخارج على أشكال قاتلة من العمل السري. فهو يشمل النفوذ السري، أو حرب إيران الناعمة لتعزيز نفسها والترويج للثورة، وتشويه سمعة الولايات المتحدة والغرب.
لطالما أكدت وزارة المخابرات أيضاً على قوة الحرب الناعمة العالمية ضد إيران وعلى شرعية الثورة الإسلامية. وفي أحدث تقييم لها، تلمح وزارة المخابرات إلى نضال إيران بالتعامل مع انتشار الجهات الفاعلة غير الحكومية التي أضرت بمكانتها الدولية. وتقر وزارة المخابرات بالتعقيدات في مواجهة هجمات حرب الغرب الناعمة وحاجتها إلى مقاربة أكثر دقة. وبحسب ما تؤكد، فإن مثل هذا النهج ينبغي أن يبدأ بإنشاء مقر قيادة متعدد الوكالات.
إن دائرة قسم التضليل في وزارة المخابرات، والمعروفة بالنفاق، لاعب مهم في الحرب الإيرانية الناعمة. فهي المسؤولة عن التقليل من أهمية تورط إيران في العمل السري في الخارج، والحد من الحريات السياسية في الداخل وتوليد التقارير السلبية حول جماعات المعارضة السياسية، مثل مجاهدي خلق وجند الله. وتشرف دائرة النفاق على "منظمة الدعاية الإسلامية"، المعروفة أيضاً باسم "منظمة نشر العقيدة الإسلامية ". إن "منظمة الدعاية الإسلامية" هي المسؤولة عن العمليات النفسية المصممة لتشكيل المجتمعات المسلمة حول العالم. وفي الماضي، تحدث أحمد الخميني، نجل مؤسس الجمهورية الاسلامية، عن منظمة الدعاية الإسلامية ودورها في خلق "خلايا المقاومة الثقافية " في جمهوريات آسيا الوسطى بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. أما اليوم، فإن كل هذه المساعي هي جزء من جهد أكبر يُشار إليه في إيران على أنه صعود المقاومة".
في أفغانستان، تواصل وزارة المخابرات وقوات القدس الإشراف على علاقة إيران مع طالبان وشبكات التهريب وغيرها. وغالباً ما يعزو مسؤولون افغان كبار، مثل رئيس مديرية الأمن الوطني السابق أمرالله صالح، امتداد إيران الى حركة طالبان إلى الخوف من هجوم أميركي والحاجة إلى وسائل الانتقام.

حزب الله اللبناني
كان حزب الله أقوى حليف غير حكومي لإيران منذ إنشائه بعد بضع سنوات من قيام الثورة الإيرانية في عام 1979. تقليديا، يرتبط دور حزب الله بالعرض الأكبر  للقوة الإيرانية بهدف محاربة اسرائيل، وحماية لبنان ودعم الشيعة في لبنان وعلى امتداد المنطقة. أما اليوم، فإن هذا الدور يشمل القتال على الخطوط الأمامية في سوريا، إلى جانب مستشارين في قوات القدس ومدرِّبين في وحدات الجيش السوري. ويعترف حزب الله الآن علناً بدوره العسكري في سوريا، منتقلاً من قرية إلى قرية في شكل مناورات عسكرية كاسحة مصممة لتطهير مدن رئيسة والامساك بها مثل القصير على طول الحدود بين لبنان وسوريا.
