مواد أخرى » المواجهة حول برنامج إيران النووي

مايكل آدلر ( باحث في السياسة العامة) ـ Viewpoints رقم 44
تشرين الثاني، 2013

جنيف : جلس الصحفيون يراقبون عندما غير العاملون عقد مؤتمر صحفي لتسجيل الانتهاء من المحادثات في جنيف بين إيران و القوى الست الكبرى. في البداية كانت هناك طاولة على المسرح، والتي رفعت التكهنات بأنه سيكون هناك اتفاق على الفوز بضمانات بأن إيران لن تسعى لامتلاك اسلحة نووية. وتمت إزالة هذه الطاولة بعيداً، ووضعت منصتان بدلاً منها. واتخذ هذا كدليل على أنه لن يكون هناك أي توقيع بين ممثلة الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون ووزير الخارجية الإيراني جواد ظريف. ثم ما أن اجتاز الوقت منتصف الليل وخرجت اشاعة تقول بأن ثلاثة أيام من المحادثات المطولة قد أصبحت في نهايتها، حتى أعيد وضع الطاولة مجدداً. هل كانت هذه علامة جيدة ؟

لا، لم تكن كذلك. لقد كانت البرقيات الإخبارية قبل وصول الزعيمين تفيد بأنه لم يتم التوصل إلى اتفاق. ووصلت الأيام الثلاثة الطويلة في الفترة الممتدة من 7 إلى 9 نوفمبر/ تشرين الثاني إلى نهايتها. فالمفاوضات المراقبة عن قرب، والتي كانت تجري وسط روح جديدة من الخطاب التصالحي والموقف من الإدارة الإيرانية الجديدة للرئيس حسن روحاني، فشلت في تحقيق الاختراق المأمول لإنهاء مواجهة دامت أكثر من عقد من الزمان بشأن الانشطة النووية المشتبه بها في إيران.

لقد أرسل كل من آشتون وظريف، وكذلك وزير الخارجية الاميركية جون كيري، الذي تابع الاثنين  في مؤتمر صحفي خاص ( على منصة ، وبمجرد أن حلى العلم الأميركي مكان علميْ الاتحاد الأوروبي وإيران)، بإشارة أمل حول ما كان واضحاً بأنه نكسة. لقد قالوا بأن الجانبين كانا أقرب لبعضهما وبأن القطع المناسبة هي في المكان المناسب للتوصل إلى اتفاق كان كيري قد قال عنه بأنه سيتم ' خلال الأسابيع القليلة المقبلة '.

كانت الأزمة النووية الإيرانية عبارة عن قضية طويلة ومحبطة. فقد بدأت في عام 2002 عندما كشفت جماعة مقاومة إيرانية أن إيران كانت تخفي أعمال البناء في مرفقين من المرافق الرئيسة، أحدهما في نطنز لانتاج اليورانيوم المخصب والثاني في آراك حيث بالإمكان انتاج البلوتونيوم. ويستخدم اليورانيوم والبلوتونيوم في المواد النووية المدنية، لكنهما أيضا مادتين متفجرتين للطريقتين الأكثر شيوعاً لصنع قنابل ذرية. وبدأت الجهود الدبلوماسية لنزع فتيل الأزمة في عام 2003 وفشلت منذ ذلك الحين بالفوز بفرض حدود دائمة على النشاط النووي الايراني. ومن العام 2003 وحتى عام 2005، قادت ثلاث دول في الاتحاد الأوروبي- بريطانيا، فرنسا، وألمانيا- العملية الدبلوماسية. وفي عام 2006، انضمت الولايات المتحدة، التي كانت على الهامش، مباشرة في محاولة منها للتفاوض. أما ما يسمى بـ Eascii853 زائد 3 فقد انضمت إلى بريطانيا، الصين، فرنسا، ألمانيا، روسيا، والولايات المتحدة. لكن جهودهم وصلت الى طريق مسدود في التعامل مع إيران المستقطبة في ظل إدارة الرئيس المتشدد محمود احمدي نجاد.

