مواد أخرى » التوجهات الاستراتيجية 2013: التطورات الأساسية في الشؤون العالمية ـ الجزء الثالث

أندريا بومن، جوناس غراتز وبريم ماهاديفان
Center for Security Studies
تغطية للأحداث حتى تاريخ 4 آذار، 2013
ترجمة: إيمان سويد، خاص لموقع مجموعة الخدمات البحثية
الفصل الثالث
الحدود المتحولة لإدارة الأزمات العسكرية
أندريا باومان
إن طبيعة التدخل الغربي في إدارة الأزمات العسكرية تتغير. فالتردد بشأن ارسال قوات للقتال في أماكن بعيدة يؤدي الى تفضيل القيام بأدوار غير مباشرة أو التمكين من القيام بأدوار في العواصم الغربية. لقد أصبحت الشراكة هي المصطلح ـ الرمز لنقل سريع للمسؤولية إلى قوى محلية أو تحالفات الإقليمية. فالبصمة الغربية الكبيرة ليست مكلفة من الناحية السياسية والمادية فحسب.
إنها تخالف الدروس الصعبة المستخلصة من أفغانستان. مع ذلك، لا يزال علينا أن ننتظر ونرى ما إذا كان الجهات الفاعلة الأخرى على استعداد للخوض في نموذج شراكة . ففي بعض الأحيان، قد لا تكون القيادة من الخلف أو التدخل بـ بصمة خفيفة خيارات ممكنة. على إثر حملة انسحاب عسكري في أفغانستان، دأبت الدول الغربية على البحث عن طرق لإدارة أصغر حجماً للأزمات والتهديدات الناشئة للأمن العالمي. وتعكس ردود فعل حذرة من جانب الحلفاء الغربيين لتدخل فرنسا في مالي تفضيلاً واسع النطاق لجهة الحصول على الدعم غير المباشر بشأن المشاركة في القتال.
ففي حين تقدم الدعم السياسي واللوجستي، فقد استبعدت كل من الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، ألمانيا وكندا، مراراً وتكراراً، نشر قوات برية على الأرض. فالإجماع الدولي على التهديد الذي أثار التورط الفرنسي كانت ترجمته عمل بطيء متعدد الأطراف. وتلوح في الأفق أسئلة كبيرة عن القيادة وتقاسم الأعباء خلال العملية الجارية . في سياق تحولات القوى العالمية، تعتبر مسألة تقاسم الأعباء في إدارة الأزمات العسكرية قضية بارزة. فقد أثارت التخفيضات العميقة في الإنفاق الدفاعي وعملية صنع القرار غير المنسقة المخاوف أكثر حول تقلص القدرات العسكرية داخل الاتحاد الأوروبي (EU).
وفي الوقت نفسه، هزت الاضطرابات الاجتماعية والسياسية دول الجوار الأوروبية الأوسع نطاقا . أما الولايات المتحدة فلا تظهر حماساً ورغبة كبيرة في حراسة العالم حيث لا يوجد مصالح حيوية أميركية على المحك. ففي فترة ولايتها الأولى، سعت إدارة أوباما إلى إعادة توازن السياسة الخارجية والأمنية تجاه منطقة آسيا- المحيط الهادئ. وكونها ليست على استعداد للعب دور الشرطي العالمي، فقد فضلت القيادة من الخلف للأزمات في الآونة الأخيرة، إذا كان لا بد من ذلك. واقتصرت المساهمات العسكرية على القدرات التمكينية الرئيسة مثل اعادة التزود بالوقود جواً لسد الثغرات الموجودة في قدرات شركائها في الائتلاف. وقد ركزت الدبلوماسية الامريكية على وضع الدول الأخرى في مقعد القيادة.
إن تردد العواصم الغربية في ارسال قوات إلى الخارج يتناقض مع الانتشار الواسع النطاق للأفراد العسكريين والمدنيين طوال العقد الماضي. فسياسة تغيير النظام بالقوة التي ثابرت عليها الولايات المتحدة في حربها العالمية على الإرهاب أدت إلى حملات عسكرية مطولة في العراق وأفغانستان. إذ نشرت الولايات المتحدة وشركائها في قوات التحالف ، القوات البرية بأعداد كبيرة لاخماد التمرد وإعادة بناء الدول والمجتمعات التي مزقتها الحروب في أعقاب القتال.
في كل الأحوال، لقد انتجت البصمة الغربية الكبيرة سلسلة من الآثار الجانبية غير المرغوب فيها. فعلى الأرض، أدى الوجود الطويل الأمد لقوات أجنبية إلى نفور السكان المحليين ووفرت للمتطرفين البروباغندا المطلوبة للقيام بالتجنيد. وأصبح الجنود الغربيون ووكالات المساعدات (ومن يعمل لصالحهم) هدفاً رئيساً لهؤلاء.
وتضاءل في العواصم الغربية، بمرور الوقت، دعم الجمهور لجهود تكثيف الموارد لبناء دول قابلة للحياة في الخارج . فالناخبون الذين أنهكتهم الحرب وجرعات القلق الاقتصادي دفعت بالقادة السياسيين للتوصل الى انسحاب سريع من أفغانستان من أجل التركيز على بناء الدولة في الداخل. أوضحت التطورات الأخيرة في ليبيا، سوريا ومالي أن الجدل حول التدخل العسكري الأجنبي لم ينته بعد. فقد أثارت الحروب الأهلية في ليبيا وسوريا المخاوف من امتدادها إقليمياً ودفعت المسؤولين إلى اطلاق دعوات لتدخل عسكري يوقف العنف الذي يرعاه النظام ضد السكان المدنيين.
وفي صيف عام 2012، أعلن الرئيس الفرنسي المنتخب حديثاً فرانسوا هولاند أن فرنسا لم تعد تنوي لعب دور الجندرمة ( الشرطي) في مستعمراتها السابقة. مع ذلك، وبعد بضعة أشهر فقط، دفع ظهور ملاذ للتشدد الاسلامي في شمال مالي فرنسا إلى اللجوء للعمل العسكري في مجال مصالحها التقليدية. وقد أثارت كل أزمة من هذه الأزمات رداً مختلفا من قبل المجتمع الدولي. في كل الأحوال، كانت القوى الغربية، وباستمرار، حريصة على التأكيد على أن أي عمل يجب أن يكون مصادقاً عليه دولياً ويشارك فيه أصحاب المصلحة الإقليميين.
فالمشاريع الغربية الأحادية ستعاني حتماً من نقص في الشرعية مع عواقب استراتيجية وخيمة، كما أثبتت التجارب السابقة. إن الشراكة مع منظمات الأمن الإقليمية، الدول المجاورة ، وصناع القرار المحليين يمكن أن تقدم علاجا لأزمة شرعية مزدوجة وللإرادة السياسية التي تهدد المشاركة الغربية في إدارة الأزمات دولية. فالترتيبات المرنة، التي تسمح للدول والمنظمات المختلفة بـ التوصيل والتشغيل، تعد بتوزيع الكلفة والمخاطر على نحو أكثر توازنا بين المشاركين. إذ تكون القدرات المتخصصة التي تمكن الآخرين من أخذ زمام المبادرة منسجمة مع القيود السياسية وقيود الموازنات الراهنة .
