مواد أخرى » بناء جنرالات أفضل

ديفيد بارنو ـ  نورا بن ساحل ـ كاثرين كيدر ـ كيلي سيلر ـ Center for a New American Security
تشرين أول، 2013

موجز تنفيذي
إن الجيش الاميركي بحاجة إلى سلك ضباط تكيفي وإبداعي من أجل التصدي لتحديات القرن 21 المعقدة ـ حيث إن متطلبات إدارة بيئة أمنية دولية متقلبة على نحو متزايد وإدارة المشروع الدفاعي الضخم سوف تصطدم بسرعة بوقائع تراجع ميزانيات الدفاع والقدرات العسكرية العالمية الأميركية المقيِّدة. مع ذلك، إن 12 عاما من الحرب في نزاعات غير تقليدية في العراق وأفغانستان شوهت مهارات سلك الضباط وخفضت كثيراً من مساحة الوقت المتاح للتعليم العسكري المهني وتوسيع نطاق التعيينات. بالإضافة إلى ذلك، إن أكثر من عقد من الحرب غير النظامية قد يؤدي إلى اعداد الضباط بشكل سيئ لما ينتظرنا في المستقبل.
لهذا السبب، يجب على الولايات المتحدة مضاعفة الجهود الرامية إلى تعزيز القادة العسكريين الحاليين والمستقبليين، انطلاقاً من سلك الجنرالات والأدميرالات، وامتداداً إلى كل أولئك الصاعدين لشغل هذه المناصب. فهؤلاء الضباط سيكونون مسؤولين عن قيادة قوة أصغر حجماً وأكثر صرامة مسؤولة عن تحمل مسؤوليات الوطن إزاء الأمن العالمي. إن تحسين مهمة ضابط العلم تعليمه، اختياره وتقييمه هو استثمار حكيم وضروري لضمان حفاظ الأمة على قدرة القيادة العليا على منع الحرب المقبلة، وإذا لزم الأمر، الانتصار فيها.

هناك عدة مبادرات ستحسن، وإلى حد كبير، تطوير ضابط العلم والمساءلة في السنوات المقبلة. فضباط العلم للغد سوف يستفيدون من نظام تعيين يضعهم على طريق أحد اختصاصيين: وظيفة قتالية ("تنفيذية") ووظيفة مؤسسية (" مشاريع"). إن ترميز كل الوظائف المعينة لرتب من فئة النجمتين، الثلاث ـ والأربع ـ نجمات، على أنها إما تشغيلية أو مؤسسية، وتعيين ضباط العلم المختارين لرتبة نجمتين في أحد هذين المسارين، سيمكن الضباط من تحسين تطورهم وتعليمهم لأجل أداء مسؤوليات مهمتهم.

إن زيادة فترة التعيين ـ إلى خمس سنوات ـ من شأنه أن يساهم،  بشكل إضافي، في تعميق الخبرة، التعلم والمساءلة. وسوف تستفيد فترة التعيينات الاطول هذه بشكل أفضل أيضاً من مسارات مهنية أطول ـ إلى 40 سنة وما عداها ـ والتي أصبحت أكثر شيوعاً بين جنرالات وأدميرالات من رتبة ثلاث وأربع نجوم.

سوف يكون ضباط العلم بحاجة أيضاً إلى تعليم قوي، مصمم ومفصل لدعم مسار وظيفتهم المسندة إليهم. ينبغي لضباط على المسار التنفيذي حضور دورة القيادة العليا ودورة الأركان الأميركية الجديدة التي تؤكد على المهارات الاستراتيجية والسياسية والعسكرية. ينبغي لضباط المؤسسات حضور الكليات التجارية وبرامج القيادة المؤسسية التنفيذية، تكملها دورات عسكرية محددة.

أخيراً، سوف يحتاج الضباط إلى عملية اختيار وتقييم تحدد توقعات واضحة للأداء وتعزز المساءلة على امتداد حياتهم المهنية، لا سيما على مستوى فئة الثلاث والأربع نجوم . وينبغي أن تشمل هذه العملية مراجعة للأداء والتقييم الكتابي لجميع الضباط، ما سيعزز بشكل إضافي عملية الإرشاد واستمرار التطوير الذاتي. أما اليوم، فإن هذا النظام يتوقف فجأة عندما يتم ترقية الضابط لرتبة ثلاث نجوم.

وفي حين أن الجوانب الأخرى لإدارة الضباط ـ بما في ذلك الثقافة العسكرية والاحتفاظ بالمواهب ـ سوف تسهم أيضا في قدرة الجيش على اجتياز الغموض الاستراتيجي الهائل للبيئة الأمنية المستقبلية فضلا عن التعقيدات المتنامية للمشروع الدفاعي، فإنها كلها تقع خارج نطاق هذه الورقة. وبينما يبدأ الجيش في التكيف مع بيئة مقيدة الموارد تدعم استراتيجية الأمن العالمي، يجب عليه تنفيذ إصلاحات في تعيين مهمات الضباط، تعليمهم، اختيارهم وتقييمهم. إن القيام بذلك هو استثمار أساسي في إنتاج سلك ضباط متكيف معد جيدا لمجموعة واسعة من التحديات في المستقبل.

مقدمة
سوف يواجه الجيش الأميركي في السنوات المقبلة عدداً من التحديات الاستراتيجية التي تتطلب تفكيراً مبتكراً إلى الأمام وعلى أعلى مستويات القيادة النظامية. سيكون كبار ضباط الجيش الأميركي مكلفين بمسؤولية إدارة المشاريع الدفاعية الضخمة المعقدة بشكل مذهل مع انخفاض الموارد، في حين يُطلب منهم أيضا توفير القيادة التنفيذية التي من شأنها ضمان قدرة الجيش الاميركي على السيطرة في ساحة المعركة في أي صراع محتمل. قد لا تكون الخبرة العسكرية الأخيرة دليلاً مفيداً لهذا المستقبل. فبالنسبة للسنوات الـ 12 الماضية، كانت وزارة الدفاع (DOD) تكبر، وكانت ميزانيتها تتزايد. في هذه الأثناء، كان قسم كبير من قيادة الجيش الاميركي مستهلكاً في القتال في حربين متطلبتين لمكافحة التمرد في العراق وأفغانستان. أما الآن، بالمقابل، فإن الولايات المتحدة تواجه بيئة أمنية دولية تتميز بالغموض وعدم الاستقرار المتزايدين ، حتى بينما تواجه وزارة الدفاع الاميركية ضغوطاً ثابتة باتجاه الأسفل. إن المطالبة بقيادة عسكرية فعالة يمكنها الحفاظ على أرفع المهارات القتالية واتخاذ قرارات المشاريع السليمة سوف يكون أمراً غير مسبوق.
إن النهج الحالي في برنامج " التعليم العسكري المهني" (PME) وتطور كبار الضباط قد لا يُعدّهم بشكل كاف لتلبية تلك التحديات المقبلة. فخلال العقد الماضي، لم ينل العديد من أرفع القادة العسكريين للبلاد ـ الجنرالات والأدميرالات، وأولئك الذين كانوا على وشك شغل أماكنهم ـ إلا فرصاً قليلة بما يتعلق بدوام كامل في برنامج " التعليم العسكري المهني" (PME) وتوسيع التعيينات لتنمية قدرات التفكير الاستراتيجي لديهم أكثر مما فعل العديد من أسلافهم. وعدا بعض التعديلات للتكيف مع عقيدة مكافحة التمرد، ظل "التعليم العسكري المهني" (PME) الذي وفرته المؤسسات العسكرية في العقد الماضي ثابتاً إلى حد كبير على الرغم من التغيرات السريعة الحاصلة في العالم. فضلاً عن ذلك، وبما يتعلق بالجنرالات والأدميرالات، فإن عمق التعليم العسكري المهني (PME)  الرفيع يتناقص تدريجياً بشكل كبير، مع دورات تقاس بالأيام أو الأسابيع بدلا من الأشهر أو السنوات والتي غالباً ما تستثمر في صفوف الضباط الأدنى رتباً. إذ من المطلوب عادة من ضباط العلم العودة إلى تجارب التعليم العسكري المهني الأكثر كثافة في النصف الأول من مهنهم لاثارة المعرفة لديهم لتطبيقها على المشاكل المعقدة اليوم.

