مواد أخرى » إعادة تعريف الرأسمالية


ما هو الازدهار؟ من أين يأتي النمو؟ لماذا تنجح الأسواق؟ وكيف يمكننا حل علاقة التوتر بين عالم مزدهر وعالم أخلاقي؟
نك هانوير ـ إريك بينهوكر/ DEMOCRACYJOascii85RNAL.ORG ـ شتاء 2014


بالنسبة للجميع، ما عدا الـ 1 بالمائة من أصحاب المكاسب، الاقتصاد الأميركي منهار. فمنذ الثمانينات، كان هناك انفصال آخذ في الاتساع بين حياة يعيشها الأميركيون العاديون وبين الإحصاءات التي تقول بأن ازدهارنا آخذ في الازدياد. وعلى الرغم من نكسة ' الكساد العظيم'، فقد تضاعف حجم اقتصاد الولايات المتحدة إلى أكثر من الضعف خلال العقود الثلاثة الماضية في حين أصاب الركود مداخيل الطبقة المتوسطة والقوة الشرائية. وصُنعت ثروات كبيرة في حين خسر العاملون الصغار الكثير من مدخراتهم التقاعدية الخاصة. وقد بلغت أرباح الشركات مستويات قياسية في حين سجل الحراك الاجتماعي مستويات منخفضة متخلفاً بذلك عن ركب الدول المتقدمة الأخرى. أما بالنسبة للعديد من الأسر أيضاً، فقد أصبح الحلم الأميركي ذاكرة تاريخية أكثر منه واقعاً يمكن تحقيقه.
هذه الحقائق لا تسلط الضوء فحسب على قضايا عدم المساواة والقوة المتزايدة للنخبة الثرية. إذ ينبغي أن تجبرنا أيضا على طرح مجموعة من الأسئلة العميقة حول الكيفية التي يعمل بها اقتصادنا ـ وتخبرنا، وبشكل حاسم، عن كيفية تقييم وقياس فكرة التقدم الاقتصادي.
كيف يمكن أن تنشأ تلك الثروة الكبيرة في وول ستريت مع منتجات مثل المقايضات الائتمانية الافتراضية التي دمرت ثروة الأميركيين العاديين ـ مع ذلك نحن نعول على هذا النشاط  كنمو؟ وبالمثل، يتم صنع ثروات من صناعة المنتجات الغذائية التي تجعل الأميركيين أكثر بدانة، مرضاً، وأقصر عمراً. و بعد ذلك نحن نعول على هذا الأمر بصفته نمواً أيضاً ـ بما في ذلك التكاليف الإضافية الهائلة للرعاية الصحية. وتخلق ظاهرة الاحتباس الحراري الأعاصير بشكل أكثر تواتراً، والتي تدمر المدن وتزهق الأرواح. مع ذلك فإن النشاط الاقتصادي لإصلاح الأضرار ينتهي باعتباره نمواً كذلك.
تركز مناقشاتنا للسياسة الاقتصادية، دوماً تقريباً، على جعلنا أكثر ثراء وتوليد النمو الاقتصادي لتحقيق ذلك.  تثار مناقشات كبيرة حول رفع أو خفض أسعار الفائدة، أو زيادة أو نقصان القوانين التنظيمية، في حين أن نظامنا السياسي مشلول بسبب الصراع الأيديولوجي المرير حول الميزانية. لكن ليس هناك من نقاش كبير يجري حول السبب الداعي لكل ذلك. فبالكاد يتساءل أي شخص على الاطلاق: ما هو نوع النمو الذي نريد؟ ماذا تعني عبارة ' ثروة '؟ وماذا ستفعل لحياتنا ؟

سعر كل شيء، والقيمة للا شيء
إن المقياس الأكثر أساسية لدينا للنمو الاقتصادي هو الناتج المحلي الإجمالي. وقد تم تطوير الناتج المحلي الإجمالي من عمل الاقتصادي الأميركي سيمون كوزنتس في الثلاثينات وأصبح الطريقة المعيارية لقياس الناتج الاقتصادي في أعقاب مؤتمر بريتون وودز عام 1944. ولكن منذ البداية، أبرز كوزنتس وخبراء اقتصاديون آخرون أن الناتج المحلي الإجمالي ليس بمقياس للازدهار. ففي عام 1959، حذر الاقتصادي الأميركي موسيس أبراموفيتش بقوله 'علينا أن نكون متشككين للغاية إزاء وجهة النظر التي تقول بأن التغيرات طويلة الأجل في معدل نمو الرعاية يمكن قياسها، بالكاد حتى، من التغيرات في معدل نمو الناتج'.
في عام 2009، ذكرت لجنة من كبار خبراء الاقتصاد دعاها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وترأسها جوزيف ستيغليتز، الحائز على جائزة نوبل، أوجه القصور للناتج المحلي الإجمالي . وقد أشار هؤلاء الخبراء إلى القضايا المعروفة جداً مثل حقيقة أن الناتج المحلي الإجمالي لا يلتقط التغيرات في جودة المنتجات ( تأملوا بمسألة الهواتف النقالة على مدى السنوات الـ 20 الماضية ) أو قيمة العمل غير مدفوع الأجر ( رعاية أحد الوالدين المسنين في المنزل ). ونقلت اللجنة أيضا أدلة على أن نمو الناتج المحلي الإجمالي لا يتطابق دائما مع الزيادات في تدابير الرعاية الاجتماعية مثل الصحة أو السعادة المبلغ عنها ذاتيا، وخلصت إلى أن الناتج المحلي الإجمالي المتنامي يمكن أن يكون له آثار ضارة على البيئة. وقد جربت بعض البلدان المقاييس الأخرى لزيادة الناتج المحلي الإجمالي، مثل ' مؤشر السعادة القومي الإجمالي ' لبوتان.
قضيتنا ليست مع الناتج المحلي الإجمالي في حد ذاته. فكما يقول الإنجليز، ' أي شيء هو كما يظهر أو كما يزعم دونما حاجة إلى مزيد من التفسير 'أنه يقيس النشاط الاقتصادي أو الانتاج. بل إن قضيتنا هي مع طبيعة هذا النشاط نفسه. سؤالنا هو ما إذا كانت أنشطة اقتصادنا تحسب في الناتج المحلي الإجمالي وتعزز حقا ازدهار مجتمعنا.
منذ بدايات هذا الحقل، كان خبراء الاقتصاد مهتمين بأمر هو: لماذا يكون لشيء ما قيمة أكثر من الآخر، وأي ظروف تؤدي إلى مزيد من الازدهار أو الرعاية الاجتماعية، كما يسميه الاقتصاديون؟ أظهرت مفارقة المياه ـ الالماس الشهيرة لآدم سميث في كثير من الأحيان أن سعر السوق لشيء لا يعكس دائماً مفاهيم بديهية بالجوهر ـ فالالماس، بالقيمة الجوهرية الضئيلة، عادة ما يكون أثمن بكثير من الماء، وهو الضروري للحياة. هذا بالطبع  مجال لعب الأسواق ، فالماء أكثر وفرة من الالماس، وبالتالي فإن قانون العرض والطلب يحدد أن الماء أرخص.