مع ذلك، فإن النماذج لذلك ليست بالقوالب الجاهزة. وتطرح الشراكة مجموعة من التساؤلات المعيارية والعملية. إن القيادة من الخلف ليست ممكنة دائماً. أما إلى أي حد الجهات الفاعلة الأخرى على استعداد لشراء نموذج الشراكة الغربي فعلينا أن ننتظر ونرى. اتساع الفجوة بين المطلب والإرادة السياسية لا زالت الاضطرابات والعنف الجماعي في أجزاء أخرى من العالم تهدد المصالح الغربية وتصدم الوعي العام.
مع ذلك فإن الإرادة السياسية بنشر الأفراد العسكريين والمدنيين لفترات زمنية طويلة لإدارة الصراعات والأزمات في الخارج لا تزال منخفضة. فالضغوط المالية والملل من الحرب تضاعف من التشاؤم المتزايد بشأن فعالية التدخل الأجنبي. من المقرر أن يتم رحيل القوات الامريكية عن أفغانستان بحلول نهاية عام 2014 على أبعد تقدير. وقبل هذا الموعد النهائي تماماً، سيحل محل المهمة القتالية منها دور التدريب والاستشارات. وفي حين نجحت منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في منع الاندفاع للخروج بين الحلفاء، فقد غادرالعديد من القوات الأوروبية أفغانستان بالفعل. وهناك قوات أخرى مساهمة تعمل على تسريع جدولة انسحابها. ولا يزال الدور المستقبلي لحلف الناتو في إدارة الأزمات غير مؤكد.
وبعد حملة جوية وبحرية ناجحة انتهت بسقوط نظام القذافي في عام 2011، لم تظهرالدول الأعضاء في حلف الناتو رغبة في دور تحقيق الاستقرار بعد انتهاء الصراع في ليبيا. ولم تلق الدعوات التي وجهها رئيس الاتحاد الأفريقي لحلف شمال الاطلسي لدعم استجابة متعددة الجنسيات إزاء الأزمة الجارية في مالي آذاناً صاغية. قام الاتحاد الأوروبي بتفويض ما لا يقل عن 23 بعثة مدنية وعسكرية بظل سياسته الأمنية والدفاعية المشتركة (CSDP) بين عامي 2003 و 2009. في كل الأحوال، لقد توقفت هذه الدينامية مع الأزمة المالية والضريبية العميقة في أوروبا . وبدا بأن سياسة CSDP تسرع وتيرتها مجدداً في عام 2012 مع ثلاث بعثات جديدة، إلا أن تركيزها تحول نحو مهمات التدريب وبناء القدرات المدنية على نطاق صغير. وتجري خطة الاتحاد الأوروبي لنشر بعثة غير قتالية لتدريب الجيش المالي في ربيع 2013 في نفس السياق.
وما أن هددت الأحداث على الأرض بتخطي المداولات التي جرت في بروكسل، حتى دفع الاتحاد الأوروبي باتجاه نشر نحو 250 من المدربين العسكريين بغضون بضعة أسابيع. مع ذلك، كان الجنود الماليون منخرطين، بالفعل ، في القتال جنبا إلى جنب مع القوات الفرنسية، ما رفع تساؤلات حول ما الذي ستحققه مهمة التدريب المعجلة للاتحاد الأوروبي وكيف. وبدا التردد في عملية صنع القرار في بروكسل وردود الفعل الفرنسية الحذرة إزاء دعوات الدعم بأنه تأكيد للمخاوف بشأن عدم قدرة الاتحاد الأوروبي على استعراض القوة دفاعاً عن المصالح الأمنية المشتركة، بل وعدم الرغبة بذلك. الضغط المستمر للقيام بشيء ما تبقى الجغرافيا وطبيعة المصالح على المحك عوامل قوية في وزن كلفة ومخاطر التدخل العسكري في مقابل مسارات العمل البديلة (أو التراخي). بالإضافة إلى ذلك، لقد تركت التجربة التورط العسكري في أفغانستان بصماتها على السياسات في العواصم الغربية.
كما وضع الأمر وزير الدفاع الامريكي الاسبق روبرت غيتس ذلك بقوله، أن أي شخص يفكر في إرسال قوات برية كبيرة إلى آسيا، والشرق الأوسط أو أفريقيا يجب أن يكون قد فحص رأسه. مع ذلك، إن التهديدات التي سبق أن أثارت التدخل العسكري للقوى الغربية سابقاً لا تزال موجودة في النظام الدولي. فالدعوات الموجهة للمجتمع للقيام بشيء ما رداً على التهديدات وعلى معاناة المدنيين لا تزال قائمة. وتحولت تغطية وسائل الإعلام المباشرة ( في الوقت الفعلي للاحداث) إلى محفز قوي للضغط والتصرف. لقد انخفض عدد الحروب الأهلية على مدى السنوات الـ 25 الماضية. مع ذلك، فإن عدداً من البلدان، التي هي موطن حوالي خمس سكان العالم، عالقون في دوامة من العنف وعدم الاستقرار التي تعيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية . فالعنف ضد المدنيين يعمل على تشريد الآلاف من الناس كل عام. إن غياب القانون والنظام يخلق مناطق محظر الدخول اليها للمساعدات الإنسانية في أماكن ذات مؤشرات منخفضة مشهورة بالتنمية البشرية.
إن مساعدات التنمية المستثمرةعلى مدى عقود تضيع في غضون أشهر من القتال. ويخشى من أن يسهل نقص الفرص، بطالة الشباب والشكاوى المكبوتة حصول التجنيد من جانب المجموعات المتطرفة . لهذه الأسباب، كانت الدول الفاشلة والهشة تحتل درجة عالية في أولويات أجندات المساعدات الغربية لسنوات عديدة. فضلاً عن ذلك، لقد كانت مدرجة، وعلى نحو متزايد، في تقييم التهديدات التي ترتكز عليها استراتيجيات الأمن القومي. في عالم تسوده العولمة، تبدو الصراعات الداخلية وعدم الاستقرار أكثر من الكوارث الإنسانية.
هناك عدد هائل من المخاطر المرتبطة مع ما يسمى بالمساحات غير المحكومة والتي دفعت الدول الغربية إلى انفاق موارد كبيرة لتحقيق الاستقرار في الدول الهشة. إن خطر عدم الاستقرار يمتد إلى خارج حدود الدولة ويزعزع استقرار مناطق بأكملها، مما يهدد مصالح الطاقة والتجارة الغربية . إن مجموعة متنوعة من التهديدات العابرة للحدود كالجريمة المنظمة، التهريب والتطرف تجد لها أرضاً خصبة في فراغ السلطة الذي يحدثه انهيار القانون والنظام. فالنشاط غير المشروع يزدهر في المناطق الحدودية التي ينعدم فيها القانون. إذ يوفر ضعف سيطرة الحكومة الملاذ الآمن للجماعات الإجرامية والإرهابية لتنفيذ هجمات موجهة ضد الرعايا والمصالح الغربية في المنطقة وما عداها.