إن الاختلاف بين المهارات القيادية لكبار ضباط الجيش الحالي ومتطلبات المستقبل الغامض، إذا ما ترك دون علاج، قد يؤدي  إلى جيش أميركي بقيادة جنرالات وأدميرالات غير مستعدين لتعقيدات حرب مستقبلية ولا جاهزين للإدارة الفعالة بشكل كبير لمشروع دفاعي معقد بشكل ضخم - ومحدودة الموارد الآن. وبينما تخرج الولايات المتحدة من حربيها في العراق وأفغانستان وتباشر في أحدث تراجع عسكري لها، فإن عليها اغتنام الفرص المقدمة لها بسبب الأولويات المقيِّدة مالياً للقيام بإصلاحات مؤسساتية في تعيين الضباط وتعليمهم، اختيارهم وتقييمهم، الأمر الذي من شأنه تعزيز قدرات سلك ضباط العلم في العقد القادم وما بعده. إن المشاكل التي تم حلها سابقا عن طريق ضخ المزيد من الموارد سوف تتطلب الآن تفكيراً ابتكارياً وإدارة إبداعية من قبل كبار القادة العسكريين. فضلاً عن ذلك، ينبغي تعزيز معايير الأداء والمساءلة الشخصية لأصحاب الرتب العالية. إن الحاجة لوجود لفيف من كبار القادة العسكريين المرنين والقابلين للتكيف لم تكن أبدا أكبر مما هي عليه اليوم، وينبغي، ببساطة، تحسين النظم المكلفة إنتاج هؤلاء القادة المبدعين.

سوف يكون ضباط العلم في المستقبل بحاجة إلى ثلاثة أشياء ليكونوا على استعداد كاف لسلسلة من المهام الصعبة المتزايدة. أولاً، سوف يكونون بحاجة إلى فرص تطوير أفضل. ينبغي تصنيف ضباط العلم إلى مسار تشغيلي وومسار مشاريعي منفصلين، مع فترات تعيين أطول للمهمات ، من أجل تعميق خبراتهم وممارسة قيادة أكثر فعالية في واجباتهم . ثانياً، سوف يكونون بحاجة إلى تعليم قوي مؤسساتي على مستوى العلم لإعدادهم لاجتياز الغموض الاستراتيجي العميق وتحديات المشاريع المعقدة المقبلة. ثالثاً، سوف يكونون بحاجة إلى عملية اختيار وتقييم تعزز المساءلة و تحفز على الأداء و التطور المهني على حد سواء. وهناك عوامل أخرى - بما في ذلك إدارة المواهب والاحتفاظ بها، و كذلك غرس ثقافة عسكرية تقدر الفضول الفكري وتحمل المخاطرة – وهي هامة أيضاً لإدارة تحديات البيئة الأمنية في المستقبل، إلا أنها تندرج خارج نطاق هذه الورقة. إن جعل هذه الأمور الثلاثة في نصابها الصحيح سوف يساعد على ضمان قيادة الأمة من قبل قادة عسكريين أفضل، ألمع و أكثر تكيفاً. أما الخطأ في هذا الأمر فإنه قد يحكم على الجيش الأمريكي بالفشل في كل من الابتكارفي المعركة والادارة الإبداعية للبيروقراطية العسكرية الواسعة.

في الواقع، ونظراً إلى النظام المغلق لأفراد الجيش، فإن سلك الضباط الممتحنين في المعركة اليوم (إنما المركز عليهم بشكل ضيق في بعض الأحيان) ـ بدءاً من ضباط أصبحوا في السلك حديثاً وصولاً إلى جنرالات حاليين من فئة نجمتين ـ سيكون بمثابة "الركيزة " الوحيدة لضباط الثلاث والأربع نجوم؛ لا توجد فرص للدخول الجانبي من الخارج. فالرؤساء الأربعة أو الخمسة لكل جهاز من الأجهزة أو رؤساء (أو رئيسات) هيئة الأركان المشتركة هم في الخدمة العسكرية بالفعل اليوم. ينبغي أن يصبح كبار القادة العسكريين هؤلاء ماهرين للغاية في جميع أشكال الصراع، بدءاً من "حروب السيليكون" والحرب الإلكترونية وصولاً إلى الصراعات التقليدية مع الدول القومية والصراعات غير النظامية التي يغذيها الإرهاب والجريمة العابرة للحدود. فضلاً عن ذلك، ينبغي أيضاً لعدد كبير من ضباط العلم المستقبليين هؤلاء السيطرة على تعقيدات إدارة المؤسسة الدفاعية الهائلة التي تضم أكبر وأعقد عدد من الموظفين والنظم اللوجستية والأجهزة في العالم. يجب أن يكون كبار ضباط الجيش أكثر قدرة من أي وقت مضى على التنقل بين الوكالات المعقدة والبيئات السياسية في واشنطن، حيث أن صناع السياسة المدنية يسعون للاستفادة من جميع عناصر السلطة الوطنية. إن هذه اللحظة تتطلب إعادة تقييم دقيق لكيفية بناء أفضل الجنرالات والأدميرالات للتعامل مع بيئة معقدة وسريعة التغيير في المستقبل.