بعد الكثير من الجدل حول طبيعة القيمة الاقتصادية في القرنين التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، يعتبر الاقتصاديون أن القضية قد استقرت إلى حد كبير بحلول منتصف القرن العشرين. وقال الخبير الاقتصادي الفرنسي الكبير جيرار ديبرو في نظريته عن القيمة عام 1959 إنه إذا كانت الأسواق تنافسية  والناس عقلانيين ولديهم معلومات جيدة، عندها ستصنف الأسواق تلقائياً كل شيء، ما يضمن أن تعكس أسعار العرض والطلب و تخصيص كل شيء بطريقة تكون فيها رفاهية الجميع في أقصى الحدود، وأنه لا يمكن جعل أحد أفضل حالا من دون جعل شخص آخر أسوأ حالاً. ففي الجوهر، سعر السوق لشيء يعكس حكماً جماعياً لقيمة هذا الشيء. لقد كانت فكرة القيمة الجوهرية عبارة عن إشكالية دائماً لأنها كانت نسبية بطبيعتها ويصعب مراقبتها أو قياسها. ولكن أسعار السوق حقائق ثابتة وباردة. فإذا كانت أسعار السوق توفر حكما مجتمعياً جماعياً للقيمة وتخصص البضائع وفقاً لاستخداماتها الأكثر كفاءة وتعظيماً للرفاه، عندها لا يعود لدينا ما يدعو للقلق بشأن أفكار اسفنجية مثل القيمة الجوهرية؛ نحن بحاجة فقط إلى إلقاء نظرة على سعر شيء لنعرف قيمته.
في واقع الأمر، كان ديبرو سياسياً بشأن نظريته، وقد رأى أنها ممارسة في الرياضيات المجردة وحذر مرارا وتكرارا من الإفراط في تفسير انطباقها على الاقتصادات في العالم الحقيقي. مع ذلك، لقد أرسى عمله، فضلا عن الأعمال ذات الصلة في تلك الحقبة من خلال شخصيات مثل كينيث آرو وبول سامويلسون، الأسس لاقتصاديين مثل ميلتون فريدمان وروبرت لوكاس، اللذين قدما نقداً مدمراً للنظرية الكينزية (Keynesianism ) في الستينات والسبعينات، ومؤخراً يوجين فاما، الحائز على جائزة نوبل، الذي كان رائدا في نظرية الأسواق الفعالة في مجال التمويل في السبعينات والثمانينات. ووفقاً للنظرية الكلاسيكية الجديدة التي انبثقت عن هذا العصر، فإنه إذا كانت الأسواق تتسم بالكفاءة، وبالتالي بـ ' زيادة الرفاهية إلى الحد الأقصى'، عندها ما يتبع ذلك هو أن علينا التقليل من أي تشوهات تحرك المجتمع وتنقله بعيداً عن هذه الدولة المثلى، سواء كانت شركات منخرطة في السلوك الاحتكاري، أو نقابات تتدخل في أسواق العمل، أو حكومات تخلق تشوهات من خلال الضرائب والقوانين التنظيمية.
أصبحت هذه الأفكار هي المحك الفكري لحركة محافظين صاعدة في الثمانينات وأدت إلى موجة إلغاء للقيود المالية والتي استمرت على امتداد التسعينات وصولاً إلى عام 2008. وبموجب هذا المنطق، وإذا كانت الأسواق المالية هي أكثر الأسواق تنافسية وكفاءة في العالم، فإنه ينبغي تنظيمها في الحد الأدنى. كما أن الابتكارات مثل المشتقات المالية المعقدة 'يجب' أن تكون ذات قيمة، ليس فقط بالنسبة للمصرفيين الذين يكسبون رسوماً كبيرة من ابتداعها، وإنما بالنسبة لأولئك الذين يشترونها وللمجتمع ككل. إن أي تدخل سوف يقلل من كفاءة السوق ويحد من رفاهية المجتمع. وبالمثل ينبغي لحِزم الأجور الهائلة لمديري الصناديق الوقائية التي تتداول بتلك المشتقات المالية أن تعكس القيمة التي تضيفها إلى المجتمع - إنهم يجعلون السوق أكثر كفاءة. ففي الأسواق الكفوءة، وإذا كان شخص ما على استعداد لدفع ثمن شيء، فيجب أن يكون ذات قيمة. السعر والقيمة هما، وبشكل مؤثر، الشيء نفسه.
حتى قبل الانهيار المفاجئ، كان بعض الاقتصاديين قد بدؤوا بالتساؤل حول هذه الأفكار. وأظهر روبرت شيلر من جامعة ييل، الذي تقاسم، وللمفارقة، جائزة نوبل هذا العام مع فاما في أوائل الثمانينات، أن أسعار سوق الأسهم لا تعكس دائماً قيمة أساسية، ويمكن أن تفتح أحيانا فجوات كبيرة بين الاثنين. وبالمثل، بدأ خبراء الاقتصاد السلوكي مثل دانيال كانيمان يبينون أن الناس الحقيقيين لم يتصرفوا بطريقة شديدة العقلانية كما في نظرية ديبرو المفترضة.  وبدأ باحثون آخرون في الثمانينات والتسعينات، وحتى آرو المؤلف المشارك مع ديبرو، التشكيك بفكرة تحرك الاقتصاد بشكل طبيعي إلى نقطة استراحة أو ' توازن '، حيث تتحسن رفاهية الجميع.
أما وجهة نظر القرن الحادي والعشرين الناشئة في الاقتصاد فهي أنه عملية ديناميكية، تتطور باستمرار، نظام معقد للغاية - أشبه بنظام إيكولوجي منه بآلة. في مثل هذا النظام، قد تكون الأسواق مبتكرة للغاية وفعالة، ولكنها يمكن أن تكون في بعض الأحيان بعيدة عن الكفاءة. وبالمثل، قد يكون الناس أذكياء، لكنهم يمكن أن يكونوا في بعض الأحيان بعيدين عن العقلانية. لذا، إذا كانت الأسواق ليست دائما فعالة ولم يكن الناس دائما عقلانيين، عندها قد لا يكون شعار القرن العشرين أن السعر يساوي القيمة صحيحاً هو الآخر. وإذا كان هذا هو الحال، عندها ما الذي تعنيه مصطلحات مثل القيمة، الثروة، النمو، والازدهار؟

الازدهار ليس المال، إنه حلول
في كل مجتمع، هناك بعض الناس أفضل حالاً من غيرهم. وإن تمييز الاختلافات أمر بسيط. فعندما يكون لدى شخص ما مال أكثر من الناس الآخرين ، فإننا ندعوه ثرياً. ولكن لا بد من وضع تمييز هام بين هذا النوع من الثروة النسبية والثروة المجتمعية التي نستخدم لها مصطلح 'الازدهار'. فما يلزم لجعل مجتمع مزدهر أمر أكثر تعقيدا بكثير مما يلزم لجعل فرد أفضل حالاً من فرد آخر.
يعتقد معظمنا بداهة أنه كلما كان لدى الناس مال أكثر في مجتمع ما، فلا بد أن يكون هذا المجتمع أكثر ازدهاراً. لقد كان متوسط الدخل المتاح للأسر المعيشية في أميركا في عام 2010 هو 38001 $ في مقابل  28194 $ لكندا، وبالتالي فإن أميركا أكثر ازدهارا من كندا.