هذا الحشد من الأخطار في منطقة متقلبة يسم حزاماً من عدم الاستقرار يمتد من مالي وشمال نيجيريا، إلى تشاد، ليبيا، السودان والصومال وصولاً إلى اليمن. شهد العقدان الماضيان المزيد من الجهود المبذولة في الاجندة الدولية لحماية المدنيين من الأذى خارج حدود الدولة. إن المعيار الدولي الناشئ بـخصوص مسؤولية الحماية (R2P)، يمثل محاولة لإضفاء الطابع المؤسساتي على الالزامية الأخلاقية بحماية الحياة الانسانية من الإبادة والفظائع الجماعية. مع ذلك، إن مجموعة أجندة مسؤولية الحماية ( R2P ) بالتدخل العسكري وتغيير النظام الدولي قد قوضت الدعم الدولي لهذا المعيار الناشئ. إن المجموعات المتحولة للمصالح الوطنية وحسابات الجدوى العسكرية تواصل تشكيل ردود الفعل الدولية إزاء معاناة المدنيين، بدلاً من العمل وفق إلزامية أخلاقية ثابتة .
تضاؤل الإرادة السياسية مثلت الحرب في أفغانستان حدود القوة العسكرية حيث لا توجد عملية سياسية ذات مغزى . إذ لا يمكن للقوى الأمنية الأجنبية بناء شرعية للحكومة المضيفة ولا تعويض النقص عن ذلك. فالدروس المستخلصة في العواصم الغربية من هذه التجربة تثقل كاهل صناع القرار بخصوص المشاركات العسكرية في المستقبل. في أفغانستان، اختارت الولايات المتحدة وشركائها في التحالف وكذلك الأمم المتحدة في البداية ترك بصمة خفيفة في أعقاب العملية العسكرية التي قادتها الولايات المتحدةالتي اسقطت نظام طالبان ودمرت قواعد تنظيم القاعدة.
مع ذلك، وبعد عام 2006، تحولت قوات المساعدة الأمنية الدولية التابعة للولايات والمتحدة والناتو (إيساف) إلى استراتيجية تكثيف الموارد . وتم نشر القوات التقليدية بأعداد كبيرة لمواجهة تزايد تهديد المتمردين وتوسيع سلطة الحكومة المركزية في المحافظات.و في ظل سياسة الزيادة لإدارة أوباما عام 2009، بلغ عدد القوات الامريكية في أفغانستان ذروته ووصل إلى حوالي حول 101.000 جندي . وبعد مرور عقد على هجمات 11/9 الهجمات التي أثارت التدخل الأميركي ، كان هناك ما يقرب من 140.000 جندي من القوات الاجنبية لا زالوا موجودين على الأرض ( قوات أميركية وقوات المساعدة الأمنية الدولية) .
وقد أنفقت الولايات المتحدة وحدها ما يقدر بنحو 550 مليار دولار أميركي على الحرب في أفغانستان بين السنتين الماليتين 2001 و 2013. وزعم الجيش بأن الحملة العسكرية تكبد خسائر وصلت إلى اكثر من 3000 ضحية في صفوف القوات الغربية حتى الآن، أكثر من 2000 منهم من الأميركيين. إن الرواية التي تقف وراء الانتشار الواسع للقوات والمخصصات الهائلة من أموال التنمية لأفغانستان كانت رواية تحولية. فقد كانت تهدف إلى تحويل الحكومات الضعيفة والمجتمعات التي مزقتها الحرب إلى حكومات ومجتمعات حليفة مستقرة وموثوقة ذات مؤسسات ديمقراطية واقتصادات حيوية. وقد تصدت المشاركة المكلفة على المدى الطويل للقوات الغربية في أفغانستان لرواية بناء الدولة واقع صعب وكبحه. فقد أصبح من الواضح بشكل مؤلم أن التحول السياسي والاجتماعي ـ الاقتصادي سوف يستغرق عقوداً وليس سنوات. فضلاً عن ذلك، بالكاد كان الوجود العسكري الأجنبي و مؤسسات الدولة الممولة خارجياً والخدمات العامة تفضي إلى بناء حكومة شرعية خاضعة للمحاسبة.
بالتالي، لقد كانت إحدى الدروس الرئيسة التي استقاها القادة الغربيون من حملة أفغانستان هي اثبات البصمة الثقيلة عن نتائج عكسية على عدة مستويات. ففي مسرح العمليات، أثار الوجود الطويل جداً للقوات الأمنية الأجنبية الاستياء في صفوف السكان المحليين. فالأجندات الإصلاحية، وبرامج المساعدة والاجراءات الأمنية التي تكوِّن تفاهمات السلطة، وتشكل الكفاءة من الجنسين اصطدمت بالقيم والثقافات المحلية.
فضلاً عن ذلك، إن الوجود الغربي الواضح منح الجماعات المسلحة هدفاً ورواية موحدة لتجنيد الأنصار وتبرير استخدام العنف. لقد فتح حجم المساعدات المالية الكبير الباب أمام الفساد وسوء الإدارة والهدر. وقد قلل العدد المتصاعد للضحايا والكلفة المرتفعة من الدعم العام للمجهود الحربي في أوساط الناخبين الغربيين. وأظهرت استطلاعات الرأي تراجع التأييد للمجهود الحربي في كل من الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية بمرور الوقت. بالتوازي مع ذلك، تزايدت الشكوك بشأن خوض الحرب في أفغانستان وعما اذا كان الأمر يستحق ذلك. كونت تجربة البصمة الخفيفة جداً أو الثقيلة جداً، السابقة، على التوالي، تصورات الفشل في دوائر السياسة الغربية. وتفاقمت هذه التصورات بسبب غياب رؤية مشتركة للاستخدام المستقبلي لأداة الجيش في إدارة الأزمات.فقد دعا إرشاد الدفاع الاستراتيجي الاميركي لعام 2012 إلى مقاربات مبتكرة، ذات كلفة منخفضة، وبصمة صغيرة لتحقيق الأهداف الأمنية. إنه يوضح وجود تحول في السياسة الامنية الأميركية تجاه وسائل حرب غير تقليدية، بما في ذلك قوات العمليات الخاصة والتكنولوجيات الجديدة مثل الطائرات بدون طيار و قدرات الفضاء الإلكتروني، رداً على التهديدات العالمية الناشئة.