البيئة المتغيرة
منذ أيلول/ سبتمبر 2001، كان الجيش الامريكي مستهلكاً بسبب خوضه حروباً طويلة في أفغانستان والعراق. في الواقع، يواصل أكثر من50000 جندي أميركي محاربة المتمردين في أفغانستان اليوم، حتى مع تحرك الولايات المتحدة لسحب جميع قواتها المقاتلة هناك بحلول نهاية عام 2014، لتختم بذلك، وبشكل فعال أطول حرب في البلاد. وعلى امتداد الحملات في العراق وأفغانستان، ركز التخطيط العسكري على التكيف بأسرع وقت ممكن من المعارك المفتوحة التقليدية نسبياً ضد طالبان وصدام حسين وصولاً إلى متطلبات عمليات مكافحة التمرد المطولة والمتغيرة باستمرار ـ حروب لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لخوضها في بداية العقد الماضي، وهذا واضح. على الرغم من الشجاعة الهائلة واالتكيف المطرد مع متطلبات كل صراع، فقد فشلت القوات الأميركية بتحقيق نصر استراتيجي حاسم على أي من هذين المسرحيْن. هذا الواقع ـ مع بعض التساؤلات حول تحركات الجيش الأميركي ـ سيشكل التفكير العسكري وجوانب نقاش الأمن القومي، على حد سواء، لسنوات قادمة. مع ذلك، من المرجح أن تكون البيئة الأمنية الدولية للغد مختلفة كثيرا عن تجربة السنوات الـ 12 الماضية، وربما تمثل بالفعل تحديات جديدة إلى حد كبير بالنسبة للجيش الأميركي والتي تتطلب، وبشكل ملحوظ، استراتيجيات، منظومات أسلحة، مفاهيم عمليات كلها جديدة.

سوف تتصف هذه البيئة الأمنية المستقبلية بانتشار المصادر المحتملة للصراع وبالتطور المتزايد للتكنولوجيات ومنظومات الأسلحة. وستواصل الدول القومية التقليدية المتنافسة الحصول على نظم الأسلحة التقليدية وتحسينها وعلى قدرات منع الدخول الى المناطق(  anti-access/area  )، بينما سيشكل الأفراد  والجهات الفاعلة غير الحكومية تهديدات إضافية. وكما خلص " مجلس الاستخبارات الوطنية " في تقييمه للاتجاهات العالمية،  فإن " أفراداً ومجموعات صغيرة سوف يكون لديهم قدر أكبر من إمكانية الوصول إلى التكنولوجيات الفتاكة والمدمرة ( لا سيما قدرات الضرب الدقيق، الأدوات السيبرانية والأسلحة الإرهابية البيولوجية )، ما يمكنهم من ارتكاب العنف على نطاق واسع – قدرة  كانت سابقا حكراً على الدول. وفي الوقت نفسه، فإن الضغوط الديموغرافية، بما في ذلك التحضر السريع والانتفاخات الشبابية غير المستقرة، يمكن أن تزيد من احتمالات نشوب صراعات متفجرة في البيئات الحضرية. كل هذه العوامل تؤكد على الحاجة لضباط علم مرنين وقابلين للتكيف.

سوف تشهد السنوات القادمة تقاربا صعباً بين مسؤوليات الأمن العالمي الأميركي من دون تغيير إلى حد كبير، زيادة عدم الاستقرار في المنطقة وتقلص موارد الدفاع. من المحتمل أن تُمتحن المستويات العليا في الجيش الأميركي بطرق غير مسبوقة. أما بما يتعلق بما هو أبعد من المهارات اللازمة لإدارة المخاطر الأمنية، فإن القادة العسكريين بحاجة لامتلاك كفاءة لا تضاهى بجميع عناصر الحرب الحديثة، وكذلك امتلاك القدرة على تحمل مسؤوليات الإدارة المؤسسية التي لا علاقة لها، في نواح كثيرة، بالمهارات القتالية الأكثر تقليدية. هذا التنوع الواسع من المهارات يتحدى تشابهات واضحة مع مساعٍ معاصرة أخرى على نطاق واسع .

بالتالي، إن ضباط العلم في المستقبل بحاجة لأن يكونوا متعددي المواهب بشكل غير عادي، وذوي قدرة عالية على التكيف لإدارة تعقيدات مؤسسية استراتيجية هائلة. ويبين التاريخ أن من غير المرجح أن يخوض قادة الجيش الحرب القادمة بشكل صحيح تماماً. مع ذلك، واذا كان بالإمكان تعليم هؤلاء القادة أن يكونوا متكيفين في السلام، فسوف يكونون أفضل استعداداً بكثير من العدو لجهة الاعتراف بالأخطاء الحتمية وتصحيحها عندما تندلع الحرب القادمة. فإذا ما فشلت قيادة الأمة بالاستثمار في العمليات الفضلى لتحسين تعيين مهام هؤلاء الضباط وتعليمهم، اختيارهم، وتقييمهم، فإنها تخاطر بأن يكون لديها جيش غير مستعد للانتصار في البيئة الأمنية المحفوفة بالمخاطر التي سوف تواجهها الولايات المتحدة لا محالة تقريباً.

الفرص المتمثلة بفترات المهنة الممتدة
 لحسن الحظ، يقدم مزيج من العوامل فرصاً وآفاقاً بما يتعلق بوظائف أطول بكثير لضباط العلم. إن المزايا المحتملة للإبقاء على الضباط الأفضل والأكثر خبرة في الخدمة لمدة أطول في ذروة قدراتهم المهنية أمر لا مغالاة فيه. وعلى الرغم من أن القانون الحالي يتطلب من الضباط  من فئة نجمة أو اثنتين التقاعد بعد 30 و35 سنة من الخدمة، على التوالي، (أو بعد خمس سنوات في الدرجة، الأمر الذي لا يحدث أبداً لاحقاً )، فإن الضباط من فئة ثلاث أو أربع نجوم يمكن أن يكون لديهم مهنة تمتد إلى 40 عاما، وأكثر. نتيجة لذلك، فإن ما يقرب من 190 من أكبر ضباط العلم الأميركيين لديهم فرص أكبر بكثير الآن للقيام بمهام أطول وتطوير مهني أعمق. وقد تسلم هؤلاء الضباط مناصب قيادية متلاحقة جداً في كل الجيش الأميركي. فبالسماح لهم بخدمة أطول، وبشغلهم مناصب لفترات طويلة وتحمل خيارات تطويرية أكثر شمولاً يوفر هذا الأمر  مردوداً محتملاً أعلى بكثير بشأن هذا الاستثمار للرأسمال البشري الكبير.

من المرجح أن تزداد فرص وجود وظائف أطول وأكثر إنتاجية لكبار ضباط العلم في السنوات المقبلة وذلك لسببين، الأول، إن العمر المتوقع في تحسن مستمر ـ مع زيادة قدرها ما يقرب من عامين في السنوات العشر الأخيرة فقط ـ كما تتحسن الصحة والتغذية، مما يمكِّن بالتالي من سنوات صحة جيدة جداً ومثمرة للغاية لدى الأفراد في العقد السادس من العمر. السبب الثاني، تمت إزالة المثبطات الكبيرة داخل منظومة الأفراد العسكريين المتعلقة بتأخير التقاعد في محاولة لتشجيع كبار الضباط على العمل لفترة أطول.