كل هذا قد تغير، على الأقل في اللهجة، مع الانتخاب المفاجئ لروحاني في يونيو/ حزيران الماضي. فقد كان روحاني من داخل النظام والذي كان يملك أيضاً دعم الإصلاحيين الذين تحدوا الحكومة ومن ثم تم قمعهم بعد تظاهرات احتجاجية حاشدة على التزوير المزعوم في الانتخابات الرئاسية السابقة في عام 2009. وجاء روحاني إلى السلطة في أغسطس/ آب متعهداً إصلاح الاقتصاد الإيراني والحصول على رفع للعقوبات التي تقودها الولايات المتحدة ضد البرنامج النووي الايراني. فقد دمرت العقوبات الاقتصاد الإيراني، أعاقت مبيعات النفط وقدرة البلاد على القيام بالأعمال المصرفية الدولية، على حد سواء، كما أعاقت التجارة. وقد عين روحاني فريق السياسة الخارجية، برئاسة السفير السابق للأمم المتحدة جواد ظريف، وهو من ذوي الخبرة في التفاوض مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى.

أثمر التركيز على الهدوء، والحديث العملي، بدلاً من المواجهة، استئنافاً لاتصالات رفيعة المستوى بين إيران والولايات المتحدة. ففي سبتمبر/ أيلول، وعلى هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، جلس ظريف للحديث مع كيري، وهو الاجتماع الأول من نوعه لوزراء الخارجية بين الدولتين منذ الثورة الاسلامية في عام 1979. وتبع ذلك اتصال هاتفي بين روحاني والرئيس الأميركي باراك أوباما، بينما كان روحاني في طريقه إلى المطارعائداً إلى الوطن. وكان كل من هذين الاتصالين بمثابة اختراقات دبلوماسية كبيرة.

كان من المتوقع من الخطوة التالية أن تشكل انفراجاً في الملف النووي. وتعرِّف الولايات المتحدة هذا الأمر على أنها عبارة عن خطوات ملموسة يمكن التحقق منها في الطريق للتأكد من أن البرنامج النووي الايراني مدني وسلمي بشكل صارم. وفي اجتماع عقد في جنيف في أكتوبر/تشرين الأول، اتفق الجانبان على وضع إطار رسمي لاجراء محادثات. وكان القصد من الاجتماع التالي، في نوفمبر/ تشرين الثاني في جنيف، المضي قدما من هذه النقطة.

هكذا بدت الأمور في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني عندما بدأ الاجتماع الذي عقد في جنيف. فقد عقد على مستوى رفيع في وزارة الخارجية، وليس على مستوى وزاري، على الرغم من أن ظريف كان هناك بصفته المفاوض النووي الايراني. وافتتح الاجتماع بجلسة عامة تضم الدول السبعة في قصر الأمم، في مقر الامم المتحدة في جنيف. ومن ثم كان هناك فاصل لتناول طعام الغداء وعقد اجتماعات أصغر.

وسرعان ما انطلقت شائعات، وتأكيد نهائي، على أن كيري سيأتي في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني '. وقد تم تناول هذا المسار على أنه يعني شيئاً واحداً فقط - أن اتفاقا ما بات وشيكاً رغم الوعي الأميركي بأن كيري كان يشارك لكونه شخص جيد في ' سد الثغرات، بحسب ما قال أحد المسؤولين. ثم جاء تأكيد بأن فرنسا، بريطانيا، وألمانيا سوف تقوم أيضاً بإرسال وزراء خارجيتها، وبحلول 8 نوفمبر/ تشرين الثاني أُعلن بأن روسيا والصين سترسلان أيضا وزيريها، على الرغم من أن الصين سترسل نائب وزير خارجيتها. ويبدو أن الإصلاح سوف يكون حدثاً تاريخياً، اتفاق سيمثل بداية النهاية للأزمة النووية الإيرانية، الذي من شأنه أن يلغي الحاجة للقيام بعمل عسكري، كما كانت قد هددت إسرائيل والولايات المتحدة بالقيام بذلك اذا ما لزم الامر لمنع إيران من الحصول على القنبلة النووية.

