مواد أخرى » كيف يمكن للولايات المتحدة أن ترد على المأزق الاستراتيجي السوري؟

النشرات الدورية لمعهد INSS  رقم 422
3 يوليو/ تموز 2013
ديكل، عودي

إن الحرب المستمرة في سوريا، التي بدأت بوصفها انتفاضة داخلية ضد حكومة بشار الأسد، أصبحت حرباً أهلية طائفية وتطورت إلى صراع إقليمي بين السنة والشيعة يضع الولايات المتحدة في مواجهة مأزق استراتيجي. ففي الولايات المتحدة، يوصف الوضع  بتحفظ حاد باعتباره أزمة إنسانية خطيرة جداً، مع مقتل أكثر من 100000 من المدنيين، معظمهم من غير المتورطين، وأكثر من 2 مليون لاجئ، ونحو 2.5 مليون من المدنيين أجبروا على إخلاء منازلهم.

وفي حين أن ليس لدى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين إلا وسائل محدودة للتأثير على الأحداث في سوريا من دون القوة العسكرية، فإن لا الولايات المتحدة ولا أوروبا مهتمتين بمزيد من التورط العسكري في المنطقة بعد تجربتيْ العراق وأفغانستان. بالإضافة إلى ذلك، فإن النظام الدولي غير قادر على اتخاذ قرارات جوهرية بشأن سوريا بسبب الفيتو الروسي والصيني المتوقع في مجلس الامن الدولي. إذ أن تقييم الولايات المتحدة بشأن التدخل العسكري في سوريا من خلال استخدام القوة الجوية وحدها هو أن هناك احتمال كبير للتدهور وفقدان السيطرة، إلى حد الاضطرار الى ارسال قوات برية ـ وهو ما تخشاه واشنطن أكثر من غيره. نظرياً، إن القرار حول التدخل العسكري يمكن تأجيله ، استناداً إلى التآكل المتبادل بين العناصر المتطرفة التي تقاتل بعضها البعض في سوريا ـ إيران وحزب الله من جهة، والعناصر الجهادية السلفية السنية (مثل جبهة النصرة وكيل تنظيم القاعدة ) من جهة أخرى، مع عدم قدرة أي من الطرفين على هزيمة الآخر. أما المشكلة التي تواجه الرئيس أوباما، الذي يفضل النأي بنفسه عن مشاكل الشرق الأوسط أو القيادة من الخلف على الأغلب، فهي أنه ليس بإمكانه البقاء معزولاً عما يجري في الوقت الذي يتم فيه قتل المدنيين، وفي الوقت الذي يتطور فيه النزاع بين الشيعة والسنة، وتزداد العناصر المتطرفة قوة، راكبين موجة من شأنها أن تكون انتصاراً لهم. فضلاً عن ذلك، ليس هناك من فاعل مهيمن مناسب ناشئ يمكنه، في نظر الولايات المتحدة، أن يقود سوريا في المستقبل ويحافظ على وحدة واستقرار البلاد. لذلك، فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو الفوضى وتزايد الانحلال الطائفي، ذي العواقب السلبية على جيران سوريا. في الواقع، إن هذه الحالات تعمق مأزق واشنطن وأوروبا، خشية أن تؤدي تدابير معينة إلى توجيه الأصابع مشيرة الى الغرب وتحميله المسؤولية عن الفوضى لاحقاً.

وجاء هذا العجز الواضح تماماً من جانب الولايات المتحدة عندما اختار الرئيس أوباما عدم الرد على استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية، وهو الفعل الذي تجاوز الخط الأحمر الذي حدده أوباما نفسه. كما أن قرار تدريب وتجهيز الجماعات المعارضة السورية بصواريخ مضادة للدبابات وصواريخ مضادة للطائرات تطلق من على الكتف قد أتخذ بعد الكثير من التذبذب، وهذا وحده غير كاف لتغيير ميزان القوى داخل سوريا. فلتدفق الأسلحة عواقب سلبية فعلاً: إطالة أمد النزاع وتصعيده، وتعزيز الشرخ بين قوى المعارضة مما يؤدي إلى انتشار أسلحة متطورة ووصولها إلى متطرفين جهاديين. وهذه العوامل تفرخ المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، حتى ولو سقط نظام الأسد. إذ لا توجد استراتيجية أميركية متماسكة لتغيير مسار الحرب، كما أن الآثار السلبية لانتصار ما للمتطرفين أو لعناصر جهادية متطرفة أصبحت راسخة في سوريا لم يتم استيعابها بعد. حتى أن قرار الولايات المتحدة بحضور مؤتمر جنيف 2 مع روسيا، دون تشاور جدي مع حلفائها الأوروبيين، هو علامة أخرى على أن الأزمة تدار من موقف ضعف ودون خيارات قابلة للتطبيق للعمل.