لقد أزالت التغييرات في قانون التفويض الصادر عن الدفاع الوطني لعام 2007 ، الذي دافع عنه وزير الدفاع  آنذاك دونالد رامسفيلد، القيود الطويلة الأمد على أجر التقاعد، الذي كان قد بلغ ذروته بنسبة 75 في المئة من المرتب الأساسي بالنسبة للأفراد الذي أمضوا في الخدمة  30 سنة أو أكثر. وبدلا من ذلك، يتم التعويض على الأفراد المتقاعدين من الخدمة بعد 1 كانون الثاني/ يناير 2007، على كل عام بعد 30 عاما من الخدمة بنسبة إضافية تبلغ 2.5 في المئة من معدل التقاعد. وبالتالي، فإن الأفراد المتبقين في الجيش من الذين تخطوا الـ 40 عاما في الخدمة ـ المرحلة التي سيكون فيها معدل التقاعد يساوي 100 في المئة – سوف يكسبون في التقاعد أكثر من الخدمة الفعلية؛ سينال ضابط العلم المتقاعد بعد 42 عاماً من الخدمة 105 في المئة من متوسط  راتبه آخر ثلاث سنوات له/ لها في الخدمة. وعلى الرغم من أن هناك عددا قليلا من ضباط العلم  الذين يقررون زمن تقاعدهم على أساس الحسابات المالية، في المقام الأول، فإن هذه التغييرات لا تخلق الحوافز لأجل البقاء في الخدمة فترة أطول.

 لهذه الأسباب، من المرجح أن تستمر إطالة متوسط  الخدمة الوظيفية لكبار ضباط العلم في السنوات القادمة، لتصبح الخدمة حتى 40 سنة وأكثر أمراً أكثر شيوعاً. هذا الأمر، بدوره، يمثل وجود إمكانيات لتولي منصب ما لفترة أطول في التعيينات، وبالتالي تعزيز آفاق التفكير الاستراتيجي لفترة أطول، وتعزيز تحمل مخاطرة أكثر ذكاء وتوفير حلول للمشاكل أكثر خبرة ـ الأمر الذي من شأنه مساعدة سلك ضباط العلم في أميركا على إدارة تعقيدات مؤسسة الدفاع في القرن 21. فضلاً عن ذلك، إن هذا الجدول الزمني المدد للمهنة سيوفر المزيد من الوقت للاستثمار في توسيع التعيينات، التعليم، التطوير، التقييم والملاحظات التي سوف يحتاجها الضباط من أجل الاستعداد لإدارة هذه التحديات المعقدة لاحقاً.

دور التعيينات
إن الترقية من رتبة عقيد إلى عميد (أو نجمة واحدة ) هي إحدى أكبر القفزات النفسية التي يمكن أن يتخذها ضابط. إنها رمزية غنية: فالضابط الذي يترقى يزيل عن ياقته، أو ياقتها، شارة فرعه، أو فرعها ... ويضع نجمة واحدة. وبصفته عميدا [ أو أدميرالا ]، فإن الضباط الذين تمت ترقيتهم حديثا لا يعودون يمثلون جزءاً من [خدمتهم ]، بل هم الآن حكام ومديرو الخدمة العسكرية بأكملها. وبصفتهم أعضاء من... القلة المختارة، فإن من المتوقع منهم  التحكم  بمختلف الفروع والتنسيق فيما بينها ما يعني، أن يصبحوا اختصاصيين.

هذا المقطع من كتاب " الجنرالات" لـ " توم ريكس" يلتقط توتراً أساسياً موجوداً على مستوى ضباط العلم.  إن الضابط المرقى إلى رتبة العلم يصبح ، تقليدياً " جنرالاً " يمكنه تحمل مسؤوليات متنوعة بنجاح. إلا أن هناك أفراداً محددين من غير المرجح ألا يكونوا بارعين، على قدم المساواة، في جميع المهارات. فإتقان خوض القتال يختلف إلى حد كبير عن القيادة الفعالة المتعددة الأوجه للمشاريع التجارية. إذ تعني البيئة الأمنية العالمية وجو المشاريع والأعمال اليوم أن من الضروري للقادة المهرة ذوي المواهب المتخصصة والخبرات أن يصلوا إلى التعيينات باعتبارهم خبراء في مجال حقائبهم. فلا منعطفات التعلم الحادة في ساحة المعركة (مع قياس التكاليف بالخسائر في القتال) ولا القرارات التجارية المتواضعة في البنتاغون تعتبر نتائج مستقبلية مقبولة. مع ذلك، إن النظام اليوم يكرس، من نواح عديدة، الأداء دون المستوى الأمثل في كل من المجالين.

على مدى السنوات الـ 12 الماضية من الحرب، منعت الوتيرة التشغيلية لعمليات الانتشار القتالية المتكررة  التعليم وتوسيع المهام للعديد من الضباط، خاصة في الجيش، المارينز، وقوات العمليات الخاصة. وقد مهدت توقعات ما قبل الحرب للتعليم الدوري  للمقيمين وتوسيع المهام والتعيينات الطريق أمام تركيز زمن الحرب على دورة متكررة لعمليات الانتشار القتالية. فضلاً عن ذلك، إن الفترة الزمنية القصيرة بالفعل التي قضاها الأفراد في مناصبهم ـ حوالي السنتين عادة ـ قد تم الاقتطاع منها أكثر لتصبح مدة الدورات القتالية عاماً واحداً وقد ركزت التوظيفات الأقصر حتى على مهام متعلقة بالانتشار القتالي حصراً.

مع ذلك، إن المهارات التي يتطلبها ضباط العلم في الواقع قد تحاذي بشكل متواضع اتجاهاً قوياً لتعزيز قوات مقاتلة ناجحة، أو "مشغلين" لرتبة العلم. على سبيل المثال، لقد وجدت دراسة تاريخية لـ " مكتب التحليل الاقتصادي والقوى العاملة للحيش" أن ما يقرب من 65 في المئة من الضباط بنجمة واحدة، و 80 في المئة من الضباط بنجمتين، 82 في المئة من الضباط بثلاث نجوم و 92 في المئة من فئة أربع نجوم هم في مناصب إدارة مشاريع غير تشغيلية. ولدى كل جهاز توزيع مختلف لهذه المناصب، مع أدنى نسبة مئوية لمناصب المشاريع على مستوى ضباط العلم في سلاح البحرية. أما عبر الأجهزة، فإن هذه الوظائف تحاذي بشكل وثيق مسؤوليات إدارة الشركات المشتركة المسؤوليات، مثل العلاقات الإنسانية، الشؤون العامة، وإدارة سلسلة التوريد العالمية، وتكنولوجيا المعلومات.

