مواد أخرى » سوريا: المشهد من دول الخليج

حسن حسن ـ Eascii117ropean Coascii117ncil on Foreign Relations
يشكل هذا المقال جزءاً من  مشروع 'سوريا: وجهات نظر من المنطقة'  الصادر عن ECFR، وهويقوم باستكشاف الردود والتداعيات الإقليمية للانتفاضة السورية والحرب الأهلية. وسيشمل المشروع ثمانية مقالات توثق الديناميات التي تحرك الدول الإقليمية الرئيسة والجهات الفاعلة الأكثر تضررا من النزاع.
غالباً ما يُنظر إلى مصالح وسياسات دول الخليج العربي تجاه الانتفاضة السورية ، حصراً، من خلال منظور رغبة هذه الدول في ابعاد سوريا واخراجها من المدار الإيراني، وهي محاولة يُعتقد بأنها تتخللها سلسلة من الحسابات الخاطئة. لكن، وفي حين أن الهدف الرئيس للسياسة الخليجية في المنطقة هو إضعاف إيران، فإنه لا يأخذ في الحسبان التعقيدات الكاملة للمصالح والطموحات الخليجية في سوريا. انه يتجاهل الاختلافات الموجودة بين مقاربات كل دولة من دول الخليج ، والتي على علم ، في جزء منها، بالتحيز الطائفي والمنافسات والخصومات داخل الخليج، كما يتجاهل التستر على علاقة التوتر بين الأولويات على المدى القصير والمصالح الجيوسياسية على المدى الطويل، على حد سواء.
إن محاولات دول الخليج لتوجيه دمشق بعيداً عن طهران لتعزيز مكانة هذه الدول الإقليمية أمر أساسي لنهجها في سوريا. هذا الأمر مستمد من مصلحتهم على المدى الطويل في مواجهة القوة الإيرانية في المنطقة، التي بذلتها ( إيران) على مدار السنوات الأخيرة من خلال ما يسمى بمحور 'المقاومة' الذي يوحد إيران، سوريا، حزب الله، وحماس، والذي لعب دوراً هاماً في إضعاف التأثير الإقليمي الخليجي. ويعتقد قادة الخليج بأن نظاماً جديداً ـ سنياً ـ في دمشق سوف يتحالف، بطبيعة الحال، مع دول الخليج على حساب إيران، لا سيما إذا كانت هذه الدول قد ساعدت في تأسيس النظام الجديد من خلال الدعم المالي والعسكري.
إن الزوال المحتمل للنظام الموالي لايران في دمشق يمنح دول الخليج إمكانية توسيع نفوذها الإقليمي. إذ تعتقد  كل من المملكة العربية السعودية وقطر، على وجه الخصوص، بأن نظاماً ودياً في سوريا سيوفر لهما إمكانية التأثير على بغداد ذات الأغلبية الشيعية، التي لا يملكون سلطة كبيرة عليها، إنما ينظر اليها على أنها لاعب حاسم في ميزان القوى في المنطقة. ويعتبر تحالف العراق مع إيران بعد عام 2003 أحد الأسباب الرئيسة لتنامي النفوذ الايراني الإقليمي على مدى العقد الماضي.  إن دولة سنية في سوريا يمكن أن تكون مفيدة في تعزيز القوى العراقية السنية المهمشة حالياً، ومنحها ـ ومسانديها في الخليج ـ تأثيراً أكبر في بغداد. وفي الوقت نفسه، إن تغيير النظام في دمشق سوف يساعد دول الخليج على تعزيز مكانتها في لبنان، المعتمد  اقتصاديا أساساً على الخليج، وذلك من خلال تعزيز الجهات الفاعلة الخليجية الموالية للسنة على حساب حركة حزب الله المهيمنة المؤيدة للأسد. فبالنسبة لدول الخليج، يعتبر الصراع في سوريا ،بالتالي، معركة حاسمة للسيطرة على الدولة المحورية الرئيسة في المنطقة. كما يُنظر إلى جر دمشق بعيداً عن المعسكر الإيراني على أنه وسيلة لتدعيم النفوذ الإقليمي الأوسع في بلاد الشام، واعادة توازن القوى الإقليمي الأكثر ملاءمة الذي فقدته هذه الدول بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق في عام 2003.