الأهمية الاستراتيجية لعدم التدخل عسكرياً
إن الكشف عن النقاش الداخلي في المؤسسة الأمريكية بين وزير الخارجية جون كيري، الذي يدعم العمليات الجوية في سوريا، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي، الذي يخشى من عواقب عملية عسكرية وخاصة القيام بمشاركة عسكرية أعمق، ذات تكاليف باهظة وتآكل للقوات العسكرية، أضر أكثر بصورة أميركا كقوة عظمى. ويدرك المتطرفون بأن الخيار العسكري الأميركي ليس مطروحاً على الطاولة، مما يزيد من عزمهم على مواصلة الصراع. في نفس الوقت، إن الموقف الروسي، الذي يضع شروط بداية صعبة لعملية  جنيف 2  السياسية لوقف الحرب في سوريا، يزداد قوة.

في سياق إيران، يؤكد المؤيدون لهجوم أميركي في سوريا على أن الفشل الأميركي في إظهار عزيمة في سوريا في مواجهة التصميم الذي أبدته إيران وحزب الله يقوي تقييم طهران بأن هناك احتمالاً ضئيلاً للخيار العسكري الأميركي ضد البنى التحتية النووية الإيرانية، ما يقلل تأثير الولايات المتحدة في جهود المفاوضات مع إيران. في المقابل، يقول المعارضون لهجوم في سوريا بأن على الولايات المتحدة أن تحافظ على خيار توجيه ضربة عسكرية لايران، اذا ما فشلت المحادثات حول القضية النووية وقامت إيران باختراق على صعيد القدرة النووية العسكرية.  ويذكر المعارضون أيضاً الافتقار إلى الشرعية الدولية لشن هجوم على سوريا. مع ذلك، وحتى لو كان مجلس الأمن مشلولاً بسبب استخدام حق النقض الروسي والصيني، فإن بإمكان الولايات المتحدة العمل على أساس قانوني لطلب الحصول على مساعدات للمعارضة، التي تسيطر على أكثر من نصف الأراضي السورية.  أما الأساس الآخر للتدخل فهو مسؤولية الحماية (R2P) للسكان غير المتورطين من معاناة تعرضهم لأضرار جسيمة. إن العمل مع ائتلاف ما، بدلاً من عمل أحادي أمريكي، سيعزز اللجوء إلى عقيدة R2P.

خيار عسكري معقول
إن الخيار العسكري مع احتمال وجود دعم دولي وإقليمي واسع النطاق هو مايتعلق بإنشاء منطقة حظر جوي فوق سوريا، وذلك من أجل منع قوات بشار الأسد من استخدام طائرات ومروحيات هجومية ضد قوى المعارضة والمدنيين، والحد من قدرتها على نشر الأسلحة الكيميائية. ولتحقيق الغرض من فرض منطقة حظر الطيران فان لدى الولايات المتحدة احتمالين تطبيقيين. ويستند أحدهما، وهو النهج العام لديمبسي، على فكرة تحقيق التفوق الجوي فوق سوريا. وللقيام بذلك، ستكون هناك حاجة إلى المئات من الطلعات الجوية لتوجيه ضربة وقائية ضد بطاريات أرض ـ جو ومحطات الرادار. إن التفوق الجوي يسمح للولايات المتحدة بشل المطارات السورية والحفاظ على الدوريات الجوية فوق سوريا، واسقاط أي طائرة أو مروحية تابعة للنظام، ومنع حتى المساعدات الخارجية، وخصوصاً الإيرانية، من الوصول إلى قوات الأسد. ويستند النهج الثاني على هجوم المواجهة لشل المطارات المستخدمة من قبل الطائرات والمروحيات السورية دون اختراق المجال الجوي السوري، ولكن عن طريق أسلحة دقيقة موجهة من بعيد. بالتزامن مع ذلك، يمكن إجراء دوريات جوية فوق البحر الابيض المتوسط مع صواريخ جوـ جو بعيدة المدى لاعتراض الطائرات التي تخترق مناطق حظر الطيران. ومع النهجين لا حاجة للولايات المتحدة إلى العمل من الدول المجاورة، بدلاً من ذلك، سوف تنطلق من حاملة طائرات في البحر الأبيض المتوسط أو تشغل طيراناً مباشراً (مع التزود بالوقود جوا) من القواعد الأمريكية في أوروبا. وبالامكان تنفيذ العملية الجوية في الوقت الذي يتم التقليل فيه من التهديد للطائرات الأمريكية.