لكن فكرة أن الرخاء هو مجرد 'وجود المال' فكرة يمكن دحضها بسهولة بتجربة فكرية بسيطة. (هذه التجربة الفكرية وعناصر أخرى من هذا القسم  مقتبسة من كتاب 'أصل الثروة' لـ ' أريك بينهوكر، مطبعة كلية إدارة الأعمال في جامعة هارفارد، 2006). تخيل أن يكون لديك دخل الأميركي العادي البالغ 38001$ لكنك تعيش في قرية بين ' اليانوميين'، القبيلة البدائية المعزولة في أعماق الغابات المطيرة البرازيلية، فستكون، وبسهولة، أغنى شخص يانومي ( القبيلة لا تستخدم المال لكن يقدر علماء الأنثروبولوجيا مستوى معيشتهم بما يعادل حوالي الـ 90 دولاراً في السنة). ولكنك كنت ستشعر بأنك أكثر فقرا بكثير من الأميركي العادي. فحتى بعد أن ترتب كوخك الطيني الخاص بك، وتشترى أفضل الأواني الفخارية في القرية، وتأكل أفضل الطعام اليانومامي، فإن كل ثروتك الخاصة لن تجعلك، مع ذلك، تحصل على المضادات الحيوية، مكيف هواء، أو سرير مريح. مع ذلك، إن أفقر أميركي حتى، قادر على الوصول عادة إلى هذه العناصر الحاسمة للرفاه.
وهنا يكمن الفرق بين مجتمع فقير وواحد مزدهر. فليس مقدار المال قيد التداول لدى المجتمع، سواء الدولار أو اليورو أو الخرز، أو الامبوم ( خرز مصنوع من الصدف) هو الذي يخلق الرفاه، بل هو توافر الأشياء ـ مثل المضادات الحيوية، مكيف الهواء، الغذاء الآمن، القدرة على السفر ، وأشياء تافهة حتى مثل ألعاب الفيديو. إن توافر ' الحلول ' لمشاكل الإنسان ـ الأشياء التي تجعل الحياة أفضل على أساس نسبيـ هو ما يجعلنا نزدهر.
هذا هو السبب في أن الازدهار في المجتمعات البشرية لا يمكن فهمه بشكل صحيح بمجرد النظر إلى الحجم المالي للدخل أو الثروة. فالرخاء في المجتمع هو تراكم الحلول لمشاكل الإنسان.
هذه الحلول تعمل بدءاً من الأمور العادية التافهة، كرقائق البطاطس المحمصة، وصولاً إلى العميقة  مثل علاجات الأمراض القاتلة. في نهاية المطاف، إن حجم ثروة المجتمع هو مجموعة المشاكل الإنسانية التي وجدت طريقها إلى الحل وهي الكيفية التي أصبحت بها هذه الحلول متوفرة للمواطنين. ويمكن اعتبار كل مادة موجودة في متاجر التجزئة الضخمة التي يتسوق منها الأميركيون بمثابة حل لنوع مختلف من المشاكل- كيفية تناولنا الطعام، ارتداء ملابسنا، جعل منازلنا أكثر راحة، القيام بجولات، الترفيه عن أنفسنا، وهلم جرا. فكلما كانت الحلول المتوفرة لدينا أكثر ، كلما كان لدينا المزيد من الرخاء.
يمكن اعتبار قوس طويل من التقدم البشري على أنه تراكم لمثل هذه الحلول، التي تتجسد في المنتجات والخدمات الاقتصادية. إذ لدى الاقتصاد اليانومامي، النموذجي لأجدادنا البدائيين قبل 15000 سنة، مجموعة متنوعة من المنتجات والخدمات التي تقاس بعشرات أو مئات المليارات حتى. إن تنوع الاقتصاد الأميركي الحديث يمكن قياسه بعشرات أو حتى مئات المليارات. وبالقياس بالدولار، فإن الأميركيين أكثر ثراء بـ 500 مرة من اليانوماميين. وقياساً إلى الحصول على المنتجات والخدمات التي توفر حلولا لمشاكل الإنسان، فإننا أكثر ازدهاراً من اليانوميين بمئات ملايين المرات.

النمو كمعدل لخلق الحل
إذا كان المقياس الحقيقي لازدهار مجتمع هو توافر حلول لمشاكل الإنسان، فلا يمكن، وببساطة، قياس النمو من خلال التغيرات في الناتج المحلي الإجمالي. بل 'يجب أن يكون قياس النمو المعدل عند المستوى الذي يصبح فيه توفر الحلول الجديدة لمشاكل الإنسان متاحاً. بالإضافة إلى ذلك، وبما أن المشاكل تختلف في أهميتها، فإن رؤية جديدة للنمو ينبغي أخذها في الاعتبار أيضاً؛ فإيجاد لقاح انفلونزا شامل أمر أكثر أهمية من ابتداع شريحة بطاطا مقرمشة. لكن بصفة عامة، إن النمو الاقتصادي يعتبر التجربة الفعلية عن تحسن حياة المرء. فالانتقال من خوف الموت من عدوى الجيوب الأنفية في يوم ما إلى وجود فرص للحصول على المضادات الحيوية المنقذة للحياة في اليوم التالي هو 'النمو'. الانتقال من حر الأيام الخانقة في يوم ما إلى العيش مع تكييف الهواء في اليوم الذي بعده هو 'النمو'. الانتقال من المشي مسافات طويلة إلى القيادة هو 'النمو'. الانتقال من الحاجة إلى الذهاب إلى مكتبة للبحث عن معلومات أساسية إلى توفر جميع المعلومات في العالم وعلى الفور على هاتفك الخاص هو 'النمو'. ( ومن الواضح أن بعض الحلول، مثل مكيفات الهواء، قد تخلق مشاكل أخرى، مثل ظاهرة الاحتباس الحراري. أما كيفية المفاضلة بين الحلول والمشاكل فتشكل إحدى التحديات الرئيسة في أي مجتمع وهي مسألة سوف نعود إليها لاحقاً في هذا المقال ).
كل هذا يعني أنه يجب علينا إيجاد طرق جديدة لقياس التقدم المحرز. وبنفس الطريقة التي لا يوجد فيها طبيب جيد يقيس بها صحة الشخص من خلال عامل واحد فقط ـ لنقل الحرارة ـ ينبغي ألا يقاس الاقتصاد بواسطة الناتج المحلي الإجمالي فقط. ليس هناك من وحدة قياس واحدة كالناتج المحلي الإجمالي يمكنها التقاط الطريقة التي يحسن فيها النشاط الاقتصادي، في الواقع، حياة معظم المواطنين والصحة العامة للاقتصاد.