يتألف فيلق القدس من إدارات مختلفة تشرف على العمليات في مناطق جغرافية ووظيفية معينة. إن قسم 2000 التابع له هو حلقة الوصل الحاسمة بين ايران وأقرب حلفائها في العالم العربي. وهو يدير علاقة إيران مع حزب الله، التي تنطوي على تدفق بعض منظومات الأسلحة الإيرانية الأكثر تطوراً، مثل متفجرات خارقة للدروع (EFPs)، صواريخ موجهة مضادة للدبابات (ATGMs) ومختلف الصواريخ وقذائف المدفعية القصيرة والمتوسطة المدى، مثل فجر 5 وزلزال 2. وقد أجبرت العقوبات الاقتصادية الشديدة والحرب في سوريا وتعطل خطوط الإمداد القسم 2000 على الاعتماد بشكل متزايد على شركات تجارية وهمية. إن هذه الدائرة، التي كانت مسؤولة تقليديا عن تسليح وتدريب متشددين عراقيين في مخيمات في جنوب لبنان وإيران، ستبقى احدى أهم وحدات قوات القدس. إن خبرتها في استخدام العبوات الناسفة (IEDs) والمتفجرات الخارقة للدروع (EFPs)، فضلا عن عمليات الاختطاف، والاتصالات وعمليات الوحدات الصغيرة، ستظل مفيدة لمصالح إيران في كل من لبنان وسوريا.
تقليدياً، عاش حزب الله على التمويل من إيران. برغم أن هذا الاعتماد قد انخفض خلال السنوات. وكان على حزب الله أن يجد مصادر دخل أخرى، ويرجع ذلك أساساً إلى العقوبات الاقتصادية على إيران (والتي تسببت في خفض الميزانية الايرانية بما نسبته 36٪ منذ العام الماضي)، ولكن أيضاً بسبب الانخراط المتزايد والمربح لحزب الله في الجريمة المنظمة العابرة للحدود. ويستفيد حزب الله أيضاً، وإلى حد كبير، من سيطرته على الموانئ والطرق والمطار وغيرها من البنى التحتية، وهي سيطرة تسفر عن رشاوى وخدمات الجمارك، الخ.  مع ذلك، لا تزال إيران المصدر الرئيس للأسلحة الأساسية والمتقدمة، على حد سواء، لحزب الله، مثل المضادة للدبابات، المضادة للطائرات، أنظمة الصواريخ المضادة للدبابات، المضادة للطائرات، وفي الآونة الأخيرة، منظومات الصواريخ المضادة للسفن.
أصبح حزب الله منظمة عالمية يعمل في كل قارة من القارات، معتمداً على الشتات اللبناني. إنه يعمل بشكل وثيق مع وزارة المخابرات على جمع المعلومات الاستخباراتية الخارجية، وغالباً ضد إسرائيل. وتدعم وزارة المخابرات، بدورها، حزب الله، من خلال توفير معدات الاتصالات الحساسة وغيرها من الدعم المادي.
توفر منظمة الأمن الخارجي لحزب الله (ESO) أيضا الدعم لبرامج العمل السري القاتلة التي تديرها قوات القدس. وهذا يشمل الاغتيالات والتفجيرات الاستهدافية وغيرها من الحوادث الإرهابية المرتبطة بإيران. ولطالما دعمت " منظمة الأمن الخارجي لحزب الله (ESO) العمليات التي تقودها قوات القدس، باعتبارها عنصراً أساسياً في شبكة التهديد العالمية التابعة لإيران، بدءاً من المشاركة المباشرة في هجمات إرهابية واسعة مثل تفجيرات السفارة الأميركية وثكنات مشاة البحرية في لبنان في الثمانينات وتفجيريْ عام 1992 و 1994 ضد أهداف إسرائيلية في بوينس آيرس، الأرجنتين، وصولاً إلى حوادث أصغر مثل جرائم القتل الأخيرة في بلغاريا.
عمل عماد مغنية، القائد الراحل لمنظمة الأمن الخارجي لحزب الله (ESO) بشكل وثيق مع رجال الاعمال اللبنانيين حول العالم لإنشاء جهاز تجاري عالمي دعماً لأنشطة حزب الله الإجرامية والإرهابية. وقد اتسع نطاق المشاريع التجارية غير المشروعة ونمت هذه وأصبحت أكثر تعقيدا، لدرجة أن الكثيرين يصفون حزب الله اليوم بأنه منظمة إجرامية عابرة للحدود فضلاً عن كونه منظمة إرهابية.
