مواد أخرى » الديمقراطية في مصر إلى أين؟

Middle East Research and Information Project ـ أحمد شكر
12 يوليو/ تموز 2013


في 3 تموز مشيت نزولاً على أتوستراد مدينة نصر متجهاً نحو مسجد رابعة العدوية، حيث كان الإخوان المسلمون في مصر يعتصمون. مرت ساعتان ونصف قبل أن يوجه وزير الدفاع الجنرال عبد الفتاح السيسي، خطاباً للأمة يعلن فيه نهاية رئاسة محمد مرسي التي دامت عاماً واحداً. إلا أن استيلاء الجيش على السلطة كان قد بدأ. وتوالت ناقلات الجند المدرعة بالنزول إلى الشارع، الواحدة تلو الأخرى، لمنع وصول المتظاهرين إلى مكان الاحتجاج. وكان هناك طوق من الجنود المتوترين المستعدين للمواجهة ومكافحة الشغب.
وصل أنصار مرسي، الرجال والنساء، إلى النتيجة، في جو من الصدمة المختلطة بالسخط. كان البعض يبكي. وصرخ آخرون بالجنود. وأحاطت مجموعة صغيرة منهم بآلية تابعة للجيش وخبطوا على هيكلها بقبضاتهم. مع ذلك سحب آخرون أصدقائهم بعيداً، خوفاً عليهم من استفزاز القوات المسلحة. وترددت هتافات 'يسقط حكم العسكر!' في الشوارع - وهو شعار الثوار خلال فترة إدارة الجنرالات المباشرة لمصر في 2011-2012 . فجأة، أطلق جندي النار في الهواء لتفريق الحشد. واستمر إطلاق النار لدقائق. ركض معظم الناس، لكن الرافضين والمتعنتين ثبتوا في أرضهم . بعد لحظات، قرر الجيش السماح للمحتجين بالانضمام إلى تجمع الجماهير، مع تفتيشهم وتصويرهم بواسطة الفيديو واحداً تلو الآخر، إلا أن الأجواء ظلت مشحونة.
عادت بي الذاكرة عشرة أشهر إلى الوراء إلى غداء عادي بالصدفة في منزل أحد الأخوان المسلمين في حي راق بالقاهرة. عندما وصلت، كان هناك عضو بارز في التنظيم يقوم باستقبال الضيوف، ويحيط به اثني عشرة من الأتباع. وأخذ يقول بتفاخر واعتزاز بأن نصر مرسي في الانتخابات الرئاسية عام 2012 لم يكن حدثاً دنيوياً، بل لا بد من فهمه بإطار أخروي. وقد اشتملت كل خطوة من خطوات الحملة على قرارات خطيرة والتي من الممكن أن تكون قد انحرفت عن مسارها. وهذا هو السبب بأنهم لم يُظهروا بأن النتيجة كانت إلهية. فلم يذكر القيادي الإخواني، في أي مكان، الثورة الشعبية التي أطاحت بالديكتاتور في شهر فبراير/ شباط 2011 أو احتمالاتها السياسية.  بدت حساباته داخلية. لقد كان صعود الإخوان إلى السلطة تحقيقاً لقدَر، تتويجا لنضال 80 عاماً ضد القمع بحيث انتصر الأنصار في نهاية المطاف.
الآن، في منتصف الصيف من عام 2013، كان كل شيء على وشك أن يضيع - إنهاء مفاجئ لقصة سندريلا لم تدم طويلاً.
شهد الأسبوع بعد طرد مرسي معركة مذهلة للعقل حول التسميات والمصطلحات. فهل كان ما حدث انقلاباً أم تمرداً على نطاق واسع؟ الاثنان لا يتعارضان. فما حدث هو أن الجنرالات (بالتعاون مع آخرين) قد أمسكوا بالدولة من يد رئيس الجمهورية المنتخب، ولكن ما عجل عملهم هم الملايين الذين ثاروا ضد حكومة الإخوان المسلمين ، على نطاق لم يسبق له مثيل في تاريخ مصر.