في كل الأحوال، إن الضباط المختارين للترقية إلى رتبة جنرال بنجمة واحدة يميلون مع ذلك لأن يكونوا في الغالب مشغلين من الذين قضوا عقوداً يقودون تشكيلات قتالية. ففي الجيش وحده، هناك ما يقرب من 50 في المئة من الرتب من فئة النجمة الواحدة، 70 في المئة من نجمتين، 80 في المئة من ثلاث نجوم و 85 في المئة من فئة أربع نجوم ممن تمت ترقيتهم من المجالات الوظيفية التشغيلية. ونظراً للافتقار الواسع للخلفية المشاريعية لدى من وقع عليهم الاختيار لرتبة العلم، فإن هناك خطر أن يكون العديد من ضباط العلم غير مهيئين لمتطلبات وظائف إدارة المشاريع التي من المرجح أن يتم تعيينهم لها.

"تتبع" ضباط العلم في المسارات التشغيلية والوظيفية للمشاريع
ستواصل أجهزة الثقافات مكافأة القوات المقاتلة وتشجيعها لأن المهمة الأكثر أساسية للجيش هي القتال وكسب حروب البلاد عندما يُستدعى للقيام بذلك. لا ينبغي أبداً لأي تعديلات على التعيينات العسكرية، ولا لأنظمة التعليم، الاختيار أو التقييم أن تضع روح هذا المحارب في خطر. لهذا السبب بالذات، فإن معظم الضباط المختارين لنيل نجمتهم الأولى هم متصدرون تشغيليون، غارقون بشدة في التكتيكات والقتال، لكنهم يفتقرون مع ذلك في كثير من الأحيان للتعرض لمتطلبات مختلفة جداً محيطة بإدارة مؤسسة الدفاع الهائلة. وبينما يتم ترقية هؤلاء الضباط إلى رتبة من نجمتين وما عداها، فإن المستويات العليا من الجيش مليئة بالقادة العملياتيين الذين لم يتم إعدادهم جيداً لمسؤولياتهم المعقدة في مجال الإدارة. ويعامل الجيش الاميركي في كثير من الأحيان، ضباط العلم هؤلاء كأجزاء قابلة للتبديل، وهي ممارسة تسفر عن نتائج دون المستوى الأمثل وتنحرف عن التقاليد العسكرية، على حد سواء.

مع ذلك، إن العمليات العسكرية الناجحة لا تحدث من فراغ. إنها تتطلب تخطيطاً لوجستياً استثنائياً، اقتناء وإيفاد الأسلحة الصحيحة، توظيف واستبقاء الأفراد الصحيحين، إدارة فعالة للمعلومات، وذلك من بين أمور أخرى. إن الإدارة المتفوقة للمؤسسات والمشاريع عنصر ضروري وحيوي للقدرات القتالية. كما أن تحفيز ومكافأة الأداء المتميز في المهارات غير العملياتية أمر حيوي، وهناك يجب أن توجد مسارات واضحة للتطوير والتعزيز في مجالات مثل عمليات الاقتناء، الخدمات اللوجستية وإدارة شؤون الموظفين. ونظراً للعدد الكبير لوظائف ضابط العلم التي تتطلب مهارات مؤسسية، فإن على الجيش أيضاً التقييم، وبجدية، متى وكيف يختار، ويطور ويتعقب ضباط العلم الذين يمكنهم التفوق في أدوار هذه القيادة المؤسسية المتطلبة في رأس المؤسسة.

بالتالي، إن أي مسار تطويري لأجل قيادة عليا ينبغي أن تحدد الأفراد الذين يمكنهم، جماعياً، تعبئة أصحاب الرتب الرفيعة ذوي المهارات اللازمة المطلوبة ليس فقط لتحقيق النجاح العملياتي فحسب ولكن أيضا لتوفير قيادة مؤسسة ومشاريع فعالة. أما أحد الحلول الواضحة لهذا التفاوت الذي طال أمده فهو تقسيم حشد ضباط العلم إلى مسارين ـ التشغيلي ( العملياتي) والمؤسسي (المشاريع ) ـ عند مرحلة اختيار الرتب من فئة نجمتين. سيتم ترميز كل وظيفة من وظائف ضابط العلم على أنها إما تشغيلية أو مؤسسية. هذه العملية من شأنها أن تحدد حتماً نوع القائد اللازم لكل وظيفة، مما يجعل من الأسهل العثور على ضابط العلم الصحيح من ذوي المهارات المناسبة للوظيفة. فعبر الأجهزة الأربعة يتم اختيار ما يقرب من 60 ضابطا للترقية إلى رتبة نجمتين كل عام. وعقب اختيارهم ، يتم تقييم هذا الفوج من قبل لجنة كفاءة بقيادة جهاز خدمة لتقديم توصيات إلى كل رئيس من رؤساء أجهزة الخدمة العسكرية حول تتبع الضباط المختارين الجدد. أما الأرقام المحددة المطلوبة للوظائف التشغيلية أو المؤسسية فتختلف كل عام وفقا للاحتياجات المتطورة للخدمة العسكرية. ويقدم الرسم 1 بعض الأمثلة على مهام ضابط العلم المهام المندرجة في كل فئة من الفئات.

إن هذا النهج من شأنه أيضاً أن يشجع على تنامي جوهري لخبرات حيوية في كل مسار من المسارات والتمكين من تكرار التعيينات لمهمات ذات فترات مطولة أكثر للاستفادة بفعالية قصوى من موهبة اعدادهم بعناية. لن تعود بعد الآن فترة خدمة التناوب الروتيني للضباط من رتبة نجمتين فما فوق فترة قصيرة تمتد لعامين في الوظيفة، ولن يكون من الضروري، وبانتظام، تعيين ضباط علم من ذوي الخبرة القليلة سابقاً لوظائف مؤسسية رفيعة. سوف تزداد الخبرة وتنمو؛ سوف تتراكم الخبرات ذات الصلة ويعاد استخدامها؛ وسوف تزداد الاستمرارية بين القادة، في الوقت الذي يصبح فيه الاضطراب و" تعلم اكتشاف" كبار القادة  لأجل تسلم الوظيفة شيئاً من الماضي.  

الرسم 1 : أمثلة تتبع ضابط العلم

stars3a_637


طول فترة التعيينات: استمرارية وخبرة متزايدة
إن طول الوقت الذي يمضيه ضباط العلم في التعيينات يشكل أحد العوامل الرئيسة التي تحدد نجاحهم على مستوى المؤسسة. فمن الناحية المثالية، سوف يتم تخصيص كل قائد رفيع بـ "الفترة الزمنية الأمثل لحرية للسلطة التقديرية" ـ أي مقدار الوقت الضروري لمعرفة وفهم، وتحمل المخاطر، والتعديل والبناء على تجربتهم التي حصَّلوها بشق الأنفس. ووفقاً لدراسة أجراها مجلس علوم الدفاع عام 2011، " غالباً ما يتمتع العالم التجاري بحياة مديدة في مجال القيادة الأمر الذي لا تتمتع به وزارة الدفاع ... توافق دراسات الحالات على أن هناك حاجة إلى 5-7 سنوات لتحقيق تغيير ثقافي".