وفي الوقت نفسه، لا يزال الاتحاد الأوروبي متخلفا في طموحه بأن يصبح رائداً في إدارة الأزمات المدنية ـ العسكرية. إن غياب التوافق والاجماع فيما بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على حدود استخدام القوة العسكرية في الدفاع عن أهداف مشتركة لا يزال يعوق تطوير سياسة أمنية مشتركة ذات معنى. بل وهيمنت إدارة الأزمة الاقتصادية والتساؤلات حول مستقبل الاتحاد الأوروبي على النقاش السياسي فيما بين هذه الدول. الحدود المتحولة للمشاركة الغربية جعلت التجربة في أفغانستان الدول الغربية تشعر بالقلق لجهة الالتزام بارسال قوات برية رداً على صراعات وأزمات في الخارج. إن ظاهرة المهمة الزاحفة تحمل في طياتها خطر توسيع الالتزامات المحدودة حتى، في مساع طويلة الأجل مثيرة للجدل ما أن تنتشر القوات في مسرح العمليات.
إن التقشف المالي والمخاوف الاقتصادية في الداخل تعمل على تثبيط الإرادة السياسية أكثر لجهة الانخراط في عمليات مكلفة في الخارج. وبالتالي، فقد تطلعت الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، بريطانيا وغيرها من أعضاء حلف شمال الأطلسي إلى نماذج مشاركة أصغر حجماً، تتيح لها التعامل مع التهديدات والأزمات الناشئة بكلفة سياسية ومادية أقل. فقد سعت هذه الدول إلى وضع حدود أكثر صرامة على مدة ونطاق المشاركات العسكرية. وهذا كان يعني العمل من مسافة بعيدة قدر الإمكان وتجنب الاضطلاع بدور رئيس في أعقاب العمليات القتالية.
أما في حالات ما بعد الصراع، فقد تم تعديل أجندات بناء الأمة وتوسيع الدولة باتجاه هدف الاستقرار الأقل طموحاً . بناء الأوطان لا أكثر شهد العقد الماضي انخفاضاً في الطموحات لدى الجهات الفاعلة الغربية وتسليماً للمسؤوليات بما يتعلق بعمليات انتقالية في بلدان خارجة من صراعات. فالأهداف التي لا نهاية لها، كبناء ديمقراطيات مستقرة والتصدي للظلم السياسي الطويل، بالكاد أفضت إلى استنباط استراتيجية خروج في الوقت المناسب. لقد جلب مفهوم الاستقرار حملة أهداف شاملة في أفغانستان تماشيا مع تقييمات واقعية لما يمكن أن يأمل التدخل الأجنبي بتحقيقه. وهذا لم يكن تحولاًسياسياً وتحولاً اجتماعياً -اقتصادياً ، وإنما كان وضعاً قائماً ذي مستويات مقبولة من الفساد والعنف التي بإمكان أصحاب المصلحة المحليين إدارتها من دون مساعدة خارجية. في حين تواصلت الحملة في أفغانستان، قلصت الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين أهدافها عن طريق التخطيط، جزئياً، وبالتقصير والعجز ، في جزء آخر. لقد كان الالتزام بتحسين حياة الأفغان أمراً مهماً لعدد من الدول المساهمة بالقوات، مثل ألمانيا، التي بررت مشاركتها لأسباب إنسانية.
مع ذلك فإن الواقع على الأرض يتطابق بشكل سيئ مع الخطاب السياسي عن الديمقراطية والتحديث المعمول به في العواصم الغربية. إذ كان لا بد من إدارة التوقعات المحلية في نضال من أجل الحصول على مصداقية. فقد تطلب الدعم الشعبي المتراجع في الداخل الإعداد لمعايير يمكن تحقيقها لأجل الانسحاب. بالتالي، فإن مستويات الحكم والأمن الجيدة بما فيه الكفاية التي من شأنها منع عودة حكم المتمردين أصبحت هي المعايير للانسحاب. عملياً، كان الاستقرار يعني تسليم المسؤولية عن المشكلة الأمنية المتفشية التي أعاقت التقدم في مجالات أخرى للقوى الأمنية للدولة المضيفة . وذهبت حصة الأسد من أموال إعادة الإعمار التي خصصها المانحون الغربيون على مدى السنوات الماضية إلى تدريب قوات الأمن الأفغانية.
وكانت المشاكل الرئيسة التي تؤثر على نقل المسؤوليات إلى القوات الأفغانية هي الأمية، تعاطي المخدرات ومعدل الاستنزاف والانهاك العالي بين المجندين. فقد عرض تزايد عدد الهجمات من الداخل من قبل الأفغان على المدربين الغربيين نهج العلاقات الوثيقة والعمليات المشتركة مع القوات الشريكة للخطر. ففي المناطق النائية من أفغانستان، جربت القوات الامريكية وقوات التحالف عدداً من مبادرات الدفاع المحلية. وكانت خطط التدريب، عادةً، تديرها قوات العمليات الخاصة الذين جعل أفرادها من أنفسهم جزءاً لا يتجزأ من المجتمعات الريفية وقدموا النصح والإرشاد، الأسلحة، المعدات، والأجور إلى المتطوعين المحليين. بعض هؤلاء المبادرين تم تسريحهم بعد أن حققوا أهدافهم. وتم إيقاف آخرين بسبب الفساد أو عدم الايمان بهم على الصعيد المحلي.
وعبَّرت جماعات حقوق الإنسان عن قلقها البالغ بشأن انعدام المساءلة و الرقابة والتجاوزات التي ترتكبها قوات الدفاع المحلية والتوترات العرقية التي أثارتها هذه القوات في بعض المناطق. دخول وخروج إن نهج الدخول والخروج الذي اعتمدته الدول الاعضاء فى الناتو في ليبيا عام 2011 فصل العمل العسكري عن التعهدالصريح أو الضمني بضمان الأمن والإشراف على عملية الانتقال السياسي في مرحلة ما بعد الصراع. وكان التدخل بتفويض من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 و الذي قامت به الدول الأعضاء في حلف الناتو وعدد من الشركاء العرب.
إذ ارتأى القرار الاستخدام الجراحي للقدرات العسكرية المتطورة لتحقيق مجموعة محدودة من الأهداف. ولم يتم نشر قوات مشاة أجنبية على الأرض سواء خلال الحملة القصيرة أو في أعقابها. وفي حرب تخاض عن بعد، يلعب سلاح الجو، وإلى حد ما القدرات البحرية، دوراً أساسياً فيها. إذ توفر الأسلحة الموجهة الدقيقة التي تطلق من الجو ميزة واضحة للمؤسسات العسكرية الغربية. فاستخدامها يعتمد، وبقوة ، على الاستخبارات، المراقبة، وقدرات حيازة الهدف والاستطلاع (ISTAR) من أجل الحد من الأضرار المصاحبة بتدمير البنية التحتية وتقليل خسائر المدنيين. وقد أصبحت الطائرات بدون طيار (UAVs) وسائل حاسمة لجمع معلومات ISTAR.