من غير الواضح الآن كيف يمكن قياس المعدل الذي تحل به مشاكل الناس بشكل مباشر. مع ذلك، قد يكون هناك طرق للقيام بذلك بشكل غير مباشر. على سبيل المثال، إننا نقيس التضخم من خلال تتبع أسعار سلة من السلع . فماذا عن قياس قدرة الوصول إلى ' سلة حلول ' لمشاكل الإنسان؟ كم من الناس لديهم القدرة الحصول على التغذية الجيدة، الرعاية الصحية، التعليم، الإسكان، النقل، البيئة النظيفة، المعلومات، الاتصالات، وغيرها من الأمور التي  لها تأثير ملموس على نوعية الحياة؟ يمكننا أن نسأل أيضاً كيف أن السلة نفسها تتغير بمرور الوقت بينما يثمر الابتكار عن حلول جديدة – على سبيل المثال، إن حل مشكلة الحصول على المعلومات قد تحسَّن بشكل كبير مع تطور شبكة الإنترنت والهواتف الذكية. عندها بالإمكان قياس النمو والازدهار كمزيج لقدرة الوصول إلى الحلول القائمة وإضافة حلول جديدة من خلال الابتكارات.
إن 'الأهداف الإنمائية للألفية التابعة للأمم المتحدة'، والتي تشمل عددا من التدابير مثل المساواة بين الجنسين، وفيات الأطفال، والاستدامة البيئية، هي مثال على محاولة قياس الصحة الاقتصادية والازدهار المجتمعي بطريقة متعددة الأبعاد أكثر. ويمكن توسيع هذا النهج ليشمل فكرة الحصول على سلة من الحلول. وبالمثل، كانت كل من منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ( OECD) والبنك الدولي يعملان على نهج متعدد الأبعاد لتحديد صحة الاقتصادات المتقدمة وبالفعل فقد تم جمع الكثير من البيانات التي من شأنها أن تكون ضرورية لتقييم إمكانية ابتكار والوصول إلى سلة حلول. إن مثل هذه التدابير لن تكون، في نهاية المطاف، نظيفة وبسيطة كتلك التي للناتج المحلي الإجمالي، إلا أن إيجاد طرق لقياس كل من 'المعدل 'الذي 'يمكننا به حل المشاكل الجديدة' والدرجة التي 'يمكننا أن نجعل هذه الحلول يمكن الوصول إليها على نطاق واسع هي الوسيلة الأكثر اكتمالا لقياس صحة الاقتصاد لدينا.

الرأسمالية: نظام تطوري لحل المشاكل
إذا تم إحداث الازدهار من خلال حل مشاكل الإنسان، عندها يكون السؤال الرئيس للمجتمع  ما هو نوع النظام الاقتصادي الذي سوف يحل معظم مشاكل معظم الناس بشكل أسرع؟ لدينا قرون من الأدلة الآن أن الاقتصادات الرأسمالية تقوم بما هو أفضل في تقديم مستويات عالية من المعيشة لمواطنيها مما تقوم به اقتصادات تديرها أنظمة شيوعية، استبدادية، أو الأنظمة غير السوقية الأخرى. إن تفسير هذا في معيار الاقتصاد هو أن الرأسمالية تستخدم مؤشرات الأسعار لتوفير الحوافز لإنتاج وتوزيع البضائع بطريقة من شأنها أن تعزز رفاهية الشعب. لكن إذا كانت أسواق العالم الحقيقي ليست هي النظم الآلية البسيطة المتصورة من قبل مفكري القرون الماضية، وإنما هي نظم معقدة، تكيفية، وتشبه أكثر النظم الإيكولوجية، عندها قد تكون فوائد الرأسمالية مختلفة وربما أكبر مما كنا نتخيل.
يستند كل عمل الى فكرة حول كيفية حل المشكلة، بدءاً من أكثرها دنيوية ( ' كيف تجعل رقاقة البطاطا أكثر قرمشة؟ ') إلى أكثرها عمقا ( ' كيف يمكننا صنع دواء جديد للسرطان يكون منقذاً للحياة ؟'). إن عملية تحويل الأفكار العظيمة إلى منتجات وخدمات تلبي بشكل فعال احتياجات الإنسان السريعة التغير هو ما يحدد معظم الأعمال. إلا أن ايجاد حلول جيدة بشكل فعال يتطلب نظاماً يوفر الحوافز ويسمح بالإبداع والتجربة والخطأ. ويفهم الاقتصاد الرأسمالي بشكل افضل كنظام تطوري، يخلق باستمرار الحلول ويحاول إيجاد حلول جديدة للمشاكل بطريقة مشابهة لكيفية عمل التطور في الطبيعة. بعض الحلول ' أنسب' من غيرها. فالأصلح يبقى وينتشر، وغير الصالح يموت. وقد دعا الخبير الاقتصادي العظيم جوزيف شومبيتر هذه العملية التطورية بـ ' التدمير الخلاق '، وسلط الضوء على أهمية المشاريع التي تنطوي على مخاطرة والعمل على انجاحها .
بالتالي، إن المساهمة الرئيسة للمشاريع  في ازدهار مجتمع هي ' فكرة تحل مشكلة'. هذه الأفكار تتحول بعدها إلى منتجات وخدمات نستهلكها، وتمثل مجموع تلك الحلول في نهاية المطاف ازدهار هذا المجتمع.
إن جعل جميع المنتجات، وانما ابسطها، تلبي طلب الزبون عادة ما يتطلب عمل أكثر من شخص واحد، لذلك فإن أصحاب المشاريع ذوي الحلول الجديدة يقومون بتوظيف العمال. تلك الوظائف بدورها توفر الوسائل للناس لشراء المنتجات والخدمات من أصحاب المشاريع الأخرى، مما يخلق الطلب الذي يولد المزيد من فرص العمل والتوظيف. هذه الحلقة من ردود الفعل الإيجابية هي الدينامية المركزية التي نجدها في الاقتصادات الرأسمالية. فكلما كان لرد الفعل قوة أكبر، كلما احدث الاقتصاد مزيداً من النمو والازدهار.
إن القوة الكبرى للرأسمالية في خلق الازدهار تأتي من الطريقة التطورية التي تشجع الأفراد على استكشاف الفضاء اللا نهائي تقريباً للحلول الممكنة لمشاكل الإنسان، ومن ثم زيادة ونشر الأفكار التي تنجح، وتقليص، أو تجاهل، تلك التي لا تعمل. إن فهم الازدهار كحلول، والرأسمالية كنظام تطوري لحل المشاكل ، يوضح السبب في كون التكنولوجيا الاجتماعية الأكثر فعالية مبتكرة بالمطلق لاحداث ارتفاع في مستويات المعيشة.

التشويش على الكفاءة لأجل الفعالية
ترى النظرة الاقتصادية التقليدية أن الرأسمالية تعمل لأنها ' كفوءة '. إلا أن النظرة إلى الاقتصاد باعتباره نظاماً معقداً في طور التطور يبين أن الرأسمالية تعمل لأنها ' فعالة'. في الواقع، إن قوة الرأسمالية العظيمة هو إبداعها، أما ما هو مثير للاهتمام، فهو أن هذا الإبداع يجعل منها، بحكم الضرورة، عملية تطورية غير كفوءة ومبذرة بشكل كبير . فبالقرب من أحد منازلنا هناك موقع حيث كان يأتي شخص ما كل سنة ويفتحه مطعماً لنراه بعد بضعة أشهر فقط يفشل. وفي كل مرة، يأتي بناؤون، يجردون المكان من الأثاث القديم والديكور، ويضعون شيئاً جديداً. ثم  اكتشف أحد أصحاب المشاريع الصيغة الصحيحة أخيراً وأصبح المطعم ضربة كبيرة، ولا زال كذلك حتى يومنا هذا. إن إيجاد الحل للمشكلة لما يريد السكان المحليين تناوله من طعام لم يكن أمراً سهلاً واستغرق ذلك محاولات عدة. إن الرأسمالية فعالة للغاية في إيجاد الحلول وتنفيذها ولكنها تنطوي حتماً على التجربة والخطأ اللذين نادراً ما يتسمان بالكفاءة.