ما خلف مصطلحيْ 'الانقلاب' و 'الثورة' مزاعم متضاربة حول أين تكمن الشرعية - في صندوق الاقتراع، في الشوارع، في مؤسسات الدولة؟ إن معلقين مثل نوح فيلدمان يشعرون بالحرج من فكرة أن يالإمكان تلفيق الانتخابات بواسطة أشكال أخرى من التعبير الجماعي. فالعملية المنظمة، بحسب ما يصر هؤلاء، أمر أساسي للديمقراطية الدستورية. إن التفكير بطريقة أخرى سيزعزع فرضية ليبرالية أساسية  تقول بأن السياسة قضية توافقية حيث تصاغ الاتفاقيات والعقود الاجتماعية في لحظات مراسم منفصلة - انتخابات، استفتاءات، والمصادقة على الدساتير – وبأنها ليست عالماً من الصراع الأبدي. مع ذلك، وبالنسبة لكثير من المصريين، فقد ثبت بأن الديمقراطية لا تتناسب في أي قالب محدد سلفاً.
ولعل الأسئلة الأهم في مصر اليوم تتعلق بالماضي والمستقبل، وليس الحاضر. كيف وصلت السياسة المصرية إلى نقطة الانهيار هذه؟ هل أن العملية التي بدأت في عام 2011 قد تم تخريبها ولا يمكن إصلاحها؟
إن مرسي ومنظمته، جماعة الإخوان المسلمين، هم بلا شك المسؤولون عن الأزمة في مصر. فقد أصبح واضحاً في وقت مبكر من حكم الإسلاميين بأنهم كانوا مهتمين بتعزيز قبضتهم  على السلطة أكثر من اهتمامهم  ببناء نظام ديمقراطي. إذ حافظ الإخوان على كل تلك المؤسسات من عهد نظام مبارك التي لم تكن تهدد سلطتهم صراحة، بما في ذلك، الأجهزة الأمنية، السيئة الصيت. ووفقاً لـ 'المبادرة المصرية للحقوق الشخصية'، قامت الشرطة بالتعذيب والقتل بظل حكم مرسي بنفس المعدل الذي كان في عهد مبارك. وكان أسلوب الاخوان بالحكم أحادياً وإقصائياً. وقال المنطق الأكثري الصريح أن النصر في صناديق الاقتراع قد أعطى ' المجتمع' ( مجتمع الإخوان) ترخيصاً لحكم مصركما يشاء. وكان المثال الأكثر فظاعة في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2012 عندما ادعى مرسي سلطات مطلقة لنفسه في الإعلان الدستوري. ثم قامت الجمعية التأسيسية بقيادة الأخوان بالدفع بقوة من خلال مسودة دستور - المصمم لاسترضاء السلفيين العسكريين والمحافظين المتشددين – مما تسبب بالذعر بين الليبراليين واليساريين والمسيحيين والنساء وغيرهم من خارج الكتلة الاسلامية. وتمت الموافقة على الوثيقة في الاستفتاء الذي شهد أقل نسبة اقبال على التصويت من بعد حكم مبارك. إذ قرر أكثر من ثلثي الناخبين عدم المشاركة.
تم التعامل مع  السياسة باعتباره ميدان حكر على المسؤولين التابعين للإخوان وعلى عدد قليل من الحلفاء الذين تمكنوا من زرع أنفسهم داخل البيروقراطية. وأخفقت الحكومة في التعامل مع نشطاء ومنظمات غير حكومية أو غيرها من الجهات المعنية. بعد 14 يونيو/ حزيران 2012، لم يكن لدى مصر برلمان ولا انتخابات في الأفق. وعين مرسي نائباً عاماً بدا بأن وظيفته الوحيدة ملاحقة المعارضين. وحرَّض الإخوان أتباعهم على العنف، لا سيما خلال صدامات ديسمبر/ كانون أول 2012  مع محتجين ضد الإعلان الدستوري أمام القصر الرئاسي. لقد اعتمدوا على الخطاب الديني التقسيمي، الذي وصل في بعض الأحيان إلى مستوى التحريض الطائفي، عندما كان الأمر مناسباً لهم. فقد شهدت الأسابيع قبل الاطاحة بمرسي موجة من خطاب الكراهية المعادي للشيعة الذي سمح به الإخوان وانغمسوا فيه بعض الأحيان لحشد الإسلاميين المتشددين، أصدقائهم المتبقين لهم فقط، وراء الرئيس. لقد أخفقوا في معالجة الشكاوى الاقتصادية للمصريين العاديين - ارتفاع الأسعار، نقص البنزين وانقطاع التيار الكهربائي – كما أن أي خطط للإصلاح لم تكن تعدو كونها أكثر من أفكار معاد تدويرها بقليل تعود إلى العقد الأخير من حكم مبارك.