مع ذلك، إن التكنولوجيا المتقدمة لا تعوض إلا جزئياً فحسب عن العيون والآذان على الأرض. وبالتالي، أصبح الاعتماد على فرق النخبة والصغيرة من قوات العمليات الخاصة سمة دامغة أخرى لهذا النوع من الحرب. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، زادت ميزانية العمليات الخاصة زيادة الميزانية من 2.3 مليار دولار أميركي في عام 2001 إلى 10.5 مليار دولار أميركي في عام 2012. مكنت القدرات العسكرية المتطورة الجيوش الغربية من العمل في الأجواء ، بشكل رئيس، من أجل تغيير ميزان القوى على الأرض. على الرغم من أن الهدف المعلن من الحملة الجوية للناتو في ليبيا كان حماية المدنيين، فإن التدخل الغربي ساعد على ترجيح كفة الميزان لصالح قوات التمرد التي اسقطت نظام معمر القذافي.
ووفرت الحملة الجوية لحلف الناتو لقوات المتمردين الرعاع معقلاً آمناً واشترت لهم الوقت كي يصبحوا منظمين في قوة معارضة قادرة. وفي حين استبعد تفويض الأمم المتحدة نشر قوات برية، فقد أرسلت قوات العمليات الخاصة إلى الداخل بقدرات ثنائية لعبت وظيفة الارتباط الحاسمة . ويعتقد بأن فرنسا، بريطانيا، فضلا عن عدد من الدول العربية، قد استخدمت فرقاً سرية على الأرض لتقديم المشورة لقادة التمرد، وتوفير خدمات لوجستية و توجيه ضربات جوية. كان تدخل حلف الناتو السريع في ليبيا سريعاً على النقيض الواضح من الحملة المطولة في أفغانستان.
فقد وفرت القدرات العسكرية العالية التقنية دعماً لقوات شريكة محلية قدمت بديلا للقوات الغربية على الأرض. مع ذلك، فقد أبرزت الحملة أيضاً قدرات الجيوش الأوروبية المحدودة على استعراض قوتها حتى عبر مسافات جغرافية محدودة وفي حملة سريعة إلى حد ما. وقد أكدت على أهمية دور القدرات التمكينية الفريدة التي تقدمها الولايات المتحدة في مجالات ISTAR واعادة التزود بالوقود جواً.
 ومع ذلك، فقد ظهر بأن نموذج الحملة في ليبيا يثبت الكيفية التي يمكن فيها استخدام القوة العسكرية الغربية بكلفة سياسية ومادية يمكن التحكم فيها. اعتمد النجاح العسكري في ليبيا على كوكبة محددة من الأهداف، القدرات والفرص. ولم يقدم لنا قالباً من السهل تكرارها، كما توحي الأزمة المتفشية في سوريا ومالي . فلأجل أن تتدخل القوى الغربية عن بعد وتقوم بـ القيادة من الخلف، يجب ايجاد شركاء مستعدين وقادرين في عالم الدبلوماسية كما على الأرض. ولا يبدو أن أيا من تلك الامور متاحاً بسهولة في سياق المأزق الدولي بشأن تدهور الوضع في سوريا. فقد ترافق القرار الفرنسي بالقيام بعمل عسكري في مالي، كما هو مفترض، بتوقعات قيام دول أفريقية بتقديم الجزء الأكبر من القوات البرية على الأرض في نهاية المطاف. مع ذلك، فإن الدولة الخالية من الجيش المالي والتكوين البطيء لقوات برية بقيادة أفريقية تقوم بتوفيرها دول مجاورة تعرِّض العملية الانتقالية السريعة هناك للخطر.
ولتحييد الميزة الاستراتيجية للقوة الجوية الفرنسية، اختلط المقاتلون المتشددون في مالي مع السكان المحليين. ومع أرجحية عدم بقاء القوات الفرنسية المتفوقة عسكرياً على المدى الطويل، فإن كل ما على المتمردين القيام به هو الاختباء والصمود. الأهمية المتزايدة للشركاء نظرا لمحدودية القدرة والخبرة للجهات الفاعلة الأخرى، لعبت القدرات العسكرية والمدنية الغربية دورا حاسما في المهمات المتعددة الجنسيات . مع ذلك، تعكس الإشارة المتزايدة للشراكة في التصريحات السياسة الغربية الرغبة في أوساط الدول الغربية بتوزيع مخاطر وأثمان إدارة الأزمات الدولية بشكل أوسع نطاقاً. ولطالما كان التدريب العسكري ومبادرات بناء القدرات المدنية وسائل خيار لنقل الخبرات ، المعرفة، التمويل، والمعدات إلى الدول الشريكة. وقد سعت الدول الغربية، وعلى نحو متزايد، للحد من مساهماتها في عمليات دعم السلام لصالح أدوار الدعم أو التمكين. ومن المتوقع أن تتولى المنظمات والقوات الإقليمية والأمنية المحلية زمام المبادرة في الرد والتصدي للمشاكل الأمنية في جوارهم.
 إن أهم وأبرز الجهود المبذولة لدعم الشركاء المحليين وتعزيز الدعم للبناء الأمني الإقليمي قد حصلت في أفريقيا. فقد شهدت القارة بعضاً من أسوأ الحروب الأهلية وأفظع الانتهاكات لحقوق الإنسان في حقبة ما بعد الحرب الباردة. إن عدم الإستقرار والنشاط الإجرامي على أرضها و قبالة شواطئها أمر يهدد التجارة الغربية، شركات النفط والتنقيب عن المعادن. إن الشبح التوأم للتطرف و المساحات غير المحكومة يلازم منطقة الساحل و القرن الأفريقي. وحتى الآن، أثبتت الدول الغربية ترددها في التورط في الصراعات الأفريقية. وإلى جانب تصاعد الأجندة الإقليمية بما يتعلق بالقيادة الأفريقية والحيازة في المسائل الأمنية، فقد أدى هذا الأمر إلى بروز شعار حلول أفريقية للمشاكل الأفريقية . بناء القدرات محليا على مر السنين، كانت المبادرات الثنائية والمتعددة الأطراف المختلفة موجهة إلى بناء قدرات القوى الأمنية المحلية في الدول الأفريقية. وتماشى منطق الوقاية والمنع مع هذه البرامج ذات المصالح الأمنية للمانحين الغربيين.
فقد كان على القوات المحلية القادرة الاهتمام بالتهديدات قبل اندلاعها ووصولها إلى أزمات شاملة أو انتشارها عبر الحدود. بالتالي، لن تكون هناك حاجة لتدخلات مكلفة من قبل قوات اجنبية غريبة عن تضاريس المنطقة والمخاطرة بترحيب السكان بالمكوث طويلاً. لقد وفر بناء القدرات فرصة لمشاركة ثابتة منخفضة المخاطر مع الدول الشريكة. ويمكن لاستثمارات صغيرة أن تسفر عن عوائد كبيرة محتملة من ناحيتيْ الأمن والاستقرار. فضلاً عن ذلك، إن الطبيعة المتعدد ة الأبعاد والمشتركة بين الوكالات لبناء القدرات تنسجم مع الاهتمام المتزايد بمفاهيم الأمن الشاملة في الوثائق السياسية الغربية . لقد كانت برامج بناء القدرات لإدارة الأزمات في الدول الشريكة عن طريق التدريب والاحتراف وتجهيزالجيوش الأفريقية حجر الزاوية في القيادة الأميركية - الأفريقية (أفريكوم). فقد أصبحت القيادة الاقليمية العسكرية الأميركية لأفريقيا جاهزة للعمل بالكامل في عام 2008. ففي روح وصميم البصمةالخفيفة، ليس لدى أفريكوم قوات أميركية مخصصة لها بشكل دائم، ويقع مقرها الرئيس في ألمانيا.