ثمة عنصر حاسم لفهم الرأسمالية كنظام تطوري لحل المشاكل وهو فكرة أن الأمر البالغ الأهمية ليس في مدى الصعوبة التي نتكبدها ونحن نحاول حل المشكلة، وإنما ما يهم هو تنوع الأفكار والنهج الأكثر فعالية في حل المشكلة، كما بيَّن ذلك المنظّر سكوت بايج في جامعة ميشيغان. إن 'مبدأ الاختلاف' هذا يساعد في توضيح سبب كون الأسواق المفتوحة والعادلة، والمؤسسات المتنوعة والشاملة تشير إلى ميزات الاقتصادات الناجحة.
هذه الميزة للرأسمالية الناجحة تبرز أيضا لماذا الاستثمار في الطبقة الوسطى بنهج ' الوسط ـ الشامل' إزاء السياسة يخلق اقتصاداً أكثر صحة. [انظر ' Middle-Oascii117t Moment '، العدد رقم 29 ]. فحتى أفضل الناس من بيننا ليس لديهم سوى عدد قليل من الأفكار. إذ يمكن القول بأن بيل غيتس، أغنى رجل أعمال في عصرنا، لم يكن لديه سوى فكرة واحدة كبيرة فقط. إن إعطاء الأثرياء أمثاله اعفاءات ضريبية لن يشجع فجأة  الآخرين على امتلاك المزيد من الأفكار. فمن الأفضل بكثير بالنسبة لبلادنا تمكين كل مواطن من المشاركة في اقتصادنا الرأسمالي عن طريق ضمان أن يكون لديهم التعليم المطلوب والحصول على رأس المال والتدريب لتحويل أفكارهم إلى منتجات تساهم في حل مشاكل العالم.  إن مقاربة 'الوسط ـ الشامل' تقر بأن السياسة الفعالة  تهدف إلى خلق أصحاب مشاريع جديدة من ذوي الأفكار الجديدة والمزيد من 'الزبائن' لتلك المشاريع. فإذا كان العمال لا يملكون المال، فإن الشركات لا زبائن لديها. إن السياسات الرأسمالية الناجحة تدرك وتنشط حلقة ردود الفعل والتقييم لدورة الحياة هذه عن طريق موازنة العناصر المختلفة في الاقتصاد لخلق حلقة حميدة من النمو والازدهار المشترك .
إن عبقرية الرأسمالية هي الطريقة التي تكافئ بها الناس لحلهم مشاكل الآخرين. فالناس الذين يحلون بشكل  فعال مشاكل كبيرة لعدد كبير من الأشخاص الآخرين يمكن أن يكافؤوا على نطاق واسع. فقد جعل ستيف جوبز حياة الكثير من الناس أفضل من خلال المنتجات التي ابتدعتها شركته، وقد كوفئ جداً على ذلك. وكما لاحظ آدم سميث منذ 230 عاما، فإن الاقتصاد الرأسمالي المدار والمنظم بشكل مدروس يسخر المصلحة الذاتية للناس لمصالح المجتمع الواسعة.
إنها هذه الحرية وهذه الحوافز المقدمة لكل مواطن لحل المشاكل هي التي تفسر السبب بكون الدول الرأسمالية غنية، ولماذا الدول الاستبدادية الشيوعية عادة ما تكون فقيرة. ففي مثل هذه الدول غالبا ما يكون الإبداع بحل مشكلات الناس مقيداً، محظوراً، أو غالباً ما يكون موجهاً نحو حل مشاكل للنظام. إن الفرق  الاستثنائي بين الفقر في كوريا الشمالية الشيوعية وازدهار كوريا الجنوبية الرأسمالية لهو دليل على ذلك.
في كل الأحوال، من المهم أن نعترف بأن جميع الحلول لمشاكل البشرية لا يبتدعها ويحدثها رجال الأعمال. إن باحثاً في جامعة لإيجاد طريقة جديدة لجعل أجهزة الكمبيوتر تعمل بشكل أسرع يمكن أن تحل مشكلة بسهولة تامة كما الرأسمالي ( على الرغم من أن الأمر قد يستلزم وجود الرأسمالي لإنتاج ونشر فكرة الباحث ). كذلك المعلم الذي يجد وسيلة أفضل لتعليم الجبر هو أيضاً قام بحل مشكلة هامة بالنسبة للمجتمع. وكذلك الموظف الحكومي الدؤوب الذي يجد وسيلة لتقديم خدمات أفضل بتكلفة أقل للجمهور.
لكن القطاع العام ناضل في بعض الأحيان لخلق ثقافة وحوافز تتيح مساحة للتجريب، المخاطرة ، والفشل، الأمور االتي لا غنى عنها لحل فعال للمشاكل. ويمكن للبيروقراطية والقوى السياسية أن تخنق أو تشوه الاستكشاف التطوري. ما يعني أن هناك العديد من المشاكل التي يمكن أن تحلها الحكومة فقط، بدءاً من توفير السلع العامة مثل الطرق وغيرها من البنى التحتية، وصولاً إلى التعامل مع عوامل خارجية مثل الحد من التلوث، إنفاذ حقوق الملكية، الأمن، والتصدي للمظالم الاجتماعية. واقعيا، إن القطاع العام ماض في طريقه للعب دور كبير في أجزاء كثيرة من الحياة الاقتصادية، وكذلك في العديد من جوانب المجتمع . لذا يتعين على الحكومات أن تكون ممن يحلون المشاكل أيضا. لا بد من أن نأتي بالعمليات التطورية لحل المشاكل لتكون ضمن جدران الحكومة وبناء المؤسسات العامة التي لديها الحوافز للابتكار والمجال اللازم للاختبار.
إن الرأي القائل بأن الرخاء يعني الحلول، وأن النمو هو المعدل الذي نخلق به الحلول، يجعل الأهمية الحاسمة للاستثمارات من قبل الحكومات في مجال التكنولوجيا، والابتكار، والتعليم أكثر وضوحاً. فالتكنولوجيا والابتكار هما حجر الزاوية لقدرة أي مجتمع على توليد الأفكار والحلول الجديدة. وفي معظم الحالات، سيكون رجال الأعمال والشركات هم الذين سيجلبون هذه الحلول للمواطنين. ولكن سيكون تعليم  القوى العاملة والابتكارات العلمية والتقنية والاجتماعية المتاحة في المجتمع هي التي ستمكِّن هذه الشركات. وبالتالي، فإن الاستثمارات في البحث والتطوير والابتكار والتعليم ليست من الكماليات التي أصبحت ممكنة بفضل النمو والازدهار، كما يعتقد العديد من واضعي السياسات على ما يبدو. بل إن هذه الاستثمارات ضرورية لخلق النمو والازدهار.