إن تدعيم الروابط القبلية الراسخة الممتدة عبر المنطقة بدءاً من الخليج مروراً بالعراق وسوريا، وصولاً إلى الأردن هي أداة أخرى، وغاية السياسة الخليجية، التي غالباً ما أهملت من قبل المراقبين الخارجيين. فعلى الرغم من الحدود الوطنية، تحافظ القبائل المهاجرة على علاقات قوية مع أقاربها الإقليميين. إن المصاهرة التي تشتمل على زعماء القبائل السورية وأفراد العائلة المالكة الخليجيين مألوفة وليست غريبة، كما هو حال ممارسة دعوة شخصيات بارزة في الخليج لحل النزاعات القبلية. إذ يسافر أفراد القبائل السورية بانتظام إلى الخليج للعمل، ويصبح بعضهم مواطنين مجنسين (خاصة في البحرين، الكويت، قطر، والمملكة العربية السعودية). غالبا ما يتم التغاضي عن هذه الروابط القبلية المتجذرة في تحليل رد الخليج على الثورة السورية، لكنها برزت كمصدر هام للنفوذ السياسي والمالي بحيث أن الخليج استفاد منه بشكل فعال ومؤثر. فإذا ما تم تسخير هذه الروابط بفعالية، فسوف تمثل أداة مهمة لنفوذ الخليج الإقليمي الممتد من سوريا وصولا إلى غرب العراق والأردن، في شكل 'هلال قبلي'.
بينما تعكس هذه العوامل مصالح الخليج على المدى الطويل في المنطقة، فإن مصالحها الأكثر الحاحاً على المدى القصير والناشئة من التطورات الإقليمية الأخيرة مهمة أيضا في تفسير نهج الخليج ومقاربته للصراع في سوريا.
حافظت دول الخليج ،عموماً، على لهجة حذرة خلال الأشهر الأربعة الأولى من الاحتجاجات الحاشدة في سوريا في عام 2011. واقتصرت التصريحات العلنية على دعوات الحوار ووضع حد لأعمال العنف، مع زيارات متبادلة رفيعة المستوى بين مسؤولين خليجيين وسوريين. وخلال هذه المرحلة المبكرة أمل قادة الخليج أن يسهل الحوار مع النظام التوصل إلى حل سلمي، ولم يكونوا قد رسوا بعد على رؤية الأسد وقد أطيح به من السلطة، وذلك خوفاً من ترسيخ اتجاه إقليمي بذلك. وبالتالي، لم يكونوا مستعدين بعد لاتخاذ موقف علني بشأن الصراع.
لكن، وبينما صعَّد النظام السوري من حملته العسكرية وتزايد عدد الضحايا  بشكل كبيرـ بحلول تموز/ يوليو 2011  كان قد قتل أكثر من 1400 شخص في حملات القمع الحكومية المتعاقبة ـ تغيرت اللهجة. فقد أغلقت قطر سفارتها في سوريا في 18 تموز/ يوليو، وألقى الملك السعودي، عبد الله بن عبد العزيز، خطاباً في آب/ أغسطس يدين فيه عنف النظام ضد المواطنين السوريين باعتباره عنفاً ' لا يمكن تبريره لأي سبب من الأسباب'، واستدعى السفير السعودي على وجه السرعة (خطوة احتذت بها البحرين والكويت). وفي تشرين الثاني/ نوفمبر فرضت جامعة الدول العربية، بضغط قوي من دول الخليج، عقوبات على سوريا.
مثل هذا التغيير في المسار يمكن تفسيره، جزئياً، على أنه جاء بسبب الضغط المتراكم  على الحكومات السعودية والكويتية والبحرينية في الداخل، حيث تجمع المواطنون دعماً للانتفاضة السورية. لقد كانت قرارات المملكة العربية السعودية، والبحرين، والكويت المتعلقة بسحب سفرائها من سوريا رد فعل، بالتأكيد، على مشهد الغضب الشعبي هذا ومحاولة لاحتواء تلك الطاقة الشعبية. ولكن هذا الأمر عكس أيضاً فشل الدبلوماسية الرامية إلى إقناع الأسد بتهدئة المتظاهرين. حتى مع ذلك، لم تشر المبادرات الدبلوماسية بينهم حتى الآن إلى حصول تحول متميز في دعم الانتفاضة السورية.