زاد الجيش الامريكي، بنجاح، طول فترة التعيينات في الماضي، لا سيما بالنسبة للمراكز التي تتطلب الابتكار. وهناك ثلاثة أمثلة تشمل فترات تعيين الجنرال كورتيس ليماي كقائد للقيادة الجوية الاستراتيجية (SAC)، الأدميرال هيمان ريكوفر كمدير المفاعلات البحرية (DNR) والليفتانت جنرال ستانلي ماكريستال كقائد لقيادة العمليات الخاصة المشتركة (JSOC).

عندما أنشأت الولايات المتحدة " القيادة الجوية الاستراتيجية" ( SAC ) في عام 1946، لم تكن تشبه أي شيء كان موجوداً قبلها. وبتكليفها القيادة والسيطرة على ترسانة البلاد النووية المزدهرة، اعتمدت قيادة SAC على التعلم المستمر لتعزيز الردع ضد الاتحاد السوفياتي. وتولى ليماي، قائد SAC الأكثر تحولاً، القيادة من عام 1948 حتى عام 1957. هذا الدور لمدة تسع سنوات سمح لليماي بإعادة تشكيل SAC لتصبح، وبشكل كبير، مؤسسة ضخمة إنما على درجة عالية من الانضباط والقدرة على إطلاق الأسلحة النووية حول العالم.

وبالمثل، فإن منصب ريكوفر غير المسبوق كمدير للمفاعلات النووية (DNR) من العام 1949 وحتى العام 1982 مكنه من  تطوير الدفع النووي للسفن الحربية والغواصات البحرية. لقد زاد الابتكار تحت قيادته من قدرة سلاح البحرية على التخفي إلى حد كبير، ومن قدرته على الامتداد  كما زاد من قدرات هذا السلاح. وعند تقاعد ريكوفر في عام 1982،  أصدر الرئيس رونالد ريغان - معترفاً بأهمية فترة العمل في التعيينات – نظاماً تنفيذياً، الذي وُقَّع في وقت لاحق ليصبح قانوناً، والذي نص على أن يخدم مدير DNR مدة ثماني سنوات.

في الآونة الأخيرة، وفي حربي العراق وأفغانستان، سمحت فترة الخمس سنوات لماكريستال في منصبه كقائد " قيادة العمليات الخاصة المشتركة" (JSOC) بوجود قيادة مبتكرة على المستووين المؤسساتي والعملياتي (التشغيلي) . فعلى مدى مسار قيادته الطويلة، أعاد ماكريستال تنشيط علاقة" قيادة العمليات الخاصة المشتركة" (JSOC) مع وكالة المخابرات المركزية (CIA) والمنظمات الاستخباراتية الأخرى. ووفقاً لأحد المراقبين، لقد أدى هذا الأمر إلى "العديد من النجاحات مثل القبض على صدام حسين في عام 2003 وقتل أبو مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم القاعدة في العراق، في 2006. وأصبحت قيادة (JSOC) بظل ماكريستال، عبارة عن عملية صيد الإرهابيين تدير آلاف المهمات وتزيد من مستوى كفاءتها وفتكها ".

بسبب فترات انتدابهم للمهمات، تم تمكين هؤلاء القادة الكبار من تحمل المخاطر وعبء الفشل، على حد سواء ـ وهما عنصران من عناصر عملية التعلم الضرورية لتطوير تفكير حاسم ومبتكر. على الرغم من أن بعض الوظائف الحالية تؤدي بالفعل إلى التمكين من فرص القيادة والتعلم لفترة أطول، فإن الميل هو أن تكون الاستثناء وليس القاعدة.

إن التفاوت بين هذه الحالات ومتوسط فترات الوظائف لضباط العلم اليوم مدهش. فعلى سبيل المثال، قد يمضي ضباط العلم من فئة 4 نجوم في الجيش اقل من 15 شهرا في أحد التعيينات. إن مثل هذه المهام القصيرة الأجل يمكن أن تعيق الابتكار، حيث أنه لن يكون هناك من حافز كبير للاستثمار في التغييرات التي قد لا يستفيد منها سوى خليفة القيادي البارز ـ أو بالغائها بتبديلهم في غضون أشهر، الأمر الذي يعتبر محبطاً على حد سواء. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لتولي منصب ما لفترة قصيرة أن يثني أصحاب المهمات عن المجازفة. مجازفة تشكل بطبيعتها إمكانية للفشل؛ فمع هذه التعيينات القصيرة الأجل، ليس هناك وقت للتعلم من الفشل وإجراء التصحيحات. إن التعيينات لفترة طويلة  تؤدي الى التمكين من "حلقة تعلم مزدوجة"، ما يوفر الوقت للقيام بالمجازفة، التقييم والتعديل. كما يسمح للأفراد، وعلى حد سواء، بتعميق خبراتهم وأن يكونوا مسؤولين ومحاسبين بالكامل عن قراراتهم بمرور الوقت.

يمكن لكبار القادة اجراء مقاربة أكثر استراتيجية على المدى الطويل إذا ما علموا أن مدة خدمتهم ستكون ممتدة. فهم يفهمون بسرعة أن عليهم العيش مع العواقب المطولة للقرارات المتخذة من قبلهم في وقت سابق في مهمة ما. ونادراً ما يكون الحال كذلك اليوم، كما أن هناك ميلا للتحفيز على تحقيق مكاسب على المدى القصير. لهذا السبب، ينبغي للجيش أن يمدد مدة التعيينات لكل الضباط من فئة ثلاث وأربع نجوم لفترة لا تقل عن ثلاث سنوات، بهدف التحرك قدماً نحو تعيينات لمدة خمس سنوات. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي اعتبار أول سنة لكل تعيين لضابط علم رفيع بمثابة اختبار، ما يسمح بعمليات نقل من دون عقوبة لضباط ثبت بأنهم متواضعي الأداء في مهامهم. وينبغي توسيع هذا النهج لتحديد المجال الذي يكون فيه الضابط برتبة نجمة ـ ونجمتين ـ مجدياً ومفيداً.
إن دراسة لدور المهام والخبرات وفترة العمل في صفوف ضباط العلم اليوم تقود إلى عدة اقتراحات من أجل التغيير. وإن تحقيق هذه الأفكار من شأنه أن يعمق معارف الخبراء، يرفع الاستمرارية إلى حد كبير، يقلل التعطيل ويسمح بإدارة حشد من ضباط العلم اليوم بشكل هادف عن طريق مطابقة الشخص المناسب ذي المهارات الصحيحة مع الوظيفة المناسبة على نحو فعال.