حدود سياسة عدم التدخل ( الحرية الاقتصادية)
لكن الحقيقة المجردة بكون الشيوعية والسلطوية فاشلتين لا تعني أن الرأسمالية غير المقيدة تنجح. فالنظرية الاقتصادية التقليدية تضع الأسواق المثالية على ركيزة، وأي انحراف تجعل المرء أسوأ حالا، ما يحد من رفاهية المجتمع. لكن هذه الأسواق المثالية ليست موجودة ولا يمكن أن تكون موجودة في العالم الحقيقي . فضلاً عن ذلك، إن هذا الرأي لا يدرك أن للعبقرية العظيمة للرأسمالية ـ حل مشاكل الناس- جانباً مظلماً بالضرورة: أن حل مشكلة شخص واحد يمكن أن يتحول إلى خلق مشكلة لشخص آخر أو حتى لنفس الشخص .
هذه هي المشكلة القديمة للاقتصاد السياسي. فكيف يحل نظام اقتصادي النزاعات ويوزع المكاسب؟ قد يساعد منتج من المشتقات المالية الفاخرة أمين صندوق شركة على حل مشكلتها بإدارة مخاطر شركته، وقد تجعل مصرفياً ما ثرياً، لكنه قد يؤدي أيضاً إلى مشكلة تتعلق بمخاطر منهجية أكبر للنظام المالي ككل . وبالمثل، إن تناول البرغر بلحم الخنزير المقدد مع الجبنة قد يحل مشكلة تلبية رغبات اللاوعي المبرمجة لشخص ما عبر آلاف السنين من التطور، ولكنه قد يخلق أيضاً مشاكل جديدة تتعلق بانسداد الشرايين ووجود مجتمع مثقل بالتكاليف الصحية في المستقبل لهذا الشخص.
إن الأدلة الدامغة من مجالات علم النفس الاجتماعي والاقتصاد السلوكي تبين لنا أن الناس ليسوا جيدين جدا في إدارة هذه المقايضات، حل النزاعات، أو ادراك الترابط من تلقاء أنفسهم. نعتقد  بتفاؤل مبالغ به أن أسعار المنازل سوف تستمر في الارتفاع، وأن بإمكاننا إعادة التمويل عندما تنتهي مشكلتنا العويصة بنسبة الاسعار المتدنية. ولا يمكن لأمين الصندوق في شركة أن يرى حقا كيف أن قراره بشراء مشتقات مالية قد يرتد مرة أخرى على شركته الخاصة ويساهم في انهيار النظام المالي.
إن فهم الازدهار والنمو بهذه الطريقة الجديدة يسمح لنا بصنع فروقات مهمة بين أنواع مختلفة من النشاط الاقتصادي. يمكننا الآن أن نرى الفرق بين النشاط الاقتصادي 'الفارغ' أو حتى ' الضار ' والنشاط الاقتصادي 'المفيد '.  إذ يصبح من الواضح أن مهندساً يكسب 100000 دولار سنوياً والذي يخلق التكنولوجيا لضمان خروج أولئك الذين تحصل معهم حوادث سيارات خطيرة سالمين منها هو ما يخلق الازدهار. ومن الأصعب بكثير صنع نفس القضية بالنسبة لمدير الصناديق الوقائية  التي تصنع 500 مليون دولار سنوياً في القيام بتداول عالي الوتيرة لاستغلال مكاسب معلومات حول مستثمرين عاديين. وإذا ما كان هذا التداول العالي الوتيرة أيضاً يجعل الاقتصاد العالمي أكثرهشاشة، فإن ذلك يعني شيئا أكثر ادانة لهذا النشاط.
في كل الأحوال، إن التمييز بين نشاط اقتصادي ' يحل المشكلات ' وآخر ' يخلق مشكلة ' يمكن أن يشكل تحدياً. ومن ذا الذي لديه الحق الأخلاقي للبت فيه؟ ففي الإطار التقليدي، كان الأمر بسيطاً – يصوت الناس بمحافظ نقودهم، وإذا كان يتم تقييم نشاط ما بواسطة السوق، فإنه ينبغي أن يكون جيداً. ولكن عندما يحل نشاط ما مشكلة بالنسبة للبعض ولكنه يخلق مشكلة لآخرين أو حتى للشخص نفسه في وقت لاحق، أو بالنسبة لأجيال المستقبل ـ فمن الذي ينبغي له  أن يقرر ما هو النشاط الاقتصادي الجيد في مقابل السيئ، وكيف؟
كانت الإجابة المعتادة هي أن على المنظمين الحكوميين أن يقرروا. لكن المنظمين، كالأسواق، يخلقون المشاكل فضلاً عن حلها. لذلك نحن بحاجة أيضا لآليات لتنظيم المنظمين. والديمقراطية هي أفضل آلية خرج بها البشر للخوض في المقايضات واجتياز الضعف الكامن في رأسمالية حل المشاكل. إذ تتيح الديمقراطيات لصراعات الرأسمالية الحتمية أن تحل بطريقة تزيد الإنصاف والشرعية  إلى الحد الأقصى، وتعكس على نطاق واسع وجهات نظر المجتمع .
على الرغم من أن التنظيم في الاقتصادات أمر ضروري، فإن التكاليف على المجتمع من حيث تقييد حرية الابتكار، الإبداع والابتكار، والمنافسة تكون أحياناً عالية، كما يشير المحافظون بشكل صحيح. لكن لا بد أيضاً من الاعتراف أن النشاط الاقتصادي الجديد في بعض الأحيان يخلق في الواقع المزيد من المشاكل أكثر مما يحل، ومن الضروري  أن تكون محدودة. في أوقات أخرى ، والنشاط الاقتصادي الجديد مجرد يهدد النظام القديم ، وينبغي الحد من ذلك. فإيجاد التوازن بين هذه المطالب المتنافسة أمر صعب. إن الحكومات الديمقراطية هي المؤسسة الوحيدة التي تتمتع بالشرعية والمساءلة لصنع مثل هذه المقايضات، وهذا هو السبب في كون تآكل المؤسسات الديمقراطية لدينا بسبب رأسمالية المحسوبية المتزايدة أمر يهدد ازدهارنا على المدى الطويل. وهذا يعني أيضاً أن هؤلاء الذين يهتمون حقا بالرأسمالية ينبغي أن يكونوا أكثر قلقا بشأن نوعية وفعالية التنظيم بدلا من  مجرد كميته. [ انظر ' النموذج الأصدق للرأسمالية '، العدد رقم 29].
لكن المسؤولية بخصوص إيجاد التوازن الصحيح لا تقع فقط على الحكومات، وانما على المواطنين أيضاً. إن اعتبار الازدهار بمثابة حلول للمشاكل يساعد على تمكين المواطنين من استخدام الحس الأخلاقي المشترك لتمييز أكثر وضوحاً لنوع النشاط الاقتصادي الذي يجعل مجتمعهم أفضل حالاً في الواقع في مقابل النشاط الذي يثري بعض أفراده فحسب. وتماماً كما أدت العقيدة الليبرالية الجديدة في أواخر القرن العشرين إلى تحولات هامة في المعتقدات والثقافة الشعبية، نحن نعتقد بأن وجهات نظر اقتصادية جديدة وتعريفاً جديداً للازدهار قادرة على تغيير ثقافتنا، أيضاً.