أما اليوم، فيقود طلال حمية، الذي عمل بشكل وثيق مع مغنية وكان مساهماً رئيساً في صعود حزب الله في عالم الجريمة، منظمة الأمن الخارجي لحزب الله (ESO). ويعتمد حمية على مصطفى بدر الدين، وهو قائد قديم آخر في حزب الله يشرف على العمليات الإرهابية الخارجية. إن هؤلاء الأفراد يلعبون دوراً رئيساً في الإشراف على دعم حزب الله لنظام بشار الأسد، والذي يتضمن صيانة شبكات الدعم التجاري في العراق، ولبنان وإيران، وكذلك الخطوط داخل وخارج المنطقة التي تحمل المقاتلين الشيعة إلى سوريا.
يعتمد حزب الله أيضاً على مجلسه التنفيذي، بقيادة هاشم صفي الدين، الذي يقدم تقاريره مباشرة إلى قائد حزب الله حسن نصر الله (ابن خالة صفي الدين) ويشرف على أهم العمليات العسكرية والإرهابية. ويعمل شقيق صفي الدين سفيراً لحزب الله في طهران، ما يشير إلى الطريقة العائلية التي يدير بها حزب الله روابطه مع طهران. أما الأنشطة الإرهابية والعسكرية فتحدث في إطار المجلس الجهادي، الذي يرأسه نصر الله. ولدى حزب الله مجالس أخرى كذلك، مثل المجلس السياسي، الذي ينسق أنشطة أعضاء حزب الله في النظام السياسي اللبناني، ومجلس السلطة القضائية، الذي يشرف على النظام القضائي في المناطق التي يسيطر عليها حزب الله في لبنان. لكن أهمها، من وجهة نظر "أيان "، المجلسان التنفيذي والجهادي.

وجود التهديد الإيراني العالمي
على الرغم من أن قوات القدس، ووزارة المخابرات و حزب الله يعملون في جميع أنحاء العالم، فإن أنشطتهم في الشرق الأوسط وأفغانستان، أفريقيا وأميركا اللاتينية بصورة خاصة، ينبغي أن تشكل هاجساً لصناع السياسة الأميركيين.

الشرق الأوسط وأفغانستان
العراق: الضغط غرباً

إن القسم 1000، المعروف باسم معسكر ( فيلق) رمضان، مسؤول عن العمليات في العراق ولا يزال أكبر قيادة لقوات القدس خارج إيران. ومن بين وحدات أخرى، تشرف هذه الدائرة على منظمة بدر، وهي مجموعة من 10000 رجل عراقي من المنشقين الذين تم تدريبهم من قبل إيران لتعزيز المقاومة العنيفة ضد صدام حسين والتسلل إلى  الدولة العراقية، والصناعة والمجتمع العراقيين عندما كان صدام على وشك السقوط. وعندما غزت الولايات المتحدة العراق، كذلك فعلت منظمة بدر (المعروفة آنذاك باسم كتائب بدر أو فيلق بدر)، بدأت بسرعة تنفيذ مهمتها المحددة في الدولة والأجهزة الرئيسة للحكومة.
لطالما كلفت إيران ، من خلال القسم 1000، متمرسين متشددين موالين لها في العراق، مثل أبو مصطفى الشيباني الأمين العام لمنظمة بدر، باستهداف القوات والديبلوماسيين والمرافق الأميركية. ومن العام 2003 وحتى العام 2009، قاد شيباني، متصرفاً بسيطرة من جانب فيلق القدس، شبكة من النشطاء في "المجموعات الخاصة" الشيعية العراقية المدعومة من إيران المتخصصين في مهاجمة القوات الاميركية والبريطانية في العراق بالقذائف الخارقة للدروع، وهو نوع مميت من العبوات الناسفة الشديدة،  الأسلحة غير التقليدية الأخرى. وشاركت هذه المجموعات أيضاً في عمليات الاختطاف والاغتيالات الاستهدافية (ضد قوات التحالف والسياسيين العراقيين الذين عارضوا إيران). أما أعداد القتلى من القوات الحليفة التي يمكن أن تنسب إلى شبكة شيباني وغيرها من هجمات المجموعة، خاصة بالعبوات الناسفة وغيرها من الأنشطة الحاقدة خلال الحرب العراقية، فتصل إلى مئات القتلى مع عدد أكبر بكثير من الجرحى.