توصيات
ينبغي لوزير الدفاع توجيه أمناء الخدمة العسكرية  نحو الأمور التالية:
• ترميز جميع وظائف ضباط العلم على مستوى نجمتين، ثلاث وأربع نجوم على أنها إما تشغيلية (عملياتية) أو مؤسسية لتسهيل الموضعة الصحيحة للضباط ذوي المهارات والخبرات ذات الصلة. (الوظائف المشتركة لنفس الصف العسكري سوف تكون مدرجة ومنظمة من قبل هيئة الاركان المشتركة).
• تعيين ضباط العلم المختارين، رسمياً، لرتبة نجمتين كأعضاء إما في المسار التشغيلي وإما في المسار المؤسسي، والحفاظ على استمرارية التعيين في كل من هذين المسارين بالنسبة لما تبقى من وظائف الضباط، وبالتالي تعميق المهارات والخبرة والتعليم في كل من الفئتين.
• تعيينات ممددة لجميع ضباط العلم من فئة الثلاث والأربع نجوم إلى ثلاث سنوات كحد أدنى ( التحرك قدماً نحو هدف الخمس سنوات) للتمكين من تحقيق حلقة التعلم المزدوج. (ستتَّبع التعيينات لضباط  من فئة ثلاث وأربع نجوم قواعد متطابقة ).

الممارسات الفضلى للشركات
على الرغم من أن لدى قطاع الشركات والجيش الاميركي ثقافات فريدة من نوعها ورغم أنهما يسعيان في نهاية المطاف إلى تحقيق غايات مختلفة، فإن الشركات، مع ذلك، توفر عدداً من الممارسات الفضلى التي قد تكون بمثابة نماذج لتطوير كبار القادة العسكريين. فالشركات لديها مصلحة راسخة - تقاس بالأرباح – في التوفيق بين المواهب الصحيحة ومجموعة المهارات وبين متطلبات المراكز المتاحة. ومن أجل الإعداد والتجهيز للأداء العالي للمناصب القيادية الرفيعة، تستثمر الشركات الموارد في تطوير وتثقيف القوى العاملة لديها. ومن أجل الحفاظ على ميزة تنافسية في السوق، تنخرط الشركات في عمليات تقييم صارمة لضمان تحفيز الأداء العالي على جميع جميع المستويات. وبينما يدرس الجيش أفضل الطرق للاستفادة من إطالة فترة المنصب لكبار قادته، فإنه قد يتعلم دروساً قيمة من قطاع الشركات.

التطوير
تدرك الشركات، كالجيش، قيمة التطوير التجريبي في زرع القدرات الأساسية. إذ يشارك كبار التنفيذيين في شركة جنرال اليكتريك (GE) في " استكشافات القيادة ": تجربتان إلى ثلاث تجارب غامرة يومياً، وغالباً في بلدان العالم الثالث، يكون القصد منها نقل المشاركين إلى خارج منطقتهم المريحة. في المقابل، تعزز هذه التجارب التفكير والوعي الذاتي. وبالمثل، يشارك صغار المديرين في هندوستان يونيليفر (Hindustan Unilever ) في برنامج تدريبي يمتد من ستة إلى ثمانية أسابيع حيث يعيشون ويعملون في القرى الهندية الريفية كوسيلة لتعزيز الإبداع والحساسية الثقافية.
إن عمليات التطوير الناجحة تشجع الحوار المفتوح حول النجاحات والفشل. هذا يساعد على تطوير التفكير الابتكاري، كما أنه يقولب المجازفة الصحية والقدرة على التعافي والتعلم من الفشل. ففي حرم
GE Crotonville الجامعي، يتقاسم كبار القادة  وصولاً إلى الرئيس التنفيذي للشركة مثل هذه الخبرات مع المرؤوسين. إذ يصرف كبار المديرين التنفيذيين للشركات العالية الأداء جزءاً كبيراً من هذا الوقت – ما لا يقل عن 25 في المئة من وقتهم-  على تطوير القادة المرؤوسين؛ وتقول شركتا جنرال اليكتريك (GE) وبروكتر أند غامبل العملاقتان إن كبار المديرين التنفيذيين يقضون 40 في المئة من وقتهم في تطوير القادة الآخرين.

التعليم
التعليم أمر بالغ الأهمية لتطوير قادة الشركات. وعلى عكس الجامعات الأكاديمية، التي تسعى إلى تعليم الطلاب "كيفية التفكير"، فإن جامعات الشركات تسعى إلى تعليم الطلاب " ما الذي يطبقونه ".  وفي حرم Crotonville الجامعي التابع لها، تستخدم شركة GE التعليم التجريبي ومناهج دورات المناقشة الندية لغرس المعرفة الفنية وتعزيز التفكير النقدي الخلاق بين الطلاب. وتنفق شركة (GE) ما يقرب من1000000000 $ سنويا على مثل هذه التدريب والتعليم. وواصلت (GE)، بشكل ملحوظ،  خططها لاستثمار المزيد من الموارد في التعليم ـ وجعل التعليم حتى في أعلى أولويات الشركة ـ خلال الانكماش الاقتصادي عام 2008. هذا الدرس ينبغي أن يكون هو الدرس البارز، والخاص، بالنسبة لوزارة الدفاع في الفترة القيود المالية المقبلة.

الانتقاء والتقييم
تثمن شركات مثل جنرال اليكتريك، هندوستان يونيليفر، فيريزون، هانيويل، جوديير وبروكتر أند غامبل
الجدارة والتمايز في المهارة كعنصرين أساسيين لنجاح الشركات. فبما أن النجاح يتطلب مطابقة للموظف الصحيح مع المركز الصحيح، فقد أنشأت كل شركة من هذه الشركات نظم تقييد صارمة. إن التقييم الفعال يوفر ملاحظات للموظفين حول المزيد من السبل للتطوير، مع تزويد كل شركة ببيانات قوية حول المواهب المتوفرة. وبينما يتطور ويتقدم الموظفون لتسلم المناصب القيادية، يصبح التقييم عملية أكثر صرامة وفردية، لتشمل المستويات العليا. ولأن هذه الشركات الناجحة تفرّق، وباقتدار، بين مجموعة من المهارات لدى موظفيها، فإنها قادرة على تحسين أداء رأسمالها البشري.

نتائج الشركات الناجحة
على الرغم من أن جميع الشركات لا تعرض نفس المستوى من الالتزام ـ الذي يقاس إما بالوقت أو بالموارد ـ في تطوير المواهب كما نوقش أعلاه، فإن مثل هذه الاستثمارات تسفر فعلاً عن أرباح في الأداء بمقاييس معترف بها. وكما خلص مسح  أجرته " مجموعة هاي" (Hay Group) حول  "أفضل الشركات للقيادة"، فإن هذه الأساليب ترتبط في كثير من الأحيان بالنجاح التنظيمي وبزرع قادة أقوياء ومبتكرين. وعلى الرغم من أن الحكم على الأداء العسكري يتم بواسطة معايير مختلفة، تبدو الممارسات الفضلى للشركات تتخطى تلك التي للجيش في تطوير كبار القادة ـ مجال مقارنة قد يكون مثمراً بشكل خاص.