تحتفل ثقافتنا اليوم بالمال والثروة بوصفهما معيارين للنجاح. تخيلوا لو أننا احتفلنا بدلاً من ذلك بحلول مبتكرة لمشاكل الإنسان. هناك أماكن حيث تسود هذه الحتمية ـ على سبيل المثال، في ميديا لاب MIT، حيث يعمل الناس الموهوبون من جميع أنحاء العالم بلا كلل من أجل حل المشاكل الأكثر تحديا التي يمكن أن تصادفنا، كاستخدام الروبوتات لمساعدة الناس المعوقين، أو استخدام تكنولوجيا المعلومات لزيادة المشاركة المدنية، أو تصميم مدن أكثر استدامة. قد لا يصنع هؤلاء، بالضرورة، المال الوفير من ذلك، لكنهم حددوا وضعهم ومكانتهم من حيث حل مشاكل كبيرة ورهيبة لمساعدة الناس والمجتمع. في المقابل، وعلى بعد 200 ميلا الى الجنوب من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ( MIT) في وول ستريت، هناك جماعة من الناس الموهوبين بشكل متساو يقيسون الوضع والناس استنادا إلى حجم رواتبهم. قد يقوم العديد من هؤلاء الناس بأشياء عظيمة للمجتمع ـ بما في ذلك أيضا مساعدة المهوسين في MIT على تسويق اختراعاتهم- ولكن الثقافة والقيم مختلفة بشكل ملحوظ.
إن العقيدة الاقتصادية التقليدية تجعل الناس في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا يبدون غير عقلانيين وبأن الناس في وول ستريت يبدون عقلانيين. إن تعريفنا للثروة والرخاء هو عكس ذلك. فحل المشاكل الذي يفيد الناس هو الهدف، وليس الحصول على المال. إن صنع المال قد يكون شرطاً ضرورياً لحل العديد من المشاكل - تحتاج الشركات للمكاسب والأرباح  كي تصمد وتنمو. لكن القول بأن الأرباح هي الهدف هو خلط بين الوسائل والغايات. إن التعامل مع الأرباح كهدف هو كالقول أن الغرض من الحياة هو الأكل –إن أجسامنا بحاجة إلى الغذاء، لكنه وسيلة لغايات أخرى، وليس هدفاً بحد ذاته.
هناك آثار معنوية هائلة تنبثق من إعادة تعريف الازدهار. وليس لدينا المجال ولا القدرة، بصراحة، على التعامل مع كل تلك الأسئلة هنا. لكننا نعتقد أن الآثار المعنوية الواضحة للحكم على النشاط الاقتصادي من خلال القيمة الاجتماعية للمشكلة التي يحلها، بدلاً من المال الذي يكسبه لأفراد معينين، قد تؤدي إلى تحولات ثقافية وسلوكية تزيد من تأثير أي تنظيم.

الازدهار وعدم المساواة
قد تكون الرأسمالية أعظم نظام حل لمشاكل البشرية، ولكن هذه الرؤية لا تخبرنا الكثيرعن الكيفية التي يمكن بها توزيع الفوائد لهذه الحلول. ففي أي مجتمع معقد، تكثر المزايا والعيوب الأولية ـ أين ولدت، من هم والديك، ما هو التعليم الذي نلته، ما هي الفرص و العقبات التي تواجهها، وهلم جر. إن إحدى مناطق الجذب الكبيرة للرأسمالية هي أنها لا يهمها من هم والديك ـ  إذا حللت مشكلة كبيرة لكثير من الناس، فيمكن أن تكافأ للغاية. لدى المجتمعات الرأسمالية قصص هوراشيو الغر حقيقية. لكن في نفس الوقت، بامكان ديناميات ومسار التبعية للرأسمالية أن يعززا مزايا وعيوب البدايات. ويبين عمل لـ ' جيمس هيكمان' الحائز على جائزة نوبل و 'رأس المال البشري INET ' و'مبادرة الفرص الاقتصادية في معهد بيكر فريدمان في جامعة شيكاغو كيف أن عوامل مثل التغذية في مرحلة الطفولة المبكرة والتعليم يمكن أن يكون لهما عواقب اقتصادية مضاعفة تستمر على امتداد حياة الشخص البالغ.
ينظر الاقتصاد التقليدي إلى عدم المساواة من خلال المجهر المالي ـ على سبيل المثال، ما هي الحصة التي لدى نسبة الـ 1 في المئة من اجمالي الدخل. لكن يمكننا أيضاً أن ننظر إلى الأمر باعتباره مسألة الوصول إلى حلول لمشاكل الإنسان. فما هي النسبة المئوية للسكان الحاصلين على السكن الجيد، النقل ، الرعاية الصحية، الترفيه، وهلم جرا؟ كيف يمكن لجودة ونوعية القدرة على الوصول أن تختلف بين الأغنياء والفقراء؟  يدلي مات ريدلي في كتابه ' المتفائل الرشيد ' بحجة قوية  ترى من هذا المنظور، أن الأمور قد أصبحت أفضل بكثير وأكثر مساواة بشكل ملحوظ ـ خصوصا عندما ينظر إليها في مقابل المسح الطويل للتاريخ. لقد كانت الفجوة في مجال التغذية بين السيد والعبد في العصور الوسطى هائلة. وفي الوقت نفسه، من غير المرجح أن تكون الحصة الغذائية لـ 'وارن بوفيت' أفضل بكثير من تلك التي للأميركي العادي من الطبقة المتوسطة (في الواقع، قد تكون أسوأ، وبافيت هو من محبي البرغر مع الجبن والكولا ، بحسب ما أقر بنفسه). وبالمثل، قد يمتلك دونالد ترامب عدداً من أجهزة التلفاز الجميلة جداً، إلا أن أكثر من نصف المنازل في الولايات المتحدة تمتلك الآن ثلاثة أو أكثر من أجهزة التلفاز. وقد حدث هذا التضييق للفجوة في الازدهار المادي ليس فقط في أميركا وإنما في البلدان النامية أيضاً، حيث أن أكثر من مليار مواطن صيني وهندي يدخلون الطبقة المتوسطة العالمية و يكتسبون قدرة الوصول إلى حلول مهمة مثل السباكة الداخلية (في الأماكن المغلقة)، الهواتف النقالة، وآليات النقل.