تبدو الأولوية الأساسية للقسم 1000 اليوم إعادة إنشاء المجموعات الخاصة العراقية في سوريا وتجنيد الشيعة العراقيين للمشاركة في الميليشيات الشيعية العاملة في الدفاع عن الأسد بالتنسيق مع فيلق القدس وحزب الله. ووفقاً لأحدث تقرير، فقد نقلت إيران على ما يبدو شبكة شيباني إلى سوريا، مع شيباني نفسه كقائد لكتائب سيد الشهداء، وهي قوة من 200 رجل تبدو على غرار كتائب حزب الله، المجموعة الخاصة الأكثر إخافة وشراسة التي وجهها فيلق القدس من حرب العراق.
تتجاوز أنشطة قسم 1000، في العراق العمليات الفتاكة وتمتد إلى كل جزء من الدولة والمجتمع. في الواقع، إن قسم 1000، على ما يبدو،  يخضع لسيطرة السفير الإيراني إلى العراق، حسن دناني، أحد كبار ضباط فيلق القدس " المتخصص في القوة الناعمة"، بحسب تعبير مايكل جوردون. ويفهم ضباط فيلق القدس كيف يمكن استخدام الشركات، المنظمات الثقافية، وسائل الإعلام، والحركات الاجتماعية لدعم و تشكيل عنصر أساسي للعمليات السرية. إن المخططات المستنسخة في الرسمين1 و 2، والتي حصلت عليها قوات الجيش الأميركي في العراق في عام 2007، توضح المقياس والنطاق اللافت للقسم 1000 وتحدد مدى وجود المنظمة في إطار القيادة المباشرة للقائد الأعلى.
ظلت " منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية" (ICRO)، والتي تندرج في إطار وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيرانية، على الخطوط الأمامية في العراق، في الأماكن التي تتداخل فيها الإرادة الجيدة مع العمل السري. إن بناء مجتمع شيعي تابع لـ" منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية  (ICRO) يقدم الكثير للأمن الإيراني وبعثات الاستخبارات: إن منظمة ICRO هي بمثابة الغطاء الموفر لضباط فيلق القدس والمخابرات المسافرين إلى داخل العراق وخارجه، وتقوم بتوفير الآليات والأسلحة وغيرها من الإمدادات إلى الميليشيات الشيعية وتحديد المصادر المحتملة للمخابرات والمقاتلين المستقبليين والتسهيلات من كل الأنواع.
كانت وزارة المخابرات متورطة في العراق أيضاً. ففي شباط/فبراير 2012، سمَّت وزارة الخزانة الأميركية وزارة المخابرات الإيرانية لدعمها تنظيم "القاعدة في العراق". من الصعب فهم دعم وزارة المخابرات لتنظيم "القاعدة في العراق" نظراً لدور هذا التنظيم في قتل الشيعة في العراق وعدم وجود قوات عسكرية أميركية، والذي كان هو ما جمعهما في الماضي. ويبدو أن ذلك تماشيا مع سياسة وزارة المخابرات في دعم جماعات عديدة في آن واحد، على الرغم من وجود القليل من القواسم الايديولوجية المشتركة. هذا هو الحال في أفغانستان، حيث توازن إيران بين دعمها للحكومة الافغانية مع دعمها المادي لشبكة حقاني وطالبان.

الرسم 1: فيلق القدس يعمل تنظيمياً في العراق
qudsmapher_655

الرسم 2: البنية غير الحركية للحرب العراقية غير النظامية تمتد إلى الأعلى
qudsmapher1_658

سوريا: الأرضية الحرجة
يشكل السقوط المحتمل لنظام الأسد أكبر تهديد لطموحات إيران الإقليمية. قد تنجح الحكومة السورية، بمساعدة من إيران وحزب الله،  في إقامة علاقة دائمة بين دمشق والمناطق التي بيد العلويين ـ المناطق الواقعة على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط. مع ذلك، هذا سيكون بثمن باهظ، ليشمل الارتفاع المثير للعنف على أسس طائفية وفتاوى تحريضية من سُنة موقرين. ويشمل هؤلاء الشيخ يوسف القرضاوي، الذي دعا كل السنة القادرين على العمل للانضمام الى القتال في سوريا ضد إيران وحزب الله، ورجل الدين السعودي الشيخ عايض القرني الذي قال إن لجميع السوريين الحق في اغتيال الأسد.