هذا السيناريو الوردي سرعان ما تحول إلى سيناريو اكثر تشاؤماً. فقد كان أول من وصل هو وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الذي سار حتى وصل إلى الصحفيين المجتمعين وراء حواجز معدنية خارج فندق انتركونتيننتال، حيث كان معظم المندوبين يقيمون، وليحذر قائلاً أنه لم يكن هناك من اتفاق. في الواقع، ' لم يتم تسوية أي شيء'، قال فابيوس متحدثاً باللغة الفرنسية. وفي مقابلة اذاعية في وقت لاحق من ذلك اليوم، قال فابيوس أن فرنسا قلقة من أن ألا يكون العمل الجاري حول آراك كافياً، حيث قال الإيرانيون بأن مفاعل الماء الثقيل في آراك سيكون جاهزاً للعمل في عام 2014. وكشف أيضاً أن هناك مشاكل مع ما يجب القيام به بشأن مخزونات اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة، أو اليورانيوم المتوسط التخصيب مع السؤال الكبير حول ما اذا كانت ايران ستواصل التخصيب في أي تسوية نهائية. وكانت تصريحاته صادمة لأنها غيرت الطبيعة الكاملة للاجتماع. كما أنهم خرقوا السرية حول تفاصيل الاجتماع، التي حافظت عليها الدول السبع على امتداد المحادثات. واتهم دبلوماسي غربي فابيوس بالترويج، وقال: ' لقد كان الأميركيون، الاتحاد الأوروبي، والإيرانيون يعملون بشكل مكثف معاً لعدة أشهر على هذا الاقتراح، و هذه ليست أكثر من محاولة من جانب فابيوس لحشر نفسه بالموضوع في وقت متأخر من المفاوضات '.

بحلول 9 نوفمبر/ تشرين الثاني، انتقلت المحادثات من قصر الأمم إلى فندق انتركونتيننتال، حيث تناوبت الاجتماعات في غرفة في الطابق الأول، وهي مساحة على نمط حوض أزهار، بين أعضاء المفوضية الثلاثية والتي تضم ظريف، أشتون (التي ترأست  مجموعة القوى الست بصفتها الممثل للسياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي)، ومندوب من إحدى الدول الست، مع بعض الاجتماعات لدول Eascii853 زائد 3 واجتماعات ثنائية مختلفة. وسارت هذه المحادثات بشكل جيد بعد منتصف الليل عندما حاول الإيرانيون والأطراف من القوى الست التوصل الى نص اتفاق. وتوصلت الدول الست، مع فرنسا، أخيراً، إلى نص اتفاق في وقت متأخر من مساء 9 نوفمبر/ تشرين الثاني. رفضت إيران هذا النص، جالبة معها عدداً من القضايا الرئيسة الخاصة بها، بحسب ما قال أحد الديبلوماسيين، وهذه هي الطريقة التي انتهى بها الاجتماع.

الدرس الواضح هو أنه علاوة على المفرقعات التي انطلقت من فرنسا، هناك قضية أساسية تتمثل في المواجهة التي طال أمدها حول انشطة ايران النووية. هذه المواجهة تحتوي على التناقضات التي سيكون من الصعب حلها، حتى مع وجود المناخ الأفضل الذي جلبه مجيء كل من روحاني وظريف. إن خليطاً يتألف من كبح جماح إيران بخصوص أنشطتها النووية واستغناء الولايات المتحدة وحلفائها عن العقوبات أمر يتطلب تضحيات ليس هناك من الجانبين من هو على استعداد لبذلها حتى الآن. ما يجعل الخطوة الأولى صعبة كصعوبة حل الأزمة برمتها تقريباً.

