مواد أخرى » الخيار الاستراتيجي الإسرائيلي المعدل

إيلان بيرمان(*)
في عام 2012، وفي خضم الهياج المستمر لما يسمى ـ 'الربيع العربي'، كان المسؤولون في كل الحكومة الإسرائيلية يعربون عن قلقهم العميق إزاء موقف بلادهم الاستراتيجي، واحتمال نشوب صراع على جبهات متعددة. أما اليوم، وعلى النقيض من ذلك، فإن أفضل وصف للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية هو أنها متفائلة بحذر حول الوضع الجيوسياسي، ولسبب وجيه.. هو مصر.
لقد أعادت الاطاحة الأخيرة بحكومة الرئيس المصري محمد مرسي التي يهيمن عليها الإخوان المسلمون قدراً من الحياة الطبيعية على الحدود الجنوبية الغربية لـ'إسرائيل'، على الرغم من التشنجات السياسية الراهنة في البلاد. ويعلق مسؤولون إسرائيليون فشل مرسي، قبل كل شيء، على التدهور الواضح للوضع الاقتصادي المحلي في عهده، والذي بدوره أدى إلى حشد كل من الناشطين المحليين والمؤسسة العسكرية القوية في البلاد. وأيا كان السبب، فإن النتيجة مكسب صاف بالنسبة لـ'إسرائيل'، بما أنه خلال الفترة التي تولت فيها حكومة مرسي منصبها كانت قد راهنت على موقف علني جداً معاد لـ'إسرائيل' وللغرب. ومع انهيارها واستبدالها لاحقاً بنظام تصريف أعمال يسيطر عليه الجيش، يرى واضعو السياسات الإسرائيلية الآن إمكانيات متجددة للمشاركة والحوار الاستراتيجي مع القاهرة.
بالتأكيد، لا تزال شبه جزيرة سيناء مصدر قلق مستمر . فالمنطقة الصحراوية التي تفصل 'إسرائيل' عن مصر، والتي عمتها الفوضى والإجرام مع نهاية نظام مبارك في عام 2011، لا تزال موضع عدم استقرار اليوم. ولتحسين هذا الوضع ، سمحت 'إسرائيل' لمصر بإعادة قواتها إلى المنطقة منزوعة السلاح سابقاً خلال العام الماضي، حيث تشن الآن هذه القوات معركة ضارية ضد العناصر الإجرامية و المتطرفة غير النظامية. مع ذلك، تبدو الحكومة الإسرائيلية، عموماً، مرتاحة لكيفية تعامل الجيش المصري مع الوضع، وعلى استعداد للسماح للقاهرة بأخذ زمام المبادرة لاعادة النظام في سيناء .
فضلاً عن ذلك، يجري تلمس آثار التحول في مصر إلى ما هو أبعد من الحدود الجنوبية الغربية لـ'إسرائيل'. وكما أن المد العالي يرفع كل القوارب، فإن هناك دلائل واضحة على أن فشل جماعة الإخوان المسلمين في مصر قد أدى إلى تضاؤل جاذبية القوى الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة. إذ يبدو حكم الملك عبد الله في الأردن البلد المجاور، على سبيل المثال، أكثر استقرارا مما كان عليه قبل فترة قصيرة، كما أن العناصر الإسلامية داخل المملكة الأردنية اضطروا إلى الحد والتخفيف من طموحاتهم السياسية في ضوء انهيار جماعة الإخوان المسلمين. أما في شمال أفريقيا، أيضاً، فقد حدثت تغيرات صحية مفيدة في النظرة السياسية وفي طموحات الأحزاب الإسلامية في أماكن مثل تونس والجزائر .
كانت النتيجة تحولاً ملحوظاً في اتجاه 'الربيع العربي'. إذ أن انهيار حكومة الإخوان المسلمين في مصر، وفقدان إيران للشرعية (نتيجة دعمها العنيد للنظام السوري)، والمشاكل المحلية الحالية السائدة في تركيا تركت بلدان المنطقة في وضع من دون نموذج سياسي وإيديولوجي يُحتذى. ومن غير الواضح ما الذي سيأتي بعد، لكن هناك شعور واضح في القدس بالأمل وترقب الفرصة لانتقال 'إسرائيل' إلى بيئة استراتيجية أصبحت تدريجياً مضيافة أكثر مما كانت عليه سابقا.
وبالمثل، يمكن للحرب الأهلية السورية أن تتحول لتكون في صالح 'إسرائيل'. ففي الظاهر، يعرض عامان ونصف من النزاع الجاري بين نظام الأسد و المعارضة الداخلية إلى مشكلتين تكتيكيتين لجارتها الجنوبية . الأول هو احتمال الانتشار المحتمل للاضطرابات في سوريا واختراقها الحدود الشمالية لإسرائيل. والثاني هو أن استخدام النظام للترسانة السورية من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية يمكن أن يستمر، أو يتم توزيعها على أطراف ثالثة (مثل حزب الله في لبنان)، أو تستولي عليها قوات المعارضة . لكن الخطوات الإسرائيلية ـ بدءاً من التعزيزات الجارية من جانب قيادة قوات الدفاع الإسرائيلية الشمالية وصولاً إلى القصف الاستراتيجي لمستودعات الأسلحة المشتبه بها في سورية ـ قد عمل على الحد من أنشطة  زعزعة الاستقرار التي تستهدف 'إسرائيل' تحديداً واحتوائها. وفي الوقت نفسه، لقد ساعدت الأعمال العدائية الجارية هناك على تآكل القدرات الاستراتيجية للطرفين المعاديين للدولة اليهودية (نظام الأسد نفسه، والعناصر الإسلامية من المعارضة السورية)، مما يعزز الأمن في البلاد في هذه العملية.