إن فيلق القدس هو المسؤول عن دعم إيران للقوات السورية والموالين للنظام. حتى الآن، لعبت إيران دوراً حاسماً في منع انهيار حكومة الأسد. ففي أيار/ مايو 2012، قال نائب قائد فيلق القدس، الجنرال إسماعيل قاآني، إنه " لو لم يكن لفيلق القدس وجود في سوريا، لكانت تمت الاطاحة بحكومة بشار الأسد بالفعل ". وفي حين أن هدف إيران هو الحفاظ على الأسد في السلطة، فإنه يبدو أنها تستعد، في نفس الوقت، لاحتمال سقوط  النظام السوري إما كلياً أو انتهائه بصراع مطوّل لاستعادة ما خسره من أراضٍ. ووفقاً لمسؤولين أميركيين، فقد عزز قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، قوات الميليشيا الذين يبلغ عددهم عشرات الآلاف في محاولة للحفاظ على نظام الأسد. تلك القوات، بحسب اعتقاد المسؤولين، سوف تكون في المتناول إذا ما سقط الأسد وانهارت البلاد وأصبح البلد عبارة عن جيوب طائفية.
ووفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية، لقد قام ضباط فيلق القدس وحزب الله، بتسليح وتدريب وتنظيم مجموعات مختلفة مؤيدة لقوات الأسد، مثل مجموعة من العلويين والشيعة المتطوعين الذين تم تشكيلهم على غرار قوات الباسيج الايرانية المعروفة بـ " الجيش الشعبي ". والفكرة هي تحويل الجيش الشعبي، إلى ميليشيا أكثر تنظيماً وأفضل تدريباً قادرة على تنفيذ أمن الأحياء، حياً بعد حي، إلى جانب القيام بوظائف شبه عسكرية. بهذه الطريقة يشبه الجيش الشعبي، كتائب عاشوراء ـ وحدات الباسيج المتخصصة المدربة رسمياً والمدمجة بشكل أعمق في العمليات العسكرية للحرس الثوري. وقبل اغتياله في شباط/ فبراير عام 2013، علق حسن الشاطري، القائد الرفيع في فيلق القدس ، على أهمية الباسيج ، ووصفه بأنه " الإنجاز الأكثر أهمية للثورة الإسلامية، ولا تقتصر على جغرافية إيران الإسلامية ؛ بل هو خارج إيران رمز مقدس لخلاص المظلومين. إن الباسيج اليوم في حالة العولمة ، وقوات الباسيج الإسلامية العالمية هي التي ستحل مشاكل المظلومين" .
في نفس الوقت، وبحسب ما يزعم، كانت هناك وحدة خاصة تابعة للحرس الثوري الإيراني في سوريا، المعروفة باسم الحرس الثوري في سوريا، في هذا البلد لأكثر من 20 عاماً. وعن طريق عمله من قاعدة للحرس الثوري الإيراني قرب الحدود مع لبنان وإسرائيل، وفر الحرس الثوري في سوريا الدعم العسكري، اللوجستي، والاستخباراتي لأقرب شركائه في المنطقة: حزب الله، حماس، الجهاد الإسلامي الفلسطيني والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة. وفي الآونة الأخيرة، رفعت إيران وجودها في سوريا ليشمل القوات البرية في الحرس الثوري، قوات إنفاذ القانون وضباط مخابرات إضافييين من وزارة المخابرات. إن الهدف من انتشارهم هو تمرير خبراتهم المتنامية في مكافحة التمرد، السيطرة على الشغب، والاضطرابات الداخلية. هذا الأمر هو انصراف غير مألوف عن مشاركتهم في الأمن الداخلي ويدل على الثقة الايرانية عند يتعلق الأمر باستعراض القوة في مناطق النزاع في المنطقة. وتحقيقا لهذه الغاية، شكلت إيران، سوريا وحزب الله اللبناني ألوية أبو الفضل العباس، المكونة من حزب الله اللبناني، مقاتلين سوريين مؤيدين للأسد، ومسلحين متمرسين من الجماعات الشيعية العراقية مثل عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله.