تريد ايران تخفيفاً كبيراً للعقوبات في مقابل إنهاء إنتاج تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة التي تقول بأنها بحاجة له لأجل مفاعل الأبحاث في طهران الذي ينتج النظائر المشعة المستخدمة في التشخيص الطبي. لكن إدارة أوباما، الواقعة تحت ضغط من الكونجرس الأميركي الذي يريد زيادة العقوبات، ليس لديها مجال كبير لخفض الاجراءات العقابية كخطوة أولى. وخرجت الإدارة بفكرة الإفراج عن بعض مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية التي تم تجميدها في حسابات أجنبية. وليس من الواضح ما اذا كانت ايران لا تزال تطالب بالمزيد.

في الوقت نفسه، إن هدف إيران الرئيس في المحادثات هو أن يكون حقها في التخصيب معترفاً به. ففي حين أن لإيران الحق في امتلاك برنامج نووي مدني بظل معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، فإن حقها في التخصيب غير محدد. وتريد إيران أن تبقي، على الأقل، على  جزء من منشآت التخصيب التي بنتها على نطاق صناعي. أما مدى وكيفية تقدم أجهزة الطرد المركزي التي تقوم بالتخصيب فسوف تكون نقاطاً شائكة في أي تسوية .
وبالطبع إن كيفية العمل على الحد من مفاعل اراك ومتى أمر سيشكل نقاطاً خلافية أخرى، فضلا عن مسألة الكيفية التي ستتم بها عمليات التفتيش النووي التدخلية وفقا للاتفاق النهائي.

إذا كان الفرنسيون قد قاموا بأي شيء، فهو أنهم قد جلبوا هذه القضايا إلى المقدمة، مرددين المخاوف الإسرائيلية بأن الولايات المتحدة مستعدة لإعطاء إيران كثيراً في ما يسمى المرحلة الأولى من الصفقة. إن النهج الأميركي هو اتخاذ الخطوة الأولى، والتي تدوم نحو ستة أشهر، والهادفة إلى منع الايرانيين من توسيع برنامجهم حتى وهم يواصلون العمل عليه. وسيعقب هذا 'التجميد ' ستة أشهر من العمل نحو التوصل إلى اتفاق شامل ونهائي من شأنه التعامل بشكل كامل مع جميع القضايا والظفر بما يمكن أن يبدو عليه البرنامج الإيراني في المستقبل. لكن إيران سوف تحصل على بعض التخفيف للعقوبات في مرحلة أولى. وشعرت إسرائيل و فرنسا بأن المرحلة الأولى هي السماح لايران بالخروج من ورطتها، وبأنها ستجعل المرحلة الثانية والنهائية غير فعالة. أما رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو فقد شكا من أن ايران ستحصل على ' صفقة القرن '.

ساهمت هذه المخاوف، بالتأكيد، بالوصول طريق مسدود، بدلاً من التوصل إلى اختراق، مع ما انتهى إليه اجتماع جنيف. وقال كيري في مؤتمره الصحفي الختامي في الساعات الاولى في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني: 'ليس هناك شك في ذهني أننا أقرب الآن إلى التوصل إلى اتفاق. الدبلوماسية تستغرق وقتا، وخصوصا بين بلدان كانا حقا على طرفيْ نقيض لفترة طويلة الآن- كما  في حالة إيران، منذ عام 1979'. المشكلة هي أنه مع استمرار إيران في أنشطتها النووية واستمرار المتشددين في كل من الولايات المتحدة وإيران بالقنص والتصويب على الدبلوماسية، تدق الساعة وينفد الوقت. ولعل هذا هو السبب في تعيين وقت استئناف المحادثات على الفور تقريباً، وذلك في جنيف في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني على مستوى وزارة الخارجية الرفيع.

موقع الخدمات البحثية