 لم تكن حكومتهم مجرد حكومة ذات سياسات بغيضة. فقد أصبح يُنظر إلى الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم مكتب الإرشاد، على أنهم زمرة سرية، غير جديرة بالثقة وضعت مصلحتها التنظيمية فوق أي اعتبار آخر. نتيجة لذلك، فقد اكتسبت جماعة الإخوان ازدراء معظم شرائح المجتمع المصري خارج دوائرهم التقليدية. إن المزاعم القائلة بأن التمرد الذي تحول الى انقلاب قد خرب العملية الديمقراطية تبالغ بمدى وجود مثل هذه العملية أصلاً. فالإخوان اعتبروا خصومهم مخربين بحيث لا يمكن إعطائهم الربع. وكما  قال عمرو عبد الرحمن ، أحد المحللين المصريين، لي: 'منذ ديسمبر/ كانون أول 2012، حولت جماعة الإخوان المسلمين السياسة إلى لعبة محصلتها صفر. في النهاية، لعبة محصلتها صفر هو ما حصلوا عليه، لكنهم لم يتمكنوا من الفوز '.
أصبح مرسي شخصاً لا يحظى بشعبية كبيرة داخل مؤسسات الدولة كذلك. ففي أوائل ديسمبر/ كانون أول، وصفته تقارير بأنه كان كما لو أنه يشعر ' بالعزلة في الساحة السياسية وحتى داخل حكومته'، وبالتالي فقد تراجع إلى  قاعدته الاسلامية التقليدية. فبالنسبة لكثيرين في الدوائر البيروقراطية، كان مرسي والإخوان المسلمون ضيوفاً غير مرغوب بهم، وخطر على الإقطاعيات المؤسساتية. لقد أقلق قربهم من الاسلاميين المتشددين وكالات الأمن والاستخبارات الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على ' الأمن القومي' لمصر . واعتبر بعض الجنرالات حضور مرسي في المؤتمر الإسلامي في 15 يونيو/حزيران، حيث ندد رجال الدين بالشيعة وشجعوا المصريين على القتال إلى جانب الثوار في سوريا، بمثابة القشة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير. ولم يكن سراً أن العديد من موظفي وزارة الداخلية كانوا من بين الحشود يوم 30 يونيو/ حزيران. وفي إحدى المرات، قال أحد المتظاهرين بجواري مازحاً، 'الدولة تثور ضد نفسها'. وكان محقا جزئياً.
لو ظل مرسي رئيساً بعد 30 يونيو/ حزيران، فإن وجوده كان سيسمم الاجواء. ولكن إلى أين تذهب مصر الآن؟
إن توصيف النزاع المنتشر، وكأنها معركة بين الديمقراطيين غير الليبراليين والليبراليين غير الديمقراطيين لهو تبسيط للأمور. هناك عدد كبير من الذين شاركوا في احتجاجات 30 يونيو/ حزيران لا يتفقون تماماً مع أي من المعسكرين. إن المشاعر الغالبة لم تكن حزبية، بل أن الملايين كانوا يرفضون بازدراء ما اعتبروه نظاما منبوذاً لا يمثل مصر. ولبعض الوقت، كان هناك فقدان متزايد لثقتهم في النخب السياسية  وقناعة عميقة بأن الطبقة السياسية برمتها مفلسة. كانت هذه ديناميكية ملحوظة جداً في 30 يونيو/ حزيران. إذ كان هناك عدد قليل ممن يعرضون الولاء لسياسيين من المعارضة المناهضة لمرسي. إذ بالكاد كان المرء يشاهد أي شعارات حزبية أو يسمعها بين الجماهير. وبدلا من التعبير عن بديل واضح، استغرق العديد من المتظاهرين باللجوء المتهور للجيش كضامن للاستقرار وكمؤسسة من شأنها استعادة الشعور بالعزة الوطنية. حتى أن البعض يتوق لرموز من الماضي البعيد. واحتجت أقلية على حكم الجنرالات وعلى مكتب الإرشاد في نفس الوقت، وكرر هؤلاء دعوة الثورة من أجل الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية.