الأصول الاستراتيجية: إئتلاف إقليمي لمنطقة حظر طيران بقيادة الولايات المتحدة
بإمكان الولايات المتحدة تطوير فكرة منطقة حظر الطيران إلى نهج استراتيجي لتحالف إقليمي ضد المعسكر الراديكالي، استنادا إلى السياق المباشر للأحداث في سوريا. وسيكون أساس النهج  بالنسبة للولايات المتحدة تشكيل ائتلاف (غير رسمي حتى ) مع جيران سوريا، تلك الدول التي تخشى من انتشار الأحداث في سوريا وامتدادها إلى أراضيها، وتوقع عمل أميركي قوي ضد قوات الأسد ومؤيديه. وستقود الولايات المتحدة مجموعة من البلدان ـ الأردن، تركيا، وإسرائيل ( بصورة ديبلومسية منخفضة وغير معلنة) ـ بحيث تؤسس هذه الدول معاً منطقة حظر الطيران. وستنشئ كل دولة من هذه الدول منطقة حظر طيران بالقرب من حدودها مع سوريا ـ إن لم يكن في الواقع الفعلي، فعلى الأقل من خلال الدعم الدبلوماسي والعملياتي، وكذلك من خلال نشر بطاريات صواريخ باتريوت على أراضيها ( الأمرالذي تم بالفعل ). وهناك بالفعل دليل على التنسيق بين الدول الأربع في صياغة رد على سيناريو استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا.

وكخطوة إضافية، بالإمكان توسيع المجهود الإنساني والتعاوني في حماية السكان المدنيين في سوريا من خلال إحداث منطقة عازلة على طول الحدود السورية مع الأردن وإسرائيل وتركيا، وحتى لبنان. وسيكون المواطنون السوريون قادرين على الهروب إلى هذه المناطق، ويكون بالإمكان إنشاء بنية تحتية للمساعدات الإنسانية. وتعمل المنطقة العازلة أيضاً على منع امتداد العناصر المتطرفة من كلا المعسكرين إلى الدول المجاورة، خصوصا إلى الأراضي الأردنية. وهذا من شأنه خلق رابط مشترك بين الدول في منع امتداد الأحداث إلى أراضيها، وفي الوقت نفسه التمسك بالمسؤولية عن حماية المدنيين السوريين. ومن المرجح أن يفوز هذا الائتلاف بدعم المملكة العربية السعودية والإمارات السنية، وبهذه الطريقة، سيواجه ائتلاف الولايات المتحدة والمعسكر السني ' المعتدل' المعسكر الشيعي الراديكالي. كما أن البنية التحتية للتحالف سوف تسمح بالمشاركة في المبادرات الدبلوماسية كذلك، وإن هذه القوة الكامنة التي سيتم إحداثها لن تكون فقط لإحداث تغيير في ميزان القوى القتال داخل سوريا، ولكن أيضا من أجل تغيير أوسع نطاقا يهدف إلى عزل إيران وحزب الله، إلى حد ردع إيران من خلال تشكيل ائتلاف مماثل بشأن القضية النووية.

(*) ترجمة: إيمان سويد، خاص مجموعة الخدمات البحثية

موقع الخدمات البحثية