في هذه الأثناء، يمكن للتحرك المتجدد على الجبهة الفلسطينية أن يزود 'إسرائيل' بمزيد من حرية الحركة ـ والمصداقية ـ في العالم الإسلامي. فقد أصبحت إعادة تشغيل المفاوضات المتوقفة بين 'إسرائيل' والسلطة الفلسطينية على رأس أولويات إدارة أوباما في ولايتها الثانية. وعلى الرغم من أن هذا الجهد، الذي هو من بنات أفكار وزير الخارجية جون كيري، قد لاقى انتقادات كبيرة سواء في واشنطن أو في الخارج، فإن بدايات مسار الدبلوماسية الجديدة واضحة الآن. أما دوافع 'إسرائيل' للمشاركة في هذه المحادثات فبسيطة ومفهومة على حد سواء . ولا يحمل صناع القرار في القدس أية أوهام حول فرص النجاح ، لأن حكومة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تفتقر الآن إلى الأهمية و الشرعية للانخراط في هذه المفاوضات . مع ذلك ، من الواضح برغم كل شيء أن صدى القضية الفلسطينية لا يزال يتردد في المنطقة ، وينبغي التصدي لها  ومعالجتها من أجل دفعهم (الفلسطينيين) إلى إحراز تقدم على جبهات أخرى . وبالتالي، فإن مشاركة 'إسرائيل' مصمَّمة لإزالة مظهر التعنت، وتسهيل الحوار مع دول المنطقة بشأن القضايا الأخرى (مثل مصر وسوريا وإيران).
مع ذلك، هناك أمر واحد لم يتغير. إذ لا يزال البرنامج النووي لجمهورية إيران الإسلامية يشكل قلقا استراتيجيا بالغ الأهمية ويشغل بال صناع القرار في القدس. فالمسؤولون الاسرائيليون متحدون في تقييمهم بأنه، وعلى الرغم من العقوبات الاقتصادية الآخذة في الاتساع التي تم تحصيلها حتى الآن من قبل الولايات المتحدة وأوروبا ضد النظام الإيراني، لا يزال التطوير النووي الايراني يتسارع وينضج على حد سواء. ونتيجة لذلك، كما يقولون، من المرجح أن تدخل إسرائيل 'منطقة' قرار في أواخر عام 2013 أو أوائل عام 2014 فيما يتعلق بالخطوات القادمة في مواجهة الجمهورية الإسلامية، بما في ذلك، الاستخدام المحتمل للقوة لتحييد برنامجها النووي .
إن كل ما يفعلونه محل اهتمام جدي غربي كبير جدا. فقد أعاد انتخاب حسن روحاني في حزيران/ يونيو لمنصب الرئاسة الايرانية تكوين الإجماع السياسي الدولي بخصوص الضغط على إيران، وجعل وجود نوع من الحوار الدبلوماسي القريب أمراً لا مفر منه. إلا أن احتمالات إحراز أي تقدم على هذه الجبهة محدود، بحسب اعتقاد المسؤولين الإسرائيليين، لأن روحاني يفتقر الى القوة اللازمة لإحداث تغيير حقيقي بشأن أي مسألة من المسائل الثلاث التي يمكن أن تؤثر فعلياً وبشكل ملموس على علاقة إيران مع الغرب:
1) طموحات إيران النووية.
2) الدعم الإيراني للنظام السوري.
3) دعم إيران لميليشيا حزب الله في لبنان.
نتيجة لذلك، فإنهم يصرون على أنه إذا كان هناك من حوار مع إيران، فإنه ينبغي أن يكون قصيراً، محدوداً، ومشروطاً بحصول  تقدم حقيقي من جانب النظام الإيراني. وبخلاف ذلك، سوف توفر عملية التفاوض المفتوحة وقتاً إضافياً للجمهورية الاسلامية لتحقيق تقدم على الجبهة النووية، مع عواقب مدمرة.
إن موقف 'إسرائيل' المحسن، بحكم طبيعته، يمكن أن يكون أي شيء ما عدا دائماً. فالتطورات المزعزعة للاستقرار، مثل تكثيف المواجهة الحالية بين الحكومة المصرية والقوى الإسلامية أكثر، أو الاستخدام السوري الواسع النطاق على نحو متزايد للأسلحة الكيميائية، يمكن أن يؤثر سلباً، وبسرعة، على الأمن الإسرائيلي. لذلك يمكن لموقف أميركا المتآكل في المنطقة، والذي يستدعي التساؤل حول مسألة الاستراتيجية الأميركية في المنطقة ـ وبالتبعية، متانة شراكاتها مع الحلفاء الإقليميين ـ أن يشمل 'إسرائيل'.
مع ذلك، وفي الوقت الراهن، فإن الوضع الاستراتيجي لـ'إسرائيل' أفضل بكثير مما كان عليه في أي وقت في الماضي القريب. وحيث أن هذا هو الحال فإنه يشهد على الجمع بين المهارة والحظ اللذان تمكنت إسرائيل  بهما من الابحار في خضم الاضطرابات التي تحيط الآن بالمنطقة التي تستوطنها، على الأقل حتى الآن.
(*) نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الامريكية في واشنطن. وقد عاد لتوه من بعثة لتقصي الحقائق إلى 'إسرائيل'
(*) ترجمة إيمان سويد ـ خاص مجموعة الخدمات البحثية

موقع الخدمات البحثية