لقد كان تردد الخليج في الواقع انعكاساً لتقارب الخليج المتنامي مع دمشق الذي كان جارياً في السنوات التي سبقت الثورة مباشرة. وكان التقارب غير مسبوق، نظراً لعلاقات سوريا البعثية الوثيقة مع إيران، والتي تطورت في السنوات التي تلت ثورة 1979 على حساب علاقة سوريا مع دول الخليج. كان هذا الأمر صحيحاً خصوصاً نظراً إلى توتر العلاقات في العقد الأخير حول لبنان بشكل خاص، والذي بلغ ذروته في اتهام الأسد عام 2005 حين اغتيل رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري (سعودي الجنسية وحليف)، الأمر الذي كشف عن انقسام معتمل قديم في الحياة السياسية اللبنانية بين منطقة الخليج (والغرب) من جهة، وتحالف سوريا/ إيران/ حزب الله من جهة أخرى. ثم ساءت العلاقات مع الأسد الواثق الذي يُنظر إليه على أنه أحد الناجين من الغزو الأميركي للعراق، وبسبب تصاعد نفوذ محور المقاومة على حساب الدول العربية الموالية للغرب بقيادة السعودية. ( إبان النزاع بين 'اسرائيل' ولبنان عام 2006، وصف  الاسد زعماء دول الخليج بعبارة ' أشباه الرجال' لانتقادهم حزب الله) .
مع ذلك، بدأت المملكة العربية السعودية العمل في محاولة منها لجذب سوريا بعيداً عن إيران باستخدام الدبلوماسية. على هذا النحو، تحسنت العلاقات بشكل كبير بين عامي 2009 و2010، مع قيام الأسد بزيارة الرياض ثلاث مرات وزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله لدمشق. وبلغت الاستثمارات الخليجية في سوريا مستويات قياسية. في نفس الوقت، اقترب الأسد جداً من قطر، وعمل على تطوير علاقة شخصية وسياسية قوية مع الأمير، كما عملا معاً بشكل وثيق جداً على عدد من القضايا الاقليمية. لقد كانت تلك الديناميات ما قبل الانتفاضة هي التي ساعدت على تشكيل، المقاربة الخليجية المقيدة الأولى للانتفاضة.
في هذا السياق، وعندما بدأت الانتفاضة، رأى قادة الخليج أن الوقت قد حان أخيراً لسحب سوريا الى مدارهم . واتخذت المملكة العربية السعودية ،على وجه الخصوص، التدابير اللازمة لجر دمشق بعيداً عن المعسكر الايراني، مع التأكد من ضمان عدم انتشار الانتفاضة السورية في جميع أنحاء المنطقة. مع ذلك، لم يكن التقارب الخليجي ـ السوري راسخاً بما فيه الكفاية ، ورفض الاسد اقتراحاتهم لصالح الاستمرار في علاقة الثقة مع إيران، نظراً لتحالفهما القديم وعدم الرغبة في تقديم تنازلات محلية ذات مغزى . ومع تصاعد العنف لم يظهر نظام الأسد أية علامة على حل وسط، وغيَّر قادة الخليج، على نحو حاسم، موقفهم وبدؤوا بدعم الانتفاضة علناً. وبدأت المملكة العربية السعودية وقطر بالعمل مع آخرين، بما في ذلك تركيا وفرنسا، لدعم المعارضة بهدف مباشر هو إسقاط نظام الأسد.
مع ذلك، وبدلا من المساعدة في بناء بديل حقيقي لنظام الأسد، كشف الدعم الخليجي، وبسرعة، عن وجود مقاربات ومصالح متباينة إلى حد كبير لهذه الدول في المنطقة. فقد عمل هذا الدعم، على وجه الخصوص، على جعل التنافس بين الرياض والدوحة أكثر حدة، مع دعم كل بلد لمجموعات مختلفة داخل المعارضة. وقد أدى هذا إلى تعميق الانقسام لدى القوى السياسية والعسكرية المعارضة. وفي الآونة الأخيرة، في أيار/ مايو 2013، انهار تجمع حاسم وحساس للمعارضة في اسطنبول كان يهدف الى احياء مجلس المعارضة وسقط في الفتنة نتيجة لمعركة السيطرة  الدائرة بين القطريين والفئات المدعومة من السعودية.