دول الخليج: أرض الأعداء
كما أثبتت المعركة بين إيران والدول العربية حول القيادة في العالم الإسلامي، ولوقت طويل، الدم الفاسد عميق الجذور. فالمنافسة بين إيران والمملكة العربية السعودية اشتدت فحسب منذ بداية ما يسمى بالربيع العربي. إذ رفعت إيران، الحريصة على ربط الثورات العربية بثورتها، من مستوى العمل السري في محاولة لتشجيع حركات المعارضة الشيعية عبر الجزيرة العربية. إن القسم 6000، المسؤول عن شبه الجزيرة العربية، يمكن أن يزداد حجمه اعتمادا على الكيفية التي تواصل بها الديمقراطية وحركات التحرر والحركات السياسية في الخليج الفارسي تطورها. ولدى التاريخ الحديث أمثلة عديدة عن قدرة إيران على زعزعة الاستقرار في الخليج. ففي عام 1987، على سبيل المثال، ساعد القسم 6000 على انشاء حزب الله الحجاز، وهي مجموعة ارهابية شكلت بعد حزب الله اللبناني، وسعت إلى الإطاحة بعنف بالنظام الملكي السعودي.
رداً على دعم إيران وحزب الله المستمر لنظام الأسد، أصبح السنة البارزون أكثر تعبيراً، وبشكل متزايد، عن دعمهم للمعارضة. وتشير أنماط السلوك الإيرانية الراسخة في الخليج الفارسي إلى أن الطموحات الإقليمية للبلاد مستوحاة من سياسات القوة التقليدية بقدر ما هي مستوحاة من الدين. وغالباً ما تقلل إيران من أهمية الهوية الشيعية لثورتها لصالح رسالة أعم القصد منها عبور الانقسام الطائفي. إن الدعم للقاعدة وحركة طالبان وحركة الشباب الصومالي هي مجرد أمثلة قليلة. مع ذلك، هذا ليس الحال في الخليج، حيث كانت إيران أكثر عدوانية في محاولاتها استمالة حركات المعارضة الشيعية.
ظل أعضاء مجلس التعاون الخليجي مشككين بعمق في طموحات إيران الإقليمية منذ قيام الثورة عام 1979. فلطالما اشتبهت دول مجلس التعاون الخليجي بحفاظ ايران على وجود خلايا نائمة لامركزية في جميع أنحاء منطقة الخليج تعمل على جمع المعلومات الاستخبارية، ودعم الجماعات الشيعية المتطرفة والبقاء على أهبة الاستعداد لتنفيذ مجموعة متنوعة من الأنشطة التخريبية ـ وكلها كجزء من خطة إيران لإعادة تعريف العالم الإسلامي عن طريق تصدير ثورتها. وتعود هواجس ومخاوف دول مجلس التعاون الخليجي بشأن التمرد الاسلامي في ايران بتاريخها إلى الثمانينات، عندما دعمت إيران معارضين شيعة منشقين في الخليج الفارسي مثل منظمة الثورة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية، التي دعت علناً إلى الإطاحة بالحكومات الملكية الخليجية. وكان الخميني قد خلص، وبوضوح، إلى أن تحقيق إيران لقوة إقليمية أكبر، يلي ذلك صعودها كقوة عالمية، يجب أن يحدث بالقوة.