أما أفرادها العاملين الذي تم سحبهم وجمعهم معا من أجهزة عسكرية مختلفة، بما في ذلك قوات العمليات الخاصة ، فيعملون مع الدول الشريكة في فرق تدريب صغيرة ومن خلال التدريبات الإقليمية. وتشمل أهداف أفريكوم تدريب القوات الأفريقية على المشاركة في قوات حفظ السلام المتعددة الجنسيات. وتوفر الموجهين ،المدربين ، والمستشارين لـ برنامج التدريب والمساعدات للعمليات الطارئة الأفريقية (ACOTA)، الممول من قبل وزارة الخارجية الأمريكية. في كل الأحوال، لقد كان تركيزها الرئيس، على تعزيز القدرة على مكافحة الإرهاب في إطار الدول الشريكة. وقدرت صحيفة نيويورك تايمز الكلفة الإجمالية للبرامج الاميركية لمكافحة التشدد الإسلامي في جميع أنحاء منطقة الساحل بـ 520 إلى 600 مليون دولار ما بين عاميْ بين 2008 و 2012. أما صحيفة الـ واشنطن بوست فقد حددت الرقم بمليار دولار أميركي منذ عام 2005. أطلق الاتحاد الأوروبي مؤخراً عدداً من مهمات بناء القدرات في أفريقيا بظل سياسته الأمنية والدفاعية المشتركة . وتجد سياسة بناء القدرات صداها في مقاربة الاتحاد الأوروبي الشاملة للأمن التي تربط الوسيلة العسكرية بالتدابيرالسياسية والاقتصادية والإنسانية الأوسع نطاقاً.
فضلاً عن ذلك، لقد اعتمد الاتحاد الأوروبي على استراتيجيات إقليمية أوسع لمنطقة القرن الأفريقي والساحل بهدف زيادة التماسك والأثر الاستراتيجي لبعثات صغيرة محدودة. ووكجزء من منطقة الساحل استراتيجية، يقدم الاتحاد الاوروبي التدريب لقوات الشرطة ورجال الدرك في النيجر. أما ضمن الإطار الاستراتيجي لمنطقة القرن الأفريقي، فقد أطلق الاتحاد الأوروبي مؤخراً برنامجا لتعزيز قوة الشرطة الساحلية والسلطة القضائية من خلال التدريب في موقع العمل في خمسة بلدان. إن أول عملية بحرية للاتحاد الأوروبي قبالة القرن الأفريقي لمكافحة القرصنة ، ومهمته التدريبية في أوغندا للقوى الأمنية الصومالية تكمل الاستراتيجية الإقليمية. منظمات الأمن الإقليمية لقد تزايدت وتيرة وأهمية إشراك المنظمات الإقليمية في عمليات دعم السلام وإدارة الأزمات في العقد الماضي. وبالتالي، فإن دور للأمم المتحدة قد تحول نحو تنسيق ودعم و توفير الشرعية لنشاط المنظمات الإقليمية وذلك في عدد متزايد من البعثات والمهمات. في حالة أول مهمة عسكرية مستقلة للاتحاد الأوروبي خارج أوروبا، ارتقت منظمة إقليمية إلى مستوى يصل إلى حد دعم مهمة وليدة للقبعات الزرق التابعة للأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية في 2003.
وشهد نشر الناتو لقوات المساعدة الأمنية الدولية (إيساف) في أفغانستان في عام 2003 المسؤولية الحصرية لمنظمة إقليمية للقيام بعملية بتفويض من الامم المتحدة. مع ذلك، شاركت منظمات إقليمية غربية، وعلى نحو متزايد، في نسختها الخاصة من القيادة من الخلف في بعثات دعم السلام. فقد سعت هذه المنظمات للعمل كمضاعِفات القوة لمنظمات إقليمية وشبه إقليمية أخرى من خلال توفير الأموال ، المساعدة التقنية، والأصول العسكرية المتخصصة (مثل النقل الجوي الاستراتيجي، جمع المعلومات الاستخباراتية ، تكنولوجيا المراقبة وقدرات النقل). وكان الاتحاد الأفريقي (AU) من بين أكبر المستفيدين من بناء القدرات والدعم التقني من قبل المانحين الدوليين. وقد وجه الاتحاد الأوروبي مبلغ 740 مليون ero; من خلال مرفق السلام الأفريقي التابع له، الذي أنشئ في عام 2004. وتم تخصيص الغالبية العظمى من الأموال لمساعدة منظمات الاتحاد الأفريقي والمنظمات شبه الإقليمية لتخطيط وتنفيذ دعم لعمليات السلام . بالتالي، لقد ظهر تقسيم جديد للعمل في عدد من بعثات دعم السلام التابعة للأمم المتحدة . إذ تولت القوات الأفريقية المخاطر العملاتية الكبرى في حين اقتصرت مساهمات الدول الغربية على الدعم اللوجستي والتقني والمالي. ووفر الاتحاد الافريقي قوة حماية في دارفور في عام 2004 بتفويض من الامم المتحدة. وتلق دعماً تقنياً ضئيلاً من الأمم المتحدة.
وافق حلف شمال الأطلسي على توفير التدريب لقوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الافريقي وتوفير الدعم اللوجستي لعمليات النقل الجوي في مسرح العمليات. وساهم الاتحاد الأوروبي مالياً. وتم دمج قوات الاتحاد الافريقي في وقت لاحق في بعثة هجينة للاتحاد الافريقي والامم المتحدة (UNAMID) في عام 2007. كما اتسمت جهود دولية ضد ميليشيا حركة الشباب في الصومال بتوزيع مماثل للمخاطر والأثمان. في عام 2007، أذنت الأمم المتحدة لبعثة بالقيام بمهمة فرض السلام بقيادة الاتحاد الأفريقي (AMISOM) ودعمتها بمخططين عسكريين.
قدم الاتحاد الأوروبي الدعم المالي والتقني إلى بعثة الاتحاد الأفريقي، الذي يغطي على سبيل المثال رواتب قوات الاتحاد الافريقي. في موازاة ذلك، قام المستشارون العسكريون للاتحاد الأوروبي بتدريب قوات الامن الصومالية على الأراضي الأوغندية ( الأكثر أمناً، بالمقارنة مع الصومال). أخيرا، تشارك منظمة حلف شمال الأطلسي، الاتحاد الأوروبي وعدد من الدول على المستوى الفردي في قدراتها البحرية لمكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال. قيود ومطبات النماذج الناشئة في زمن التقشف المالي والملل من الحرب، يمكن لطموحات متواضعة والزيادة في تقاسم الأعباء أن توفر وسيلة لضمان استمرار المشاركة الغربية في إدارة الأزمات الدولية. من الناحية المفاهيمية، يوفر الاستقرار إطارا عمليا لاشتباك محدود.