إن القوى السياسية المؤيدة للتحول الجديد عبارة عن طاقم متنافر. فالقلة منهم لديهم ما هو أكثر من قاعدة تأييد واهية بين السكان. فهؤلاء الذين قادوا احتجاجات 30 يونيو/ حزيران - وهو تكتل هش من المتعاطفين مع فلول النظام القديم ، ومن الثوار والنخب الليبرالية والناخبين المحبطين من مرسي - سوف يذهب كل منهم في سبيله قريباً. وهناك بالفعل علامات على هذا الانهيار داخل الائتلاف. فقد ظهرت خلافات حول التعيينات الوزارية، مع بروز حزب النور السلفي - الحركة الاسلامية الوحيدة التي وافقت على خارطة الطريق للجيش –  بشيء من حق النقض . وأصدر عدلي منصور، الرئيس المؤقت المعين من الجيش، إعلاناً دستورياً في 8 يوليو/ تموز قوبل بانتقادات لاذعة من قبل الفئات التي لم تكن مطلعة على محتواه مسبقاً. إن الدعامة الأساسية للنظام الجديد هو الجيش، بدعم من دول عربية رجعية مرتاحة لرؤية مرسي يذهب ورؤية اضعاف الإخوان. فقد سارعت المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة إلى الوعد بحزم مالية  تقدر قيمتها بحوالي 12 مليار دولار. وفي هذه الأثناء، تتردد الولايات المتحدة بتسمية الأحداث بـ'الانقلاب' وتعتزم المضي قدماً بتسليم مقاتلات F-16 لمصر كجزء من حزمة المساعدات السنوية.
سوف يكون اللاعبون الأكبر والأفضل تنظيماً حاسمين لجهة كيفية تطور الأحداث الدرامية في الأشهر المقبلة. ويرزح البلد الآن تحت وطأة مواجهة حاسمة بين مؤسستين من أشد مؤسساتها لا ديمقراطية - الجيش وجماعة الإخوان المسلمين. وكان رد هذه الأخيرة على إزالة مرسي هو التحدي الصريح. وتعهد قادة الإخوان بمحاربة مناورة الجنرالات حتى النهاية المرة. 'لن نترك الشوارع حتى يتم إعادة الرئيس مرسي'، هذا ما اعلنه محمد بديع ،مرشد الاخوان ، أمام حشد في 5 يوليو/ تموز في مدينة نصر. فما يعد على المحك الآن في هذه الازمة هو أكثر من مصير الإسلاميين المتضررين المهضوم حقهم. إن إقصاء الاخوان سيلقي بظلاله طويلاً على الحياة السياسية المصرية. فمن دون مشاركة الإخوان في العملية الانتقالية المتجددة، سوف تنزلق مصر حتماً نحو مزيد من القمع والعنف – ويمكن أن يدفع العديد من اللاعبين في نهاية المطاف ثمناً باهظاً لذلك. وبالفعل، يتم احتجازمرسي ومعظم مستشاريه الرئاسيين بمعزل عن العالم الخارجي من قبل الجيش من دون تهمة. كما يتم احتجاز كبار الإخوان وإسلاميين بارزين آخرين. وتوقفت المحطات التلفزيونية المؤيدة لمرسي عن البث على الهواء. ويجري إعداد الأرضية لتوجيه اتهامات جنائية ضد رؤساء المنظمة إذا ما ظلوا غير مذعنين للأمر.  وقد يغلق عناد الاخوان أية نافذة فرصة قد تكون متوفرة لإعادة الإدماج. إن قتل الجيش لأكثر من 50 شخصاً من مناصري مرسي  في 8 يوليو/ تموز قد أدى إلى موقف متصلب لا رجعة فيه للمجموعة.