إن عدم المساواة باعتباره نتيجة قد يبدو في الواقع أقل حدة مما تبدو عليه التدابير التقليدية القائمة على المال. لكن إذا أخذنا في الاعتبار عدم المساواة ليس فقط كنتيجة وإنما كمدخل إلى النظام الرأسمالي، فإن الأمور تبدو أكثر تعقيدا ـ على وجه الخصوص، إذا كانت تقيد وتحد من إمكانية الوصول إلى الفرص. وكما ناقشنا آنفاً، إن الرأسمالية الفعالة تعتمد على عدد من المختصين من السكان في حل المشاكل التنافسية المتنوعة. فإذا كان المجتمع لا يقوم باستثمارات كافية لدى أولئك السكان وتوفير المساواة في مجال الحصول على الفرص،  فإن حلقة ردود الفعل للرخاء المتزايد ستكون مكسورة. وفي استطلاع دولي صدر مؤخرا عن مهارات السكان البالغين من قبل منظمة التعاون والتنمية ( OECD) ـ الأول من نوعه ـ  صنفت الولايات المتحدة في المرتبة 21 من أصل 23 بلداً في تعلم الحساب، وفي المرتبة 14 من أصل 19 في  'حل المشاكل في البيئة الغنية بالتكتولوجيا '. وكان الأمر الأكثر لفتاً للنظر هو مدى الاستقطاب الذي كانت عليه النتائج بالنسبة للولايات المتحدة. وعلى عكس أي بلد آخر في الاستطلاع، كان لدى الولايات المتحدة المزيد من الناس في كل من التصنيفين في مرتبة الأعلى جداً والأسفل جدا لعدد من الفئات. وبالمثل، شهدت معظم البلدان مستويات مهارة أعلى لدى مشاركين أصغر سناً في الاستطلاع مقابل مشاركين أكبر سناً. في المقابل، بالكاد قام جيل الشباب في الولايات المتحدة بنفس أداء الأميركيين الأكبر سناً. إن عقوداً من نقص الاستثمارات في مهارات الطبقة الوسطى يهدد بتوقف محرك الإزدهار الرأسمالي لأميركا.
إن تركيز المال في أيدي عدد أقل وأقل من الناس له آثار ضارة أكثر. فهو يسمح للطبقة الأغنى من الناس بالمزايدة على سعر الأشياء في المجتمع التي تحدد الحياة الطيبة، مثل الإسكان، التعليم والرعاية الصحية. كما أن تركز المال والثروة يبطئ أيضاً حلقة ردود الفعل بين المستهلكين والشركات، مما يحد من ديناميات الابتكار، حل المشكلات، النمو، والازدهار. أخيراً، إنه يقوض الشرعية السياسية للرأسمالية نفسها.

الازدهار، النمو، والحلم الأميركي
إن الأميركيين محقون بإيمانهم أن الرأسمالية مصدر ازدهارنا التاريخي. لكن ' المعرفة' بأنها تعمل أمر يختلف عن فهم لماذا وكيف تعمل. فأجدادنا القدماء 'عرفوا' أن النجوم والكواكب تتحرك في السماء. لكن مفهوم كوبرنيكوس الثوري هو الذي استبدل الأرض بالشمس في مركز النظام الشمسي وقوانين الجاذبية لنيوتن هي التي مكنت الناس من الفهم لماذا وكيف يتحرك هذا النظام.
تفترض العقيدة الاقتصادية التقليدية أن الأسواق تتسم بالكفاءة، وأن الناس عقلانيون، وبأن الاقتصادات تنتقل بشكل طبيعي إلى حالة مثلى. ولكننا نفهم الآن أن الأسواق يمكن أن تكون بعيدة كل البعد عن الكفاءة، وأن الناس ليسوا دائما عقلانيين، وأن الاقتصاد نظام تطوري معقد ديناميكي ـ أشبه بنظام إيكولوجي مترابط أكثر منه آلة فعالة. هذا التحول الأخير في المنظور على نسق كوبرنيكوس يوفر إطاراً جديداً وقوياً لفهم 'كيفية 'عمل الرأسمالية و'لم' تعمل، وما هي الثروة حقاً، ومن أين يأتي النمو. هذه الطريقة في القرن الحادي والعشرين لفهم الاقتصاد تتيح لنا أن نفهم الرأسمالية كنظام تطوري لحل المشاكل. إنها تتيح لنا أن نرى أن 'الحلول' التي تنتجها الرأسمالية هي التي تخلق الازدهار الحقيقي في حياة الناس، وبأن المعدل الذي نخلق به الحلول هو النمو الاقتصادي الحقيقي. هذا المنظور يسمح لنا أيضاً بأن نرى أن الخيارات الأخلاقية الجيدة سوف تكون تلك التي تخلق الازدهار الحقيقي.
هذا المنظور الجديد يجعل من الواضح أيضاً تفسير سبب فشل سياسات عدم التدخل ( الحرية الاقتصادية) من جانب اليمين المتطرف وسياسة الدولانية لليسار المتطرف. فالسياسات التي توفر الفرص لجميع المواطنين لتحقيق إمكاناتهم، والاستثمارات التي تمكنهم من توسيع إمكاناتهم، هي أضمن السبل لتحريك الازدهار والنمو. إن ادراك الطبيعة الايكولوجية للاقتصادات يسلط الضوء على حلقة ردود الفعل الجوهرية بين الشركات والعملاء. يجب أن تهدف السياسة إلى خلق العملاء وكذلك رجال الأعمال، وخلق أكبر عدد ممكن من حلقات ردود الفعل هذه.
يجب أن تكون لدينا الشجاعة لوضع سياسات جيدة للرأسمالية على نطاق واسع، وليس السياسات التي تفيد بعض الرأسماليين وعلى نطاق ضيق. إذ يمكن أن يكون هناك فرق هائل. علينا أن ندرك أن ازدهار الطبقة الوسطى ليس نتيجة للنمو، وإنما هو سبب النمو والازدهار.
إن قياس عدد ونوعية وتوافر الحلول لمشاكل الإنسان بدلا من مجرد الناتج المحلي الإجمالي وحده يمكن أن يكون له تأثير إيجابي جذري على اقتصادنا وحياة مواطنينا. فمن خلال خلق حوافز لحل المشكلات ومن خلال المثبطات لخلق مشكلة، فإننا نركز على إبداع  وطاقة مدهشة في البلاد بخصوص الأشياء التي تجعل حياتنا أفضل حقا. وسيتم إدارة إخفاقات السوق، الفشل الأخلاقي، مشاكل العمل الجماعي، والعوامل الخارجية التي يعاني منها اقتصادنا وكذلك حياتنا اليوم بينما نركز على نوعية النمو وليس فقط الكمية. إن حل التوتر الذي يخلقه التفكير الاقتصادي التقليدي بين عالم أخلاقي وآخر مزدهر يوحدنا حول مجموعة جديدة من المبادئ الاقتصادية والاجتماعية. إن رؤية الازدهار كمساهمة يجعل مجتمعنا يكشف المخالفات الاقتصادية وتوضيحها أكثر مما هي عليه، مع التأكيد مجددا على الدروس القديمة لمعتقداتنا وتقاليدنا الأخلاقية.
إن بلدنا العظيم متماسك معاً بواسطة الحلم الأميركي، فالفكرة هنا هي أنه إذا عملنا بجد ولعبنا وفقا للقواعد سيكون لدينا حياة أفضل من أهلنا، وسيكون لدى أطفالنا حياة أفضل مما كان لدينا. في الواقع، إن العصر الذهبي للرأسمالية الأميركية في الخمسينات والستينات لم يكن متمثلاً كثيراً في تراكم الثروات الكبيرة، وإنما تمثل في انتشار حلول

موقع الخدمات البحثية