سعت إيران، مدفوعة بنجاح حزب الله اللبناني، إلى تكرار ذلك في السعودية والكويت والبحرين، بداية مع حزب الله الحجاز في المملكة العربية السعودية في منطقة يهيمن عليها الشيعة شرق المملكة العربية السعودية (حيث يقع قسم كبير من النفط السعودي). وكان مقر حزب الله الحجاز في قم وتلقى التدريب والخبرة الميدانية وهو يقاتل الى جانب حزب الله اللبناني ضد إسرائيل. وقد مر ما يقرب من 20 عاماً على آخر هجوم كبير للمجموعة، تفجير أبراج الخبر في الظهران عام 1996. ومنذ ذلك الحين، ورغم الجهود المبذولة لإعادة بناء العلاقات، ظلت المملكة العربية السعودية على حذر من نوايا ايران في المنطقة. إن قدرة إيران على إثارة المعارضة الشيعية داخل المملكة والخوف من إيران النووية أبقتا السلطات السعودية على أهبة الاستعداد. وتفسر الاعتقالات الأخيرة للعديد من الجواسيس الإيرانيين، ودعم المتمردين السوريين الذين يحاربون نظام الأسد والتهديدات بالحصول على ترسانتها من الأسلحة النووية  السبب بكون الجهود الإيرانية في المملكة العربية السعودية لا تبشر بالكثير في الوقت الراهن.
قامت إيران بمحاولات عديدة مماثلة لتعزيز قاعدة التأييد لديها بين الكويتيين الشيعة. وتلقى حزب الله الكويت التدريب في إيران واكتسب الخبرة العسكرية على خطوط الجبهة في الحرب ضد إسرائيل. مع ذلك، وخلال السنوات الماضية، لم يتكتل حزب الله الكويت في حركة سياسية مستدامة. وقاوم الحكام الكويتيون باستمرار محاولات إيرانية لكسب موطئ قدم ثورية في المملكة، كما يتضح من تفكيك المخابرات للعديد من خلايا الحرس الثوري الإيراني في الكويت وعمليات الاعتقال لشخصيات رفيعة ومحاكمات لأعضاء في حزب الله. وقد ساعدت أيضاً علاقات التحالف للكويت مع الولايات المتحدة والغرب في منع إيران من كسب الأرض في الكويت.
بعد الثورة، ساعدت إيران في إنشاء حزب الله البحرين، وهي مجموعة عنف منشقة سعت إلى إسقاط النظام الملكي البحريني واستبداله بجمهورية إسلامية على غرار إيران. وأدى دعم قوات القدس لحزب الله البحرين إلى هجمات واغتيال مسؤولين حكوميين بحرينيين. أما اليوم، فيؤكد البعض في الحكومة البحرينية على أن إيران تدعم الجماعات المنشقة الشيعية مثل الوفاق وحركة الحق. وقد اتخذت البحرين تدابير للحد من النفوذ الإيراني، باقصائها الشيعة من الخدمة في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وزيادة قدرات الحرس الوطني البحريني للتعامل مع الاضطرابات المحلية ومراقبة المسؤولين الايرانيين ومجتمع المغتربين الإيرانيين عن كثب.
مع ذلك، وعلى عكس الكويت والمملكة العربية السعودية، تنظر البحرين إلى إيران كحليف محتمل. إذ يؤكد العديد من المتشددين حتى على أن البحرين كانت تاريخياً جزءاً من ايران وستكون كذلك مجدداً عندما تتم الإطاحة بالنظام الملكي البحريني. وفي بعض الأحيان، تساهل مجتمع الشيعة في البحرين المجتمع مع قيادة قوات القدس ووزارة المخابرات للعمل السري، لكنه يبقى أن نرى إلى أي مدى إيران والشيعة البحرينيين على استعداد للمضي قدماً. وقد خلص البعض في البحرين بالفعل إلى أن إيران تقف وراء موجة الهجمات بالعبوات الناسفة، وأحدثها، في أواخر أيار/مايو، التي خلفت وراءها ستة من رجال الشرطة البحرينية الذين أصيبوا بجروح خطيرة.