لا زالت مصر تحكمها بنية وأساس النظام القديم. إن سنتين ونصف سنة من تشرذم النخبة - عدم القدرة على تشكيل تحالف مستقر- جعل لعبة الكراسي الموسيقية تنطلق. في هذه الفترة، كان هناك تناوب بالزخم بين الإسلاميين ، الليبراليين، البيروقراطيين في الدولة، رجال الأعمال، والعسكريين، والأمنيين، وبقايا عهد مبارك. وكلهم يتشاركون ولع الامساك بالدولة كما يتشاركون أيضاً عدم وجود رؤية جديدة للتعامل مع المشاكل البنيوية العميقة في مصر. إن المحاولات المبذولة من جانب أية مجموعة من هذه الشخصيات لاستعادة سلطة استبدادية كاملة ستلقى مستوى ما من العصيان العام. في الوقت نفسه، ليس هناك ائتلاف ثوري قوي بما فيه الكفاية لبدء الانقلاب على موروثات الأنظمة السابقة غير الديمقراطية والتي لا تحقق المساواة. إن توازن الضعف قد تحدد بحيث أنه ليس هناك من فريق في السياسة المصرية قادر على ادعاء النصر التام.
أما الأمر الأكثر إيلاماً واقلاقاً، ربما، فهو المزاج المجتمعي الذي أصبح أكثر ميلا نحو التعصب وتقديم كبش فداء. فقد أصبح المناخ المصري البغيض من الشوفينية، التعنت، الانتهازية والخداع من كل جانب أسوأ تقريباً بسبب الاطاحة بمرسي وبسبب الآثار الدامية الناجمة عن ذلك. إن وسائل الإعلام في بحث مستمر عن طابور خامس لتشويه الصورة، سواء كـ 'إرهابيون' أو 'كفار'. إذ يتم تصوير الإخوان على أنهم خونة لديهم ميل للعنف وينبغي كبحهم بالقوة . من جانبهم، يرسم الأخوان صورة للثورة ضد حكمهم على أنها ليست أكثر من مؤامرة تحاك من قبل النظام القديم. وهم يصرون على أن مقاومتهم للجيش سلمية، إلا أن سلسلة من أعمال العنف من قبل أنصار مرسي - قتل المحتجين في القاهرة والإسكندرية، والترهيب والهجمات الغوغائية التي تستهدف المسيحيين في المنيا ومرسى مطروح - تروي قصة مختلفة. وكانت هناك اتهامات حتى بأن الرئيس المؤقت هو يهودي سراً.
إن تصاعد الحس الوطني العدواني لدى الجانب الآخر يبعث على القلق أيضاً. ففي القاهرة، أصبحت صور جمال عبد الناصر شائعة، وكذلك المجاهرة بالإيمان المفرط  بالجيش والتقارب معه. وينظر إلى الأجانب بعين الشك. فنظريات المؤامرة كثيرة. 'أوباما يدعم الإرهاب،' لازمة نموذجية في الاحتجاجات، وذلك في اشارة الى اخلاص الرئيس الأمريكي المتصور للإخوان المسلمين. وبموجب قوانين التأشيرات الجديدة، فإن اللاجئين السوريين مهددون بالترحيل، في الوقت تعمد شخصيات تلفزيونية بارزة إلى اثارة العداء تجاههم. إن الانتهاكات والاساءات المرتكبة من جانب أي شخص غير إسلامي – بدءاً من الاعتداءات الجنسية في التجمعات العامة وصولاً إلى وحشية الشرطة- يتم تجاهلها، أو تبريرها، وهو الأسوأ. أما الحساسيات الخطيرة فيتم تخديرها في ظل الحالة الوفيرة من النشوة القومية. هناك روايتان تهيمنان على السياسة المصرية ، على نحو متزايد: الرواية الأولى التحدي الاسلامي في مواجهة الإيذاء والأخرى رواية أمة بعثت من جديد وتحررت من الطغيان. إن المشهد التعددي - الثوري، الإسلامي، فلول النظام السابق- الذي كان موجوداً معظم الفترة الممتدة ما بعد عام 2011  ينسحب بعيداً باتجاه هذين القطبين.
يمكن للحظات الثورية أن تثير أعظم الآمال ولكنها تفضح أيضاً أعمق المخاوف. فالخط الفاصل بين تلك المشاعر دقيق جداً. ربما كان انتصار 30 يونيو انتصاراً ملهماً للإرادة الشعبية، إرادة غابت منذ الـ 18 يوماً التي أطاحت بحسني مبارك. لكن ترك تلك الإرادة لحالها يمكن أن يؤدي إلى اغتصابها وتحويلها الى اجماع استبدادي جديد من ال، على نحو متزايد، أسفل. إن الزمن وحده لديه الخبر اليقين. لكن مثل هذا التطور سيكون نكسة كبيرة للثورة.

موقع الخدمات البحثية