وليس سرا أن دولة قطر كانت من جانبها داعماً مالياً وسياسياً قوياً لجماعة الإخوان المسلمين، وتألبت ضد جيرانها من دول الخليج (وخصوصا دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، اللتان لطالما كانتا تفتقدان للثقة بحركة الإخوان). إن تحالف قطر مع الإخوان جزء من طموح أوسع كي تصبح لاعباً إقليمياً رئيساً. فمع وجود جذور لهم في كل بلد تقريباً، يوفر الإخوان المسلمون للدوحة امكانية الوصول إلى شبكة إقليمية لا تضاهى. أما في سوريا، فتعتزم قطر استخدام نفوذ الإخوان لقيادة الفترة الانتقالية، وهو السبب في معارضتها باستمرار أي تسوية أو حوار مع النظام قد يهمش دور القوى الإسلامية، كما سعت إلى ضمان استمرار هيمنة جماعة الاخوان المسلمين في الهيئات المعارضة.
بالنسبة لدولة قطر، فإن النتيجة الأمثل هي السقوط الكامل للنظام، واستلام الهيئات السياسية والعسكرية التي يهيمن عليها الإخوان مكانه. ومع ذلك، لقد دعمت قطر أيضاً، وبنشاط،  مسلحين جهاديين أكثر تطرفا، من الذين شكلوا المجموعات الأكثر فعالية في نقل المعركة إلى نظام الأسد. في المقابل، كانت المملكة العربية السعودية وحلفائها أكثر حذراً، متخوفة من أن يؤدي الانهيار الكامل لأجهزة الدولة التابعة للأسد إلى فتح الباب أمام هؤلاء المتطرفين الجهاديين للاستيلاء عليها، هؤلاء المتطرفون الذين تُلزمهم إيديولوجيتهم بتأسيس خلافة إسلامية فاعلة، والذين يرجح بدورهم أن يعززوا التحريض السياسي على نطاق أوسع. وبالتالي، تكون المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى قد استكملت تركيزها على الغايات الاستراتيجية الأوسع نطاقا، كمواجهة النفوذ الايراني، مع الحرص على مواجهة النفوذ المتزايد للاسلاميين المتشددين وضمان قيادة الجماعات غير الخطيرة لأي عملية انتقالية.
للقيام بذلك،  وضعت الرياض رهاناتها على نوعين من المتمردين السوريين: المتمردون غير الإسلاميين المتحالفين مع الغرب (أو 'المعتدلون')؛ والقوى ذات الميول السلفية، التي لا ينظر إليها على أنها متطرفة سياسياً بسبب تعاليمهم الداعية للولاء للحكام المسلمين. ويقع تصنيف الجيش السوري الحر، بظل القيادة العسكرية العليا بقيادة الجنرال سليم إدريس، في الفئة الأولى، ويقع تصنيف الجماعات السلفية من غير الجيش الحر ،مثل أحرار الشام، في الفئة الثانية.
لدى السعوديين ودول الخليج الأخرى شكوكاً عميقة أيضاً في جماعة الإخوان المسلمين المدعومين من قطر، وعملوا على محاربة تأثيرهم. إن الشكوك السعودية بجماعة الإخوان، التي وصفها ولي العهد الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز بانها 'مصدر كل المشاكل'، تعكس عدائية تاريخية  مبنية على أساس التخوف العميق من التغيير السياسي الجذري الذي ينادي به إسلاميون على غرار الإخوان. وقد تفاقم هذا الوضع بسبب نمو وتزايد القوة الإقليمية لجماعة الإخوان المسلمين في السنوات الأخيرة، لا سيما في مصر ما بعد مبارك.
أما اليوم، فإن المملكة العربية السعودية، دولة الإمارات العربية المتحدة، وقوى غربية نشطة في سوريا، تريد كلها تغييراً منظماً وتدريجياً للنظام يحفظ هيكلية الدولة وأجهزتها. مع ذلك، لم تكن هذه دائما رغبة الرياض. فبعد ترددها الأولي بدعم الانتفاضة، غيَّرت الرياض موقفها إلى الدعوة لتغيير كامل للنظام من خلال الوسائل العسكرية. بالتالي، لم تدعم الرياض مهمة أول مبعوث للجامعة العربية والأمم المتحدة إلى سوريا، كوفي عنان، وانسحبت من بعثة المراقبة للجامعة الدول العربية بعد التمديد لها (خطوة تلتها فيها دول الخليج الأخرى). بحلول منتصف عام 2012 بدأت المملكة العربية السعودية بتحويل سياستها، كما أصبح واضحا أن القوى الغربية لم تكن مهتمة بالتدخل العسكري على غرار ليبيا، وبأن القوى المتطرفة المعادية كانت تضطلع بدور قيادي في المعركة ضد النظام.