أفغانستان: توازن ثابت
في أفغانستان، تعتمد قوات القدس على القسم 4000، أو سلك الأنصار. وتم استعادة أسلحة إيرانية المنشأ خلال مداهمات لمنازل ومخابئ وآليات تابعة لطالبان، بما في ذلك صواريخ من عيار107 ملم و 122ملم، ومتفجرات بلاستيكية وقذائف هاون. أما إحدى أهم وظائف سلك الأنصار فهي الحفاظ على شبكات تسهل النشاط غير القانوني عبر الحدود. وتحدث معظم المساعدات القاتلة من ايران إلى أفغانستان على طول المنطقة الممتدة جنوب الحدود الإيرانية ـ الأفغانية. وهي تشمل كل شيء، بدءاً من الشاحنات المحملة بالعبوات الناسفة أو بمقاتلي طالبان الذين يمرون من دون رادع من خلال المعابر الحدودية الرئيسة، وصولاً إلى أشكال أكثر ابتكاراً من التعاون الذي يتيح الاتجار بالأفيون والأسلحة وتمهد للمضي  بالتهريب دون انقطاع خلال الفيضانات الموسمية في حوض هلمند. ويعتمد ضباط القسم 4000 على التجارة غير المشروعة لتنفيذ استراتيجية الحرب الإيرانية غير النظامية في أفغانستان. ويمكن أن يشاركوا أيضاً في صرف أكثر من 100 دولار مليون كل عام وتقديمها لوسائل الإعلام الأفغانية، مشاريع المجتمع المدني، والمدارس الدينية. وقد يؤدي تراجع القوات الامريكية في عام 2014  بقوات القدس إلى تخفيض عديد سلك الأنصار، ثاني أكبر وحدة لديها.

أفريقيا: شركاء الجريمة، الفساد والتوافق
لدى حزب الله وإيران شبكة متنامية لتقديم التسهيلات وتمويل التهديدات في أفريقيا، ويرجع الفضل بذلك في جزء كبير منه إلى جهود حزب الله، التي بدأت مع تحويلات بسيطة من الشتات اللبناني. فقد طورت الجاليات الاغترابية اللبنانية على امتداد أفريقيا مجموعة واسعة من مخططات تبييض الأموال القائمة على التجارة الدولية، والتي تشتمل على تبادل العملات، تهريب النقد، الاتجار بالمخدرات، مراكز الاتصالات والرحلات المباشرة إلى بيروت. إن الدول ذات معدلات الجريمة المرتفعة مثل الكونغو،غانا وبنين لديها أماكن حيث تعلم حزب الله كيفية المزج بين الأنشطة التجارية غير المشروعة والأعمال التجارية المشروعة. إن تجربة حزب الله مع تجارة الماس في ليبيريا وسيراليون تسمح بإتقان السيطرة على تدفق الأموال من أفريقيا إلى لبنان.
حتى الآن تشمل أكبر مخططات حزب الله لتبييض الأموال تجارة السيارات المستعملة في غرب أفريقيا، حيث يتم شراء مئات الآلاف من السيارات المستخدمة من قبل شبكات يسيطر عليها حزب الله في الولايات المتحدة وأوروبا وشحنها إلى مزادات السيارات المستعملة في بنين وتوغو ودول أخرى. وتباع السيارات بعملة الدولار الأميركي ويتم دمج الأموال النقدية مع عائدات الكوكايين التي تباع لشبكات تهريب  المخدرات الأوروبية، الشرق أوسطية والآسيوية وشحنها الى لبنان، حيث يتم ايداعها في بنوك ومراكز الصرافة التي يسيطر عليها حزب الله. ووفقاً لشكوى تاريخية حول مصادرة أصول مدنية رفعت في كانون أول/ديسمبر 2011 ضد البنك اللبناني الكندي الذي يسيطر عليها حزب الله في منطقة جنوب نيويورك:
إن أعضاء وأنصار حزب الله متورطون في نقاط مختلفة في مخططات تبييض الأموال. إذ يقوم أعضاء حزب الله ومؤيدوه بتسهيل تهريب النقد، بما في ذلك عائدات من بيع السيارات المس

موقع الخدمات البحثية