تعليم ضباط العلم المستقبليين
نظام التعليم العسكري المهني (PME ) الحالي
كان التعليم العسكري المهني دائماً عنصراً حاسماً دائماً في تطوير قادة الجيش الاميركي لأنه يقوم على مبدأين رئيسيين: التدريب على التيقن، بحيث يكتسب الأفراد العسكريين والتخصص بالمهارات اللازمة لأداء مهام معروفة، و" تثقيف أنفسهم إزاء الغموض"، بحيث يكون لديهم قاعدة معرفية واسعة ومهارات التفكير النقدي اللازمان للتعامل مع حالات غير متوقعة . أما تاريخيا، فقد ظل التعليم العسكري المهني ( PME ) أولوية عالية حتى عند خفض الميزانيات وانحطاط قوة التركيبة العسكرية. وربما أبرزها، الزيادة الكبيرة لاستثمار الجيش في مجال التعليم خلال السنوات الصعبة بعد الحرب العالمية الأولى، والذي كان أحد الأسباب الهامة الذي مكنته من التوسع بسرعة والانتصار خلال الحرب العالمية الثانية (انظر النص التالي بعنوان " قوة التعليم خلال الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية"). في الواقع، لقد "أمضى الضباط بين عامي 1919 و1941، وبشكل روتيني، نصف إلى ثلثي وظائفهم كطلاب أو معلمين في "ويست بوينت"، في مفارز تدريب ضباط الاحتياط ( ROTC)، في فروع الكليات، أو في ثكنات ليفنوورث وكارليسل". وأدى ذلك إلى إنشاء " ركيزة" عميقة من المواهب بحيث يمكن لرئيس أركان الجيش جورج مارشال أن يختار منها أفضل الضباط للارتقاء بهم إلى مراكز القيادة الحساسة ومراكز اركان الحرب في الوقت الذي يتوسع الجيش بسرعة.

أما اليوم ، فربما يكون لدى الجيش الاميركي نظام PME الأكثر تطوراً في العالم. وكما يبين الجدول 1 ، فإنه في الوقت الذي يصل فيه ضابط إلى رتبة العلم، فإنه يمضى، أو تمضي، عدة سنوات عادة في حضور دورات PME ، على الرغم من أن المتطلبات تختلف بين الأجهزة. هذه الدورات تركز على التدريب التكتيكي أكثر من التعليم، لكن المناهج الدراسية لا تشمل كليهما. إذ يمكن اختيار ضباط في قمة الأداء في الخدمة من رتبة مايجور أو ليفتانت، وبشكل تنافسي، لحضوربرنامج PME من المستوى المتوسط ( مثل قيادة الجيش وكلية الأركان العامة، أو CGSC )، والذي يسعى إلى جسر المسافة بين المستويات التكتيكية والتشغيلية للحرب. وتدوم البرامج حوالي 10 أشهر تقريباً بالنسبة لأولئك المقيمين ( خيار التعلم عن بعد متوفر أيضاً). ويتحول ميزان المنهج الدراسي أكثر نحو التعليم لأن مسؤوليات الضباط الميدانيين عادة ما تشتمل على تعقيدات وغموض أكثر من المستويات التكتيكية للقيادة. إذ يتم اختيار ما يصل إلى حوالي 10 في المئة من الضباط العاملين، برتبة ملازم أول أو عقيد، أو قائد بحرية أو نقيب، لقضاء 10 أشهر في برنامج PME رفيع المستوى (الكلية الحربية أو برنامج ما يعادلها)، والمصمم لمساعدة الضباط على جسر الهوة بين المستويين التشغيلي والاستراتيجي في الوقت الذي يستعدون فيه للقيادة أو الانتقال إلى مناصب فريق عمل على مستوى أعلى. كما أن خيار التعلم عن بعد يُقدم هنا كذلك، على الرغم من أنه يستلزم مزيداً من الوقت لإكماله عموماً.

مع ذلك، فقد تضاءلت في العقد الماضي الأهمية البارزة لبرنامج PME في الحرب، ولا سيما في الأجهزة العسكرية البرية، التي تمددت بشكل سيئ. فقد استهلكت قوات وقادة الجيش والبحرية والعمليات الخاصة قسماً كبيراً من السنوات الـ 12 الماضية في حرب مكافحة التمرد في العراق و أفغانستان. ووجد العديد من القادة، على جميع المستويات، أنفسهم في وضع العودة مجدداً إلى عمليات الانتشار في مناطق القتال، من دون قضاء وقت كبير في الوطن للاستعداد لعملية الانتشار الطويلة التالية. وقد تأثر جميع الأجهزة بالمتطلبات الصلبة لمسارح زمن الحرب بالنسبة كي يعمل الضباط في مقرات ووحدات الانتشار في مواقع أمامية.

خلال هذا الوقت، استمر برنامج التعليم PME العسكري، لكن على المستويات المتوسطة والعليا، واختار عدد من الضباط تأجيل الدراسة، وأخذوا دورات تدريبية من خلال التعليم عن بعد أو نالوا سمعة بناءة بسبب خبرتهم القتالية. وحيث أن العديد من أفضل الضباط وضعوا الواجب القتالي كأولوية على حساب الحضور في الكلية لمدة عام تقريباً، فقد انخفض عدد الطلاب القادمين من القوات القتالية تدريجياً في بعض هذه المؤسسات. فعلى سبيل المثال، وخلال العام الدراسي 2009-2010 في الكلية الحربية في الجيش، " كان هناك 3 ضباط من كتيبة المدرعات و13 ضابطاً من المشاة من أصل صف مؤلف من 338 طالباً. هذه الأرقام تعني أنه لم يكن  هناك ما يكفي من ضباط المناورة البرية لتخصيص واحد لكل حلقة دراسية من الحلقات الـ 20".

 الجدول 1. الصور التعليمية العسكرية المهنية التوضيحية لكل جهاز خدمة من الأجهزة العسكرية
 سلاح الجو الأميركي
 الرتبة الوقت التعليم
 لوتانت
 1.5 شهر * دورة جوية وفضائية أساسية
  10 أشهر دورة تخصص/  تدريب طيار جامعي
 كابتن شهران كلية ضابط سرب الطيران
 مايجور 10 أشهر 
 كلية القيادة والأركان الجوية
 لوتانت كولونيل 10 أشهر كلية الحرب الجوية
 كولونيل  
 عميد 3 أسابيع
 ** نقطة انطلاق ( مشتركة)
  اسبوع واحد دورة تدريب جنرال في USAF
 مايجور جنرال اسبوع واحد قائد عناصر سلاح الجو المشتركة
 لوتانت جنرال
 اسبوع واحد الذروة ( مشترك)

                                                                                
                                       &n

موقع الخدمات البحثية