في ظل هذه المخاوف، سعت السلطات السعودية إلى اتخاذ اجراءات صارمة ضد الأنشطة المخصصة لجمع التبرعات داخل المملكة، وأعلنت تأييدها للتوصل إلى حل سياسي للأزمة يتبنى على نحو فعال نهجاً أكثر حذراً. ولفترة من الوقت في عام 2012 ، رفضت الرياض الاجتماع حتى مع المعارضة، ما عدا إبان المؤتمرات الرسمية. وفي ذلك الوقت كانت المعارضة تحاول الوصول إلى السعوديين، بسبب احباطها من عجز قطر عن اقناع القوى الغربية بتسليح الثوار، وهي مهمة كانت المعارضة تعتقد بأن الرياض في وضع أفضل لتحقيقها نظراً لعلاقاتها القوية مع الولايات المتحدة. هذا التحول من دعم الخط الأمامي استمر لأكثر من أربعة أشهر، مما مكن قطر من بناء نفوذ كبير داخل المعارضة.
مع نهاية عام 2012، عادت الرياض بنشاط الى المشهد الاقليمي، بزيادة دعمها لجماعات تمرد مختارة ، لمواجهة تأثير الجماعات الجهادية وتثبيت أسس النفوذ. وبدأت الرياض أيضاً بدفع الولايات المتحدة لدعم تقديم أفضل الأسلحة للمتمردين، كوسيلة لإجبار الأسد وروسيا على قبول شكل من أشكال العملية الانتقالية من شأنه حماية البلد من الانهيار الكامل، وتوحيد قوى الجهاديين. إن الرياض اليوم تدعم خط واشنطن وقد أعلنت عن انفتاحها على المفاوضات، على الرغم من اصرارها على أنه لا يمكن لإيران أن تكون جزءاً من هذه العملية. هذا الانفتاح يتناقض مع قطر، التي تحتفظ برغبتها (إلى جانب تركيا) في رؤية  حصول تغيير للنظام بأي ثمن، والتي لم تظهر الكثير من الدعم للمبادرات السياسية، كمبادرة جنيف 2 المدعومة من جون كيري وسيرغي لافروف، أو القلق من الصعود المتنامي للقوى الجهادية الراديكالية.
تصطف الرياض الآن وراء المجلس العسكري الأعلى، الذي يرأسه سليم إدريس. وفي حين أن إدريس كان قد مال في البداية، بعد انشقاقه في تموز 2012، إلى الإخوان المسلمين وقطر، فإنه انتقل بعد ذلك وتوجه نحو الرياض، وبرز كزعيم وسطي لما يسمى بالمتمردين 'المعتدلين'. وهو يعمل أيضاً مع الرياض، الأردن والولايات المتحدة، بالإضافة إلى دول الخليج الأخرى (ما عدا قطر وسلطنة عمان)، لتقديم المساعدات القاتلة إلى المقاتلين المتمردين  'المعتدلين' في جنوب سوريا. ونتيجة لذلك تذكر التقارير عن أن السعوديين قد رسخوا الآن نفوذاً قوياً لهم الآن في الجنوب، من الحدود الأردنية وصولاً إلى شرق سوريا. أما نفوذ قطر فهو الأقوى في الشمال، مع جماعات مثل لواء التوحيد المرتبط بالإخوان في حلب واحفاد آل الرسول في إدلب. وفي الوقت نفسه، وطدت الرياض أيضاً نفوذها لدى القوى المعتدلة داخل المعارضة السياسية، ودفعت، بنجاح، باتجاه توسيع تمثيل الائتلاف الوطني السوري ليشمل شخصيات أكثر علمانية ومن الأقليات، وبالتالي إضعاف نفوذ الإخوان المدعومين من القطريين. من جانبها، تتعرض الدوحة الى انتقادات متزايدة من بعض قوى المعارضة السورية، إلى جانب حكومات الدول المجاورة وحكومات غربية، لتشديد سيطرتها على تدفق الأسلحة إلى قوى التطرف وإضعاف نفوذ الإخوان المسلمين في الائتلاف.