إن احتمال المشاركة في الكلفة والمخاطر من خلال الشراكة مع غيرها من الجهات الفاعلة يجعل المساهمات أكثر جدوى مادياً وسياسياً. ومع النظرة إلى شرعية التدخل، توفر الشراكة فرصة لوضع الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية في الصدارة. مع ذلك، فإن النماذج الناشئة لا تخلو من قيود وعثرات. إن المعرفة المحدودة والضغوط العملاتية (التشغيلية) تثير مجموعة من الهواجس المعيارية فيما يتعلق باختيار الشركاء. إن مشاكل التنسيق موثقة توثيقاً جيداً ومن المرجح أن تتزايد في بعثات لجهات فاعلة متعددة. فضلاً عن ذلك، إن سمة الترقيع الذي يميز نموذج إدارة الأزمات يترك عدداً من الثغرات الحساسة. الخبرة والمعرفة المحلية على الرغم من تقديمها في كثير من الأحيان على أنها مساعدة تقنية، فإن بناء القدرات مساعدة سياسية بطبيعتها.
إن الشراكة مع جهات أجنبية توفر السلطة لمجموعات محددة أو شرائح مجتم والاعتراف بها. إن اختيار الشركاء يتطلب الخبرة والمعرفة وفهم تشكيلات السلطة والسياسات الداخلية في البلد المضيف. وتحتاج خطط التوظيف والترقية إلى الأخذ في الاعتبار التكوين العرقي لبلد أو منطقة ما.
وينبغي الانتباه عند تصميم مناهج التدريب الى الخصوصيات الثقافية. إن خبرة بهذا العمق ليس متاحة بسهولة للحكومات الغربية والمؤسسات الأمنية. إنها نادرة في أوساط المسؤولين الذين يصادقون على برامج وطلبات التمويل. فضمن المنظمات التي تضطلع بالتدريب الفعلي، توجد المعرفة المتعمقة ، بشكل رئيس، بين مجموعة مختارة من ذوي الخبرة الناضجين والمدربين. إذ يستغرق الامر سنوات من التعليم لتطوير المهارات اللغوية والثقافات الداخلية، وليس بضعة أشهر من التدريب المتسرع لما بعد عمليات الانتشار.
إن إعادة تخصيص هذه المهام إلى قوات الأغراض العامة من أجل السرعة والراحة يزيد من خطر ارتكاب الأخطاء ذات العواقب الوخيمة. وفي غياب فهم شامل فهم للنسيج السياسي والاجتماعي لبلد ما، يظل اختيار من ينبغي تدريبه وتجهيزه عبارة عن مقامرة. كان الجيش المالي، على سبيل المثال، أحد أكبر متلقي الدعم الأمريكي وتلميذاً في نموذج البرنامج التدريبي، الذي يعود تاريخه إلى زمن إدارة جورج دبليو بوش. إن مشاركة القوات المالية المدربة من قبل الجيش الأمريكي في الإطاحة بالحكومة المنتخبة جاء بمثابة إحراج لأفريكوم. فقد أفادت مصادر إخبارية أميركية أيضاً بأن برنامج التدريب الامريكي اعتمد في جزء منه على الطوارق، الجماعة العرقية، لقيادة وحدات النخبة في مالي.
وقد انشق بعض هؤلاء القادة لصالح التمرد في الشمال،وسرقوا قوات القيادة الحكومية المنهارة واسلحتها ومعداتها. الأطر الزمنية تنامى بناء القدرات والتدريب من استراتيجيات وقائية إلى حد كبير إلى وسيلة لدعم وتعزيز شركاء محليين من أجل إدارة أزمة عاجلة. مع ذلك تظهر التجربة مع إصلاح القطاع الأمني بأن الانخراط الثابت الطويل الأمد مطلوب لبناء القوى الأمنية التي ليست قادرة فحسب وإنما مسؤولة وخاضعة للمساءلة أمام قادتها المدنيين. ولضمان الرقابة المدنية، يحتاج المدربون للعمل بشكل وثيق مع سلطات الدولة المضيفة.
هناك حاجة لوضع آليات الرقابة في مكانها الصحيح لضمان عدم تحول القوى الأمنية إلى ميليشيات خاصة من قبل سماسرة السلطة المحلية وللتأكد من ألا تتحول ضد المجتمعات المحلية التي من يفترض بها حمايتها. ففي غياب خطة موازنة مستدامة لمواصلة دفع الرواتب عند توقف التمويل الخارجي، تتزايد هذه المخاطر. إن ممارسة القوى الشريكة الداعمة من خلال ضخ قصير الأجل من التدريب والمعدات يفصل بناء القدرات عن السياق السياسي الاوسع نطاقاً.
ويتم تحديد الجداول الزمنية من قبل جهات فاعلة خارجية للحد من مشاركتها بما يتعلق بالنطاق والوقت. إن الحقائق السياسية داخل الدولة المتلقية مصدر قلق ثانوي في ضوء المتطلبات العملاتية الملحة. فضلاً عن ذلك، إن التركيز على بناء شركاء أمنيين قادرين ينظم الجهود الرامية إلى دعم وتطوير خارطة طريق سياسية للخطوط الجانبية. دارت مناقشات متعددة الأطراف بشأن الرد الدولي على الأزمة في مالي في البداية حول مقاربة من خطوتين .
الخطوة الأولى، إن الجيش المالي المقسم والمهشم سيتطلب التدريب الفني والإصلاح.
الخطوة الثانية، من شأن المجتمع الدولي توفير الدعم اللوجستي والمالي لمهمة عسكرية بقيادة أفريقية لمساعدة الحكومة على استعادة السيطرة في الشمال. وقد طالب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بمعايير لحقوق الإنسان وبمعايير سياسية وتشغيلية للوصول إلى معايير متفق عليها قبل ادخال القوات في عمليات هجومية . لقد بينت الأطر الزمنية الطويلة، وهي استراتيجية أوسع نطاقا لدعم المؤسسات الديمقراطية المؤسسات كما بينت الهواجس بشأن احترام المعايير الدولية للسلوك، وبنفس القدر، خطط الاتحاد الأوروبي للمهمة التدريبية.
مع ذلك، لقد سرَّع العمل العسكري السريع من قبل فرنسا، وبشكل كبير، الجدول الزمني لنشر القوات البرية الأفريقية. فقد تلاشت المخاوف العملاتية والمعايير القانونية إلى الساحة الخلفية ، مع ازدياد حدة الضغوط العملاتية من جانب الفرنسيين لتجنب هجوم أحادي مطول .