في هذه الأثناء، تعقدت جهود الخليج لصياغة سياسة فعالة تجاه سوريا بسبب أنشطة المانحين من القطاع الخاص، لا سيما في الكويت، السعودية، والبحرين.  فقد كان دافع المانحين من القطاع الخاص هو الطموحات الطائفية في سياق الديناميات السنية ـ الشيعية في منطقة الخليج، والصلات القبلية بين الخليج وسوريا، وكان لهم دور أساسي في دعم الجماعات المتمردة المستقلة (التي غالبا ما تكون أكثر تشدداً وطائفية). هذه التوترات بين سنة وشيعة الخليج تبدو أكثر وضوحا في الكويت والسعودية، والبحرين، حيث كانت هناك دعوات شعبية في وقت مبكر لاتخاذ إجراءات أقوى ضد دمشق.
وطالما استمر الصراع، سيظل من الصعب السيطرة على هذه الأنشطة لجمع التبرعات، ويزداد تخوف السلطات من أن تفتح هذه النشاطات قنوات خطيرة بين المتطرفين الإسلاميين والجهات المانحة الغنية في مختلف أنحاء المنطقة. فلما يقرب من عقدين من الزمن، وخاصة منذ 11/9، اتخذت دول الخليج خطوات لمراقبة التدفقات المالية من وإلى الخليج في محاولة لمنع ظهور الشبكات المتطرفة لديها. وتشكل حرباً طويلة الأمد في سوريا الآن تحدياً كبيراً وواضحاً على هذه الجبهة. وكانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أكثر حذرا وانتباهاً من بلدان أخرى (مثل الكويت وقطر) في محاولة كبح هذه التدفقات عن طريق اشتراط تسليم المساعدات الإنسانية والعسكرية من خلال القنوات الرسمية أو شبه الرسمية. مع ذلك، فإنها لا تزال مصدر قلق للسلطات في مختلف أنحاء المنطقة، وذات انعكاسات كبيرة الامن الداخلي.
ينبغي فهم مصالح دول الخليج والأولويات في المنطقة على خلفية هذه الديناميات المختلفة، والتي أدت إلى نهج ومقاربات متباينة جداً حول سوريا. فبالنسبة للاعبين الرئيسيين الخليجيين الناشطين في سوريا ـ المملكة العربية السعودية وقطر ـ يمثل تغيير النظام في سوريا لعبة إقليمية جيوسياسية مبدِّلة محتملة. فالنفوذ المتجدد في سوريا، وبالتالي في لبنان والعراق، يوفر فرصة لهما لتوجيه ضربة كبيرة لمكانة إيران الإقليمية ـ وبمن يرتبط بها من 'محور المقاومة' ـ وتحسين مواقعهم بوصفهم وسطاء قوى إقليمية. إن إعادة تنظيم حركة حماس الفلسطينية بعيداً عن محور المقاومة لتصبح في صف قطر والقوى الإقليمية السنية، نتيجة لكسر علاقتها في الآونة الأخيرة مع دمشق، هو إحدى العلامات فحسب لما هو مأمول بالنسبة لإعادة تشكيل المنطقة. لكن من الواضح أن من الخطأ الحد من سياسات الخليج  والقول بأنها مشتقة ، فحسب، من الرغبة الشاملة بمواجهة النفوذ الإيراني. كما أنه ليس صحيحاً اعتبار نهج دول الخليج في سوريا بمثابة امتداد لنهجها في ليبيا، حيث حشدت هذه الدول، وبنجاح، عملاً دولياً لاسقاط القذافي. إذ تلعب الحقائق والوقائع الجديدة في الشرق الأوسط، خاصة مع صعود الإسلاميين أصحاب الأجندات السياسية المتطرفة، دوراً هاماً الآن في تشكيل سياسات مختلفة تجاه سوريا. والأهم من ذلك، وفي حين اضطلعت قطر بدور رائد في دعم المتمردين بكل الوسائل اللازمة، تسعى المملكة العربية السعودية إلى إيجاد توازن بين رغبتها في إسقاط الأسد وبين المخاطر المتزايدة التي يشكلها صعود الإسلام الراديكالي في هذا الصراع.
(*) ترجمة: إيمان سويد ـ خاص موقع مجموعة الخدمات البحثية

موقع الخدمات البحثية