وظهرت إلى السطح تقارير عن الانتهاكات التي ارتكبتها وحدات مالية ضد جماعات عرقية بعد المرحلة الأولى من الحملة العسكرية. إن هذه الانتهاكات لا تقوض فحسب شرعية شركاء فرنسا المحليين وإنما تهدد، وبشكل خطير، الطريق نحو التوصل إلى حل سياسي طويل الأمد. التوافق مع المقاربات المدنية إن للحدود المتحولة للمشاركة الغربية في إدارة الأزمات العسكرية آثاراً على المقاربات المدنية لتسوية النزاعات وحل الصراع. فلطالما كان عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين المجالين المدني والعسكري في أوضاع الصراع وما بعده هاجساً كبيراً وواقعاً لا مفر منه بالنسبة للوكالات الإنسانية والإنمائية . إن التردد في الانخراط في عمليات عسكرية مكلفة قد يحفز الدول الغربية على توجيه عناية أكبر للأدوات المدنية مثل منع نشوب الصراعات، الإنذار المبكر، الوساطة وحل النزاعات. من الناحية النظرية، تبني المقاربات المدنية والعسكرية ، وبصورة متزايدة، على نفس الروابط التي تربط بين التنمية والأمن. فضلاً عن ذلك، إن العمل مع الشركاء يشجع الملكية المحلية، التي أصبحت مبدأ أساسياً في مساعدات بناء السلام والتنمية المدنية .
مع ذلك، وفي حين أن المنظمات العسكرية والأهلية قد تشترك في الأهداف الرئيسة على الورق، تثبت الاختلافات في الأولويات وجود إشكالية في الممارسة العملية.
إن بناء القدرات في القطاع الأمني، على سبيل المثال، موجود في العلاقة المدنية - العسكرية. فقد زاد إنشاء أفريكوم من حدة المخاوف من عسكرة مساعدات التنمية الأميركية والدبلوماسية في القارة الأفريقية. وقد أشار النقاد على حد سواء إلى أن المخاوف الأمنية قد بدأت تسيطر على برامج بناء القدرات التي استهلها الاتحاد الأوروبي ومولها. وتطرح سياسات تثبيت الاستقرار، وبالتساوي، تساؤلات حول توافقها مع السلام الأهلي ونهج بناء الدولة. إن القصد من تدابير قصيرة الأجل لخلق حالة من الاستقرار هو أنها ترمي الى أن تكون متوافقة مع أهداف السلام وبناء الدولة على المدى الطويل. مع ذلك إن الاستقرار سياسة أكثر تحفظاً من سياسة تحويل الصراع، الذي يسعى إلى معالجة الظلم الكامن الذي أدى بالصراع إلى الخروج في المقام الأول.
أما عملياً، فقد تميزت برامج الاستقرار عن مقاربات من الأعلى إلى الأسفل عن طريق العمل من خلال مؤسسات الدولة والنخب في البلد المضيف. هذا يمكن أن يؤدي إلى تسوية المشاريع على مستوى القاعدة الساعية لبناء السلام من أسفل إلى أعلى. ويرتبط بناة السلام المدنيين بمبدأ الملكية المحلية بالنسبة للمجتمع المدني. ففي منطق تحقيق الاستقرار، فإنه غالباً ما يؤيد نقلاً سريعاً للمسؤولية بما يتعلق بالأمن والحكم للشركاء المحليين. فبحكم التعريف تقريباً، هذه سلطات وقوات أمن الدولة المضيفة .
التنسيق والقيادة
أدى التعقيد المتزايد في إدارة الأزمات إلى البحث عن ترتيبات مؤسساتية لضمان التنسيق بين مجموعة متسعة من الجهات الفاعلة. فالروابط المؤسساتية بين المنظمات الإقليمية والدولية ظهرت بمرور الوقت، كما توضح الشراكة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في عدد من عمليات السلام. مع ذلك، وعملياً، لا يزال التنسيق مخصصا إلى حد كبير. إن الغموض حول مدى استعداد الدول المشاركة للقبول بمخاطر مهمة ما يجعل من الصعب إضفاء الطابع المؤسساتي على ترتيبات التعاون. بدلاً من ذلك، ينبثق تقسيم العمل في أية مهمة جديدة من مساومات سياسية داخل الدول والمنظمات وفيما بينها. وتواجه السلطات المحلية تحدياً كبيراً في التعامل مع شبكة معقدة من المحاورين. لوحظ وجود مشاكل تنسيق عديدة وقد لوحظت حتى بين الأعداد الصغيرة لجهات فاعلة متجانسة إلى حد ما.
فعلى الرغم من أن المهمات الغربية لبناء الدولة في العقد الماضي كانت مركزية وبظل قيادة الولايات المتحدة، فقد ظل التماسك الاستراتيجي هدفاً بعيد المنال. لقد ثبت أن ضمان التماسك السياسي، الاتفاق على الأولويات المشتركة، تقاسم المعلومات ، تجميع الموارد ، سد الاختلافات والفوارق في الثقافات التنظيمية كلها أمور صعبة للغاية وتحمل تحديات جمة. إن الاعتبارات المتصلة بالقدرات والشرعية تشير إلى مجموعات متنوعة من العناصر الفاعلة في أزمة في مهمات إدارة الأزمات المستقبلية. ليس هناك سبب كبير يدعو للاعتقاد بأن التنسيق سوف يكون تحققه أسهل وسط مجموعة أكثر تنوعاً من الجهات الفاعلة في وحدات أو خليط من البعثات.
من المرجح أن تبقى الأمم المتحدة على خيار التقصير والعجز بالنسبة لتوفير إطار مؤسساتي حيث تفتقر الجهات الفاعلة الأخرى للقدرة أو للشرعية السياسية لتولي دور قيادي. فالمنظمات الأمنية الاقليمية تنظر ملياً في مستقبل يشوبه الغموض على خلفية الأزمة المالية وانخفاض الدعم العام لنفقات الدفاع في أوروبا. إن قدرة الناتو على شن عملية عسكرية سريعة متعددة الجنسيات وضمان القيادة يبقى أمراً لا نظير له. إن إدارة الأزمات هي إحدى ثلاث مهمات أساسية معدودة ضمن المفهوم الاستراتيجي لحلف الناتو لعام 2010.
مع ذلك ليس هناك إجماع كبير بين أعضائه بشأن الأولويات والمهمات التي تتعدى افغانستان. وحاول الاتحاد الأوروبي، بشكل متزايد، تضمين مهماته سياسة الـ CSDP ضمن استراتيجيات إقليمية أوسع نطاقاً. مع ذلك، وطالما أن مساهماته موجهة نحو تقديم الدعم على نطاق صغير ونحو بعثات التدريب، فمن غير المرجح أن تترجم إلى قيادة مؤسساتية. الثغرات الحرجة إن الفجوة الأولى التي تركها إحجام الدول الغربي

موقع الخدمات البحثية